أنواع الذكاء الاصطناعي.. ما بين الضعيف والعام والخارق الذي يهدد وجودنا!
لطالما سعى البشر لخلق آلات ذكية تُحاكي قدراتهم وتُسهل حياتهم، واليوم بات الحلم أقرب من أي وقت مضى. فبينما يرى البعض أننا وصلنا بالفعل لمرحلة الذكاء الاصطناعي الكامل، تبقى الحقيقة أننا ما زلنا في بداية الطريق.
صحيح أننا طوّرنا تقنيات مذهلة مثل ChatGPT والسيارات ذاتية القيادة والروبوتات المتطورة، إلا أنها جميعًا تندرج تحت فئة "الذكاء الاصطناعي الضيق" أو الضعيف، الذي يركز على أداء مهام محددة.
ويشمل الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI) الكثير من الأنواع حسب المنظور الذي نتحدث عنه، فهناك "الآلة التفاعلية Reactive Machine AI"؛ النوع الذي يستجيب للمؤثرات الخارجية دون القدرة على تخزين المعلومات أو بناء أي نوع من أنواع الذاكرة، وهناك الـ"Limited Memory AI" القادر على تخزين المعلومات واستخدامها في تدريب نفسه.
وأيضًا يوجد الـ"Theory of Mind AI" الذي يمتلك نوعًا من الإحساس تجاه المشاعر الإنسانية، ولكن بشكلٍ محدود، وأخيرًا وليس آخرًا الـ"Self-Aware AI"، أو النوع الواعي من الذكاء الاصطناعي، وهو النوع الأخطر والأكثر تطورًا من الآلة.
كل هذه الأنواع التي ذكرناها تُعد تصنيفات عامة للذكاء الاصطناعي، ولكنها ليست ما سنتحدث عنه؛ سنتحدث عن الأنواع الأكثر انتشارًا والتي تفرق بين نماذج الآلة حسب قدراتها، ولكن أولًا..
ما هو الذكاء الاصطناعي ابتداءً؟
يُعدّ الذكاء الاصطناعي فرعًا من علم الحاسوب Computer Science يهدف إلى محاكاة قدرات العقل البشري "وغرسها" في الآلات، لتمكينها من أداء المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشريًا، مثل التخطيط والتعلم وحل المشكلات واتخاذ القرار.
تعتمد هذه الأنظمة على الخوارزميات، وهي مجموعات من التعليمات البرمجية التي تُنفذ خطوات محددة لتحقيق نتيجة معينة. وتُستخدم تقنيات مثل تعلم الآلة Machine learning والتعلم العميق Deep learning لتغذية هذه الخوارزميات بكميات هائلة من البيانات، مما يُمكّنها من التعلم والتحسين بشكل مستمر، لتصبح قادرة على أداء المهام المُكلفة بها بكفاءة ودقة عالية.
ما هي أنواع الذكاء الاصطناعي؟
في عالم الخيال العلمي، غالبًا ما يُصوّر الذكاء الاصطناعي على هيئة روبوتات أو أنظمة ذكية متطورة تُنافس أو تتخطى قدرات الإنسان. بينما قد لا نكون قد وصلنا بعد إلى هذه المرحلة، إلا أن التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي تُشير إلى إمكانية تحقيق ذلك في المستقبل القريب.
تُعلن العديد من الشركات عن سعيها الدؤوب للوصول إلى "الذكاء الاصطناعي العام" (AGI) - فما هو هذا النوع من الذكاء؟ فيما يلي سنُناقش "الذكاء الاصطناعي العام" بمزيد من التفصيل، ونُحلل إمكانياته وفوائده ومخاطره على حدٍ سواء.
1. الذكاء الاصطناعي الضعيف Narrow AI
ما هو الذكاء الاصطناعي الضعيف؟
يُعدّ "الذكاء الاصطناعي الضيق" (ANI) - أو "الضعيف" - النوع السائد في الوقت الحالي في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يتميز بقدرته على أداء مهام محددة ببراعة فائقة، مثل التعرف على الوجه أو قيادة السيارات أو لعب الشطرنج.
