كيف تتعلم أي شيء بسهولة؟ تقنية "فاينمان" هي الحل
هناك كثير من تقنيات التعلم التي يمكن استخدامها لمساعدة الأشخاص على التحصيل الدراسي، أو تَشَرُّب الأنواع المختلفة من المعرفة واستيعابها، ولكن على اختلاف هذه التقنيات وحيثياتها، تظل تقنية فاينمان "Feynman Technique" إحدى أفضل التقنيات العملية المطروحة.
ما هي تقنية فاينمان Feynman Technique؟
هي تقنيةٌ أو طريقةٌ للتعلم ابتكرها الفيزيائي العظيم والحاصل على جائزة نوبل في نفس المجال؛ ريتشارد فاينمان. باستخدام هذه الطريقة يمكنك أن تتعلم أي شيء تريده مهما كان مُعقدًا شريطةَ أن تُطبق الخطوات بطريقة سليمة.
على الرُغم من مكانة "فاينمان" المرموقة وعقله الفذ والعبقري، فإنه كان مؤمنًا بعدم وجود أُناس خارقين، وأن كل الأشخاص الذين برعوا في مجالاتهم لم يكونوا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه لولا الاجتهاد، حيث يقول -بتصرف-: "لا يوجد أُناسٌ خارقون؛ كُل ما في الأمر أنهم كانوا شغوفين بشيء ما ومن ثَم تعلموه. إنهم أشخاص عاديون".
ويعتقد كثيرون ممن سمعوا بـ"ريتشارد فاينمان"، وكل حاصلٍ على نوبل عمومًا، أنهم يمتلكون ذكاءً وموهبةً فطرية، والحقيقة -بحسب "فاينمان" نفسه- أن السر يكمن في المنهجية التي يتبعها أولئك النابغون حتى يصلوا إلى ما وصلوا إليه.
وفكرة أن مُبتكر هذه التقنية قد أسهم في تطور مجالات مُعقدة للغاية كما ميكانيكا الكم وفيزياء الجزئيات، بل ومهّد الطريق لمجالِ الحوسبة الكمية لهي فكرة تدعو للدهشة، لا سيّما أنه كان يعتبر نفسه شخصًا عاديًا لم يفعل شيئًا سوى المُذاكرة بجد!
يقول جيمس جليك James Gleick، وهو مؤلف كتاب السيرة الذاتية لريتشاد فاينمان "Genius: The Life and Science of Richard Feynman": في فترة الدراسات العليا، وفي أثناء التحضير لامتحانه التأهيلي الشفهي، لم يختر "فاينمان" أن يدرس الخطوط العريضة والمعروفة للفيزياء، وبدلاً من ذلك، قرر الذهاب إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT وجلب دفترًا مُعنونًا إياه "دفتر الأشياء التي لا أعرفها" وأخذ يُفكك كل فرعٍ من فروع الفيزياء ثم يعيد تجميعها مرة أخرى ليحاول فهم كل شيء، وبعدما انتهى كان لديه دفتر ملاحظات يفتخر به.
نبذ "فاينمان" الطُرق التقليدية للمذاكرة، وكان يؤمن بأن هذه العملية ينبغي أن تكون بالمحاولة والخطأ "trial and error"، والاستكشاف، والتساؤلات المفتوحة. واعتبر الفيزيائي أنه "إذا لم تتمكن من شرح شيء ما بوضوح وبساطة، فذلك يعني أنك لم تفهمه جيدًا".
اقرأ أيضًا: "الإخوة الأعداء".. كيف نشأت إمبراطوريتا "Adidas" و"Puma"؟
كيف تتعلم أي شيء باستخدام تقنية فاينمان؟
تتكون تقنية فاينمان من 4 خطوات رئيسة تبدأ بمجرد معرفة الشيء المُراد تعلّمه وتنتهي بالتمكن من هذا الشيء، أو على الأقل بالتمكن من شرحه لشخصٍ آخر لا يعرف حتى الأساسيات.
1. تعلّم Study
تدخل الخطوة الأولى من تقنية فاينمان مُباشرةً في صُلب الموضوع، فبعد تحديد الشيء المُراد تعلمه يجب البدء في عملية التعلم مباشرة ودون فلسفة. اقرأ وانهل من المعرفة بقدر ما تستطيع حتى تُلِمَ بالأساسيات أو بالجزء الذي تُحدده لنفسك، ونحن هنا لا نخص مجالاً مُعينًا بالذكر، فبالرغم من أن المقصود عادةً يكون مجالاً من مجالات الدراسة، فإن هذه الخطوة -كما بقية الخطوات- تنطبق على أي شيء تريد تعلمه.
