ماذا تعرف عن "الكاميكازي"؟.. الانتحاريون اليابانيون الذين عاشوا في كوابيس الأعداء
مع تحول تيار الحرب العالمية الثانية ضد اليابان في المحيط الهادئ، تمخّض من رحم المعاناة واليأس تكتيك مُرعِب ذو فكرة غير تقليدية تعتمد على الانتحار مع قتل وترويع العدو. إذ تم شحن الشباب الياباني اليافع معنويًا وشُحِذوا بأفكار القومية والتضحية من أجل الوطن حتى تحولوا إلى قنابل موقوتة ما إن تسقط على شيء حتى تنسفه.
من هُم الكاميكازي؟
الكاميكازي Kamikaze (باليابانية: رياح الإله) كانوا طيارين يابانيين في الحرب العالمية الثانية نفّذوا مهامَّ انتحارية بطائراتهم المُحمَّلة بالمتفجرات ضد قوات الحلفاء، وبخاصة القوات الأمريكية. و"الكاميكازي" مُصطلح يُشير إلى إعصارٍ دمر أسطول المغول الذين غزوا اليابان عام 1281، ولقد تبنى طيارو "الكاميكازي" هذا الاسم علّهم يستدعون روح ذلك الإعصار ويدمرون أعداءهم مرة أخرى.
وعلى عكس ما قد يعتقده كثيرون، فإن "الكاميكازي" لم يكونوا كلهم جنودًا مُدربين على أعلى مستوى، بالطبع فئة منهم كانوا كذلك، ولكن الحقيقة أن كثيرين منهم أيضًا كانوا مجرد متطوعين مدفوعين بالواجب المُلح لحماية الإمبراطور والوطن. بالنسبة لهم الانتحار كان الخلاص وحماية الوطن مرهونًا بالتضحية القصوى.
على الجانب الآخر، كانت هناك فئة من الشباب لم ترغب بأن تتحول لقنبلة موقوتة على شكل طائرة لا تُبقي ولا تذر، ولكنهم في الوقت نفسه أُجبروا على أن يصبحوا كذلك بعد تعرضهم لضغوطات المجتمع والحكومة -التي كانت ترى بأن هذا التكتيك الانتحاري هو الحل الأخير لقلب الموازين لصالحهم- بل حتى الأهل.
من صاحب الفكرة؟
تعود جذور فكرة "الكاميكازي" بالأساس إلى الأدميرال "Masafumi Arima"؛ الذي كان طيارًا بدوره، والذي قاد فرقة صغيرة من الطيارين المقاتلين في معركة Formosa الجوية (أكتوبر 1944). قبل الهجوم على حاملة طائرات أمريكية، نزع الأدميرال جميع الشارات والأوسمة المُعلّقة بزيه العسكري وأبلغ رجاله أنه لا ينوي العودة حيًا. بحسب المؤرخين، لم ينجح ذلك الهجوم في إلحاق أي ضرر بالسفن الأمريكية، ومع ذلك لم يُرَ الأدميرال بعد ذلك اليوم؛ تُوفّي، ولكن وُلِدَت فكرة "الكاميكازي" بفضله.
كانوا مجرد مراهقين!
اقرأ أيضًا: عندما أذاعت شبكة CBS خبرًا زعزع أوصال الأمريكيين!
الأغلبية العُظمى من "الكاميكازي" كانوا شبابًا يافعين في مُقتبل الحياة، إذ كان متوسط أعمارهم يتراوح بين 17 وحتى 24 عامًا، كثيرٌ منهم بالكاد تعلم الأساسيات فضلاً عن مسك السلاح أساسًا. وعلى الرغم من أنهم يُوضعون في القالب العسكري ويُصوَّرون على أنهم جنود مخضرمون، فإن الحقيقة عكس ذلك، إذ جاءوا من خلفيات متفاوتة منها -على سبيل المثال- التعليم المرموق المُعاكس لصورة الجندي غير المتعلم.
