اضطراب الشخصية الفصامية.. الأسباب والأعراض وطرق العلاج
قد لا ترغب في التواصل مع الآخرين، وتُفضّل دومًا قضاء الوقت منفردًا، مُمارِسًا لأنشطتك بعيدًا عن إزعاجهم، تنأى بنفسك دومًا عن الأماكن التي تكتظ بالناس والتي تنطوي على تواصل مباشر وتفاعل اجتماعي معهم، لا لانطوائية أو ما شابه، وإنّما لأنّك ترى أنّ ذلك آمن بأن تكون بعيدًا عن الانخراط في علاقات معهم.
وقد عُرِف ذلك بـ "اضطراب الشخصية الفصامية"، الذي يتسم بتلك الصفات الفريدة، فما أسباب الإصابة به؟ وكيف يمكن التعامل معه؟
ما هو اضطراب الشخصية الفصامية؟
اضطراب نفسي مُزمن يتسم بالعزلة الاجتماعية والشعور باللامبالاة تجاه الآخرين، كما يميل المُصابُون بذلك الاضطراب إلى تجنُّب المواقف الاجتماعية التي تنطوي على تفاعلٍ مع الآخرين.
واضطراب الشخصية الفصامية هو واحد من اضطرابات الشخصية التي تنتمي إلى المجموعة أ من اضطرابات الشخصية، التي تتضمّن تفكيرًا أو سلوكيات غير عادية وغريبة الأطوار، وقد يُؤدِّي هذا الاضطراب إلى مشكلات اجتماعية مع الآخرين.
ما الفرق بين اضطراب الشخصية الفصامية وانفصام الشخصية؟
انفصام الشخصية أو الفصام، وهو اضطراب نفسي ينفصل معه الإنسان عن واقعه، وقد يُعانِي مزيجًا من الهلوسة والأوهام، والسلوك غير المُنظَّم، بما يُؤثِّر على عمله اليومي بدرجةٍ كبيرةٍ، كما أنّ الفصام من الاضطرابات الذهانية، وليس من اضطرابات الشخصية.
أمّا اضطراب الشخصية الفصامي، فلا ينطوي على هلاوس ولا أوهام، كما لا يُؤثِّر في قدرة المرء على أداء أنشطته اليومية المُعتادة، وإنّما هو أحد اضطرابات الشخصية التي تتسم بالعزلة والبعد عن المواقف الاجتماعية.
ما الفرق بين اضطراب الشخصية الفصامي واضطراب القلق الاجتماعي؟
اضطراب القلق الاجتماعي هو اضطراب نفسي يتسبَّب في معاناة الإنسان من خوفٍ شديد ومستمر من أن يُنتقَد أو أن يُحكَم عليه من قِبل الآخرين، فيتجنّب المواقف الاجتماعية قدر الإمكان والتفاعل مع الآخرين، حذرًا من نقدهم وأحكامهم أو آرائهم فيه بمعنى أدق.
واضطراب القلق الاجتماعي مُختلف عن اضطراب الشخصية الفصامية، لأنّ المُصابِين باضطراب الشخصية الفصامية لا يتجنّبون التفاعلات الاجتماعية بسبب الخوف من الانتقاد أو الحُكم، بل هو عدم اهتمام عامٍ بتكوين علاقات مع الآخرين.
أعراض اضطراب الشخصية الفصامية عند الرجال
لا تزال معلومات خبراء الصحة النفسية عن ذلك الاضطراب قليلة، وذلك لأن جزءًا كبيرًا من المُصابين باضطراب الشخصية الفصامية لا يتواصلون مع الأطباء للحصول على رعاية مناسبة.
بل وصف بحثٌ عام 2019 في مجلة الطب النفسي الشامل "Comprehensive Psychiatry" ذلك الاضطراب بأنه أحد أكثر اضطرابات الشخصية التي لم تُبحَث فيها ولم تُفهَم جيدًا.
