"الكايزن" اليابانية.. فلسفة "التغيير للأفضل" لتحسين العمل والحياة الشخصية
تعج الثقافة اليابانية بكثير من المفاهيم العميقة التي تساعد الفرد في حياته، بشكلٍ عام وعلى مختلف الأصعدة. من هذه المفاهيم نجد "الكايزن- Kaizen" أو فلسفة التحسين المُستمر، التي تُطبَّق -بشكلٍ أساسي- على مستوى ريادة الأعمال أو البيزنس، ولكنها أيضًا قابلة للتطبيق على المستوى الشخصي.
ما هو الكايزن بالتحديد؟
وُلِدَ مُصطَلح "الكايزن" من رحم مجال ريادة الأعمال في اليابان، وبالتحديد من داخل شركة "Toyota" بعد الحرب العالمية الثانية. لفظة "كايزن- Kaizen" نفسها مُشتقة من كلمتين؛ "Kai" وتعني التغيير و"zen" وتعني الجيد، أي "التغيير للأفضل"، وهذا المصطلح هو نهجٌ أو فلسفة تسعى إلى التحسين المستمر عملاً بمقولة: "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة"، أي أن الخطوات الصغيرة المُستمرة هي ما تصنع التغيير الكبير والواضح.
يقوم "الكايزن" على "الَنفَسِ الطويل" ويخالف التغييرات الراديكالية التي تحاول اقتلاع المشكلات من جذورها بغض النظر عن حجم هذه المشكلات.
"الكايزن" هو مُصطلحٌ واسع المعنى ويُمكن أن يُفسَّر بأكثر من طريقة، ولهذا نجده يدخل في كثير من الصناعات، بل في قطاع الصحة، بأكثر من شكل وبتطبيقات مختلفة. كذلك يُمكن أن يُطبَّق "الكايزن" على مستوى الأفراد ويُتَّخذ كمنهج حياتي لتحسين جودة الحياة.
مبادئ الكايزن
لفلسفة "الكايزن" مجموعة من المبادئ، وبالتحديد 10 مبادئ، يجب أن تكون موجودة بكلِ عقلٍ يرغب في تحقيقها. المبادئ القادمة تسري على الأفراد والحالات الخاصة مثلما تسري على الشركات، وهي:
1. لا تعتمد على الافتراضات.
2.كن سباقًا في حل المشكلات.
3. لا تقبل بالوضع الراهن "إذا كان يحتاج إلى تحسين".
4. لا تسعى وراء الكمال؛ واعتمد على الروتين.
5. عندما تجد الأخطاء، ابحث عن الحلول "أي لا تتذمر وتندب الحظ".
6. أخلق بيئة تُساعد الجميع على الإنتاجية.
7. حاول أن تصل لجذور المشكلة ولا تُقيّمها من الخارج.
8. جمّع الآراء والمعلومات من أكثر من شخص ولا تعتمد على فردٍ واحد.
9. حل المشكلة بأقل التكاليف ولا تنسى أهمية التحسينات الصغيرة.
10. إياك والتوقف عن التحسن.
اقرأ أيضًا: كل يوم فرصة جديدة.. 4 أسرار للوصول إلى "عقلية" رجل الأعمال الناجح
كيف يعمل الكايزن؟
تؤمن فلسفة الكايزن بأن أي شيء قابل للتحسين، ولا شيء يبقى على حالته الطبيعية مهما كان. إضافة إلى ذلك، تقوم هذه الفلسفة على مبدأ احترام الناس كما تعمل على تحديد المشاكل وحلها وإيجاد الفرص واستغلالها، والأهم من ذلك أن هذه العملية تستمر في دائرة إلى أن يُعَالَج الأمر بشكلٍ كافٍ.
هناك ما يُسمى بـ "دائرة كايزن للتحسين المستمر- Kaizen cycle for continuous improvement" والمُعتمدة على نفس المبدأ -التحسين المستمر-، والتي يمكن اعتبارها بمثابة الطريقة المنهجية لتطبيق فلسفة الكايزن. تتكون الدائرة من 5 مبادئ أساسية، بالاطلاع عليها ستعرف كيف تعمل فلسفة الكايزن:
1. استشر الموظفين: يمكن للموظفين أن يُساعدوا أصحاب الأعمال في تحديد المشكلات، ومن ثم حلها بشكل أكثر فاعلية. على المستوى الشخصي، يمكن أن نستبدل باستشارة الموظفين توكيل الآخرين، حيث يُنصَح دائمًا بتوكيل الآخرين بالمهام التي يمكن أن تتجنب إضاعة وقتك الثمين عليها ما دام هذا الخيار متاحًا.
2. حدد المشكلات بدقة: وذلك بالحصول على تغذية رجعية "feedback" مُستمرة من الموظفين "في حالة تطبيق فلسفة الكايزن على عالم الأعمال"، أو من الأشخاص الذين يقعون بدائرة محيطك "في حالة تطبيق الفلسفة على المستوى الشخصي"، إذ سيساعد ذلك على تحديد المشكلة بدقة، وبالتالي أيضًا حلها بدقة.
