مصمم الأزياء يحيى البشري لـ"الرجل": الأميرة ديانا فتحت لي نافذة من نور.. والسعودية اليوم حاضنة للإبداع
بدأ مسيرته العملية في رحاب الصحافة والنقد، لينتهي به المطاف مغرمًا بعوالم الموضة وتصميم الأزياء. خاض غمارها بجرأة في وقتٍ عصيب، واقتنص الفرصة ليُطوّعها لأفكاره المميزة وتطلعاته المتفردة ورؤاه المستقبلية. حتى حقق ما يصبو إليه في عالم الأزياء العالمية والموضة. وقدم تصاميم وأزياء مميزة وجديدة في مجتمع سعودي محافظ يفتخر بثقافته وتراثه، على الرغم من جميع التحديات التي واجهها.
ابن الجنوب، مصمم الأزياء السعودي يحيى البشري، استلهم من الطبيعة جمالها، ومن جدران قريته نقوشها وألوانها. وسار على درب المجد بصناعة الأزياء السعودية، حيث مزج بين الأصالة والمعاصرة، ونسج خيوط الشرق والغرب ببراعة، حتى أصبح من المصممين الأساسيين الذين يشاركون في أسبوع الموضة العالمي في باريس. وحقق شهرة عالمية تجاوزت الحدود، ليصبح اسمه لامعًا في سماء التصميم العالمي.
زارته "منصة الرجل" في داره لترصد عالمه الجميل، وتطّلع على تصاميمه الرائعة التي قدمها إلى الأميرات والأمراء، بدءًا من الأميرة ديانا أميرة ويلز إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز.
بدايات مبكرة
من هو يحيى البشري؟
مصمم أزياء سعودي عالمي، أعمالي تكلمت عني، مع الإضافة المبنية على المقدمة الجميلة لأقول: "من رحم المعاناة تلألأ الجمال".
ما شكل المعاناة التي مررت بها؟
بغياب وزارة الثقافة وهيئة الأزياء آنذاك كنا مجموعة فنانين في مجتمع رافض لثقافة الحياة، وكل فنان ناجح بمجاله، ثابرنا وتغلبنا على ثقافة "بائدة" لنصنع حياة مشرقة.
من أين جاء يحيى؟
من رحم الجنوب، واحة الفنون، نبتت شجرة إبداعي، حيث تعجّ جدرانها بالزخارف، وتميز بيوتها بالجلود المدبوغة لصناعة الملابس الجلدية، وتتزين أزياء نسائها بالرسم والتطريز. هناك، في تلك الطفولة العابقة بالفنون، استوطنت كل أنواع الفنون جسد ذاكرتي، فولد منها شغفٌ لا ينضب، وشعلةٌ لا تنطفئ، قادني إلى عالم الكتابة والشعر والصحافة، وصولًا إلى تصميم الأزياء والموضة بكل تفاصيلها. لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، بل كان محفوفًا بالأشواك، لكن شغفي وإصراري دفعاني للتغلب على كل الصعوبات، وتحقيق حلمي.
كيف وصل يحيى إلى مبتغاه؟
في متجر صديق لي، أُعجب مورد ملابس إيطالي بتصاميمي وقام بشرائها، وشجّعني على دراسة تصميم الأزياء، فاشتعلت جذوة الشغف في داخلي. مع ذلك، لم أكن أعرف عن الموضة سوى نقوش قريتي الجميلة، لكنني لم أستسلم، بل اتخذت من شغفي دافعًا لأتعلم أبجديات هذا العالم الساحر.
صدمة حضارية
متى بدأت الخطوة الأولى على الطريق؟
اقترح علي صديقي السفر إلى إيطاليا خلال دراستي الجامعية، فخطوتُ خطوةً نحو عالم جديد، عالم الأزياء الإيطالية، حيث واجهتُ صدمة حضارية أمام فنٍ مختلف كليًا عن كل ما عرفته سابقًا. في تلك اللحظات، شعرتُ برغبة جامحة لفهم هذا العالم، واكتساب خبراته، حتى لو واجهتُ صعوبات مادية وتحديات اجتماعية، وتساؤلات من مجتمعٍ محافظٍ لا يدرك شغف تصميم الأزياء. لكن شغفي كان دافعي، وإصراي كان سلاحي، فواصلتُ رحلتي، مُصممًا على تحقيق حلمي.