ووصف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، الطبعة الخامسة "DSM-5" السمة المميزة لاضطراب الشخصية الفصامية بوجود نمط طويل الأمد للعزلة والانفصال عن الآخرين، والتحفظ في العلاقات والتعبير عن المشاعر معهم. وتشمل أعراض اضطراب الشخصية الفصامية:
1. تجنُّب العلاقات الوطيدة
قد يرغب الإنسان في علاقة وثيقة مع غيره، لكن حاجته إلى الشعور بالأمان تظل لها الأولوية على ذلك. فقد يعتقد المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية أنَّ الآخرين قد يكونون مصدرًا محتملًا للخطر، ولذلك يجد صعوبة بالغة في الارتباط بهم أو الدخول في علاقة معهم.
وقد يتفاعل مع الآخرين بما يلزم في العمل أو المدرسة، لكنّه في النهاية يتراجع ولا يتقرّب كثيرًا من مَن حوله، ما يدفع الآخرين لاعتباره خجولًا أو منعزلًا.
وللتعويض عن ضعف التواصل مع الآخرين، فقد يقضي كثيرًا من الوقت في تخيّل العلاقات التي يرغب في إقامتها، وقد يجد طرقًا، بالخطأ، لمواجهة عواطفه، لكنّه لا يحاول أبدًا إقامة علاقة حقيقية. وحتى لو أُتيحت له الفرصة للقيام بذلك، بأن أبدى أحد اهتمامًا به، فسيظل متشبثًا بعلاقته المتخيلة على الأرجح، لأنّها آمنة.
2. تفضيل ممارسة الأنشطة منفردًا
يميل المصاب باضطراب الشخصية الفصامية إلى أن يكون مستقلًا بشِدّة، وألّا ينخرط مع الآخرين في الممارسات أو الهوايات، ومِنْ ثَمّ فقد يُفضِّل:
- هوايات تُناسِب شخصًا واحدًا، مثل ألعاب الفيديو أو ممارسة الرياضة منفردًا، أو القراءة.
- توفير معظم أموالك حتى تتمكّن دائمًا من رعاية احتياجاتك الأساسية دون مساعدةٍ من أي شخص.
- الانجذاب نحو الوظائف التي يُمكِنك القيام بها بمفردك، أو الأفضل من ذلك، من المنزل.
- تجنُّب مناطق تجمُّع الآخرين، ما لم يكُن الحضور واجبًا عليك.
وليس هناك أي حرجٍ في قضاء كثيرٍ من الوقت بمفردك لإعادة الشحن، وفي الواقع فإنَّ هذه السمات تنطبق أيضًا على الشخص الانطوائي "وهذا ليس اضطرابًا نفسيًا".
وبشكلٍ عام، يحتاج أي إنسانٍ إلى قضاء بعض الوقت بمفرده، لأنّ التواصل الاجتماعي يستنزف طاقته، لكن ليس لأنّه يجعله يشعر بعدم الأمان والخوف، كما في حالة اضطراب الشخصية الفصامية.
3. عدم الشعور بالحماس في كثيرٍ من الأحيان
يميل المُصابون باضطراب الشخصية الفصامية إلى الانفصال عن المواقف عند شعورهم بالتوتر أو عدم الأمان. وبمرور الوقت، يُصبح هذا الانفصال رد فعل تلقائيًا يتزايد حدته بمرور الوقت.
ونتيجة الانفصال عن المواقف وعن الآخرين مرارًا وتكرارًا، قد تفقد تجاربك اليومية معناها. وربما تتمكن من تحقيق أهدافك المهنية أو الأكاديمية والتعامل مع المهام في العمل، لكن الحياة اليومية تجلب لك القليل من البهجة والفرح.
بل قد تبدو الحياة غير مُجدية أكثر من أي شيء آخر، خاصةً إذا وقع حادث يُفاقم شعورك بالانفصال عن من حولك.
4. قلّة الأصدقاء أو من تثق بهم
بالنسبة لك، الناس منهم من تثق بهم ومن لا تثق بهم على الإطلاق، ومن الأفضل تجنّب من لا تثق بهم "وهم الغالبية العُظمى عادةً".
