كيف تستفيد من "أثر الفراشة" في تغيير حياتك؟
"هل رفرفة أجنحة فراشة في البرازيل يمكن أن تؤدي إلى إعصار في تكساس؟" طرح العالم الأمريكي "إدوارد نورتون لورينز" هذا السؤال منذ ما يزيد على الخمسين عامًا، وبالتحديد في عام 1972 على هامش الاجتماع الـ 139 للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم.
أشار ذلك السؤال إلى مفهوم "تأثير الفراشة- Butterfly effect" الذي صاغه نفس العالم في ستينيات ذلك القرن. ولم يهدف "لورينز" بهذا السؤال أن يحصل على جوابٍ بنعم أو لا، وذلك ببساطة لأن الجواب معروف، وهو: لا أحد يعلم يقينًا ما إذا كانت رفرفة أجنحة فراشة في البرازيل يمكن أن تتسبب في حدوث إعصار بتكساس، ولكن ما نعرفه جيدًا هو أن الأمر ممكن، بل يحدث بالفعل باختلاف السيناريوهات.
ماذا يعني تأثير الفراشة Butterfly effect؟
يتجسد مفهوم تأثير الفراشة في كل شيء حولنا تقريبًا، ويُستَخدم للإشارة إلى أثر فعلٍ صغير في حدوث أمور كبيرة وضخمة. ولعل أوضح مثالٍ عايشناه جميعًا كان فيروس كورونا المستجد، الذي تفشى في العالم كله نتيجةً لفعل تافهٍ صُدِمنا عندما عرفناه.
فبحسب العديد من الدراسات، فإن الفيروس قد انتشر في العالم أجمع نتيجةً لممارسات بيع الحيوانات الحية في سوق المأكولات البحرية بمدينة ووهان الصينية، فهناك ظهرت الحالات الأولى التي تناقلت الفيروس بينها، ومن ثم نقلته للعالم أجمع مثل تأثير الدومينو.
لك أن تتخيل أن فعلاً بسيطًا كهذا قد تسبب في موت قرابة الـ 7 ملايين شخص -ناهيك عن الحالات غير المُسجّلة- وإصابة حوالي 700 مليون آخرين. كُل هذا لم يكن ليحدث -على الأرجح- لولا الممارسات الخاطئة لبيع الحيوانات الحية بووهان طبقًا للسبب المعلن رسميًا لانتشار الفيروس.
نفس الشيء تقريبًا ينطبق على الحرب العالمية الأولى والثانية، فالأولى حدثت بسبب مقتل ولي عهد النمسا والمجر على يد طالب صربي، والثانية لم تكن لتحدث لولا الأولى. نجم عن الحربين عشرات الملايين من الوفيّات وتغيرت خارطة وموازين القوة في العالم بسبب عدة طلقات فقط!
وليس معنى أننا تحدثنا عن مثالين بحجم فيروس كورونا والحرب العالمية الأولى أن "أثر الفراشة" لا يحدث على مقاييس أصغر من ذلك بكثير؛ فبتغريدة واحدة على "إكس - تويتر سابقًا" مثلاً قد تتغير الكثير من الأشياء، ونفس الشيء ينطبق على منشور لم يعجبك على فيسبوك فقررت أن تخوض نقاش مع صاحبه أسفر عن قطع الصداقة بينكما، كُلها أمور تحدث بسبب أفعال بسيطة، كُلها "تأثير فراشة".
تأثير الفراشة ونظرية الفوضى Chaos Theory
عندما طرح "إدوارد لورينز" فكرة "تأثير الفراشة" في الستينيات، فإنه كان يريد من الجميع أن يفهموا كيف يمكن للأنظمة شديدة التعقيد أن تتأثر بظروف ابتدائية بسيطة مثلما وضّحنا بالأمثلة أعلاه.
