المخرج السعودي توفيق الزايدي لـ "الرجل": مهرجان البحر الأحمر يسابق الزمن وأفلامي ليست للمشاهدة فقط
حين صعد إلى أعلى نقطة في منزله بالمدينة المنورة، ليصور أولاد حارته وهم يلعبون كرة القدم، لم يعرف أنه كان يصعد ليعانق شغف حياته، لم يفكر بأن "لهو الطفولة" وتصوير بضعة مشاهد ووضع خلفية موسيقية، هي أولى خطواته في مشوار طويل سيقوده إلى عوالم السينما والشهرة، ليغدو مخرجًا وكاتبًا يشارك في مهرجانات إقليمية وعالمية وينال الجوائز والتكريمات.
وحين كان يسافر لحضور المهرجانات السينمائية العالمية ويرى كبار نجوم السينما في العالم، لم يتخيل أنه سيلقاهم وجهًا لوجه في مهرجان دولي يقام في بلاده، مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، حلم حياته الذي تجسد واقعًا وراح يسابق الزمن بحسب وصفه، معبرًا عن فخره بالجهود التي وقفت خلف مشهد نجاحه.
الفنان السعودي المخرج توفيق الزايدي ابن المدينة المنورة، اختارت منصة الرجل أن تحاوره قبل أيام من افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي، لتعيش في أجواء وفضاءات فنان له بصمته المميزة في صناعة السينما السعودية، وتروي قصة شغفه بالإخراج، والفن الذي كرس له حياته وإبداعه.
بطاقة تعريف
الاسم الثلاثي: توفيق فرج الزايدي
مكان وتاريخ الميلاد: 11 أكتوبر 1982 – المدينة المنورة
الدراسة والشهادات: جامعي – برمجة كمبيوتر
المهنة: مخرج سينمائي وكاتب
طفولة وذكريات.. كنت ألهو بالكاميرا فإذ بها كل حياتي
كيف تقدم نفسك؟ وما احتمالات الاجابة على سؤال من هو توفيق الزايدي؟
طفل يلعب بكاميرا كان يظنها طيشًا، فإذا بها كل حياته.
مارسيل بروست كتب أطول رواية (البحث عن الزمن المفقود) انطلاقًا من تذكّره رائحة البسكويت في طفولته، ما الصور البصرية التي تحتفظ بها من طفولتك؟
الحقيقة أنني رجل حالم وخيالي لذلك عقلي لا يحتفظ كثيرًا بالذكريات، أنطلق من كل كتابة عمل من الخيال والأحلام، أعتقد أن وظيفتي الحقيقية في هذه الحياة أن أتخيل.
بدايات مبكرة.. السينما أجمل المهن لرواية قصة
كنت تصور أولاد الحارة وهم يلعبون كرة القدم، اروِ لنا القصة كاملة من فضلك؟ وماذا كانت تعليقاتهم، فهم أول جمهور شاهدك؟
كنت أمتلك كاميرا فيديو منزلية، لا شيء كان وقتها مثيرًا للتصوير سوى أولاد الحارة وهم يلعبون كرة القدم، كنت ألعب سابقًا معهم ثم اقتنيت كاميرا، كنت أذهب إلى مكان ألعب وأقوم بالتصوير من كل الزوايا، حتى ذات مرة صعدت إلى أعلى نقطة في منزلنا لأخذ لقطة واسعة جدًا، وبعد مغيب الشمس أذهب لعمل ترتيب لهذه اللقطات، لم أكن أعلم ما الذي أقوم به ولا أعرف ماذا تسمى هذه المهنة "أن تصور ثم تذهب تعيد ترتيب اللقطات"، كنت أقوم بذلك من خلال كاميرا الفيديو البسيطة وربطها بجهاز فيديو أختار اللقطات وتسجيلها وترتيبها ثم أضيف الموسيقى، ثم بعد ذلك أدعو بعض من أجدهم في الخارج ليشاهدوا ما قمت به من خلال شاشة تلفاز صغيرة. أنا أتحدث الآن بوعي بشعور الإنجاز ولكن في وقتها كنت لا أعرف ما هو هذا الشعور، وأعتقد أن من كانوا يشاهدون معي لا يعرفون أيضًا، كان البعض يطلب التركيز عليه أكثر في المرات القادمة، والبعض كان يكتفي بالابتسام عندما يشاهد نفسه مدمجًا مع الموسيقى، ثم قرأت مرة في إحدى المجلات الفنية في تلك الفترة أن هذه المهنة تسمى "مخرج أفلام".