نعم، من المنطقي أنّ الاعتقاد بأنّه لا يمكنك الوثوق بالآخرين، يجعل مسألة الثقة بهم أمرًا صعبًا، ومع ذلك فهذا يؤدي غالبًا إلى شعورٍ شديدٍ بالوحدة.
لذلك قد يكون لدى المُصابين باضطراب الشخصية الفصامية إحساس غير واضح أو أقل تحديدًا بأنفسهم، فهم لم يتعلموا التفاوض على حدود أدق في التعامل مع الآخرين، ما يجعلهم حساسين لتدخّلاتهم.
كما قد تجد نفسك تتجنّب المواقف التي تتطلّب أي تفاعلٍ كلما أمكن ذلك. ونتيجة لذلك فقد:
- ينتهي بك الأمر إلى التحدث فقط مع أسرتك، مثل الآباء أو الأشقاء.
- الارتباط أكثر بالحيوانات، لأنّها تُشعِرك بأمان أكبر من التعامل مع الناس.
وبمرور الوقت، قد تُؤدِّي الحساسية المتزايدة إلى تجنُّب كاملٍ للعلاقات، وغالبًا ما يُطوِّر المُصابون باضطراب الشخصية الفصامية علاقة وثيقة مع "شخصٍ آمن" واحد من وجهة نظرهم، فهو لا يُشكِّل مصدر تهديد بالنسبة لهم.
5. عدم الاهتمام بما يعتقد الآخرون
طالما أنّك انفصلت وابتعدت عن العلاقات مع الآخرين، فمن المحتمل أن يكون اهتمامك محدودًا بآرائهم، فلا يهم ما إذا كانوا يمدحونك أو ينتقدونك أو يُظهِرون اهتمامًا بحياتك وأنشطتك، فلا شيء يهمك من ناحيتهم.
6. الاحتفاظ بمشاعرك لنفسك
أي إنسان يمتلك مشاعر حتى لو لم يُعبِّر عنها، حتى لو انفصل عن الآخرين ولم يرغب في إقامة علاقاتٍ معهم.
كما أنّ المشاعر تعكس ضعفًا، ومِنْ ثَمّ فمُشاركة مشاعرك مع الآخرين قد تعني ثقتك بهم بشأن مخاوفك والصعوبات التي تمرّ بها، وهو أمرٌ قد يُهدِّد إحساسك بالأمان، فقد اطّلع الآخرون على حقيقة مشاعرك، لذلك بدلًا من المخاطرة بإظهار المشاعر، تميل إلى التكتّم على مشاعرك وعدم إظهارها للعلن.
ما الفرق بين اضطراب الشخصية الفصامية واضطراب الشخصية الفصامي النوع؟
اضطراب الشخصية الفصامية اضطراب يتسم بعدم القدرة على تكوين علاقات وثيقة مع الآخرين، وعدم الرغبة في التعبير عن المشاعر للآخرين، وأيضًا الانعزال والانفصال عنهم.
أمّا اضطراب الشخصية الفصامي النوع، فيمتلك المُصابون به آراءً مشوهة للواقع، ويُؤمنون بالخرافات بشدة، ويُظهِرون سلوكيات غير عادية تتعلّق بالوهم، مثل المعتقدات السحرية، ولا يُدرِك الشخص أنّ سلوكه أو كلامه أو معتقداته غير عادية.
وفيما يلي توضيح للفارق بين الاضطرابين من ناحية الأعراض:
ويتفق كلا الاضطرابين في بعض مظاهر ضعف التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، مثل:
- قضاء كثيرٍ من الوقت بمفرده أو ممارسة الأنشطة منفردًا.
- قلة الأصدقاء المقربين أو الموثوقين.
- قلة الاهتمام أو انعدامه بالعلاقات مع الآخرين.
- الانفصال والعزلة عن الآخرين.
- قد يبدون غير متناغمين مع العالم من حولهم، بما قد يجعل الآخرين يظنون أنهم يتمحورون حول أنفسهم.
