كيف امتلكت "بيبسي" سادس أقوى جيش في العالم؟
من منا لا يحب المشروبات الغازية، أو دعنا نقل لا يُدمنها؟ نعم، فهذه المشروبات اللذيذة والمليئة بالسكر يُمكن أن تُدمَن بدرجات تختلف من شخصٍ لآخر. ولكن مهما وصلت درجة إدمانك لها، فتأكد أنها لا شيء مقارنة بإدمان الشعب الروسي الذي دفعهم إلى شىء لن تتوقعه البتة؛ شيء جعل شركة "بيبسي" تمتلك ما يُزعَمُ أنه سادس أقوى جيش في العالم وقتها!
الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة يستعرضان عضلاتهما
في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وبالتحديد في عام 1959، أراد الرئيس الأمريكي وقتها، "دويت أيزنهاور"، أن يستعرض فوائد النظام الرأسمالي ويورّد ثقافة بلاده إلى الاتحاد السوفيتي الذي لم يلبث أن أعاد العلاقات مع الولايات المتحدة، وذلك بغض النظر عمّا نتج عن هذا الانفتاح لاحقًا، وعن دوره البارز في نشوب حرب باردة بين الطرفين.
بمناسبة هذا الانفتاح نظَّمت الولايات المتحدة معرضًا وطنيًا عُرِف بـ "المعرض القومي الأمريكي- American National Exhibition" في العاصمة موسكو، وبالطبع تمت دعوة رئيس السوفييت وقتها "نيكيتا خروتشوف".
وعلى الهامش نظم الاتحاد السوفيتي هو الآخر معرضًا لاستعراض عضلات الشيوعية في مدينة نيويورك، ولكن أحداث قصتنا دارت في معرض الولايات المتحدة الذي أُقيم في موسكو.
لم يُسافر الرئيس الأمريكي بنفسه إلى موسكو لحضور افتتاحية المعرض، وإنما أرسل نائبه "ريتشارد نيكسون"، والذي أصبح -بالمناسبة- الرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة. وعندما التقى "نيكسون" بـ"خروتشوف"، بدأت الأمور تأخذ منعطفًا احتداميًا بعض الشيء.
اقرأ أيضًا:7 اكتشافات علمية كانت تستحق الفوز بنوبل.. هل تعرفها؟
مناظرة المطبخ
لعب "نيكسون" دور المرشد السياحي، واقتاد "خروتشوف" في جولة حول المعرض المُقام على أراضي بلاده، وما هي سوى لحظات حتى بدأت المناوشات الكلامية تتطاير هنا وهناك؛ فعندما استعرض "نيكسون" التلفزيونات الأمريكية الحديثة للدلالة على تطور تكنولوجيا بلاده، باغته "خروتشوف" بإدانة قرارات الكونغرس الأمريكي، بل سخر من التكنولوجيا الأمريكية المعروضة، زاعمًا أن السوفييت سيمتلكون هذه التكنولوجيا في غضون بضع سنوات.
لم يكن "نيكسون" ذلك الوديع الدبلوماسي الذي يبتسم للاستفزازات ويصمت، فاستغل الفرصة وقال لـ"خروتشوف": "لا يجب على الزعيم السوفيتي أن يخاف الأفكار، ففي نهاية المطاف، أنت لا تعرف كل شيء"، وهنا يستغل "خروتشوف" الأمر ويُقحِم الشيوعية في الحوار قائلاً: "أنت الذي لا تعرف عن الشيوعية سوى الخوف منها"!
ومع احتدام هذا النقاش الذي كان يدور في نموذج يُحاكي شكل المطبخ -لهذا سُميت بمناظرة المطبخ Kitchen debate-، بدأت الأصوات تتعالى وأصابع الاتهام تتناقل بين هذا وذاك، وفي تلك اللحظة استغل بطل قصة اليوم، ونائب رئيس شركة بيبسي وقتها، "دونالد كيندال"، الفرصة وتدخل بحجة تهدئة النقاش مُعطيًا الزعيم السوفيتي كوبًا من مشروب الصودا اللذيذ، ليرتشفه "خروتشوف" وتنجح خطة بيبسي "الرأسمالية" التسويقية لدخول السوق السوفيتي.
ويجدر بالذكر أن "دونالد كيندال" كان قد اتفق مع "نيكسون" على هذه الحركة التسويقية منذ البداية، وذلك ليذيق "خروتشوف" طعم الرأسمالية المتمثل في مذاق مشروب الشركة السكري، مُحاولًا بذلك أن يدخل السوق السوفيتي.. "على البيبسي أن تصل إلى يد خروتشوف" هكذا أخبر "كيندال نيكسون".
غزو الأسواق الروسية
أعجب مشروب بيبسي الرئيس "خروتشوف" على الفور، وحتى أنه طلب المزيد لمعاونيه، ولكن على الرغم من ذلك، تطلب الأمر بضع سنوات إضافية حتى تمكنت شركة بيبسي من غزو الأسواق الروسية، وذلك ما حدث في عام 1972.
