هل تستطيع الحيوانات أن تُفكر؟.. الجواب مُعقد للغاية
لا شك أننا نحن البشر قد وُهِبنَا قدرات عقلية جبارة تُميزنا عن بقية الكائنات الحية، فأمخاخنا تحتوي على مليارات الخلايا العصبية التي تُمكنها من معالجة المعلومات بسرعة البرق، وإرسال الإشارات بسرعة مهولة تزيد على الـ 260 ميلاً في الساعة! يكفي أننا قادرون على التكيف مع الظروف المختلفة وأن أقل شخصٍ من جنسنا البشري -من ناحية القدرات العقلية- يفوق أذكى وأبرع الحيوانات، على الأقل في التفكير، ولكن لحظة... هل تُفكر الحيوانات أساسًا؟
الأمر يعتمد على تعريف "التفكير"
يعتقد الكثيرون أن قدرات الحيوانات العقلية محصورة في رد الفعل والاستجابة للمؤثرات الخارجية "react to stimuli"، ولكن الحقيقة بعيدة كل البُعد عن ذلك، وفي الأبحاث العلمية ودراسات العلماء خير الدليل، ومع ذلك الأمر يعتمد على تعريفنا للتفكير، فالتفكير عملية معقدة للغاية لا يمكن حصرها في عملية مُعينة من العمليات الكثيرة التي يقوم بها الدماغ.
في علم النفس المقارن؛ وهو الدراسة العلمية للسلوك العقلي الحيواني، يُفضل العلماء أن يستعيضوا عن كلمة أو فعل "التفكير" بـ "المهارات الإدراكية- Cognitive skills"، والتي تشتمل على رد الفعل، والاستجابة للمؤثرات الخارجية بالطبع، ولكنها أيضًا أشمل وأعم من ذلك.
اقرأ أيضًا:كل ما تريد معرفته عن قانون السرعة... شرح مبسط ودقيق
نعم؛ تستطيع الحيوانات أن تُفكر.. على الأقل أن تَعي
إذا حصرنا فعل "التفكير" في الإدراك، فالإجابة المختصرة والمباشرة ستكون: أن الحيوانات تُفكر بالطبع، ويمكنك أن تتأكد من ذلك بنفسك عن طريق إجراء اختبار بسيط لحيوانك الأليف، سواء كان قطًا أم كلبًا أم أي حيوان أليف آخر من الحيوانات المعروفة.
قم بوضع مرآة أمام طبق طعام حيوانك الأليف وتأكد من رؤيته لوجهه ورأسه بشكلٍ عام. اربط فعل إطعامه بالتربيت على رأسه، أي أطعمه وربّت على رأسه في الوقت نفسه. كرر هذه العملية لـ 3 أو 4 أيام متتالية، بعد ذلك ضع مسحوقًا عديم الرائحة مثل "فاتح اللون أو غامق"، مثل بيكربونات الصوديوم، على رأسه ثم راقب ماذا سيفعل...
أغلب الظن أن الحيوان الأليف سيحدق في نفسه عبر المرآة، أو سيحك رأسه، أو المكان الذي وُضِعَ عليه المسحوق. هذا الدليل العيني المباشر هو دليل بيّن على أن الحيوانات -أقلها الحيوانات الأليفة- لديها ولو شعور بسيط بالإدراك أو الوعي، والإدراك بلا شك هو صورة من صور التفكير.
تؤكد جامعة كامبريدج هذه المسألة، حيث صرّحت في عام 2012 أن الوعي ليس شيئًا خاصًا بالجنس البشري فحسب؛ الحيوانات أيضًا، بما فيها الثدييات والطيور، وغيرهما الكثير من الأنواع الأخرى مثل الأخطبوطات، تمتلك ركائز عصبية معقدة ترجح أنها تتمتع بالوعي، باختصار: تستطيع الحيوانات أن تختبر مشاعر مختلفة مثلنا تمامًا.
