"انتشرت بشدة في الستينيات".. أين ذهبت جماعات "الهيبيز" الآن؟
في أوائل ستينيات القرن المنصرم، ظهرت حركة ثقافية بالولايات المتحدة كرد فعل على الأعراف الاجتماعية والمناخ السياسي السائد وقتها، عُرِفَت هذه الحركة بـ"الهيبية"، والمُنتسبون إليها بـ "الهيبيز- Hippies"، وعلى الرغم من ارتباطها بمفاهيم مثل الحب والسلام والحرية في ذلك الوقت، وحتى يومنا هذا، فإن لفظة "هيبي- Hippie" تُستخدم اليوم -ليس دائمًا- كمفهومٍ مُهين وعادةً ما تُوصَف به الجماعات ذات الميول اليسارية.
فكيف ولماذا انبثقت هذه المجموعة؟ وبم اتسموا على المستويين الظاهري وغير الظاهري؟ والسؤال الأهم: أين هم الآن؟
قصة صعود الهيبيز
غالبًا ما تُرسَم لفترة الخمسينيات في أمريكا صورة مثالية تتربع فيها بلاد العم سام على قمة العالم، ففي تلك الفترة خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية مرفوعة الرأس حتى أن "ونستون تشرشل" نفسه هو الذي قال: "في هذه اللحظة، تتربع أمريكا على قمة العالم".
ما قاله "تشرشل" كان مُتَفهمًا لأن أمريكا كانت الأقوى عسكريًا واقتصادها كان مزدهرًا بشكلٍ لا لبس فيه؛ الطبع الاستهلاكي للشعب الأمريكي كان في أوجه في تلك الفترة، وفئة كبيرة جدًا من الشعب كانت منتشيةً بالازدهار، ولكن على الرغم من كل ذلك، كانت تختمر موجة من التوترات الاجتماعية والسياسية لأسباب عدة.
ألقت الحرب الكورية بظلالها وأثارت تساؤلات حول التكلفة البشرية للصراعات العالمية، ناهيك عن أن تطوير واختبار القنبلة الهيدروجينية في عام 1954 عظَّم من مخاوف الإبادة النووية وخلق تصدعات في بنيان الحلم الأمريكي.
في الوقت نفسه عرَّت حركة الحقوق المدنية في منتصف الخمسينيات زيف شعارات المساواة والعدالة الاجتماعية، وكل ذلك كان بالتزامن مع الحرب الباردة التي أججها سباق الفضاء عقب إطلاق السوفييت لصاروخ سبوتنيك الأول عام 1957.
كل تلك المشكلات التي كانت متوارية خلف ستار الانتصار بالحرب هي التي أدت إلى ظهور الحركات المُناهضة، وعلى رأسها حركة "الهيبيز" في بداية الستينيات، ومن هنا كانت قصة الصعود.
منشأ الهيبيز والخروج عن النص
لم تكن حركة "الهيبيز" كيانًا أو جماعة بالمعنى التقليدي، وإنما كيانات أو جماعات متعددة تنبض بالحياة، إذ انتشروا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وكان تأثيرهم جليًا على الأحداث الكبيرة مثل الحرب على فيتنام. ومع ذلك، يمكننا القول إن بؤر تلك الجماعات تمثلت في منطقة "هايت- آشبوري" بسان فرانسيسكو، وقرية "غرينويتش" في نيويورك، حيث أعطت هاتان المنطقتان تحديدًا مساحةً مُعتبرة لجماعات الهيبيز لمشاركة أفكارهم بحرية، وزرعت فيهم شعورًا بالانتماء للمجتمع لسببٍ أو لآخر.
عادةً ما تكون لكل قبيلة أو جماعة سمات شكلية أو صفات يُعرَفون بها، فبمَ تميز الهيبيز؟
على المستوى الظاهري، كانت أزياء "الهيبيز" مليئة بالألوان وتنبض بالحياة، وكانت كثيرًا ما تتضمن سراويل الـ bell-bottom، والفساتين المتدلية، والصنادل، وعصابات الرأس، وغيرها من القطع التي تعكس نزعة الحرية. ومن تجليات هذه النزعة أيضًا كان تعاطي هذه الجماعات للماريجوانا والعقاقير المهلوسة مثل الـ LSD، وكان جُل تعبيرهم عن أنفسهم من خلال الفن والموسيقى والأدب، كما كانوا يسيرون حُفاة الأقدام ويُطيلون شعرهم حتى يتحرروا من القيود وقصات الشعر القصيرة التقليدية.