ما أسباب اضطراب الشخصية الفصامية؟
السبب المباشر لاضطراب الشخصية الفصامية غير معلوم بعد، لكن تُشِير الأبحاث الحالية إلى بعض الاحتمالات والعوامل التي قد تُسهِم في ذلك الاضطراب، مثل:
- الجينات: قد ينتقل الاضطراب عن طريق الجينات العائلية، إذ تُشِير الدراسات التي أُجريت على التوائم إلى أنّ هناك درجة مُعيّنة من توريث اضطراب الشخصية الفصامية، كما بدا أنَّ وجود أحد أفراد الأسرة مُصابًا بالفصام، يزيد خطر إصابة الشخص باضطراب الشخصية الفصامية، رغم أنّ كلًا منهما اضطراب مختلف عن الآخر.
- تجارب الطفولة: قد تتسبَّب أو تُساهِم في اضطراب الشخصية الفصامية، كما لو كان من يرعاه مهملًا له أو عانى اعتداءً عليه، بما أفضى إلى مشكلات الثقة وتدنِّي احترام الذات، والانسحاب الاجتماعي.
- أمراض أو تشوهات في الدماغ: قد تزيد خطر الإصابة باضطراب الشخصية الفصامية، فقد تُؤدِّي إصابة الدماغ إلى تأثُّر أجزائه التي تتعامل مع الأداء الاجتماعي، أو مُعالَجة العواطف والإدراك.
- مشكلات النمو: مثل سوء التغذية، أو الولادة المُبكِّرة، أو انخفاض الوزن عند الولادة، فقد تكون من عوامل الخطر المُحتملة للإصابة باضطراب الشخصية الفصامية.
تشخيص اضطراب الشخصية الفصامية
إذا كُنت قلقًا من أن تكون مُصابًا باضطراب الشخصية الفصامية، فينبغي استشارة الطبيب لتقييم الأعراض والتحقق من حالتك، إذ تنصُّ معايير التشخيص، حسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5" على وجوب وجود 4 أعراض على الأقل من الأعراض الآتية، حتى يُشخّص اضطراب الشخصية الفصامية:
- تفضيل الأنشطة الانفرادية دائمًا.
- الانفصال العاطفي وضعف التعبير عن المشاعر.
- الشعور بمتعة قليلة أو محدودة مع ممارسة الأنشطة.
- اللامبالاة بالنقد أو الثناء.
- عدم الرغبة في العلاقات الشخصية الوثيقة.
- اهتمام ضئيل أو معدوم بالعلاقة الحميمية.
- عدم وجود أصدقاء مُقرّبين غير العائلة المُقرّبة.
الفرق بين اضطراب الشخصية الفصامية والاضطرابات الشخصية الأخرى
قد تتداخل سمات اضطراب الشخصية الفصامية مع بعض الاضطرابات الشخصية الأخرى، مثل:
- اضطراب الشخصية البارانوية: عادةً ما يكونون مُستائين ولا يثقون بالآخرين، ظانّين أنّهم يُضمِرون شرًا لهم، كما يُمكِن أن يكون سلوكهم عدوانيًا معهم.
- اضطراب الشخصية التجنّبي: يتسم بالعزلة عن الآخرين خشية أن يُرفَض الشخص، وهو مُختلف عن اضطراب الشخصية الفصامية، الذي ينعزل بحثًا عن الأمان.
- اضطراب الشخصية الوسواسية: المُصابون بذلك الاضطراب مدفوعون بضرورة الحفاظ على السيطرة والدفاع عن الأنا الفكرية، والعزلة للتكفير عن المشاعر غير المرغوب فيها، ومِنْ ثَمّ فقد يتشابهون مع المُصابِين باضطراب الشخصية الفصامية في بعض الجوانب.
كيفية علاج اضطراب الشخصية الفصامية
يُعدّ اضطراب الشخصية الفصامية من أقل اضطرابات الشخصية بحثًا، لذلك فهناك القليل من الدراسات حول فاعلية العلاج.
