هل يمكن شم الضعف؟.. "الليمور" يستطيع!
دعنا نتخيل موقفًا، يتعارك فيه شخصان مع بعضهما، فكيف يشعر أحد الشخصين أن الشخص الآخر ضعيف، وأن لديه الأفضلية عليه، وأنه يستطيع القضاء عليه بسهولة، غالبًا ما يستخدم البشر نظرات العيون من أجل معرفة ذلك، بالإضافة إلى النمط المعروف وهو الإصابات، لأن الإصابات تجعل الشخص ضعيفًا أكثر، وتجعل المنافس له الأفضلية عليه.
لكن هل يمكنك تصديق أنه يمكن شم رائحة الضعف؟ بل يمكن من خلال الرائحة أن يعرف الشخص أن منافسه ضعيف، وأن له الأفضلية عليه، ولكن هذا لا يحدث في البشر، لأن البشر لا يمتلكون غددًا خاصة لإفراز رائحة يمكن للبشر الآخرين شمها وتفسيرها، ولكن دعنا نقل إنه توجد حيوانات تستطيع شم رائحة الضعف، وتستطيع التعامل من خلالها.
البشر لا يمكنهم خداع حيوان "الليمور (Lemurs)"، فحيوان الليمور الذي يمتلك ذيلاً حلقيًّا يستطيع شم رائحة الضعف، ويستخدم الليمور هذه الرائحة من أجل تقييم الخصوم، وهذا يعني أن هذه الثدييات الصغيرة عندما تتعارك فيما بينها لا تستطيع خداع بعضها، من خلال النظرة القوية فقط، بل يجب أن تحافظ على الرائحة القوية أيضًا، ولكن إذا كانت حيوانات الليمور بالفعل تستطيع أن تشعر أو تشم رائحة الضعف، فكيف تستطيع أن تشم تلك الحيوانات حرفيًا خصومها؟
رائحة الضعف
تمتلك ذكور وإناث حيوان الليمور ذيولاً حلقية، وتمتلك هذه الحيوانات غددًا ذات رائحة موجودة في مناطق التناسل، بينما يمتلك الذكور فقط غددًا أخرى في المعصم والكتف، وكل منها يُنتج رائحة مختلفة، وهذا العطر الشخصي يكشف الكثير عن صحة الليمور.
وأظهرت دراسة استمرت عقدًا من الزمن، أن الليمورات ذات الذيول الحلقية التي تعاني إصابة تقلل مؤقتًا من رائحة أجسامها الفريدة، وهذه الروائح تكلف الكثير لإنتاجها، وهذا الفقدان في الرائحة يخلق نقصًا يمكن لباقي الليمورات أن تستغله، ونُشرت هذه الدراسة في مجلة "Scientific Reports".
الجدير بالذكر أن الليمورات كائنات اجتماعية إذ نجد أنها تعيش في مجموعات اجتماعية تُعرف باسم "الفصائل"، ويقود الفصيلة أنثى سائدة، ولكن كل من الذكور والإناث تستخدم العدوانية وعلامات الرائحة من أجل الحفاظ على الوضع الاجتماعي الخاص بكل منها، وهذا ما يوضحه الباحث الرئيس والعالم السلوكي والبيئي "راشيل هاريس"، الذي كان يُجري بعض الدراسات في جامعة ديوك في ذلك الوقت.
تُعد الليمورات من أصعب الكائنات الحية، فالإناث هي الكائنات السائدة في الفصائل وهي الأكثر عدوانية، وهذا ما أوضحته عالمة الأنثروبولوجي في جامعة ديوك "كريستين دريا"، إذ تقول: "تقاتل ذكور الليمور بعضها، وفي نفس الوقت تقاتل الإناث بعضها، ولكن من أجل السيطرة، وتستطيع الإناث مقاتلة الذكور، فهن إناث غاضبات قليلاً".
تعاني هذه الحيوانات كثيرًا الإصابات في أثناء القتال، وأجرت الدراسة الأخيرة تحليلاً لإفرازات التناسل لـ 23 ليمورًا، وهذه الليمورات كانت قد تعرضت لإصابات، وأغلب هذه الإصابات في المعارك، ثم قارن العلماء الروائح قبل الإصابة، وفي أثناء الإصابة، وبعد الشفاء.