ما المنعطف الأهم في مسيرة حياتك، الحدث الذي جعلك تدرك وتصر بأن هذا ما تريده؟
منذ دراستي في كلية التقنية في المدينة المنورة كنت أشعر أني أحب رواية القصص، لقد شعرت بهذا الشعور حتى من قبل البدء بالعمل في الأفلام التسجيلية، الأفلام التسجيلية كانت بداية، وأنا رجل لا أومن بالحظ بل أومن بالخطوة الأولى، وأن ليس هناك خطوة أخيرة.
عندما بدأت بصناعة الأفلام الروائية القصيرة اكتشفت وشعرت أن ما أقوم به هو أن أحكي قصصًا إلى العالم، وهذا السبب الرئيس الذي جعلني أحب صناعة الأفلام وكذلك الصعوبات التي أسير بها، فالطريق لرواية قصة إلى العالم أجمل بكثير من القصة نفسها، لأن صناعة الأفلام واحدة من أجمل المهن لرواية القصص.
اقرأ أيضًا:الإعلامي معتز الدمرداش: لا أسعى وراء "التريند" أو إحراج الضيوف.. وضحكة بناتي قمة سعادتي
مهرجان البحر الأحمر.. ما يحدث الآن شيء كبير
وأنت ترى كبار نجوم السينما في العالم ضمن مهرجان البحر الأحمر الدولي، كمخرج سعودي كيف تعيش هذا الحدث؟ ما المشاعر التي تتولد لديك؟
بدأت صناعة الأفلام منذ عام 2006 في عالم الأفلام القصيرة، وكان أول مهرجان ذهبت إليه هو مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبو ظبي عام 2007، وبعدها ذهبت إلى العديد من المهرجانات الإقليمية والدولية مثل مهرجان كان وبرلين وفينيسيا.
وخلال تلك المهرجانات شاهدت كل النجوم، وكبار المخرجين العالميين، ولم أكن أتوقع ولو للحظة واحدة أنه يمكن مشاهدة هؤلاء النجوم من المخرجين والممثلين وصناع السينما والمنتجين هنا في المملكة، حاليًّا أنا ذاهب إلى مهرجان البحر الأحمر السينمائي سأقابل الكثير من النجوم والمنتجين والمخرجين الذين كنت أراهم من بعيد، لكن اليوم سألقاهم وجهًا لوجه وأتحدث معهم عن مشاريع سينمائية جديدة. ومن هنا أستطيع القول إن مهرجان البحر الأحمر لم يعد مهرجانًا لمشاهدة الأفلام فحسب، بل إنه يُسهم ويساعد في بناء صناعة أفلام داخل المملكة العربية السعودية، كما يعمل على إيجاد إنتاج مشترك مع الأفلام السعودية. ما يحدث الآن شيء كبير وواقع كان حلمًا منذ سنوات قريبة، ونحن بحاجة إلى مثل هذه المنصات الدولية.
وماذا عن مشاركة فيلمك نورة في مهرجان البحر الأحمر؟
منذ بداية صناعة فيلم "نورة" كنت أود أن يُعرض الفيلم في مهرجان دولي في بلدي لأن الفيلم صُنع من أجل المشاهدين في السعودية، كما يحدث في العالم لو هناك فيلم فرنسي سوف يفكر في مهرجان كان لأنه صنع هذا الفيلم للفرنسيين، وإذا هناك فيلم إيطالي سوف يفكر في مهرجان فينيسيا، لذلك صنعت فيلمًا سعوديًّا، وفكرت في مهرجان سعودي، لأن القصة هي قصتهم.
فرصة للجيل الجديد
وماذا عن دعم مواهب الشباب والجيل الجديد في المهرجان؟
مهرجان البحر الأحمر أعطى فرصة عظيمة لصناع السينما الجدد، سواء من منطقة الشرق الأوسط، أو دول إفريقيا وآسيا، فهو منصة مهمة لعرض أعمالهم، كما أنه لا يعرض فقط الأفلام السينمائية، بل إنه يعرض المسلسلات القصيرة، والمسلسلات السينمائية القصيرة، ولأن إحدى أهم وسائل دعم المواهب هو عرض أفلامهم واللقاء مع الكثير من المنتجين وعمل شبكة للقائهم هذه المواهب، فإن مهرجان البحر الأحمر يعطي فرصة كبيرة للجيل الجديد، كما أنه يقدمهم إلى العالم بشكل أفضل.
ما تعليقك على شعار المهرجان “قصتك، بمهرجانك” وهل يعبر عن الشباب السعودي؟
للوهلة الأولى من قراءتي للشعار أعجبت به، هذه العلاقة جميلة بين القصة ومشاهدتها في مهرجانك، وفيلمي "نورة" هي قصتهم وأنا سعيد أنهم سيشاهدونه في مهرجانهم، والمهرجان هو فرصة كبيرة للمواهب السعودية وكذلك العربية وأكبر دعم أن يظهر أعمال الجيل الجديد في مهرجان دولي مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي.