وعلى قدر اختلاف خلفيات "الكاميكازي" اختلفت طُرق تنفيذ مهامهم الانتحارية؛ ولكن الطريقة الأكثر شيوعًا كانت تتضمن استهداف الجسور والمناطق الهشة بشكلٍ عام لتضخيم الضرر، خصوصًا أن الطائرات كانت تُعبأ بفائض من الوقود لضمان أكبر ضررٍ ممكن، هذا وبعض الطائرات -مثل الـ Kugisho MXY7 Ohka- كانت مُصممة خصيصى لتلك النوعية من المهام، التي بدورها أرهبت قوات الحلفاء الحريصين على حيواتهم.
تكتيكات "الكاميكازي" الانتحارية نادرًا ما كانت تبوء بالفشل، سواء على مستوى قتل الأعداء أو قتل منفذيها أنفسهم -لهذا كانت النسبة الأكبر-، فطيارو "الكاميكازي" كانوا يُفضلون قتل أنفسهم في البر أو البحر إذا فشلت مهمتهم عوضًا عن مواجهة الخزي والعار الذي سيطولهم إذا عادوا خائبي الرجاء.
بعض "الكاميكازي" كانوا مجرد متطوعين تنقصهم الخبرة، وعليه، وبالرغم من جنون الفكرة التي تبدو عملية وناجحة جدًّا من الخارج، فإن نسبة النجاح كانت صغيرة لا تتجاوز الـ 20، بل الـ 17%، والسبب الرئيس في ذلك يعود لتمكن قوات الحلفاء مع مرور الوقت من تثبيط هذه الهجمات، عن طريق استخدام أجهزة الرادار وتطوير الأسلحة المُضادة للطائرات، ما صعّب على "الكاميكازي" اختراق الدفاعات والوصول إلى أهدافهم.
القَسَم الخُماسي
أظهرت حقيقة تطوع طياري "الكاميكازي" لمثل هذه المهام أنهم لا يهابون الموت، وأنهم يرغبون في تشريف موطنهم وعائلاتهم. لكي يلتحق شخصٌ ما بسلاح "الكاميكازي" ويكون مؤهلاً لنيل هذا "الشرف"، كان عليه أن يملأ طلبًا أولاً حتى يتم اختياره. وكانت نسب اختيار غير المُتعلّمين أكبر من غيرهم، كما كانت فرص قبول الابن الثاني أو الثالث أكبر من نسب اختيار الابن البِكر الذي نادرًا ما كان يتم اختياره لأنه سيرث إرث العائلة.
يُجبَر الشخص الذي يُقبَل في سلاح "الكاميكازي" على أداء قَسَمٍ خُماسي مفاده:
1. أن يجعل الولاء واجبه.
2. أن يجعل اللياقة أسلوب حياته.
3. أن يحترم الشجاعة العسكرية.
4. أن يحترم الصواب.
4. أن يعيش حياة بسيطة.
وقبل الإقلاع، كان كُل طيار يكتب رسالة وداع لعائلته يتم إرسالها لهم عقب وفاته، وكان من ضمن هذه الرسائل:
"بارك لي من فضلك! لقد أُتيحت لي فرصة رائعة للموت، هذا هو يومي الأخير، إن مصير وطننا يتوقف على المعركة الحاسمة في البحار الجنوبية حيث سأسقط مثل زهرة من شجرة كرز مزهزهة. نحن 16 مُحاربًا أتمنى أن يكون موتنا مُفاجئًا ونظيفًا كما تَحَطُمِ الكرستال!"
الهجمة الانتحارية الأولى
في الخامس والعشرين من أكتوبر 1944، أي قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية بعامٍ تقريبًا، استخدمت إمبراطورية اليابان سلاحها الانتحاري، الكاميكازي، للمرة الأولى كجزءٍ من معركة "خليج ليتي" الشرسة التي درات في الفترة ما بين 23 و26 أكتوبر من ذلك العام بالقرب من الفلبين، والتي تُعد أيضًا أكبر معركة بحرية في التاريخ.
استهدف الهجوم الأول لطياري "الكاميكازي" حاملة الطائرات الأمريكية "USS St. Louis"، وكان الهجوم عبارة عن سِرب مكون من 17 طائرة انتحارية انقضت على حاملة الطائرات الأمريكية فأجهزت عليها.