ما جعل "فلورينز"، والذي كان بروفيسورًا للأرصاد بمعهد "MIT"، يخرج بهذا الاستنتاج أنه كان يُجري أبحاثًا عن أنماط الطقس وكيف يمكن فهمها للتنبؤ بحالات الطقس المستقبلية، حيث لاحظ أن هذه الأنظمة المعقدة للغاية يمكن أن تتأثر بشدة بعواملها الأولية مثل درجة الحرارة، وسرعة الرياح، والرطوبة، وما إلى ذلك، مما قاده في النهاية لطرح سؤاله الشهير: "هل رفرفة أجنحة فراشة في البرازيل يمكن أن تؤدي إلى إعصار في تكساس"؟
مثَّل هذا السؤال، والذي ينوب عن مفهوم "تأثير الفراشة"، النواة الأولى لما عُرِف بعد ذلك بنظرية الفوضى Chaos Theory؛ إذ لاحظ علماء آخرون بعد ذلك أهمية سؤال "لورينز"، وأنه يتحدى نظريات جهابذة الرياضيات والفيزياء أمثال السير إسحاق نيوتن وبيير سيمون لابلاس. حيث رأى هذان العالمان أن الكون عبارة "نظام ميكانيكيّ احتماليّ" يمكن التنبؤ بمستقبله إن ألممنا بكل قوانينه الفيزيائية، وهو ما أثبت "لورينز" خطأه.
من هنا ننتقل إلى نظرية الفوضى Chaos Theory -القائمة على مبدأ تأثير الفراشة- والتي يمكننا أن نسمّيها بـ "علم المفاجآت" أو "علم الأشياء غير الخطية وغير المتوقعة"، فهي تُعلّمنا أن نتوقع غير المتوقع، وتختص بدراسة الظواهر التي لن نستطيع الإلمام بنتائجها المستقبلية مثل تغير الطقس، أو سوق الأسهم، أو حتى حالاتنا المزاجية، وبالطبع مستقبل الكون "مثلما زعم نيوتن ولابلاس"، وهذا على عكس التفاعلات الكيميائية، أو الجاذبية، أو الكهرباء التي نستطيع فعلاً أن نتوقع سلوكها.
ولنظرية الفوضى أهميّات عدة، إذ تُساعد العلماء على فهم الكون والأنظمة المعقدة، مثل الطقس وتغير المناخ -مما سيساعدنا في محاولاتنا لإنقاذ الكوكب من هذه الظاهرة الخطيرة- ولو بقدرٍ متواضع، كما أنها تغير مفاهيمنا عن الطبيعة نفسها، وتُلهمنا للتوصل إلى المزيد من الإنجازات.
كيف يمكن لتأثير الفراشة أن يُغير حياتك؟
تفشل خطط الكثيرين منا نحو تغيير حيواتهم للأفضل لسبب بسيط للغاية، وهو أنهم يتخذون خطوات كبيرة ظنًا منهم أن هذا سيوصلهم للنتائج بشكلٍ أسرع، والأدهى من ذلك أن نفس هؤلاء الأشخاص يعلمون أن الاستمرارية هي سرُ النجاح، ومع ذلك لا يستمرون، بغض النظر عن الأسباب.
ووفقًا لجميع الخبراء والمتخصصين، مثل جيمس كلير، وهو المتخصص بكيفية بناء العادات ومؤلف الكتاب الشهير "العادات الذرية- Atomic Habits"، فإن الخطوات الصغيرة والتدريجية هي التي تصنع الفارق حقًا. المشكلة فقط أنها تتطلب وقتًا حتى تُسفِر عن نتائج مرجوة، ولهذا السبب لا يداوم عليها الأغلبية العظمى من الناس، غافلين عن حقيقة أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.
إن خصصت 20 دقيقة يوميًا فقط للقراءة، فستجد بنهاية العام أنك قد قرأت حوالي 120 ساعة أو حوالي 25 كتابًا. وإن قطعت المشروبات الغازية يوميًا على مدار العام، فستجد أنك قد وفّرت حوالي 43 ألف سعر حراري، وهذا يوازي 20 يومًا من الصيام، والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
حتى أن مُعظم القواعد والأُطر التي وُضِعت لتساعدنا على الإنتاجية تُخدّم على هذه حقيقة "أدومها وإن قل"، مثل قاعدة أو مبدأ "باريتو"، المشهور بمبدأ 20/80، والذي ينص على أن 80 في المئة من النتائج تُحدِثها 20% فقط من الأفعال، أي أن 80% من نجاحك لا يحتاج منك سوى لممارسات قليلة جدًا من مُجمل ما تفعله في حياتك.
بربط كل هذه الأمور ببعضها، ستجد أنها محصورة داخل إطار "تأثير الفراشة Butterfly effect"، والذي إن أحسنت استغلاله، فلن تفهم الكثير من الأشياء في الكون وأنظمته المُعقدة فحسب، وإنما ستغير حياتك أنت شخصيًا للأفضل.