"رهاب النساء".. لماذا يرتعب بعض الرجال من النساء؟
خلق الله الذكر والأنثى مُتآلفين برغبة مُتبادَلة بينهما على الدوام، تتوثَّق بزواجٍ، وتتعمّق بذُرّية مُنبثقة عنهما معًا، وهذا هو الطبيعي. لكن قد يتجنَّب بعض الرجال النساء لا لكراهةٍ لهنّ بل خوفًا وذعرًا من وجودهنّ، وهذا اضطراب نفسي يُعرَف بـ"رهاب النساء"، إذ يتجنّب الرجال التعامل مع النساء تمامًا، ويُهيمن الخوف على مشاعرهم مع تواجد النساء من حولهم، فما أسباب ذلك الرهاب؟ وكيف يُمكِن مُعالجته؟
ما هو رهاب النساء؟
نوع نادر من الرهاب، إذ يُعانِي المصاب به قلقًا بالغًا عند الاقتراب من النساء، أو مُجرّد التفكير فيهن؛ لذلك يتجنبون المواقف التي قد يُواجِهون فيها النساء، كما قد يُؤثِّر هذا الاضطراب على حياتهم اليومية والاجتماعية.
الفرق بين رهاب النساء وكُره النساء "Misogyny"
رهاب النساء مُختلف تمامًا عن كُره النساء، فرهاب النساء اضطراب نفسي يجعل الإنسان يتجنّب النساء تمامًا بسبب هيمنة الخوف على مشاعره، بينما كُره أو بُغض النساء هو سلوك خُلقي في الإنسان، إذ يبغض النساء ويزدريهن.
قد يُؤدِّي كُره النساء أيضًا إلى اجتنابهنّ، لكن الاجتناب هنا ليس بسبب الخوف، وإنّما بسبب أفكارٍ مُعيَّنة مغروسة بعُمق في دماغ الإنسان، وهذا الكُره يحتاج من الإنسان إلى أن يُغيِّره بنفسه، كما سمح له بأن يُسيطِر على فكره، أمّا رهاب النساء فاضطراب نفسي يتطلّب علاجًا احترافيًا، وقد يكون خارجًا عن سيطرة الإنسان.
أسباب رهاب النساء
لم يتمكّن الباحثون من كشف الستار عن أسباب رهاب النساء حتى الآن، لكنّهم يفترضون أنّه قد ينشأ بسبب بيئة المرء نفسها، كأن يتعرَّض لصدمة في مرحلة طفولته من امرأة، وبعيدًا عن ذلك قد تشمل أسباب رهاب النساء ما يلي:
1. الرهاب الاجتماعي
المُصابون بالرهاب الاجتماعي يخشون التعامل مع الناس والتفاعل معهم بالفعل، وقد تزداد حدة الاضطراب لديهم بما يجعلهم يجتنبون النساء، خاصةً إذا كانت هناك تجارب سلبية سابقة معهن.
2. الأحداث الصادمة
سواء عاشها الإنسان بنفسه أو شاهدها، فمرور المرء بأحداث صادمة له، مثل التعرُّض للإيذاء أو التهديد من قِبل امرأة، قد يجعله يُعانِي رهاب النساء.
3. أسباب أخرى
قد تزداد فرص الإصابة برهاب النساء نتيجة بعض العوامل، مثل:
- العمر: يُعدّ الأطفال أكثر عُرضةً للرهاب عمومًا، وهذا قد يكون بسبب الاستجابة الغريزية للجسم عند الشعور برهاب تجاه شيءٍ ما، لا بناءً على منطق عقلي سديد.
- الجينات: تُسهِم الجينات في بعض أنواع الرهاب، وقد يكون رهاب النساء مُرتبطًا ببعض الجينات، خاصةً إذا سبق ظهور رهاب النساء في أحد أفراد الأسرة.
- بعض الطباع: كُلّما كان الأطفال أشدّ خوفًا، زادت فرص إصابتهم بالرهاب.
علامات وأعراض رهاب النساء
الشعور بقلقٍ عارم يجتاح الجسم عندم يتعرَّض للنساء، أو تجنُّب المواقف التي فيها رؤية أو تفاعل مع السيدات من الأعراض الرئيسة لرهاب النساء.
وفي الأطفال قد يكون ذلك في صوررة بكاءٍ أو تعلّق شديد بالرجل الذي يعتني بهم، وعمومًا يلحظ المُصابون برهاب النساء أنَّ خوفهم ليس له مُبرّر، ومع ذلك فهم غير قادرين على السيطرة على هذه المشاعر، وفي غياب السيطرة، تشمل الأعراض الدالّة على رهاب النساء ما يلي:
- خوف فوري يُهيمن على الإنسان عندما تُوجَد أي امرأة حوله.
- هيمنة الخوف على الإنسان عندما يُفكِّر بشأن أي امرأة.
- زيادة القلق عند التعرُّض لمواقف فيها تعامُل مع السيدات.
- تجنُّب الأنشطة التي تتضمّن أي تفاعل مع النساء.
- الابتعاد عن الوظائف والواجبات التي قد يصحبها تعامل مع النساء.
- عدم القدرة على إكمال المهام اليومية إثر سيطرة الخوف على مشاعر الإنسان.
- أعراض جسدية، مثل الغثيان وزيادة مُعدّل ضربات القلب عند مواجهة امرأة أو التفاعل معها.
قد يُؤدِّي رهاب النساء في بعض الأحيان إلى نوبات هلع، تشمل أعراضها:
- التعرُّق.
