"الديجيتال ديتوكس".. كيف تتحرر من سجن التكنولوجيا وتُحسن من جودة حياتك؟
رغم الفوائد العظيمة للتكنولوجيا ومآلاتها الثورية في حياتنا، فإن مساوئها لا تقل تأثيرًا. إن اتكالنا المستمر على هذه الأدوات التكنولوجية وعدم قدرتنا على التخلي عنها يُقلل من جودة حياتنا بشكلٍ غير مسبوق، حتى وإن لم نكن نشعر بذلك. فلا شك أن معظمنا، إن لم يكن جميعنا، مُدمن للشاشات عمومًا والإنترنت على وجه الخصوص. في الواقع، وبحسب الدراسات، فإن 61% من الأشخاص اعترفوا بإدمانهم.
من هذا المنطلق يحاول العديد من المستخدمين التخلص من سموم التكنولوجيا عن طريق ما يُسمى بـ"الديجيتال ديتوكس- Digital Detox"، التي تُتَرجَم حرفيًا إلى المعنى المرجو: "التخلص من سموم التكنولوجيا"، ولكن بعيدًا عن المعني الحرفيّ، ما هو "الديجيتال ديتوكس"؟ ولماذا نحتاج إليه؟ وإن كان مفيدًا، كيف نُطبقه في حياتنا؟
الديجيتال ديتوكس.. هكذا تُحسن من جودة حياتك
كما توقعت تمامًا، يُقصَد بـ"الديجيتال ديتوكس" الابتعاد عن التكنولوجيا -طواعيةً-، سواء بالحد من استخدامها، أو بإقصائها كليًا من حياتك، ونظرًا لأنها أصبحت تحاوطنا من كل حدب وصوب، دعونا نستبعد خيار الإقصاء. يُقصَد بالتكنولوجيا هُنا كُلَ شيء تقني قابل للإدمان، أو يُستَخدم بلا وعيّ حقيقي منا فيستنزف طاقتنا ووقتنا، ومن ثم يؤثر على جودة حياتنا بالسلب. الهواتف المحمولة، والحواسيب، وشاشات التلفاز، وألعاب الفيديو، وعلى رأسها السوشيال ميديا؛ كُل هذه سموم إلكترونية نحتاج إلى أخذ فترة من النقاهة بعيدًا عنها.
بدخولك في هذه الفترة من النقاهة، بعيدًا عن التكنولوجيا وإدمانها، سترى العالم بنظرة مختلفة، وذلك منذ اليوم الأول؛ هذا هو الهدف من الديجيتال ديتوكس أساسًا؛ إعطاء أنفسنا فرصة الاستمتاع بالحياة الحقيقية بعيدًا عن المُشتتات والعالم الافتراضي المليء بالزيف. صحيحٌ أن الأمر سيكون صعبًا للغاية في البداية، وبخاصة إن كانت درجة الإدمان شديدة بطبيعة الحال، ولكن مع مرور الوقت ستعتاده، وستلاحظ أن جودة حياتك أصبحت أفضل.
اقرأ أيضًا:"غوغل تسعى لرد الاعتبار".. "Gemini" قادم ليكتسح أدوات الذكاء الاصطناعي
لماذا نحتاج إلى الديجيتال ديتوكس؟
تفرض مساوئ التكنولوجيا الديجيتال ديتوكس من حينٍ لآخر، ويمكننا التأكد من ذلك بإلقاء نظرة عابرة على هذه المساوئ التي لم نعد قادرين على إحصائها.
لكي نعرف كم نحن مُنصاعون للتكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي تحديدًا، يكفي أن نسمع صوت إشعار من "واتساب" أو "ماسنجر" ونُراقب ردة فعلنا التلقائية التي أصبحت أسيرة لسجن هذا المُخدر. أصبحنا نتجرّع جرعات مُفرطة من المعلومات والأخبار والقلق والتوتر والتشتت وهلم جرّا. لم نعد قادرين على قراءة صفحة واحدة من كتاب، أو مشاهدة مقطع فيديو مفيد بحجة أنه طويل، ناهيك عن مشاهدة أي فيديو يتعدى طوله الدقائق المعدودة، حتى وإن لم يكن مفيدًا!
حل هذه الأمور بسيط ومعقد في الوقت نفسه؛ بسيط لمعلومية السبب، ومعقد لصعوبة التنفيذ، ولعل تعديدينا لبعض أسباب حاجتنا إلى الديجيتال ديتوكس سيحرك بداخلنا رغبة تدفعنا للالتزام به:
1- تحقيق الاستقرار النفسي
دائمًا ما تغذينا التكنولوجيا، لا سيّما السوشيال ميديا "فهي السبب الأعظم في إدماننا"، بجرعات من الدوبامين تجعلنا غير قادرين عن التخلي عنها. تحرص وسائل التواصل على حقننا بمحفز جديد في كل مرة نستخدمها وذلك بعرض شيء جديد مهما كان، لا تُهم قيمة الشيء المعروض، المهم أن نرى شيئًا جديدًا مع كل تمريرة إصبع ونصبح متحفزين طوال الوقت.