لماذا تلك التساؤلات؟
تصميم الأزياء مثل الشعر تمامًا، تحتاج للموهبة والذكاء ويجب أن تقترن الدراسة بها.
لماذا انتقلت إلى باريس؟
بعد ستة أشهر، واجهتُ تحديًا جديدًا، فلم تسمح لي الإمكانيات المادية بدراسة اللغة الإيطالية. لم أستسلم، بل اتجهت نحو وجهة جديدة، فرنسا، حيث انضممتُ إلى الأكاديمية الأمريكية لتصميم الأزياء في باريس. سرعان ما وقعتُ في حب هذه المدينة الساحرة، وتحول حبي إلى عشقٍ للأكاديمية، حيث واصلتُ رحلتي الدراسية على مدار أربع سنوات. خلال تلك الفترة، عدتُ إلى المملكة العربية السعودية في رحلةٍ اضطرارية للتعاون مع الصحافة ودور الأزياء، بدافعٍ من شغفي ورغبتي في تحقيق المزيد من الإنجازات. وأخيرًا، تخرجتُ من الأكاديمية، حاملًا شهادةً تؤكد شغفي وإصراري على تحقيق أحلامي.
متى تم افتتاح دار البشري؟
بعد عودتي للمملكة العربية السعودية في تسعينيات القرن الماضي بدأت العمل في الدار، رغم كل الرفض المجتمعي، وصممت على الاستمرارية وكلي أمل في التغيير.
اقرأ أيضًا: المخرج المسرحي ماهر الغانم: طموحي تأسيس مسرح للدراما السعودية.. المرأة هي السند والدافع للنجاح
فرصة ذهبية
كيف صنعت فرصتك الذهبية؟
بينما كنت أتنزه في شارع الشانزليزيه، لفت انتباهي خبر في صحيفة الشرق الأوسط يفيد بزيارة الليدي ديانا والأمير تشارلز للمملكة العربية السعودية. على الفور، هبت مشاعر الحماس والإبداع في داخلي، وتداعبت الأفكار في ذهني لتصميم فستان استثنائي يليق بهذه المناسبة المميزة. دون تردد، تواصلت مع السفير البريطاني في الرياض وأعربت عن رغبتي الشديدة في تصميم فستان خاص للأميرة ديانا.
واجه طلبي في البداية استغراباً من السفير، حيث طلب مني خطاباً رسمياً يؤكد رغبتي. لم أتردد، بل استعنت بخبير في كتابة الخطابات الملكية لصياغة خطاب يعكس شغفي وتصميمي على إنجاز هذا المشروع. بعد مرور 15 يوماً، حظيت بفرصة ذهبية تمثلت بالموافقة على طلبي، بشرط أن أقدم التصميم للمراجعة قبل البدء بالتنفيذ. هكذا، تحققت فرصتي الذهبية بفضل مزيج من الذكاء والإبداع.
ألم يراودك الخوف؟
واجهتُ بعض التحديات في بداية مشواري، ما دفعني للعودة إلى قريتي في الجنوب. هناك، استلهمت من نقوشها وتراثها تصميمًا فريدًا أثار إعجاب الكثيرين في عالم الموضة. وحظيت بشرف مقابلة الليدي ديانا خلال زيارتها للمملكة، لمدة خمس دقائق فقط. بعد ذلك، أرسلت لي خطابًا رشحتني فيه للمشاركة في أسبوع الموضة الفرنسي، ممّا فتح أمامي آفاقًا جديدة ومشرقة.
الانطلاقة للعالمية
متى كان العرض الأول في أسبوع الموضة؟
شاركت في أسبوع الموضة العالمي خلال التسعينيات من القرن الماضي، إلى جانب كبار المصممين العالميين. اجتذبت مشاركتي اهتمامًا إعلاميًا هائلاً، حيث توافد الصحفيون لمعرفة المزيد عن هذا المصمم السعودي القادم من بيئة البادية، ليتواجد وسط نخبة من ألمع نجوم عالم الموضة.
كيف كان ينظر الغرب إليك كونك مصممًا سعوديًا؟
كانوا يقارنون بيني وبين مصممين غربيين جاؤوا من بلدان تمتلك كل أنواع الفنون، وأنا جئت من بلد لا يمتلك شيئًا بنظرهم، فكان الطريق شاقًا، ومع ذلك حققت نجاحًا باهرًا بأدواتي الفنية، وأفكاري الذكية، واغتنمت الفرص.