ويُعدّ العلاج النفسي هو الخيار المُفضّل لاضطرابات الشخصية، لكن ذلك قد يكون صعبًا على الذين يُعانُون اضطراب الشخصية الفصامية لأنّهم يميلون إلى الابتعاد عن التجارب العاطفية، ولأنّهم يفتقرون إلى الاهتمام بالأشخاص الآخرين، فقد لا يتحمّسون للتغيير.
وتشمل أنواع العلاج المُتّبعة لاضطراب الشخصية الفصامية:
العلاج الأسري
كثيرًا ما يأتي المُصابون باضطراب الشخصية الفصامية للعلاج بناءً على طلب أفراد الأسرة، وفي بعض الحالات، قد يكون العلاج الأُسري مُفيدًا لفهم توقّعات الأسرة للعلاقات ومعالجة أي سلوكيات من جانب الأسرة يُمكِن أن تُؤدِّي إلى تفاقُم عزلة الشخص.
العلاج الجماعي
نوع من العلاج النفسي، تجتمع فيه مجموعة من الأشخاص لوصف ومناقشة مشكلاتهم معًا تحت إشراف طبيب نفسي، وهذا النوع من العلاج قد يُساعِد المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية على تطوير مهارات اجتماعية للتواصل مع الآخرين.
العلاج المعرفي السلوكي
يُساعِد المُعالِج أو الطبيب النفسي المريض على فهم مشاعره وأفكاره وكيف تُؤثِّر في أفعاله، كما يستكشف أيضًا التصورات المشوهة لدى الإنسان حول العلاقات مع الآخرين، ويُساعِده في التعامل مع تلك الأمور.
الأدوية
لا تُوجَد أدوية مُحدّدة لعلاج اضطراب الشخصية الفصامية بعينه، لكن قد تساعد بعض الأدوية في تخفيف بعض الأعراض، مثل:
- الأدوية المضادة للقلق: لتخفيف القلق المُتعلِّق بالتفاعلات الاجتماعية.
- مضادات الاكتئاب: لتخفيف أعراض الاكتئاب المُصاحبة.
- مضادات الذهان: لمساعدة الشخص إن كان يُعانِي أفكارًا مُشوّهة.
كيف تتعامل مع المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية؟
إذا كان أحد أفراد أُسرتك مُصابًا بهذا الاضطراب، فيُمكِنك مساعدته من خلال تجنُّب الحكم عليه، والصبر وتشجيعه على طلب العلاج المناسب، لكن تجنّب دفعه إلى أنشطة أو علاقات تجعله يشعر بعدم الارتياح، بل ابحث عن الأنشطة التي يمكنك القيام بها معه والتي لا تتطلّب قدرًا كبيرًا من العواطف أو المشاعر.
هذا بشكلٍ عام، وللتفصيل فهذه أهم النصائح للتعامل مع المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية:
- الاستماع إليه دون إطلاق أحكام: بدايةً تقبّل أنّه من الممكن أن يكون لأحبائك نظرة مختلفة تمامًا عنك، فعلى الرغم من أنّنا جميعًا نُرِيد علاقات مع الآخرين من وقتٍ لآخر، لكنّ المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية مختلف، إذ يتوق إلى العزلة. لذلك بدلًا من إلقاء محاضرة حول ما يجب على المُصاب أن يفعله أو يشعر به، سلْه عن تجاربه وتحاور معه، وخُذ الوقت الكافي لفهمه بعمق.
- إبراز أهمية الصداقات والعلاقات: على سبيل المثال يمكنك الإشارة إلى أنَّ الأصدقاء يُمكِن أن يُفِيدوه إلى جانب الدعم العاطفي، فهُم موجودون عندما تحتاج إلى مساعدةٍ في الانتقال من مكانٍ لآخر وليس معك سيارة تقلك مثلًا، أو عندما تحتاج إلى رعاية عند التعافي من إصابةٍ أو مرض، فهم من سيكون بجوارك.