الوعي والاستدامة
تحظى السينما السعودية بدعم وتشجيع رسمي وتعد أحد ملامح الانفتاح والتغيير، هل هذا كافٍ لتنهض وتتجاوز ما فاتها؟ ما هي تحديات السينما السعودية برأيك؟
لو تحدثنا عن دعم صناعة الأفلام في السعودية، فإن هذا الأمر أصبح واضحًا للغاية، فالأفلام السعودية تحظى بدعم كبير من الحكومة السعودية، ومن وزارة الثقافة على وجه التحديد، وهنا ينبغي التأكيد أن المال وحده في الدعم لا يكفي، فنحن نحتاج إلى وعي بهذه الصناعة، ونحتاج إلى فهم كامل لمصطلح صناعة الأفلام في السعودية وكيف تُصنع وكيف تُمول وكيف تُدعم من أجل خلق بيئة ونظام كامل في صناعة الأفلام وذلك بهدف الاستمرار في إيجاد عمل مستدام في هذه الصناعة، حيث إن الدعم سيتوقف يومًا ما، ومن ثم لا بد من أن يكون هناك نظام مستدام من خلاله تستمر عملية دعم الأفلام بالطريقة نفسها.
فيلم نورة
يعرض مهرجان البحر الأحمر فيلمك "نورة"، ما المقولات والرسائل التي أردت إيصالها من وراء هذا الفيلم؟
فيلم "نورة" يتحدث عن علاقة الإنسان بالفن، وأنا مؤمن دائمًا بأن الفن هو إحدى الوسائل الجميلة في التواصل بين البشر، فكرت في بداية الأمر في عمل فيلم ذي جودة سينمائية بحتة يكون مبنيًّا على مشاعر حقيقية، فهدفي ليس مجرد مشاهدة الفيلم، بل أن يشعر ويحس به كل من يشاهده، أومن أن هناك دائما صوتًا إبداعيًا داخل الإنسان يحتاج إلى منفذ خارجي وهذا ما يتحدث عنه الفيلم، عن علاقة الإنسان بالفن، والفن بالنسبة لي هو أداة للتواصل بين البشر.
وما سبب اختيارك "العلا" مكانًا لتصوير الفيلم؟
منذ بداية تفكيري في القصة كان الأمر منصبًّا على اختيار "العُلا"، فأنا أعرفها جيدًا، وعندما زرتها تأكدت من أن قراري صحيح للغاية، فهي أشبه بمتحف فني بما تضمه من جبال وتضاريس، فأحببت أن تكون "العُلا" خلفية رائعة لهذه القصة، فالجبال في "العُلا" هي لوحة فنية تتحدث عن الفن.
هل تتوقع لفيلمك الفوز في أي جائزة في المهرجان؟
أنا رجل لا أتوقع شيئًا وأعطي بقناعة وأقبل كل شيء لأني لست صديقًا جيدًا للحظة الندم، لذلك التوقعات ليست موجودة في طريق حياتي.
اقرأ أيضًا:مغني الراب قصي خضر: الموسيقى تلهمني لكتابة الأغاني.. يسعدني إرشاد المواهب الجديدة وتوجيهها
المخرج والروح البشرية
ما الشروط التي يجب توافرها في المخرج الجيد؟
أعتقد أن المخرج الجيد لا بُدَّ أن يمتلك دور القائد، يعرف التوقيت الأفضل للاستماع إلى الفريق المساعد له، كذلك لا بُدَّ أن يكون المخرج مثقفًا، ويفهم الروح البشرية، ويعرف كيف يخرج من الممثلين أفضل ما عندهم، كذلك لا بُدَّ أن يكون لديه حسٌّ عالٍ جدًّا لأنه يتعامل مع فنانين سواء أكانوا ممثلين أم مصورين أم غيرهم، ومن ثم فهو أشبه بمترجم للفنانين، كذلك لا بُدَّ أن يكون لديه مبدأ يستند إليه في الحكاية والقصة، وبالإضافة لكل ما سبق لا بُدَّ أن يمتلك رؤية واضحة، وكل ما سبق سيساعده على تقديم الفيلم بالرؤية التي يريدها.
أنت كاتب سيناريو أيضًا، من يلهمك في قصصك وشخصياتك؟
كل شيء مثير من حولي هو مصدر" إلهام" لي.