وتذكر مجلة الإيكونوميست The Economist مثالاً رائعًا وطريفًا في الوقت نفسه على تفكير الحيوانات؛ شمبانزي يُدعى "سانتينو" شُوهِد من قِبل حراس حديقة الحيوان التي يقبع فيها وهو يجمع الحجارة ويخبئها عند قفصه، ما سبب ذلك يا تُرى؟ بحسب الحُراس فإن "سانتينو" لا يحب أن يزوره أحد، ولهذا فإنه جمع هذه الحجارة حتى يقذف الزوار بها عند ارتيادهم للمكان! إذا كنت تعتقد أن هذا فعل عاديّ، فربما يجدر بك إعادة التفكير، إذ ينم عن عملية عقلية معقدة تحتاج إلى تذكر فعل معين في الماضي "وهو انزعاجه من الزيارات"، إضافة إلى تجهيز ردة فعل مناهضة في المستقبل "تجميع الحجارة وإلقاؤها على الزوار" تؤدي إلى تغيير مزاجه للأفضل "بإبعاد الزوار عنه نتيجة لإلقاء الحجارة".
الحيوانات وإبداء المشاعر
إنِ اعتبرنا إبداء المشاعر والأحاسيس جزءًا من التفكير، بشكلٍ أو بآخر، فالحيوانات تفعل ذلك أيضًا، فالعديد من الحيوانات شُوهِدَت وهي تضحك وتبكي وتُعبر عن الانزعاج، بل فوق ذلك تتعاطف مع غيرها من المخلوقات؛ الكلاب تمرح وتتحمس وتُبدي سلوكيات حنونة تجاه مربيها، والرئيسات مثل الشيمبانزي وقردة البونوبو "Bonobos" تُظهر سلوكيات المواساة والتعاطف وما هو أبعد من ذلك -مثلما رأينا بالأعلى مع "سانتينو"- ما يعني قدرتهم على إبداء المشاعر المختلفة.
يروى أحد مراقبي الأفيال "Elephant observer" أنه شاهد مجموعة من الأفيال تُحاوط مراهقة مُصابة تبلغ من العمر 15 عامًا لحمايتها من الحيوانات المفترسة، أي إنهم تعاطفوا معها واستعدوا للدفاع عنها، بل التضحية بأنفسهم من أجلها!
يقول "Carl Safina"، وهو عالم أمريكي مشهور قضى جزءًا كبيرًا من حياته في دراسة الحيوانات: "إذا كان الذكاء يُقاس بفضائل مثل اللُطف، فسيكون أمامنا نحن البشر طريق طويل لنقطعه قبل أن نكون جيدين مع بعضنا ونستمتع معًا مثل قردة البونوبو". يُعارض هذا التصريح قول الفيلسوف اليوناني "بروتاغوراس" المأثور بأن "الإنسان هو مقياس كل الأشياء"، وهذا ما يعتقده ملايين البشر.
اقرأ أيضًا:7 اكتشافات علمية كانت تستحق الفوز بنوبل.. هل تعرفها؟
هل تُفكر الحيوانات مثل البشر؟
سؤال معقد للغاية والإجابة عنه ليست واضحة إطلاقًا، فالتفكير مفهوم سائل؛ لا يمكن حصره في تعريف مُحدد كما أشرنا في البداية، ولكن يمكننا أن نقول إن التفكير البشري يمتاز بـ 5 أشياء رئيسة وهي: وعينا بأنفسنا وبأننا نُفكر "تذكر مقولة ديكارت الشهيرة: أنا أفكر إذن أنا موجود"، وقدرتنا على التعقل "Reasoning" بإجراء التحليلات المعقدة والخروج باستنتاجات ذكية لحل المشكلات المستعصية التي تواجهنا في الحياة، ثم تأتي اللغة، والتي قد تكون النتاج البشري الأكثر تميزًا على الإطلاق، وأخيرًا وليس آخرًا نجد المشاعر "emotions" وهي وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الذات "بالإضافة إلى اللغة".
رأينا كيف يمكن للحيوانات الأليفة أن تعي بنفسها؛ تذكر مثال التربيت على الرأس، وإن كان هذا مثالاً قاصرًا للوعي، ولكنه يظل مثالًا عمليًا. رأينا كذلك كيف استطاع شمبانزي "ذكي" -سانتينو- أن يُبدع في إيجاد حلٍ عملي للتخلص من إزعاج الزوار "بقذفهم بالحجارة"، كما أكدنا على حقيقة إبداء الحيوانات للمشاعر بمثال الأفيال. من هنا يمكننا أن نستنتج أن الحيوانات تُفكر مثل البشر، بل حتى تتواصل مع بعضها بلغة خاصة نعجز عن فهمها، ومع ذلك، لا يخفى على أحد أن قدرة الحيوانات على التفكير لا يمكن أن تقارع قدراتنا الفكرية، حتى وإن تشابهت معها في بعض الجوانب.