- التوقف عندما لا يكون هناك تجاوب: إذا لم يكُن المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية مُتقبِّلًا لما تقول، فالجدال لن يُغيّر رأيه، وبدلًا من مجادلته ومحاولة إقناعه برأيك، اقضِ معه مزيدً من الوقت في الاستماع إليه والتعاطف مع ما يشعر به، حتى لو لم تكُن تتفق مع كل ما يقوله، فلا يمكنك مساعدة من تحب إذا كُنت تضع نفسك خصمًا أمامه، بل حاوِل أن تكون حليفه كي تتمكّن من مساعدته لاحقًا.
- البحث عن أرضية مُشتركة: حتى لو لم يعترف المرء بإصابته باضطراب الشخصية الفصامية، فقد يكون على استعداد للاعتراف بأنّه مُكتئب أو أنّ هناك شيء ما مفقود في حياته، وهنا قد يمكنك تشجيعه على طلب العلاج، ودفعه خطوة إلى الأمام.
- الاهتمام بما يُفضِّلونه: استمرّ في دعوتك له حتى لو رفض عروضك على الدوام، فقد ينضم إليك مثلًا في نزهة أو تمشية، لكنه لا يتحمّل تلبية دعوة الحضور في مكان به تجمعات كبيرة، وعندما يرفض الانضمام إليك، فلا تأخذ الأمر على محملٍ شخصي، بل ضع في حُسبانك ما يُفضِّله بالنسبة إلى شخصيته.
- اعتنِ بنفسك: قد تكون يائسًا من تصرُّفات المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية، أو تُعانِي صعوبة في التواصل معه، وفي خلال محاولاتك معه، من المهم أن تُحافِظ على نفسك وعلى علاقاتك الاجتماعية، لذلك حاوِل أن تقضي بعض الوقت مع أشخاصٍ آخرين، أو أن تُمارِس هواية تُحبّها، ولا تهمل صحتك الجسدية.
- توقّع الانتكاسات: لا تلُم نفسك عندما ينتكس المُصاب أو يتراجع بعض الشيء، لكن خُذ وقتك لتقدير أي علامات صغيرة تدل على تحسّنه، حتى لو كان شيئًا بسيطًا بالنسبة إلى المُصاب باضطراب الشخصية الفصامية، مثل التعرف على شخصٍ جديد، أو اتخاذ قرار بالاتصال بصديق.
نصائح للتأقلم مع اضطراب الشخصية الفصامية
عادةً لا يسعى المُصابون باضطراب الشخصية الفصامية لطلب المساعدة، وإذا كُنت تُعانِي ذلك الاضطراب، فستشعر بالعزلة أو الوحدة على الأرجح، أو أنّ شيئًا ما مفقود في حياتك.
وقد تشعر بمللٍ عندما تمضي وقتًا طويلًا دون تفاعلٍ اجتماعي، أو بالحسد عندما ترى أشخاصًا لهم علاقات مع الآخرين، لكن هناك بعض النصائح التي تُساعِدك إن رغبت في تغيير ذلك:
1. تهدئة النفْس والتعامل مع التوتر
غالبًا ما يلجأ الناس إلى بعضهم البعض للحصول على راحة جسدية وعاطفية، بل ثبت أنّ الدعم الاجتماعي يُخفِّف الضيق النفسي، ولأنّك لا ترغب في التواصل الاجتماعي مع الآخرين، فمن المهم استكشاف طرق أخرى للتعامل مع التوتر، مثل:
- ممارسة التنفس العميق: تُهدِّئ الأنفاس الطويلة والعميقة الجهاز العصبي، وتُعزِّز الشعور بالراحة والاسترخاء، لذلك حاوِل أن تجعله جزءًا رئيسًا من يومك للتغلب على التوتر والقلق.
- النشاط البدني: حاوِل أن تُمارِس بعض النشاط البدني، حتى لو كان شيئًا بسيطًا، مثل المشي اليومي أو ركوب الدراجة، فهذا يساعد على تقليل هرمونات التوتر، وزيادة الهرمونات المُعزِّزة للمزاج.
- نَم جيدًا: يحتاج مُعظم البالغين إلى 7 - 9 ساعات من النوم في الليلة، وقد يُؤدِّي الحرمان من النوم إلى التعب وانخفاض الدافع، لذلك حاول أن تنام القدر الذي يحتاج إليه جسمك فهذا أدعى للاسترخاء وأبعد عن التوتر.