- ألم الصدر.
- الغثيان أو اضطراب المعدة.
- الدوار والإغماء.
- صعوبة التنفُّس.
- الارتجاف.
تشخيص رهاب النساء
لا يأتي رهاب النساء بمعزلٍ عن مشكلات أخرى، بل قد يعكس في حد ذاته وقوع الإنسان في اضطرابات عاطفية ونفسية، بل واضطرابات شخصية أيضًا.
ورغم أنَّ رهاب النساء ليس مُصنّفًا بصورة مستقلة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الإصدار الخامس "DSM-5"، فإنَّه ينطبق عليه ما ينطبق على أي رهابٍ في تشخيصه، وتتضمّن معايير تشخيص رهاب النساء، حسب "verywellmind" ما يلي:
- خوف شديد غير مُبرّر.
- القلق فور رؤية امرأة أو التعامل معها.
- تأثُّر الإنسان بذلك القلق لدرجةٍ يصعب معها إتيانه بأنشطته اليومية المُعتادة.
- تجنُّب النساء أو الاضطراب الشديد عند وجودهنّ من حوله.
- غياب أي تفسير أو اضطراب نفسي آخر يُعانِيه الإنسان لتفسير حالته.
- استمرار أعراض رهاب النساء 6 أشهر أو أكثر.
اقرأ أيضًا:كيف تقيس التوتر لديك؟ وما مستوياته الطبيعية؟
مضاعفات رهاب النساء
رغم أنّ رهاب النساء قد يبدو طفيفًا، أو أمرًا فكاهيًا لبعض الناس، لكن أحيانًا قد يُؤثِّر رهاب النساء في سير الحياة اليومية الطبيعي للإنسان، بما يُفضِي إلى اختلاله وصعوبة استئناف أنشطته المُعتادة، فمن أهم مضاعفاته ومآلاته ما يلي:
- الاكتئاب: قد يُؤدِّي الذعر المستمر والعزلة والابتعاد عن النساء عمومًا إلى معاناة الرجل من الاكتئاب، وهو اضطراب نفسي جديد يُضاف إلى ما يُعانِيه.
- العُزلة الاجتماعية: يتفادى المُصاب برهاب النساء أي موقف اجتماعي تتواجد فيه النساء، وربّما لم يخل موقف اجتماعي في حياته الشخصية منهنّ، فيُؤدِّي ذلك إلى عزلته.
- الانتحار: إذا بات المرء مُكتئبًا، ومعتزلاً الناس وكل من حوله، فإنّ الأفكار الانتحارية قد تُراوده بين الحين والآخر، وهذا من أخطر ما يُهدِّده.
هل يحتاج رهاب النساء إلى علاج؟
نعم، قد يحتاج رهاب النساء إلى علاجٍ، خاصةً إذا أثّر على نشاطات الإنسان اليومية، أو أفضى به إلى مضاعفات خطيرة، وربّما لا يُوجَد علاجٌ مُحدّد لرهاب النساء، لكن ثمّة خيارات علاجية مُتعدِّدة للتعامل مع أعراض رهاب النساء وتخفيفها، مثل:
1. العلاج النفسي
ثمّة مسالك عديدة للعلاج النفسي الذي يُمكِن الاعتماد عليه في مواجهة رهاب النساء، مثل:
- العلاج المعرفي السلوكي: يُساعِد الإنسان في إعادة تشكيل أفكاره التي قد تكون السبب وراء رهاب النساء، ومحاولة تغيير تفكيره بشأن النساء.
- العلاج بالتعرُّض: هذا العلاج هو الأكثر فعّالية للرهاب عمومًا، ويكون بتعريض الإنسان لما يخشاه تدريجيًا وببطء، فمثلاً يُمكِن تعريض الإنسان أولاً لصورة امرأة وخلال العلاج يُوجِّه المُعالِج النفسي الإنسان إلى ما يُساعده على الاسترخاء وعدم القلق، لكن هذا العلاج تدريجي لا أن يُعرّض الإنسان للنساء هكذا فجأة.
2. العلاج الدوائي
إذا استمرّ رهاب النساء مُعترِضًا أنشطة الإنسان اليومية، ومُخلاً بتوازن حياته، فقد يحتاج إلى بعض الأدوية للتعامل مع أعراض القلق أو الاكتئاب المُصاحبة لرهاب النساء، فالأدوية هنا لتخفيف الأعراض المُصاحبة للرهاب، لكن ليس هناك دواءٌ بعينه لرهاب النساء.
ويُفضَّل أن يقترن العلاج الدوائي مع العلاج النفسي لتحقيق أفضل نتيجة والتخلص من رهاب النساء، وتشمل أنواع الأدوية التي قد تُستخدَم في العلاج:
- حاصرات بيتا: تحجب بعض تأثيرات الأدرينالين على الجسم، ما يُؤدِّي إلى تخفيف الأعراض الجسدية المتعلقة بالقلق، مثل زيادة معدل ضربات القلب والارتجاف وما شابه ذلك.
- مضادات الاكتئاب: عادةً ما تُستخدَم فئة مُثبِّطات استرداد السيروتونين الانتقائية، كما تُساعِد مضادات الاكتئاب في تخفيف أعراض الاكتئاب والقلق، وإن استغرقت بعض الوقت كي يظهر مفعولها.
- المُهدّئات: تُستخدَم بحذرٍ شديد؛ لأنّها قد تُسبِّب الإدمان، وهي ذات مفعول سريع في تخفيف أعراض القلق ونوبات الهلع.