3. أوجد حلاً جماعيًا: عندما يُفكر أكثر من شخصٍ لإيجاد حل مشكلة ما، فعادة ما تكون النتائج أفضل، ولهذا تنصح "الكايزن" بإشراك الموظفين أو الأشخاص المحيطين بك في العمل على إيجاد الحلول.
4. اختبر هذه الحلول واختر أفضلها: في "الكايزن" لا يكفي أن تُجد حلاً فقط، بل وتختبره، ولهذا من المهم جدًا أن تُقارن بين الحلول وتختار أفضلها.
5. حلل وقيم النتائج: سل نفسك: "هل كانت النتائج مُرضية"؟ إذا كان جوابك بنعم فأنت تسير على الطريق الصحيح، وإلا فأعد اختبار الحلول وجد حلاً أفضل وقيّم نتائجه إلى أن تصل إلى نتيجة مرضية.
"حدث الكايزن- Kaizen Event".. استخدام الكايزن في العصر الحديث
في عصرنا هذا يتم استخدام "الكايزن" بهدف حل مشكلة معينة في خلال أسبوع واحد فيما يُعرَف بـ "حدث كايزن- Kaizen Event"، وهو عبارة عن مشروع مُركَّز يهدف إلى إحداث تغيير فيصليّ في فترة قصيرة من الزمن تتراوح ما بين اليومين وحتى العشرة أيام. ولكي يُحقق "حدث الكايزن" الهدف المرجو منه، فيجب أن يكون واضحًا في تحديد الهدف المنشود.
اقرأ أيضًا: اكتشف "فن الاستنباط".. طريقك الذكي لتطوير شخصيتك ومهاراتك العملية
لحدث الكايزن فوائد عديدة منها:
1. تطوير القيادة: حيث يتطلب الـ "Kaizen Event" وجود قائد للفريق، والأهم من ذلك أن هذا القائد لا يُشتَرَط أن يكون من الطاقم الإداري للشركة، هو فقط سيكون مسؤولاً عن التنسيق والتسهيل من عملية إدارة المشروع أو الحدث، وعليه سيتم تطوير القيادة بشكلٍ عام، لا سيّما وإن كان القائد من طاقم الموظفين.
2. التشجيع على العمل الجماعي: من أجل تحقيق الهدف المنشود من "حدث كايزن"، يجب أن تتضافر جهود جميع الموظفين، وهذا يُعطي شعورًا بالانتماء ويقوي من الأواصر الموجودة بينهم، وبالتالي يُساعد "حدث الكايزن" الموظفين ليس فقط على مستوى إشراكهم بفريق واحد والعمل بشكلٍ جماعي، وإنما على تقبل التغيير، بل يُحسّن من مهاراتهم عن طريق التعلم من بعضهم .
3. البقاء في الطليعة: وذلك لأن "حدث الكايزن" يُساعد المؤسسات والشركات على تقديم خدماتها بتكلفة أقل وفي وقت أسرع من المنافسين الذين يعتمدون على استراتيجيات أخرى.
ما التحديات التي تواجه "حدث كايزن"؟
في أثناء رحلة تبني هذه الاستراتيجية، ستواجه تحديات عصية من غير المُستَبعد أن تعيق التقدم. من هذه التحديات أن تكون الشركة وموظفيها جامدين لا يتمتعون بحس التغيير المفاجئ، أي أن المرونة لديهم تكاد تكون منعدمة بغض النظر عن الأسباب.
يتضمن حل هذه المشكلات إشراك الموظفين بسرعة في المراحل المُبكرة من "حدث كايزن"، وجعلهم على دراية بالتحديات والفوائد التي ستعود على الشركة كلها إذا نجحت الاستراتيجية. كذلك يمكن للدعم المستمر من الإدارة للموظفين أن يُساعد في التغلب على هذه التحديات والمشاكل عن طريق خلق بيئة بناءة وقابلة للتغير.
مستقبل حدث كايزن
توظف الشركات الآن التقنيات والمفاهيم المُنتشرة في سوق العمل بداية من الأتمتة "Automation" وحتى الذكاء الاصطناعي "AI" وتحليل البيانات "data analytics" في استراتيجيات الكايزن المُستخدمة حتى يضمنوا أفضل كفاءة وفعالية، وكون هذه المفاهيم الطارئة -التي لم يعد بإمكاننا الاستغناء عنها- لا تتعارض مع الكايزن، بل تُحسّن منه، فمن المتوقع أن يزدهر مُستقبل هذا المفهوم.
في النهاية، تُعَد فلسفة الكايزن أحد أفضل النُهُج التي يمكن استخدامها على مستوى الأفراد، وبالأخص الشركات كما رأينا، ولأنها تتكيف بسهولة مع المصطلحات والمفاهيم الحديثة، فمن المتوقع أن يتم تبنيها والتحسين منها في المستقبل لتكون حتى أفضل مما نراه الآن.