ومع تفوقه في أداء هذه المهام، يظل "الذكاء الاصطناعي الضيق" مقيدًا بنطاق عمله، فهو غير قادر على تعميم مهاراته على مهام أخرى تخرج عن نطاق تخصصه.
لنفهم ذلك بشكل أفضل، لنأخذ مثالًا على مُساعد جوجل الافتراضي "جوجل أسِستِنت" Google Assistant.
فبينما يُتقن "جوجل أسِستِنت" فهم الأوامر المتعلقة بالمهام اليومية مثل "ما هو تاريخ اليوم؟" أو "ما أخبار الطقس؟" إلا أنه قد يُواجه صعوبة في فهم الأسئلة العامة مثل "ما هي أهم الأحداث في العالم الآن؟"
ويعود ذلك إلى قيود مجموعة البيانات التي تدرب عليها، والتي تُركز على مهام محددة، مما يمنعه من فهم اللغة البشرية بعمقها الكامل.
على الرغم من هذه القيود، فقد شهد "الذكاء الاصطناعي الضيق" تقدمًا هائلاً خلال العقد الماضي، مدفوعًا بمعالجة اللغة الطبيعية (NLP) بشكل أساسي.
أدى ذلك إلى دمج "الذكاء الاصطناعي الضيق" في مختلف المجالات، بما في ذلك الطب وتشخيص الأمراض.
يُصنّف "الذكاء الاصطناعي الضيق" ضمن نوعي "الذكاء الاصطناعي التفاعلي" و"الذكاء الاصطناعي محدود الذاكرة"، وهما النوعان الأكثر شيوعًا وانتشارًا في الوقت الحالي.
أخيرًا وليس آخرًا، تذكرون أنواع الذكاء الاصطناعي العامة التي تحدثنا عنها بالبداية؟ حسنًا، يمكن للذكاء الاصطناعي الضعيف أن يندرج تحت النوع التفاعلي من الذكاء الاصطناعي Reactive Machine AI أو النوع محدود الذاكرة Limited Memory AI، وهو النوع الأكثر تطورًا والشائع للغاية في هذا الوقت.
أمثلة وتطبيقات على الذكاء الاصطناعي الضعيف
تُسيطر تطبيقات الذكاء الاصطناعي (ANI) على حياتنا اليومية، بدءًا من صفحة الفيسبوك الرئيسية التي تُرشح المحتوى المفضل لديك، إلى تطبيقات مثل ChatGPT وGoogle Gemini التي تعتمد على البيانات الضخمة لتقديم خدماتها.
إذا أردنا أن نُحصي التطبيقات أو الأمثلة العملية للذكاء الاصطناعي الضعيف فيمكننا أن نجمعهم في الآتي:
أنظمة المساعدة الافتراضية: مثل Siri وAlexa التي تفهم الأوامر الصوتية، وأنظمة التعرف على الصور مثل تلك المستخدمة في فيسبوك.
محركات التوصية Recommendation engines: الخوارزميات التي تُرشح المحتوى على منصات مثل نيتفلكس ويوتيوب وأمازون، بهدف جذب المستخدمين.
محركات البحث: مثل جوجل التي تُظهر نتائج البحث ذات الصلة، مع إمكانية عرض نتائج مشابهة أو مُكملة للبحث الأصلي.
"بوتات" الدردشة: الروبوتات المُستخدمة في خدمة العملاء، مثل ChatGPT وGoogle Gemini، والتي تُجيب على استفسارات المستخدمين.
المركبات المؤتمتة أو ذاتية القيادة: السيارات المُجهزة بأنظمة ذكية للقيادة الفعالة على الطرقات، والتكيف مع مختلف السيناريوهات المرورية.
الروبوتات: طائرات "الدرون" والروبوتات المُصممة لأداء مهام محددة، مثل توصيل الطلبات إلى المنازل.
2. الذكاء الاصطناعي القوي Strong AI
لم نصل بعد إلى النوع الثاني، أو الثالث، من أنواع الذكاء الاصطناعي التي سنتحدث عنها، وإن كنا أقرب لتحقيق هذا النوع المخيف أكثر من النوع الثالث.. المُرعب!
تعريف الذكاء الاصطناعي القوي
يُعدّ "الذكاء الاصطناعي القوي" (AGI) - أو "الذكاء الاصطناعي العام" - مفهومًا افتراضيًا لآلة تتمتع بقدرات عقلية مُماثلة للبشر، بما في ذلك القدرة على التعلم وفهم اللغة وحل المشكلات واتخاذ القرارات بشكل مستقل.
يُمثل "الذكاء الاصطناعي القوي" قفزة هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث سيُتيح للآلات أداء أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها.
ومع ذلك، لا نزال بعيدين عن تحقيق هذا النوع من الذكاء، حيث يتطلب الأمر تطوير تقنيات جديدة تُمكن الآلات من الوعي وفهم المشاعر الإنسانية.
يُستخدم "الذكاء الاصطناعي القوي" إطار عمل يُعرف بـ"Theory of mind AI" لتمييز الاحتياجات والمشاعر البشرية، مما يُميزه عن "الذكاء الاصطناعي الضيق" الذي يقتصر على أداء مهام محددة.
يُعدّ تحقيق "الذكاء الاصطناعي القوي" حلمًا يراود العديد من الشركات المختصة بالذكاء الاصطناعي، مثل OpenAI (مطور ChatGPT) التي تُعلن صراحةً عن سعيها لتحقيق هذا الهدف، إيمانًا منها بقدرته على إحداث ثورة في مختلف مجالات الحياة.
ومع ذلك، تُحيط بهذا الحلم مخاوف أخلاقية وفلسفية حول مستقبل البشرية في ظل وجود آلات ذكية تُنافس أو تفوق قدراتنا.
هل اقتربنا من تحقيق الذكاء الاصطناعي القوي؟
يُعدّ تحقيق "الذكاء الاصطناعي القوي" (AGI) حلمًا بعيد المنال، ونحن ما زلنا في بداية رحلة الوصول إليه.
ففي عام 2013، استطاع العلماء في معهد "ريكين RIKEN" الياباني محاكاة ثانية واحدة فقط من النشاط العصبي باستخدام رابع أقوى حاسوب في العالم Supercomputer آنذاك، من شركة Fujitsu، واستغرقت العملية حوالي 40 دقيقة، ممّا يدلّ على صعوبة المهمة وحجم التحديات.
وتتباين آراء الخبراء حول موعد تحقيق "الذكاء الاصطناعي العام".
ففي مقابلة مع "جو روجان"، توقع عالم الحاسوب والمؤلف الأمريكي راي كرزويل Ray Kurzweil أن يُضاهي "الذكاء الاصطناعي" قدرات البشر بحلول عام 2029، بينما يرى "إيلون ماسك" أنّه قد يتخطىها بحلول عام 2023.
في المقابل، يُحذر يان ليكون Yann LeCun كبير علماء الذكاء الاصطناعي في "ميتا" من مخاطر التسرع في التفاؤل، مُشيرًا إلى محدودية قدرات النماذج اللغوية الكبيرة وافتقارها إلى الفهم الحقيقي للعالم.
يُؤكد "ليكُن" على أنّ هذه النماذج لا تُمثل "الذكاء الاصطناعي العام" الحقيقي، وأنّ طريقنا نحوه مازال طويلاً.
وعلى الرغم من التحديات، تُحفّز إمكانيات "الذكاء الاصطناعي القوي" هاجس الابتكار والبحث، سعيًا لبناء مستقبل أفضل للبشرية.
3. الذكاء الاصطناعي الخارق Artificial Superintelligence (ASI)
يُعدّ تحقيق "الذكاء الاصطناعي الخارق" (ASI) حلمًا بعيد المنال، بل يُمكن اعتباره سيناريوًا مرعبًا لبعض الناس، وذلك لِما قد يترتب عليه من مخاطر على مستقبل البشرية. ففي حال تفوق الذكاء الاصطناعي على البشر بشكل كامل، قد تصبح الآلات مسيطرة على جميع جوانب حياتنا، ممّا قد يُهدد وجودنا وحريتنا.
ولذلك، لا نزال بعيدين عن تحقيق "الذكاء الاصطناعي الخارق"، ولا توجد خطوات عملية تُشير إلى إمكانية الوصول إليه في المستقبل القريب.
ما هو الذكاء الاصطناعي الخارق؟
يُصوّر "الذكاء الاصطناعي الخارق" في أعمال الخيال العلمي "الدستوبية" ككيان مُستقل يثور ضد البشر، مستخدمًا ذكاءه المُتفوق في جميع المجالات.
يُثير هذا السيناريو مخاوف جدية حول إمكانية فقدان البشر لسيطرتهم على الآلات، ونشأة صراعٍ وجودي بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، لا نزال بعيدين عن تحقيق "الذكاء الاصطناعي الخارق"، ولا توجد خطوات عملية تُشير إلى إمكانية الوصول إليه في المستقبل القريب.
مخاوف حول الذكاء الاصطناعي الخارق
يُعدّ "إيلون ماسك" من أبرز الشخصيات المؤثرة في مجال التكنولوجيا، وله آراءٌ جريئة حول مختلف القضايا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
يُعرب "ماسك" عن مخاوفه الشديدة من "الذكاء الاصطناعي الخارق" (ASI)، مُعتبرًا إيّاه "الخطر الوجودي الأكبر" الذي يهدد البشرية.
وفي حديثه بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT عام 2014، يُشبه "ماسك" تطوير "الذكاء الاصطناعي الخارق" بـ"استحضار الشيطان"، مُحذّرًا من إمكانية تفوقه على البشر في جميع المجالات، ممّا قد يُؤدّي إلى سيطرة الآلات على حياتنا.
وفي 2018 أكد "ماسك" على ضرورة توخي الحذر الشديد في تطوير "الذكاء الاصطناعي"، ودعوة العلماء والمختصين إلى وضع خططٍ استراتيجية لضمان استخدامه لصالح البشرية، وعدم خروجه عن السيطرة.
كما يُحذّر بعض الخبراء، مثل "ستيفن هوكينغ"، من مخاطر "الذكاء الاصطناعي الخارق" (ASI) وإمكانية تفوقه على البشر، ممّا قد يُؤدّي إلى سيطرة الآلات على حياتنا وربما القضاء علينا.
في المقابل، يُؤكّد آخرون، مثل "سام ألتمان" و"مارك زوكربيرغ"، على إمكانيات "الذكاء الاصطناعي" في تحسين حياتنا وتطويرها في مجالاتٍ مختلفة.
يُشير "ألتمان" إلى مخاطر "الذكاء الاصطناعي" في الوقت نفسه، بينما يُعرب "زوكربيرغ" عن تفاؤله بمستقبله وإيجابياته.
يُجسّد "الذكاء الاصطناعي" واقعًا ملموسًا في حياتنا اليومية، من خلال تطبيقاته المتنوعة في مختلف المجالات.
ففي الوقت الذي يُساعدنا فيه "الذكاء الاصطناعي الضيق" على تسهيل مهامنا وتحسين نوعية حياتنا، يُثير مخاوف البعض حول فقدان الوظائف وتأثيره على الإبداع والاعتماد المفرط على الآلات.
يُعدّ "الذكاء الاصطناعي العام" (AGI) مرحلةً مُتقدمةً أكثر، حيث تمتلك الآلات القدرة على التفكير المُستقل وحل المشكلات بشكلٍ إبداعي.
وتُحيط بـ "الذكاء الاصطناعي العام" مخاوفٌ أخلاقيةٌ وفلسفيةٌ حول مستقبل الذكاء الاصطناعي ودور الإنسان في عالم يزداد ذكاءً وتطورًا.
يبقى "الذكاء الاصطناعي الخارق" (ASI) مفهومًا افتراضيًا بعيد المنال، يُثير نقاشًا حول إمكانية تفوق الآلات على البشر بشكلٍ كامل، ممّا قد يُهدد وجودنا وحريتنا.
وعلى الرغم من صعوبة التكهن بمستقبل "الذكاء الاصطناعي"، إلّا أنّ مسألة تطويره وتأثيره على البشرية تُحتم علينا تقييمًا دقيقًا لمخاطره وإيجابياته، ووضع خططٍ استراتيجية لضمان استخدامه لصالح البشرية، وضمان عدم خروجه عن السيطرة.