تحديات على الطريق..
ما هي الخطورة التي واجهتك أثناء العروض العالمية؟
لطالما شكل وجود كبار الصحفيات مصدر قلقٍ لي، فبمقالة جيدة يُمكنهنّ رفع شأني، وبمقالة سيئة يُمكنهنّ تحطيم مسيرتي. اعتمد تحليلهنّ على المجموعة المعروضة، وفِي أحد العروض، كنت أُجري مقابلة مع الصحفيين، وفجأة دخلتْ صحفية إيطالية تُدعى باربرا. أوقفتُ التسجيل فورًا وسألتها عن رأيها في العرض. أجابتْ بأنّ نجاحي يعود إلى تمسكي بخطي المميز، وبقائي في المملكة وعدم مغادرتها، ممّا فتح الباب أمام مواهب أخرى.
ألم يشدك العالم الغربي للبقاء؟
لو كان هدفي ماديًا بحتًا، كنت وقعت مع شركة عالمية وبقيت تحت مظلتها وأصبحت تابعًا لأفكارها حتى وإن كانت ضد أفكاري ومبادئي، لكن الاستقلالية فسحت لي المجال لأقدم بكل عرض رسالة قوية للعالم بأسره.
اقرأ أيضًا: الفنان التشكيلي نهار مرزوق: ألواني من الربع الخالي والحجر المنقبي.. تلهمني المآذن وتسكنني المدن
رسائلي للعالم
ما الرسائل التي وجهتها للعالم وتعتمد عليها سنويا كاستراتيجية؟
لطالما اعتبرتُ الموضة علمًا قائمًا بذاته، يتسم بالتطور المستمر والتغيّر السريع. لذلك، حرصتُ على إطلاق رسائل جديدة من خلال عروض الأزياء، مواكبةً التكنولوجيا الحديثة، والتعرّف على الألوان الرائجة في كل عام. كما اهتممتُ بإنشاء هوية خاصة بكل مجموعة لتحقيق الترابط بين القطع، وضمان حضورها الدائم في عالم الموضة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، عرضي في تسعينيات القرن الماضي الذي جسّد لوحة عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى من أجل الطفولة. كما قدمتُ عرضًا كاملًا عن السلام في سبتمبر 2011، تلاه عرض آخر عن حرية المرأة في اختيار ملابسها، انطلاقًا من تجاربي كإنسانٍ من الجنوب نشأ على رؤية المرأة بأزيائها المزركشة الجميلة.
بهذه الطريقة، حرصتُ على دمج رسائل إنسانية واجتماعية هادفة في عروض الأزياء، إلى جانب اهتمامي الدائم بالتجديد والإبداع.
ما هي الألوان في الموضة التي لا تتغير؟
الألوان الكلاسيكية مثل الأسود والأبيض، ويجب أن أقسّم العروض إلى أربع مجموعات منها الكلاسيكي في التكنيك واللون لتخاطب أكثر من فكر.
العرض الأخير في باريس ماذا يضم؟
أربع مجموعات تشكلت من نقوش "العلا المؤسس والجنوب والمصمك" تحت عنوان (حرية وحب) تتألف من 45 قطعة منها 35 قطعة للنساء و10 قطع للرجال. استخدمت الأبيض والأسود والرصاصي، وأدخلت بالجزئيات اللون الأحمر ليست لغة ألوان بل لغة أساسية بحتة. وستُعرض تلك المجموعة في الرياض أكتوبر 2024م، وأتمنى حضور عدسة "الرجل".
ما الدافع وراء هذا العنوان؟
الحرية أخرجت الشغف عند الإنسان وصنعت الحب والسلام والإبداع. حتى منطقة العلا تلألأت بالجمال بعد اختيار المصمم الإيطالي مراياه في التصميم.
ألوانك المفضلة؟
لوني المفضل الأسود كونه سهلاً ومريحًا، وأحب اللون الأحمر على الأنثى فهو يمنحها شخصية مميزة وصفاء.
إلى أي حد اعتمدت على الموروث الثقافي؟
من 5% إلى 10% تقريبًا، لأنني لو بالغت في ذلك لأصبح التصميم تراثيًا بحتًا، وهذا ليس من استراتيجيتي.
بذرة جيدة
مصمم الأزياء السعودي العالمي يحيى البشري كيف ينظر للموضة في السعودية؟
بعدما كانت الموضة عبارة عن اجتهادات فردية سواء مني أو من بعض المصممين والمصممات القلائل، أصبحت اليوم قادمة على نواح إيجابية كبيرة، وموجودة بدعم حكومي كبير، ومن هيئة الأزياء السعودية، والدليل على ذلك أنهم يأخذون 100 براند سعودي من المصممين والمصممات على باريس وميلانو ونيويورك، حتى أصبح المتلقي الغربي ينتظر بشغف الشيء المختلف الآتي من السعودية والذي لا يعرف أحدُا عنه شيئًا من قبل. وهذا التطور أراه بذورًا جيدة لصناعة موضة مستقبلية.
بين الأمس واليوم كيف تقرأ تطور الموضة في المملكة؟
الأمس صعب جدًا، واليوم مزدهر ومشتعل بالعطاء، وفرصة لأي مبدع يستطيع إبراز إبداعه على أن يسير بتؤدة لأن النجاح في المجال الفني يحتاج إلى وقت، وإلى الانطلاق من المحلية لتحقيق العالمية في كل المجالات. فالقرار السياسي كان المفتاح السحري للنجاح، مع النقلة النوعية في مسارات الحياة بعهد الملك سلمان على يد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حتى أصبحت السعودية مثل أي بلد في العالم وفتحت الحرية ذراعيها للإنسان.
هل تتوقع صناعة موضة سعودية مستقبلية؟
بالتأكيد مع هذا الكم الهائل من المبدعات والمبدعين الذين يدرسون في هذا المجال ستتبناهم شركات إنتاج، أو دور أزياء عالمية، وهذه بداية الصناعة. لكنني لا أعتقد أن تكون هناك صناعة موضة بالمعنى الكامل، لأن الصناعة في المملكة تكاليفها باهظة، وكل ما يهم في صناعة الموضة من يكون خلف هذا الإبداع والابتكار من الأسماء المبدعة، حينها سيُشار للمصمم السعودي التابع إلى أي شركة عالمية تنتج له، وتلك تكون الانطلاقة نحو العالمية.
الهيئة علامة فارقة
على ضوء هذا التطور ما الذي تحقق؟
الإعلان عن هيئة الأزياء في 2018م كان علامة فارقة واحتفالاً كبيرًا بالنسبة لي، لأن الحرية الإنسانية جاءت لفتح المجال أمام الشباب والشابات بمجالات فنية وإبداعية مختلفة ومميزة، وكانت مفتاحًا للإبداع بدعم حكومي وقرار سياسي غيّر المنظومة للأفضل، نظرًا للمخزون الثقافي المستوطن في داخلهم فعبروا عنه بحرية.
تلك الانطلاقة كيف تقرؤها من هيئة الأزياء بعد خمس سنوات؟
لا نستطيع تحديد الموضة بعدد السنين، لكن هيئة الأزياء عملت استراتيجيات لتساعدها في الخطوات المستقبلية، وربما يخرج مصمم يبهرهم في الإبداع نظرًا لموهبته وينال إعجاب العالم. ومع السوشيال ميديا يمكن الوصول إلى كل النجمات والنجوم العالميين.
من القلب إلى القلب
ماذا يقول المصمم السعودي العالمي يحيى البشري لمجلة الرجل؟
أنا سعيد جدًا بوجود مجلة الرجل في مرسمي بحوارها الشيق، وكم سأكون سعيدًا حين ستكون في عرضي القادم في شهر أكتوبر 2024 في الرياض، لأنها الداعم الكبير لكل موهوب وموهوبة في المملكة العربية السعودية، شكرًا لها من القلب إلى القلب.
البطاقة التعريفية
يحيى البشري، يُعدّ حاليًا مطلقًا ولديه شابان، وينحدر من جنوب المملكة العربية السعودية، حيث وُلد عام 1962. شغفه بتصميم الأزياء دفعه إلى السعي وراء حلمه، فالتحق بالأكاديمية الأمريكية في باريس ليحصل على شهادة في هذا المجال.
لم يكتفِ البشري بشهادته الأكاديمية، بل سعى جاهدًا لصقل موهبته واكتساب المزيد من الخبرات. انطلق مشواره المهني ككاتب صحفي وناقد للأزياء، قبل أن يقرر ترك بصمته الخاصة في عالم الموضة من خلال تصميماته المميزة.