ويرجع سبب تأخر دخول الشركة الأمريكية إلى الأسواق السوفيتية إلى عملة السوفييت نفسها، وهي "الروبل"، التي لم يكن معترفًا بقيمتها خارج أسوار البلاد، ولهذا كان لا بد من إيجاد طريقة أخرى مبتكرة لإبرام الصفقة، وكلمة السر كانت في المقايضة.
أُبرِمَ الاتفاق المبدئي وبالفعل وافقت شركة "بيبسي" على أحد المشروبات الروسية مقابل تقديم مشروبها اللذيذ للشعب الروسي، لا سيّما أنها أمام فرصة تاريخية لتكون أول شركة غربية تُدخِل منتجاتها للاتحاد السوفيتي.
ولكن بحلول الثمانينيات، فاقت مبيعات المشروب الغازي المتوقع، وأصبح السوفييت يتهافتون عليه لدرجة أن الشركة الأمريكية لم تعد بحاجة إلى المشروب الروسي، خاصةً أن حاجتها للعملة الصعبة كانت تتفاقم، والأهم من ذلك أن الأمريكان قاطعوا ذلك المشروب احتجاجًا على الحرب الروسية في أفغانستان، وبالتالي لم يُعد للمشروب الروسي قيمة تُذكر.
لهذا السبب كان لزامًا على السوفييت أن يجدوا حلاً مُبتكرًا لإشباع حاجتهم تجاه مشروب البيبسي، وبالفعل وجدوا الحل، ولكنه كان حلاً عجيبًا بعض الشيء؛ إذ لجأ الاتحاد السوفيتي إلى فائض ترسانتهم العسكرية وقرروا بيع بعضها لشركة المشروبات الغازية الوديعة، والغريب أن الشركة الأمريكية وافقت!
وفي عام 1989، يُوَقَّع اتفاق جديد مقابل 17 غواصة وفرقاطة وطراد "سفينة حربية كبيرة" ومدمرة، أي مقابل ترسانة لا يوفّيها وصف الضخامة حقها؛ ويكفي أنه بفضل هذه الترسانة الحربية أصبحت شركة بيبسي تمتلك -بشكل غير مباشر- سادس أقوى جيش في العالم!
ولأن "بيبسي" ليست مهتمةً بالحروب العسكرية، وكما هو متوقع وبديهي، قررت الشركة الأمريكية أن تبيع هذه الترسانة الهائلة بمبلغ 3 مليارات دولار!
ومن الطريف أن "دونالد كيندال"، نائب رئيس شركة "بيبسي" الذي أصبح رئيسها التنفيذي بعد ذلك، والذي يُعزى إليه الفضل في حدوث هذه القصة، قد أخبر مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقًا "برنت سكوكروفت" بأنه يُفكك الاتحاد السوفيتي، وينزع أسلحته أسرع من مستشار الأمن القومي شخصيًا.
انهيار الاتحاد السوفيتي أسعد الجميع إلّا "بيبسي"
بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات، وبالتحديد في عام 1991، انتاب السرور الولايات المتحدة الأمريكية وجميع الرأسماليين في العالم وكل من كان يُكن العداء للشيوعية بشكل عام، إلّا شركة بيبسي، فقد خسرت سوقًا لن يُعوَّض.
حتى أن "دونالد كيندال" حاول جاهدًا أن يستكمل عمله في السوق الروسية، ولكن محاولاته باءت بالفشل. ويُذكر أنه -كيندال- حينما تولى منصب المدير التنفيذي بالشركة، أعلن عن صفقة مدوية أسماها بـ "صفقة القرن"، وزعم أنها ستضاعف من مبيعات الشركة القادمة من السوق السوفيتي، ناهيك بأنه وصفها بـ "الصفقة الأكبر والأوسع نطاقًا على الإطلاق في تاريخ مجال السلع الاستهلاكية".
كان هذا الإعلان في التاسع من إبريل عام 1990، وكان مفاد الصفقة أن يبني الاتحاد السوفيتي 10 ناقلات نفط لـ"بيبسي" لتستمر العلاقات في التطور والازدهار، ولكن مثلما أشرنا، أفسد انهيار الاتحاد السوفيتي كل مخططات الشركة الرأسمالية، بل المثير للسخرية أن المنافس الأشرس لـ"بيبسي"، مشروب كوكا-كولا، هو الذي خطف الأضواء وتسلم راية "البيزنس" في روسيا بعد ذلك.
ولقصة تسلم "كوكا-كولا" الراية حكاية طويلة تعود جذورها إلى دورة الألعاب الأوليمبية التي أُقيمت في موسكو عام 1980، ولكن البداية الحقيقية لشركة "كوكا-كولا" في روسيا ترجع إلى عام 1992 عندما بدأ الإنتاج المحلي لمشروبهم في البلاد، وحتى وصول استثمارات الشركة هناك إلى ما يزيد عن 6 مليار دولار بحلول عام 2019، وامتلاكهم لأكثر من 10 مصانع تمتد من العاصمة موسكو لمدينة سانت بطرسبرغ.