زرع هذا الأمر بداخلنا ما يُعرَف بمتلازمة "الخوف من أن يفوتنا شيء" أو “Fear of missing out (FOMO)”، حيث أصبحت أكبر مشكلاتنا تتجسد في هذه الحالة، في أن يفوتنا شيء، ومن ثم لم نعد قادرين على التخلي عن متابعة فيسبوك وإنستغرام وغيرهما، ولو لدقائق معدودة، وعليه؛ أصبح استقرارنا النفسي مُزعزَعًا.
2- الحفاظ على صحتنا البدنية
لا تؤثر التكنولوجيا على صحتنا النفسية فحسب، وإنما على الصحة الجسدية أيضًا، وإن كانت الطامة الكُبرى في التأثير على الصحة النفسية. بسبب الاستخدام المُفرِط للشاشات، أصبحنا نعاني ضعف جودة الإبصار، والصداع المستمر، وألم الرقبة والفقرات المزمن، ناهيك عن الإجهاد البدني العام. ووجدت الدراسات أن الأشخاص الذين يستخدمون الهواتف الذكية لأكثر من 5 ساعات يوميًا، أكثر عُرضة للسمنة ومرض السكري بنسبة 43% مقارنة بأولئك الذين يستخدمونها لوقت أقل. لسوء الحظ أن عدد من يستخدمون الهواتف لأزيد من 5 ساعات أكبر من أن يتم إحصاؤهم، ناهيك بمن يستخدمون الهاتف لأطول من هذه المدة بساعات.
3- إعادة الاتصال بالعالم الحقيقي
بغض النظر عن فوائد التواصل مع الآخرين باستخدام الوسائل التكنولوجية، لا يخفى على أحدٍ ما فعلته نفس هذه الوسائل بتواصلنا مع الآخرين في العالم الحقيقي. يُضعِف التواصل الافتراضي "التواصل مع الآخرين باستخدام التكنولوجيا" من أواصر العلاقات الحقيقية، ذلك لأنه يحد من التواصل العيني "وجهًا لوجه" من جهة، بينما يفرض قواعد جديدة للتواصل -مُنافية لقواعد التواصل الحقيقية- من جهةٍ أخرى، فالتواصل من خلف الشاشة مختلفٌ تمامًا عن التواصل الحقيقي إذ يطمس الكثير من الهويات.
اقرأ أيضًا:رفضت "إيلون ماسك" وطردت "سام ألتمان".. قصة شركة "OpenAI" التي طورت "ChatGPT"
4- زيادة الإبداع والإنتاجية
بالنظر إلى الأسباب السابقة، يمكننا أن نستنتج بسهولة أن التكنولوجيا تُعادي الإبداع والإنتاجية بشكلٍ أو بآخر. لا شك أن هذا لا ينطبق على الاستخدام الصحيح للتكنولوجيا -إحقاقًا للحق-، ولكن السواد الأعظم لا يُحسن استخدامها نظرًا لعوامل كثيرة، وهذا بالتبعية يؤدي إلى التشتت ويؤثر على الإبداع والإنتاجية. جرّب أن تقتطع لنفسك وقتًا بسيطًا من الوقت الضائع على وسائل التواصل والتكنولوجيا وستلاحظ الفارق.
كيف تُطبّق "الديجيتال ديتوكس" في حياتك؟
ليس شرطًا أن يعني هذا المصطلح الانعزال التام عن التكنولوجيا، ربما كان هذا ممكنًا في الماضي، أما اليوم، فالتكنولوجيا أصبحت ركيزة أساسية من ركائز الحياة، ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن نتخلى عنها، وهذه حقيقة يجب أن نتصالح معها جميعًا. إذا كنت تعتقد أن هناك عصا سحرية ستخلصك من إدمان التكنولوجيا، فيؤسفنا أن نُخيب توقعاتك؛ الأمر لا يحتاج سوى الإرادة، وربما بضع نصائح.
يُمكننا أن نقول إن الديجيتال ديتوكس أشبه بوضع الحدود والحرص على الالتزام بها. فلا يمكن لشخصٍ يستخدم هاتفه لمدة ساعات يوميًا أن ينقطع فجأة وبلا مقدمات، بل عليه أن يتبنى سياسة التدرج؛ كل يومٍ أنقصٍ وقتًا معتبرًا من وقت الشاشة Screen time "الوقت الذي تقضيه على أي شاشة" وراقبه حتى تصل إلى النصف ساعة ربما، أو ربما أكثر قليلاً.
ابدأ بالأجهزة التي تستهلك جُل وقتك ولا تقسو على نفسك، فإن كنا نتحدث عن الهاتف المحمول مثلاً، فيمكنك استخدام التطبيقات المفيدة فقط بينما تحذف غير المفيد، على الأقل في فترة الديجيتال ديتوكس؛ لا مانع من مشاهدة فيلم مُسلٍ، أو التحدث مع أصدقائك للضرورة "عن طريق تطبيق المكالمات وليس مواقع التواصل"، ويا حبذا لو تستمع إلى بودكاست مفيد.
أخبر الجميع بأنك في فترة نقاهة من التكنولوجيا ووسائل التواصل، ومرة أخرى، احذف هذه التطبيقات وغيرها من المشتتات غير الضرورية. نصيحتنا الأخيرة هي أن تُجرب الديجيتال ديتوكس لفترة مُعتبرة، هذا لأنه يستحق وقد يغير حياتك بشكلٍ غير متوقع.