وما نصيحتك للممثلين الجدد؟
أقول لهم لا بُدَّ أن تشاهدوا أفلامًا كثيرة، وأن تقرأوا كثيرًا، وألا تتعجلوا الظهور والشهرة، فالشهرة سهلة، لكن الشهرة ذات القيمة تكون دائمًا أصعب، الممثل هو أول عنصر يحكي للمشاهد حكاية القصة، لذلك لا بُدَّ أن يعي هذه النقطة، لا بُدَّ أن يعلم أن دوره مهمٌّ في رواية القصة.
كما أنه من الضروري أن يركز على كيفية إبراز مشاعره خلال العمل، وهو ما يتعلمه بالقراءة ومشاهدة الأفلام السيئة قبل الجيدة وبعض الدورات التي تسهل عليه هذا الأمر.
كيف تنظر إلى مستوى التمثيل والدراما السعودية، هل أصبح لدينا نواة ثرية لصنع لون خاص بنا في المملكة؟
على الصعيد السينمائي لدينا مخزون ثقافي واجتماعي وجغرافي كبير ومتنوع، هذا المخزون يحتاج إلى أن يطور مفهوم صناعة السينما لدينا، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على مستوى جميع العناصر السينمائية ومن ضمنها مستوى الممثل وفهم الشخصية داخل الحكاية.
الفيلم الجيد
لا بدّ أنك تابعت إضراب الممثلين والكتاب في هوليوود، ما رأيك في دخول الذكاء الاصطناعي على خط الشخصيات والنصوص والعملية الإبداعية للسينما؟
التكنولوجيا أسهمت كثيرًا في تطوير صناعة الأفلام وتجربة مشاهدتها في السينما، وهذا كان واضحًا منذ منتصف التسعينيات في هوليوود والسينما العالمية، ولكن ما يحدث الآن هو تدخل الذكاء الاصطناعي في المرحلة الإبداعية. ربما ما يقوم به الذكاء الاصطناعي في المراحل الإبداعية جيد لكن أتوقع أنه لن يستطيع التفوق على عقل الإنسان الإبداعي، بل العكس هو يتغذى منه. وهذا ما يحدث حقيقة الآن.
يرى البعض أن السينما مشروع استثمار ربحي يقوده شباك التذاكر، بينما يغلب آخرون الوظيفة الثقافية الفنية، كيف هي نظرتك للسينما؟
بالنسبة لي الفيلم السينمائي واحد، هناك فيلم مصنوع بشكل جيد ذو قيمة وهناك فيلم مصنوع بشكل سيئ بلا قيمة، ربما أي فيلم يجذب شباك التذاكر، بينما في النهاية لدينا مشاهد واعٍ يستطيع معرفة الفيلم الجيد من الفيلم السيئ. بنظري السينما اخترعت من أجل أن تبقى وتعيش، وما يجعل السينما تعيش هو الفيلم الجيد.
حصلت أفلامك على العديد من الجوائز، ما التكريم أو الجائزة التي كان لها طعم مميز أو وقع خاص؟ ولماذا؟
الخنجر الذهبي في مهرجان مسقط السينمائي، والسبب أني لم أحضر المهرجان وجاءني الخبر من الصديق العزيز مشعل القحطاني عندما نُشر بصحيفة على الإنترنت في وقتها فاتصل بي وقال: "مبروك توفيق على الجائزة"، أجبته: "أي جائزة"؟ فبدأ يقرأ لي الخبر.
الهوايات والأمنيات
من هو الشخص الذي تحرص وتحب أن يرى أفلامك قبل أي إنسان آخر؟ ولماذا؟
أنا رجل لدي صديقان فقط وامرأة واحدة، أحب أن يشاهدوا أفلامي قبل الجميع لأنهم لا يجاملوني وأنا أوْمن بهم.
ما هي هواياتك الأخرى خارج مجال الفن السابع؟
مهنتي في صناعة الأفلام هي أسلوب حياتي، إن هربت من مشاهدة الأفلام أذهب للاستماع للموسيقى، وإن هربت من استماع الموسيقى أذهب للقراءة، هذه هي هواياتي: القراءة والكتابة ومشاهدة الأفلام وسماع الموسيقى، هي ليست خارج مجال الفن بل هي مكملة للفن السابع.
السعادة والفيلم القادم
أسعد لحظات حياتك؟
هو عندما أجد مشهدًا جديدًا لقصة أعمل على كتابتها، وأحكي هذا المشهد لشخص أحبه.
أمنية أو مشروع تتمنى تحقيقه؟
هناك الكثير من الأمنيات والمشاريع وجميعها سوف أعمل على تحقيقها.
فيلمك القادم ما هو؟
أعمل الآن على فيلم بعنوان "ثريا" ما زال الفيلم في مراحله الأولى، حاليًّا هذا كل شيء عن الفيلم القادم.