هل يعيد عام 2024 تشكيل مستقبل العمل عن بُعد حول العالم؟
نعيش اليوم في عالم تتشكّل فيه سريعًا معايير جديدة للعمل، مع دفع التطور المستمر في بيئة العمل العالمية الشركات نحو مزيد من المرونة، وذلك من خلال اعتماد نماذج العمل عن بُعد والنماذج الهجينة.
وفقًا للمعطيات، فإن السنوات القادمة، وتحديدًا من عام 2024 فصاعدًا، ستشهد تحوّلات جوهرية في آليات العمل وثقافاته، وقد أوضحت شركة "ميتا" هذا الاتجاه بقرارها المفاجئ بإنهاء عقد إيجارها وملاءمة سياستها لتشمل مرونة أكبر في العمل، ما يعكس المدى الذي قد يُخطط له أصحاب العمل لمواجهة المستقبل.
العمل الهجين
نماذج العمل الهجينة باتت تُشكل الخيار الأكثر تفضيلاً لعديد من المؤسسات والموظفين على حد سواء، إذ تدمج هذه النماذج بين مرونة العمل عن بُعد وتفاعلات المكتب التقليدية، موفرةً أفضل ما في العالمين.
والحقيقة أن تلك النماذج تعترف بحاجة الموظفين إلى الحرية في اختيار محيط العمل الذي يُناسبهم، وفي الوقت ذاته، تُعزز الكفاءة التشغيلية للشركات، وتؤدي إلى تحسين الرضا الوظيفي، وزيادة الإنتاجية.
الرعاية الصحية المتميزة
الاستثمار في الرعاية الصحية بات أمرًا مهمًا وأكثر إلحاحًا في عالم العمل عن بُعد. فالمؤسسات أصبحت تضع صحة ورفاهية الموظفين على رأس أولوياتها، وذلك ليس فقط كاستجابة للتحديات الناجمة عن العمل عند بُعد، بل كسياسة استباقية لتعزيز الرفاهية العامة. والحقيقة أن مثل هذه المُبادرات تعكس التغيير في ثقافة العمل نحو بيئة أكثر دعمًا وتعاطفًا، ما يُسهم في زيادة الإنتاجية.
ومع تزايد الاعتماد على العمل عن بُعد، بات أمن البيانات وخصوصيتها أكثر أهمية من أي وقت مضى. وباتت التدابير التي تخص الأمن السيبراني، وحماية المعلومات الحساسة ضرورية لضمان التشغيل الآمن للعمل عن بُعد، ما يشكل تحديًا كبيرًا للمنظمات التي تُحاول توسعة فرقها العاملة عن بُعد حول العالم.
مبادرات التنقل العالمية
زيادة الاعتراف بتأشيرات العمل عن بُعد، كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة والدول التي تبعت نهجها، تفتح أفقًا جديدة من الفرص للعمال من جميع أنحاء العالم. هذه السياسات تُعزز التنقل العالمي للعمالة، وتشجع العمل من أي مكان، ما يُعطي الأفراد حريةً أكبر في اختيار مكان عملهم، ويُغني البلدان بخبرات وثقافات متنوعة.
من الواضح أن بيئة العمل عن بُعد والهجينة ستواصل النمو والتطور خلال العام 2024 وما بعده، ما يعكس تغير الاحتياجات والتوقعات للموظفين والشركات على حد سواء. العمل عن بُعد لم يعد مُجرد حل مؤقت، أو رد فعل لظروف استثنائية، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من نماذج العمل المستقبلية التي تسعى المؤسسات لتبنيها لتحقيق النجاح والازدهار في عالم متغير باستمرار.
اقرأ أيضًا:"السوق تتغير دائمًا".. 10 استراتيجيات لإنقاذ شركتك حال تراجع أدائها في 2023
التكنولوجيا والابتكار
تواصل التكنولوجيا لعب دور محوري في تمكين العمل عن بُعد. ويُتوقع أن تشهد السنوات القادمة تحسنًا في تقنيات الاتصال والتعاون الافتراضي، مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي، لتوفير تجارب أكثر تفاعلية تُحاكي البيئة المكتبية. كما يُتوقع أن تعتمد الشركات بشكل أكبر على الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية، وتخصيص تجربة العمل لكل موظف.
مع زيادة العمل عن بُعد، من المحتم أن تتطور القوانين والتشريعات لتعكس هذا الواقع الجديد. فقد تقوم الحكومات بإصلاح قوانين العمل لتقديم مزيد من الحماية للعاملين عن بُعد، وضمان حقوقهم في التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وتعويضات عادلة، وساعات عمل مرنة.
تنويع المواهب وشمولية العمل
لا يمكن لأحد إنكار حقيقة أن القدرة على العمل من أي مكان تُقلل من الحاجة للتجمع في مراكز المدن الكبرى، ما يسمح للشركات بالوصول إلى مجموعة أوسع من المواهب.
كما يُمكن لهذا التوجه أن يعزز الشمولية، ويوفر فرصًا للأفراد الذين قد يُواجهون تحديات في العمل التقليدي وجهًا لوجه بسبب الإعاقة، المسؤوليات الأسرية، أو أي أسباب أخرى.