وعلى ذكر الموسيقى تحديدًا، فالحركة الهيبية ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالموسيقى، وبالأخص موسيقى "الروك آند رول" والتي باتت نغمًا مميزًا لهذه الحركة، ومما يستحق الذكر أن البيتلز "أحد أشهر فِرَق موسيقى الروك في التاريخ" ساعدوا حركة الهيبيز -بشكلٍ مباشر أو غير مباشر- على الانتشار رُغم أنهم لم ينتسبوا إليها بأنفسهم.
اقرأ أيضًا: "أشهر محتال في التاريخ الحديث".. من هو "برنارد مادوف"؟
التأثير الكبير للهيبيز: الحرب على فيتنام نموذجًا
استمرت حرب فيتنام الشعواء لقرابة العشرين عامًا، وكان لها أبعاد هائلة تسببت بدخول أمريكا إلى الأراضي الفيتنامية رُغم أنها لم تمتلك ناقةً ولا جملًا؛ في منتصف الستينيات بدأت الحكومة الأمريكية إرسال أعداد كبيرة من القوات إلى فيتنام لزعزعة استقرار الحكومة الشمالية الشيوعية المدعومة من قِبل روسيا والصين.
من بين كل أحداث الحرب ما يُهمنا أن ثوب الهيبة الذي ارتدته أمريكا قد اهترأ والاحتجاجات بلغت أوجها نتيجة الخسائر الفادحة في الأرواح والسياسات المجنونة التي فرضتها الحرب.
احتج الطلاب والمحاربون القُدامى، ومن قِبلهم كانت احتجاجات "الهيبيز"؛ "الهيبيز" الذين كان لهم دورٌ كبير في تحديد مصير حقبة الستينيات المضطربة بسبب عوامل كثيرة على رأسها الحرب، إذ رفعوا مستوى الوعي العام بالمآلات الشنيعة التي قد تحدث، ما أدى إلى انسحاب أمريكا من فيتنام في النهاية وخضوعها لمطالب شعبها، أو هذا ما يبدو أنه السبب.
بالطبع لا نقول إن "الهيبيز" هم من تسببوا في إنهاء التدخل الأمريكي في فيتنام، ولكن دورهم كان بارزًا، وما هذا إلا مثال واحد على تأثير هذه الجماعات.
صيف الحب 1967
لعل أبرز المحطات في تاريخ "الهيبيز" وتاريخ الثقافة الأمريكية المُضادة عمومًا كان ذلك الصيف؛ صيف عام 1967 أو ما يُشار إليه بصيف الحب "Summer of Love".
في ذلك الصيف حدث أحد أهم التجمعات الاجتماعية والسياسية واسعة النطاق في التاريخ الأمريكي الحديث، حيث تجمّع أكثر من 100 ألف شخص في منطقة "هايت- آشبوري" بسان فرانسيسكو وكسروا كل القيود المتمثلة في العادات والتقاليد الاجتماعية التي تربوا عليها، ولكن "الهيبيز" والجماعات المُشابهة لم يكن يعرفوا أن عصرهم أوشك على الانتهاء.
أين هُم الهيبيز الآن؟
بحلول عقد السبعينيات، بدأت حركة "الهيبيز" تتضاءل بشكلٍ واضح لعدة أسباب، منها:
1. غياب الهدف والرؤية من وراء الحركة، لا سيما بعدما تغير المجتمع وأصبح ينبذ الكثير من العادات والتقاليد التي كان يعيش "الهيبيز" للتخلص منها.
2. ارتباط عائلة "مانسون" الإجرامية بالحركة، وإن لم يكن زعيم العائلة الشهير "تشارلز مانسون" من "الهيبيز" أبدًا.
3. الحرب على المخدرات والعقاقير التي كان "الهيبيز" يتعاطونها مما قلّص تواجدهم.
علاوة على ذلك، أُفسِحَ المجال أمام جيل جديد من الشباب كانوا عازمين على صُنع اسم لأنفسهم في المجالات المُختلفة، عُرِفَ ذلك الجيل بالمترفين "yuppies"، وهم لا يزالوا موجودين بيننا اليوم، ولكن من الصعب تمييزهم نظرًا للكثير من العوامل، ونفس الشيء بالنسبة للهيبيز، والذين على الرغم من اختفائهم من الساحة، فإن سماتهم وممارساتهم لا تزال جلية في الكثير من الأشخاص.
لقد أصبح مُصطلح "الهيبيز" اليوم مُصطلحًا يشوبه الكثير من التعقيد، فبينما يراه البعض رمزًا للحرية والحب ونبذ العنف، ينظر إليه آخرون نظرةً مهينة لأسباب مختلفة منها السياقات التاريخية والصورة النمطية التي ارتبطت بهم بأنهم يتحدون السلطة والقيم وما إلى ذلك، ناهيك عن تعاطيهم للمخدرات ومناظرهم غير المألوفة وهو ما يراه الكثيرون سببًا كافيًا لنبذهم.