2. تحسين المهارات الاجتماعية
إذا كانت العزلة هي الوضع الطبيعي بالنسبة لك، فقد تُواجِه صعوبة في فهم الإشارات اللفظية وغير اللفظية حال التعامل مع الآخرين، وفيما يلي بعض الممارسات التي تُجنِّبك سوء التواصل مع الآخرين، وتجعلك أكثر راحة في المواقف الاجتماعية:
- حاوِل أن تكون فضوليًا: إذا كانت حواراتك قصيرة في المحادثات مع الآخرين، فحاوِل أن تعرف المزيد عن الشخص الآخر، وسلْه أسئلة أكثر تفصيلًا، مثل "هل تستمتع بقراءة الكتب؟" أو "متى كانت آخر مرة سافرت فيها إلى بلد آخر؟"، فالمحادثات على هذا المنوال تبني روابط أعمق مع من تُحادِثه.
- بناء المهارات غير اللفظية: يُصبِح كلامك أوضح عندما تتكامل الإشارات غير اللفظية مع كلماتك، أمّا لو كان هناك انفصال وافتراق بينهما، فقد تُربِك الآخرين، فمثلًا إذا لم تبتسم وأنت تعرض خبرًا سارًا، فقد يُشكِّك المستمع في صدقك، لذلك حاوِل أن تكون أكثر حضورًا، وقراءة لغة جسد الآخرين ومحاكاتهم.
3. تسهيل التواصل الاجتماعي
قد يكون من الصعب الحفاظ على الحياة الاجتماعية إن كُنت تُعانِي اضطراب الشخصية الفصامية، وإذا كان الأمر مرهقًا لك، فيُمكِنك تجربة بعض الاستراتيجيات التي تجعله أقل إرهاقًا:
- إرسال الرسائل النصية: رغم أنّه لا ينبغي أن تكون بديلًا للتفاعلات وجهًا لوجه، لكنّها تظل وسيلة اتصال مفيدة، وتسمح لك بالاستجابة بسهولة واستخدام الرموز التعبيرية للتعبير عن نفسك بصورةٍ أفضل.
- السعي وراء المصالح التي لا تتطلّب تواصلًا اجتماعيًا مُكثّفًا: انخرِط في الأنشطة التي تسمح لك بالتواجد حول أشخاصٍ آخرين حتى لو لم تكُن تتواصل معهم طوال الوقت، فمثلًا يمكنك الاستمتاع بالهواء الطلق مع مجموعة المشي لمسافات طويلة، وإذا كانت لديك بالفعل هوايات فردانية تستمتع بها، ففكِّر في طرق لممارستها مع الآخرين، مثل الانضمام إلى نادي الكتاب إن كُنت من هواة القراءة مثلًا، أو لعب ألعاب الفيديو مع أشخاصٍ آخرين عبر الإنترنت.
- جدولة المهام الاجتماعية: حاول اتّباع روتين ثابت، مثل إرسال رسائل نصية إلى الأشخاص في نفس الوقت تقريبًا كل يوم، ثُمّ جدولة اللقاءات التي تتضمّن التلاقي وجهًا لوجه في وقت مبكر للاستعداد نفسيًا لكل تفاعل، وهذا سيُساعِد أيضًا في تحقيق التوازن بين الوقت الذي تقضيه بمفردك والوقت الذي تقضيه مع الآخرين.
- لا تُجبِر نفسك على شيء: إذا كُنت تُجبِر نفسك باستمرار على قضاء ساعات طويلة في التواصل الاجتماعي، فستشعر بالملل سريعًا ولن ترغب في الاستمرار على ذلك المنوال، وبدلًا من ذلك كُن لطيفًا مع نفسك، ارفض الدعوات إذا كُنت حقًا ستكره التواجد في حدث اجتماعي، ولا تُرهِق نفسك عمومًا خاصةً إذا داهمتك مشاعر سلبية بشأن التفاعلات الاجتماعية.