بحسب المتحف الوطني الأمريكي للحرب العالمية الثانية، فإن الأضرار الناجمة عن ذلك الهجوم كانت هائلة لدرجة أن حاملة الطائرات -بحجمها المهول- قد غرقت في نصف ساعة فقط، ما أدى إلى مقتل 134 شخصًا من ضمن أفراد الطاقم الـ 889.
قوة الهجوم الأول لسلاح "الكاميكازي" كانت تُعزى لتفريغ الطائرات المُستَخدمة من المُعدات الثقيلة والتقليدية التي لا طائل منها وتعبئتها -الطائرات- بأكثر من 220 كيلوغرامًا من المتفجرات. معلومة كهذه، إضافةً إلى سرعة الطائرات المهولة التي كسرت حاجز الـ 300 ميل في الساعة -بحسب أحد الناجين-، دبّت الرعب في قلوب الأمريكيين وزارتهم في كوابيسهم وجعلتهم يشعرون بالصدمة.
اقرأ أيضًا:الإنفلونزا الإسبانية لم تكن إسبانية.. قصة الجائحة التي أصابت ثُلث سكان العالم
الهجمة الانتحارية الأضخم
على الرُغم من وقوع أحداث "بيرل هاربر" قبل ظهور فكرة "الكاميكازي"، أو على الأقل بدء تنفيذها، بنحو 3 سنوات، فإن كثيرين قد يعتقدون أن أضخم هجومٍ انتحاري وقع في تلك المعركة كونها أحد أبرز علامات الحرب، ونقطة تحول كانت سببًا رئيسًا في دخول الولايات المتحدة إلى تلك المعمعة.
الحقيقة أن أضخم هجمة لـ"الكاميكازي" كانت في معركة "أوكيناوا" التي بدأت عندما اقترب أسطول مكون من 1300 سفينة أمريكية و50 سفينة بريطانية من غزو الجزيرة الواقعة في أقصى جنوب اليابان.
لم تواجه قوات الحلفاء أيَ مشكلة في إنزال جنودهم على الجزيرة لأن اليابانيين كانوا قد انسحبوا إلى الكهوف والتلال لفرض معركة استنزاف، وهي الاستراتيجية التي أثبتت نجاحها حيث كبّدت أمريكا خسائر هي الأكبر في المحيط الهادئ، إذ قُتِل أكثر من 12 ألف جندي أمريكي خلال تلك المعركة فقط.
ما أودى بهذا العدد الضخم من الضحايا -رُغم أن ضحايا اليابان كانوا أكثر بكثير؛ حوالي 100 ألف- كان الهجوم الانتحاري الأضخم من جانب "الكاميكازي"، إذ في فترة الحرب التي استمرت 3 أشهر من أبريل حتى يونيو 1945، استُخدِمَت أكثر من 1400 طائرة بطريقة منظمة ليعصفوا بسفن الحلفاء ويُغرِقوا 26 منها، ناهيك عن إلحاق أضرارٍ جسيمة بـ 168 سفينة، ولهذا لا عجب أن 40% من ضحايا الأمريكان كانوا من البحارة الذين فُقِدوا في تلك الهجمات.
الجدير بالذكر أن معركة "أوكيناوا" لم تكن معركةً أو شوطًا واحدًا، بل سلسلة من المعارك من ضمنها معركة "Hacksaw Ridge" الشهيرة التي حُوِّلَت إلى فيلم شهير يحمل نفس الاسم ويُصور أحد أفراد الطاقم الطبي الأمريكي وهو يُنقذ 75 شخصًا من زملائه.
هل كانت فلسفة الكاميكازي صائبة؟
نَجَم عن فلسفة أو عقيدة أو سلاح "الكاميكازي" موت نحو 4000 طيارٍ ياباني يافع أفنوا حياتهم في سبيل إغراق نحو 35 سفينة وتدمير أكثر من 300 آخرين. خلال تلك الهجمات مات نحو 5000 بحار ربما لم يكن لكثير منهم ذنبٌ فيما حدث.
كانت، وما زالت، فلسفة "الكاميكازي" محل خلافٍ عميق يمكن أن يُفسَّر بطريقتين؛ بمفاهيم النُبل والشرف والتضحية من أجل الوطن، أو بمفاهيم الجنون والغباء وإفناء الأعمار لشيء لا يستحق. كل شخصٍ منا سيراهم من منظوره الخاص.