أين يوجد توأمك المماثل؟ إليك الإجابة في فرضية الأكوان المتعددة
يحتوي الكون على مئات الملايين من المجرات، وكل مجرة بها مئات الملايين من النجوم، وكوننا شاسع لدرجة جنونية؛ شاسعٌ لدرجة أن الضوء نفسه "أسرع شيء في الوجود" يحتاج إلى 46 مليار سنة لكي يسافر بين طرفيه.
كما أن الكون بدوره يتوسع باستمرار وبسرعة أكبر من سرعة الضوء! حقًا هو كونٌ من المستحيل استيعاب ضخامته أو عظمته، ونحن لسنا سوى ذرة غبارية وسط كل هذا، ورغم كل ذلك، من الوارد أن تكون هناك أكوان أخرى حسب فرضية الأكوان المتعددة.
ما هي فرضية الأكوان المتعددة؟
يستخدم العلماء مُصطلح "الأكوان المتعددة- Multiverse" لوصف احتمالية وجود أكوان أخرى غير كوننا المنظور. ولاحظ أننا قلنا "احتمالية" وجود أكوان أخرى، وهذا لأن الأمر لم يرتق لمرحلة النظرية، أو دعنا نقل الحقيقة العلمية بعد، وهذا على عكس ما يعتقده الكثيرون من متابعي أفلام ومسلسلات الخيال العلمي مثل Dr. Strange، والذين يظنون أن "المالتيفيرس" هو شيء مُثبَت علميًّا.
لماذا يُعتَقد أن هناك أكوانًا أخرى غير كوننا المنظور؟
اقرأ أيضًا:قارة تهدد الحياة على الأرض
هناك عدة أدلة تستند إلى العلوم، وبالطبع إلى الفلسفة، على أن كوننا ليس الوحيد الموجود هناك، فعلى ما يبدو هناك أكوانٌ أخرى لها قوانينها الفيزيائية الخاصة، فضلاً عن كواكبها ونجومها ومجرّاتها، وذلك على افتراض أنها قد تتشابه مع كوننا من الأساس.
يقول "توم سيجفريد- Tom Siegfried"، وهو الصحافي العلمي ومؤلف كتاب "عدد السماوات- The Number of the Heavens" الذي يبحث في كيفية تطور مفاهيم الأكوان المتعددة عبر آلاف السنين: "إننا لا نستطيع أن نُفسّر كل خصائص كوننا إن كان هو الوحيد الموجود أصلاً"، في إشارة منه إلى أننا ما زلنا بعيدين عن التوصل إلى الأكوان الأخرى إن كانت موجودة.
ووفقًا لوكالة "ناسا"، تصف نظرية "التضخم الكوني- Inflation theory" حدثًا افتراضيًّا وقع عندما كان عُمر الكون أقل من ثانية واحدة فقط، وهو أن كوننا توسع بشكل سريع، أي تضخم، ليصبح أكبر بعدةٍ مرات من حجمه الأصلي ثم توقف. وبحسب "هيلينج دينغ- Heling Deng"، وهو عالم كونيات بجامعة ولاية أريزونا وخبير في فرضية الأكوان المتعددة، فإن هذا التضخم لم يتوقف في أماكن أخرى، ربما إلى يومنا هذا.
من تنبؤات نظرية التضخم الكوني أن التوسع الهائل يمكن أن يحدث مرارًا وتكرارًا، ربما إلى ما لا نهاية، وهذا يخلق كوكبةً من الأكوان المتوازية، أو "الأكوان الفقَّاعية- Bubble universes" كما يُشار لها أحيانًا. ومثلما ذكرنا سابقًا، ليس شرطًا أن تتماثل قوانين تلك الأكوان الفيزيائية مع القوانين التي نعرفها والتي تنطبق على كوننا المنظور.
وبعيدًا عن نظرية التضخم الكوني أساسًا، فهناك دعائم أخرى على وجود الأكوان المتعددة، مثل نظرية "تفسير العوالم المتعددة- Many-worlds interpretation"، وهي نظرية رياضية طرحها الفيزيائي هيو إيفرت عام 1957، لوصف احتمالات تصرف المادة. إذ تتنبأ هذه النظرية بوجود خطوط زمنية timelines مختلفة عن الخط الزمني لكوننا، وكثيرًا ما يتم الاستناد إلى هذه الفرضية في أعمال الخيال العلمي.
تُفسر هذه النظرية سبب الاحتمالات العديدة التي قد تُطرَح في التجارب العلمية، مثل تجربة قطة شرودنجر "الحيّة والميتة في الوقت نفسه"، وذلك بإعطاء كل خطٍ زمني احتمال مختلف، كما تُفسّر كذلك احتمالية وجود أكثر من نسخة تشبهك في الكون، ولهذا في المرة القادمة التي يقول لك أحدهم إنك موجودٌ في أكوانٍ أخرى بحالات وظروف مختلفة، فأخبره أنه يستند بذلك إلى نظرية "هيو إيفرت" الشهيرة لتفسير العوالم المتعددة.