فإذا قلنا مثلاً إنّ شخصًا ما يود تعلّم الشطرنج بتقنية فاينمان، فالخطوة الأولى تكون بتعلم الأساسيات؛ معرفة أسماء القطع وحركاتها والهدف من اللعبة وكيفية الفوز فيها وأبسط استراتيجياتها وهكذا.
2. عَلِّم Teach
تهدف الخطوة الثانية من الخطوات الأربع لتقنية فاينمان إلى ترسيخ المعلومات التي اكتسبتها في المرحلة الأولى، وذلك ببساطة عبر نقل هذه المعلومات لشخصٍ آخر أو لعدة أشخاص، وإذا لم يكن هذا الخيار متوفرًا، فعلّم نفسك أو تخيل جمهورًا وجُد إليه بما لديك، ولكن إذا أردت أن تُحقق أقصى استفادة وتطبق التقنية بحذافيرها، فحاول أن تجد أُناسًا حقيقيين لأن تعليقاتهم وأسئلتهم ستساعدك للغاية في الخطوة الثالثة.
على سبيل المثال: إذا علّمت شخصًا ما كيفية التبييت القصير في الشطرنج وأخبرك بأنه سمع أن هناك طريقتين للتبييت وليس طريقة واحدة -وهذا صحيحٌ بالفعل-، فستدرك أن هناك فراغًا بحاجة إلى أن يُملأ، وهذا يأخذنا إلى الطريقة الثالثة.
3. املأ الفجوات Fill the Gaps
بفضل التغذية الراجعة "feedback" التي حصلنا عليها في الخطوة السابقة، عرفنا أننا يجب أن نعود للخطوة الأولى مُجددًا، أي نعود للتعلم من المصدر نفسه -يمكنك أن تستعين بمصادر أخرى أيضًا- مع التركيز على الفجوة المتمثلة في عدم درايتنا بأن هناك طريقة ثانية للتبييت؛ نتعلّمها ثم نُعاود تعليمها مجددًا، لنفس الشخص أو لأشخاص آخرين، ونتنظر التعليقات أو الأسئلة الجديدة. إن كانت هناك فجوات، فنكرر الخطوات، عدا ذلك ننتقل إلى الخطوة الرابعة.
اقرأ أيضًا:"شيخوخة الأثر الرجعي".. لماذا يظهر مراهقو الأجيال السابقة كما لو كانوا عجائز؟
4. بسّط المعرفة Simplify
بعد أن تعلَّمنا وعلَّمنا، ثم تعلَّمنا مرة أخرى إلى أن وصلنا لمرحلة متقدمة من المعرفة، من المفترض أننا أصبحنا متمكنين، ليس من لعبة الشطرنج نفسها بالطبع إذ تحتاج إلى سنوات طويلة لكي تُحتَرَف -كمعظم المجالات الأخرى-، ولكن من تبسيط المعلومات وشرحها إلى شخصٍ لا يفقه عنها شيئًا، بل في الواقع إلى طفل لا يزال معجم كلماته متواضعًا.
بالوصول إلى هذه الخطوة، يمكن للشخص أن يعتبر نفسه مُتمكنًا من موضوع ما ويكافئ نفسه لأنه، ومثلما قيل: "إذا لم تتمكن من شرح شيء ما بوضوح وبساطة، فذلك يعني أنك لم تفهمه جيدًا"، وكونك تمكنت من شرحه وأبدعت فيه عن طريق تبسيط المفاهيم، فهذا يعني أنك تفهمه جيدًا وعلى وشك أن تصبح خبيرًا إن لم تكن كذلك بالفعل.
فوائد تقنية فاينمان
علاوة على أنها عملية ويمكن تطبيقها بسهولة، تتميز تقنية فاينمان بفاعليتها في سد الفجوات المعرفية كما يتضح لنا في الخطوة الثالثة. أغلب الظن أن معظمنا لديه قصور معرفية لا تظهر إلا عند وضعها تحت الاختبار، سواء كان هذا الاختبار اختبارًا دراسيًا تقليديًا، أو اختبارًا حياتيًا يتمثل في المواقف التي يتعين علينا فيها أن نوظف معرفتنا بشكل ما.
من فوائد تقنية فاينمان أيضًا أنها تُحسّن من مهارات التواصل لدينا، إذ لما تتعلم شيئًا ما وتحتفظ به لنفسك في حين أنك تستطيع تعلم هذا الشيء وتعليمه للآخرين، وبهذا تُرسّخ مما تعلمته وتُحسن من مهارات التواصل لديك في الوقت نفسه؟
أخيرًا وليس آخرًا، والأهم من كل شيء، أن تقنية فاينمان تُمكننا من تعلم أي شيء، مهما كان عصيًا على الفهم، وبطريقة منهجية ومنُظمة، وهذا يُسهل علينا كثيرًا في أثناء رحلتنا التعليمية التي لا تنتهي.