McLaren 750 S على حلبة دبي أوتودروم.. تحفة هندسية وحماس وهدير
يدخر صانعو السيارات في العادة قمة ما يتمتعون به من تصميم راقٍ وهندسة ذكية للطراز الأرقى لديهم والأغلى ثمنًا. فإذا أردت أن تعرف مستوى التطور الهندسي الذي وصلت إليه شركة Mercedes مثلًا، فعليك أن تتأمل الفئة الأعلى تجهيزًا من S Class. كذلك الأمر بالنسبة لـ Porsche التي لا تكشف عن قمة ما توصل إليه مركز تطويرها سوى من خلال الفئات العليا من طراز 911، أو ربما ما تعده مع صيغة الإنتاج التجاري من طراز Mission X.
McLaren من جهتها لم تشذ عن هذه القاعدة، لكنها لم تبخل أيضًا على السيارة التي نتحدث عنها هنا بأي ذكاء هندسي ورقيّ تصميمي، وهذا تحديدًا ما اختبرناه على الطريق ثم على حلبة دبي أوتودروم خلال تجربة قيادة McLaren 750 S.
عملية تعديل مكثّفة
قبل الاسترسال في الحديث عن تجربة قيادة السيارة، لا بد من الإشارة إلى أنّ الأداء المثير الذي تتمتع به لم يأتِ من عدم، فهي بفئتيها كوبيه وسبايدر (المكشوفة) قائمة بنسبة كبيرة على أساس طراز 720 S بعد خضوعه لعملية ترقية مكثّفة، إذ إنّ ما نسبته 30 بالمئة من مكونات السيارة أصبحت إما جديدة وإما محدّثة بنسبة كبيرة. وفي هذا السياق، أعادت McLaren محرك السيارة الذي يتألف من ثماني أسطوانات سعة 4.0 لترات مع شاحن هواء توربيني إلى مركز التطوير كي يعمل المهندسون على رفع كفاءته من خلال تعديل مكوناته وإعادة برمجة المنظومة الإلكترونية التي تتحكم به، ليصبح قادرًا على توليد قوة 740 حصانًا مقابل عزم دوران أقصى يبلغ 800 نيوتن متر يصلان إلى العجلات الخلفية حصرًا عبر علبة تروس تتألف من سبع نسب متتالية.
ولتحسين الأداء الديناميكي للسيارة، عمد الصانع البريطاني لزيادة عرض المحور الأمامي بمقدار 6 ملليمترات، بالتزامن مع تعديل هندسة التعليق لتصبح أخف وزنًا، الأمر الذي وفّر للسيارة تماسكًا أفضل مع الطريق، خصوصًا خلال اجتياز المنعطفات، علمًا أنّ السيارة تستفيد أيضًا من الجيل الأحدث لنظام McLaren للتحكم الاستباقي بالمخمدات، ومن نوابض أمامية أكثر ليونة بنسبة 3 بالمئة مقابل نوابض خلفية أكثر صلابة بنسبة 4 بالمئة. هذا وقامت McLaren أيضًا بتحسين نظام رفع السيارة من الأمام لتجاوز العوائق، بحيث أصبح أكثر سرعةً في رفع أو خفض مقدمة السيارة مقارنةً بالسابق.
كما جرت ترقية المكابح المصمّمة على غرار ما يتوفر في طراز Senna عالي الأداء، وجهزتها بأسطوانات أكبر مصنوعة من السيراميك. هذا ويمكن للعملاء أيضًا تجهيز نسختهم من السيارة بتقنية تبريد مكابح مستوحاة من الفورمولا 1.
تصميم خارجي عززت كفاءته
مقابل هذه التعديلات البارزة على مكونات السيارة الداخلية، التي تلتقي جميعًا على هدف واحد هو تعزيز الأداء العام، لم تجد McLaren أي ضرورة لتحسين الجسم الخارجي. وهنا، يوجد عنصران يجب أن نحيط بهما، الأول هو جمالية التصميم الخارجي، الأمر الذي يمكننا ببساطة أن نقول معه إنّ السيارة لا تحتاج إلى أي تعديل، ذلك لأن خطوطها الخارجية لا تزال عصرية، وأنيقة ولافتة للنظر. أما العنصر الثاني فهو مساهمة الجسم الخارجي في الأداء، وهذا ما يبدو أنه لم يحتج إلا إلى بعض التعديلات الطفيفة التي نفذتها الشركة عليه، والتي تركزت على المقدمة، وتحديدًا ناشر الهواء الأمامي الذي أصبح أكبر حجمًا، ليسهم أكثر في عملية منع رفع الجزء الأمامي للسيارة على السرعات العالية، ثم بعض التعديلات على الجزء السفلي من جانبي السيارة والجناح الخلفي الذي أصبح مثبتًا بوضعية أعلى بمقدار بوصتين بعد أن سمح له بذلك نظام العادم المركزي الذي جرى استيحاؤه مما يتوفر لدى الطراز الحصري الخارق P1.
اقرأ أيضًا: "Mclaren F1".. الفاشلة التي تحوّلت إلى أسطورة
المقصورة الداخلية
وكما هو الحال في جميع مقصورات قيادة أي سيارة من McLaren، تركز 750 S على وضعية القيادة التي تعطي الأهمية الأولى والأخيرة للسائق، ولما يحتاج إليه كي يُحكم سيطرته على ما يجري من الأمور. وفي هذا السياق، استغنت الشركة عن لوحة العدادات القابلة للإمالة التي كانت تتوفر في الطراز السالف، لحساب لوحة عدادات تتحرك داخل حاوية متصلة بعمود التوجيه، أما نظام Apple Car Play فبات يتوفر بشكلٍ قياسي.
اختياريًّا، يمكن لمالك السيارة الحصول على مقاعد سباقية مصنوعة من مواد خفيفة الوزن، تعطي الأولوية لتثبيت جسم الراكب عليها على حساب مستويات الراحة التي تبقى متوافرة على متن السيارة، لكنها تأتي في المقام الثاني بعد جميع العناصر التي تعزز الأداء. هذا ويلاحظ المجهود الذي بذلته الشركة لتحسين المقصورة الداخلية من خلال تشطيبات معدنية داكنة ونظام إنارة محيطي قابل للتخصيص، الأمر الذي يتناغم مع الكسوة التي تعتمد قياسيًّا على مادة ألكنتارا.
تجربة القيادة
على الحلبة، وبمجرد أن جلسنا خلف مقود 750 S وانطلقنا بها على مسار حلبة دبي أوتودروم، سرعان ما بدا واضحًا أنّ أداء السيارة قد تحسن بدءًا من سرعة استجابة دواسة الوقود، مرورًا بسلاسة تعشيق نسب علبة التروس، وصولًا إلى مستويات التماسك العالية التي تتوافر للسيارة بفضل التحسينات التي أُجريت عليها، وأيضًا بفضل هيكلها المصنوع من ألياف الكربون، الذي يتخذ شكل الحوض، ولعل ما يعزز كل هذه الأمور مجتمعةً هو صوت العادم الذي يرفع من حماسة السائق بنسبة كبيرة.
وبما أننا كنا على متن نسخة مزوّدة بمقاعد سباقية، كان بإمكاننا أن نشعر بالحركة الديناميكية للسيارة بشكلٍ أكبر. هذا الشعور الذي يتوافر أيضًا من خلال كل من المقود الذي يعطيك معلومات دقيقة عن حالة تماسك إطارات المحور الأمامي مع سطح الحلبة، وعلبة التروس التي رغم أنّ عملية التحكم بها تتم من خلال الإلكترونيات، إلا أنها لا تخلو من الشعور الميكانيكي. كل هذه العوامل مجتمعة تتكاتف لتعطيك أهم ما يجب على أي سيارة عالية الأداء أن تعطيك إياه، أي الثقة، وهذا ما يدفعك لإيقاظ سائق السباقات النائم في وجدانك والانخراط بتجربة قيادة عنفوانية ممتعة.
هذا في الظروف العادية، أما في حال كانت عملية القيادة هذه تترافق مع تصوير فيديوغرافي يتطلب منك أن تتحدث مع الكاميرا كما يحدث معنا غالبًا على الحلبات، فإنه من الصعب عليك تفادي ارتكاب بعض الأخطاء خلال القيادة، كأن تتأخر في الكبح، أو أن تعتمد مسارًا منحرفًا عن مسار السباق المثالي. وفي العادة على متن السيارات التقليدية، فإنّ هذا الأمر يؤدي إما إلى استدارة السيارة حول نفسها، وإما خروجها عن المسار. أما على متن 750 S، فعندما حملت معي سرعة عالية باتجاه المنعطف الأخير لحلبة دبي بدأ المحور الخلفي بالانزلاق، لكنّ الأمر لم يتطلب مني سوى حركة معاكسة بسيطة على المقود لتعود السيارة إلى مسارها الصحيح. فحتى خلال الانزلاق تشعرك السيارة أنك لا تزال تسيطر عليها، وهذا يترك لك هامشًا للتفكير بما يجب عليك فعله لا أن تستسلم لقدرك وتترك عملية القيادة آمِلاً ألّا يكون الاصطدام عنيفًا.