التأثيرات البيئية والاستدامة
أظهرت الدراسات أن العمل عن بُعد له تأثير إيجابي كبير على البيئة، بما في ذلك تقليل البصمة الكربونية نتيجة لانخفاض استخدام وسائل النقل. ويمكن أن يساعد ذلك المزيد من الشركات في دعم أهداف الاستدامة من خلال السماح بمرونة أكبر في العمل من المنزل.
تحديات العمل عن بُعد
مع ذلك، يواجه العمل عن بُعد تحديات مثل العزلة الاجتماعية، صعوبات التواصل، وأحيانًا استنزاف الحدود بين العمل والحياة الخاصة. ومن ثم ستحتاج الشركات إلى إنشاء استراتيجيات واضحة للحفاظ على ثقافة الشركة، وتعزيز الصحة العقلية والبدنية للموظفين.
لذا، مع دخول عام 2024 والأعوام التي تليه، تُظهر المؤشرات أن فكرة العمل عن بُعد والهجينة ستبقى جزءًا مهمًا من العمل والثقافة التنظيمية على المستوى العالمي. وستبقى الشركات تحاول باستمرار إيجاد التوازن الأمثل لتحقيق فعالية وكفاءة أعلى، مع الحفاظ على سعادة ورضا الموظفين.
من جهة أخرى، فإنه بينما يتطور المشهد الاقتصادي والاجتماعي، فإن العمل عن بُعد يأخذ بُعدًا محوريًا في تشكيل مستقبل الأعمال. وقد أدت جائحة COVID-19 إلى تسريع هذه الديناميكية بشكل كبير، ما فرض على الشركات، بغض النظر عن حجمها أو مجالها، إعادة النظر في طرق عملها التقليدية.
اقرأ أيضًا:الإدارة المالية للأعمال.. مفهومها وأهدافها واستراتيجيات تحقيقها
الفوائد لأصحاب العمل والشركات
1. خفض التكاليف
تَظهر مؤشرات أن الشركات التي تعتمد على العمل عن بُعد يُمكن أن تقلل من تكاليفها بشكل ملحوظ، من نفقات البنية التحتية الضخمة مثل الإيجار، وكلفة المرافق، وصولاً إلى المصاريف اليومية كالمستلزمات المكتبية.
2. توسيع نطاق الوصول إلى المواهب
تُمكن هذه الاستراتيجية الشركات من جذب وإبقاء الأفراد الأكثر كفاءة من جميع أنحاء العالم، وهو ما قد يؤدي إلى تحسين الأداء العام والابتكار.
3. استدامة وجاهزية للمستقبل
تبنّي أنظمة العمل عن بُعد يُسهم في بناء قدرة تحمُّل أكبر لدى الشركات في مواجهة الأزمات، ويجعلها أكثر مرونة، وقدرة على التكيف مع التغيرات المستقبلية الناجمة عن التطورات التكنولوجية، أو الأحداث العالمية غير المتوقعة.
الإنتاجية والعمل عن بُعد
تشير كثير من الدراسات إلى أن العمل عن بُعد قد يقود إلى زيادة في الإنتاجية نتيجة لعدة عوامل من أبرزها:
1. المرونة: إذ يمكن للموظفين العمل في أوقات يكونون فيها أكثر تركيزًا وإنتاجية، ما يؤدي إلى جودة عمل أفضل وأداء أعلى.
2. تقليل الاضطرابات: إذ تقلل فترات العمل المركّزة من الانقطاعات النمطية التي قد تحدث في البيئات المكتبية التقليدية.
3. رفاهية الموظف: إذ يُمكن أن يؤدي التوازن بين العمل والحياة إلى مستويات رضا أعلى، ما يقلل من الإجهاد ويُعزز الصحة العقلية.
التحديات والموازنة المطلوبة
بالرغم من هذه الفوائد التي قد تعود على كل من أصحاب الشركات والموظفين، حال اعتماد آلية العمل عن بُعد، لكن تبقى هناك بعض التحديات الواجب مواجهتها وأخذها بعين الاعتبار، ومن ضمنها:
1. العزلة والتماسك الاجتماعي: تفتقر بيئات العمل عن بُعد إلى التفاعل الاجتماعي الطبيعي، ما قد يؤدي إلى الشعور بالعزلة، وقلة الانتماء لدى الموظفين.
2. إدارة الأداء: من الصعوبة بمكان إدارة الأداء وقياس الإنتاجية عندما يكون الموظفون متباعدين جغرافيًا.
3. الأمن السيبراني: مع التزايد في العمل عن بُعد، تنشأ مخاوف جديدة تتعلق بأمان البيانات والخصوصية.
والحقيقة التي يمكن التأكيد عليها في الأخير أنه وبينما قد لا يكون العمل عن بُعد حلاً مناسبًا للجميع، فإنه صار واقعًا لا مفر منه في السنوات القادمة. وسيكون بمقدور أصحاب الأعمال والشركات الذين يُمكنهم التوفيق بين هذه الاستراتيجية وطبيعة عملهم أن يتوقعوا تحقيق مزايا تنافسية وزيادة في الإنتاجية، ولكن من المهم التعامل مع التحديات بحكمة لضمان التحقيق الأمثل لهذه الأهداف.