ووجد العلماء أنه بمجرد الإصابة، فإن التوقيع العطري يتلاشى بالكامل أو ينخفض بشدة، كما وجد العلماء أن الليمورات المُصابة فقدت حتى 10% من رائحتها، بالإضافة إلى فقدان مركبات كاملة من المئات التي تعمل على تكوين الرائحة.
ببساطة ولتوضيح الأمر فإن حياة الليمورات عبارة عن العديد من المعارك والصراعات بين أبناء المجتمع سواء ذكور أو إناث، ويفرز الليمور السليم كمية من الرائحة، التي تدل على أنه سليم وليس ضعيفًا أو غير مُصاب، ولكن عندما يتعرض الليمور لإصابة ما، سواء في المعركة أو غير ذلك، فإن جسمه يفقد القدرة على إنتاج نفس الكمية من الرائحة الطبيعية له.
يؤدي هذا إلى نقص رائحة جسمه، وتشم هذا النقص الليمورات الأخرى، ويُفسر هذا النقص على أن هذا الليمور ضعيف حاليًا، وأنه مجروح أو مُصاب ويسهل التغلب عليه، لذلك فإن نقص الرائحة عائق اجتماعي بالفعل.
خدعة الليمور
وضع الليمورات الاجتماعي يعتمد على كلٍّ من جودة الرائحة والكمية التي تفرزها أجسامها، لذلك لكي تستطيع الليمورات البقاء في المنافسة، فإن الليمور سوف يضع علامات على الأشجار والفروع بمفرده، كما سيضع علامات فوق الروائح التي تركتها الليمورات الأخرى.
وكانت ذكور الليمور التي اكتشفت إشارة رائحة ضعيفة أكثر عُرضة لوضع رائحتها الخاصة على نقطة أو علامة وُضعت بواسطة ليمور مُصاب لتمييزها خوفا من خطرها.
هذا يعني أن الذكر يرى الليمور الذي وضع علامة عليه كمنافس أضعف، وسيكون لدى الذكر المصاب قدرة منخفضة على الخروج ووضع العلامات مرة أخرى، لذلك فإن الروائح المنخفضة للذكور لها عواقب خطيرة على وضعها الاجتماعي في المجموعة. ويقول "هاريس": "قد تفقد الحيوانات المصابة وضعها الاجتماعي الرفيع، أو قدرتها على الوصول إلى شركاء محتملين".
هذا الأمر لا يحدث في ذكور الليمور فقط، إذ وجدت النتائج أن السلوك نفسه قد يحدث في الإناث، على الرغم من عدم وجود بيانات كافية للتأكيد، ولكن الإناث تهتم بالرائحة بقدر اهتمام الذكور، ويقول "هاريس": "قد يوجد أكثر من 300 مكون مختلف في رائحة الإناث، بالمقارنة بنحو 200 مكون فقط في رائحة الذكور، وتفحص الإناث عن كثب علامات الرائحة لتقييم الخصوم خاصةً من الإناث".
كما تؤكد الدراسة أن الروائح الفريدة من نوعها تتطلب كثيرًا من الطاقة لإنتاجها، كما يظهر من خفض الحيوانات المصابة لها في أثناء الشفاء، وتقول "دريا": "الحيوان القوي والقوي للغاية فقط هو القادر على إنتاج هذه الرائحة الفريدة".
مجتمع الليمور هو مجتمع عدواني، فالجميع يتعارك ويحاول الليمور دائمًا البقاء في حالة قوية دون إصابات، وذلك لكي يستطيع إنتاج الرائحة والاستمرار في العمل، وإنتاج نفس الكمية والجودة، وذلك لكي يشم جميع الليمورات الأخرى رائحة القوة منه، ومن ثم يستطيع الحفاظ على مركزه الاجتماعي.
تخيل أن يحدث ذلك في البشر، ويكون لدينا غدد تفرز رائحة، وهذه الرائحة تدل على قوتنا، وعندما نُصاب أو نتعرض لأي شيء يجعلنا ضعفاء، تقل هذه الرائحة، ويشم الآخرون رائحة الضعف منا، فا يا تُرى ماذا يمكن أن يحدث؟