هناك تفسيرٌ ثالث أرى أنه فلسفي أكثر منه علميًا لدعم فرضية الأكوان المتعددة، وهو مثلما يقول "مكلين ساندور- McCullen Sandora" الباحث بمعهد Blue Marble Space لعلوم الفضاء، أن أكبر دليل على وجود أكوان أخرى هو نحن؛ نحن الكائنات الذكية التي فكَّرت أساسًا بهذه الاحتمالية عن طريق ملاحظاتنا الكونية وإدراكنا لوجود كل مقومات الحياة من وفرة الكربون، ووجود الضوء اللازم لعملية البناء الضوئي، إلخ.
وأخيرًا وليس آخرًا، يعتقد بعض العلماء أن الانفجار العظيم Big Bang لم ينتج عنه كوننا فقط، وإنما تسبب هذا التوسع أو الانفجار بولادة عددٍ، قد يكون متناهٍ أو غير متناهٍ من الأكوان، ولكن كل هذه تكهنّات غير مبنية على أدلة مادية ملموسة.
بمناسبة الأدلة الملموسة.. هل يوجد منها ما يُدعّم الأكوان المتعددة؟
الجدير بالذكر أنه لا توجد دلائل واضحة، فيزيائية أو مادية، على وجود الأكوان المتعددة. فعلى الرغم من محاولات العلماء المضنية لتقفي أثر أي كونٍ قريبٍ منا، وذلك بالبحث عن آثاره التي قد يتركها لنا في صورة تشوهات في خلفية الأشعة الميكروية الكونية cosmic microwave background "بقايا الأشعة المتبقية من الكون عندما كان أصغر بمليون مرة مما هو عليه الآن"، ناهيك عن الآثارِ الأخرى، إلّا أننا لا نمتلك بين أيدينا ما يدعم وجود هذه الأكوان، ولذلك فإن الأمر لا يعدو كونه افتراضات.
إن كانت الأكوان المتعددة موجودة.. فأين هي؟
اقرأ أيضًا:«ثاني أصغر كواكب المجموعة الشمسية».. هل تدب الحياة على «المريخ»؟
سؤال وجيهٍ، فإن كان كل ما بوسعنا رؤيته يقع في نطاق كوننا "المرئي"، فأين يمكن للأكوان الأخرى أن تُوجَد؟ بحسب العديد من المصادر، فإن هناك أبعادًا غير التي نعرفها وهي التي تكتنف جميع الأكوان الأخرى الموجودة. فالكون الذي نعرفه يتكون من أبعاد 3 رئيسة، وهي الطول والعرض والارتفاع، إضافة إلى بُعد رابع وهو الزمان لتشكيل ما يُعرَف بالزمكان "الزمان والمكان" Spacetime.
يشير البروفيسور "ماكس تيجمارك- Max Tegmark"، وهو فيزيائي من معهد MIT العريق، إلى الأكوان المتعددة الموجودة في أبعادٍ أخرى بـ "الأكوان المتعددة من النوع الثالث- Level III multiverse". وبحسب نفس البروفيسور، فإن هناك أكوانًا متعددة من النوع الثاني أيضًا أو Level II multiverse، وفيها تسري القوانين الفيزيائية بنفس الطريقة التي نعهدها بكوننا.
عدد الأكوان المتعددة وفرضية الشبيه
لا أحد يعلم، وأعتقد أن لا أحد سيعلم، عدد الأكوان المتعددة الموجودة بمكان ما "هناك"، فهذه الأكوان -إن وُجِدَت- تقبع بمكان ما خارج كوننا المنظور الذي لا نستطيع رصد شيء يُذكر منه، فما بالك برصد ما يُوجد بخارجه؟ عندما نطور -نحن البشر- من قدراتنا على رصد مساحات أكبر من كوننا المنظور، فحينها يُمكننا أن ننظر إلى الخطوة التالية، ولكن اعتمادًا على مستوانا الآن، فنحن بعيدون جدًا.
ولعل إحدى أكثر الفرضيات المثيرة للاهتمام بشأن الأكوان المتعددة هي فرضية الشبيه المتماثل، أو الدوبلغنجر Doppelgänger، التي تشير إلى وجود توائم مماثلة لشخصياتنا إن صحّت الفرضية؛ فإن سلّمنا بوجود عدد لا نهائي من الأكوان، فهذا يعني أن احتمالات ترتيب الجزيئات والذرات ستؤول إلى وجود نُسخٍ مماثلة منّا، وليس نسخة واحدة فقط. وبالفعل طُرِحت هذه الفكرة في الكثير والكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية.