نقطة التعادل.. أهميتها وآلية حسابها
نقطة التعادل Break-even Point، المعروفة اختصارًا "BEP"، تعد واحدة من أهم المصطلحات في عالم المحاسبة والشركات، إذ تحدد هذه النقطة ببساطة القيمة التي يتعادل فيها سعر السوق مع التكلفة الأصلية لمنتج ما، وهو الأمر الذي يمكن حسابه عن طريق قسمة إجمالي التكاليف الثابتة المرتبطة بالإنتاج على الإيرادات لكل وحدة فردية مطروحًا منها التكاليف المتغيرة لكل وحدة. وبعبارة أخرى، فإن نقطة التعادل هي مستوى الإنتاج الذي تتساوى عنده إجمالي تكاليف الإنتاج مع إجمالي إيرادات المنتج، وهي العملية التي تتبلور أهميتها المحاسبية بشكل كبير في تحقيق أهداف الإنتاج والاستثمار، إذ يمكن أن يساعد تحليل التعادل هنا في العثور على النفقات المفقودة التي يمكن الحفاظ عليها أو الحد منها، كما تمكننا من الحد من القرارات المبنية على العواطف، مع مساعدتنا على تحديد الأهداف، وتأمين التمويل، وتحديد الأسعار المناسبة.
ما هي نقطة التعادل؟
كما ذكرنا في السطور السابقة، فإن نقطة التعادل "BEP" هي النقطة التي يتعادل عندها أو يتساوى فيها إجمالي تكاليف الإنتاج مع إجمالي إيرادات المنتج، ومن ثم يتم الوصول إليها عندما يكون القيمتان أو السعران متساويين، ويمكن حساب ذلك عن طريق قسمة تكاليف الإنتاج الثابتة على سعر الوحدة مطروحًا منها تكاليف الإنتاج المتغيرة، وتشير التكاليف الثابتة هنا إلى تلك النفقات التي لا تتغير تبعًا لعدد الوحدات المباعة، ما يعني أن نقطة التعادل هي مستوى الإنتاج الذي يساوي فيه إجمالي الإيرادات لمنتج ما إجمالي النفقات التي تم صرفها حتى اكتمال وصوله إلى الأسواق، وفي الاستثمار يقال إن نقطة التعادل تتحقق عندما يكون سعر السوق للأصل هو نفس تكلفته الأصلية.
ويمكن فهم نقاط التعادل من خلال تطبيقها على مجموعة واسعة من السياقات، وعلى سبيل المثال، ستكون نقطة التعادل في عقار ما هي مقدار الأموال التي سيحتاج مالك المنزل إلى توليدها من البيع لتعويض صافي سعر الشراء بالضبط، بما في ذلك تكاليف الضرائب والرسوم والتأمين والفوائد المدفوعة على الرهن العقاري مثلاً، وكذلك التكاليف المتعلقة بالصيانة والتحسينات التي أجراها على المنزل، وعند هذا السعر سيحقق صاحب المنزل التعادل تمامًا، ومن ثم فإنه لن يكسب ولن يخسر كذلك أي أموال، وبالمثل يتم حساب نقطة التعادل للشركة عن طريق أخذ التكاليف الثابتة وتقسيم هذا الرقم على نسبة هامش الربح الإجمالي.
وبشكل عام يتم استخدام نقطة التعادل في مجالات متعددة من الأعمال والتمويل، ومن ثم يتخذ المعنى شكلاً مختلفًا إلى حد ما حسب الاستخدام، ففي الناحية المحاسبية تشير نقطة التعادل إلى مستوى الإنتاج الذي يساوي فيه إجمالي إيرادات الإنتاج إجمالي تكاليف الإنتاج، وفي الاستثمار تشير نقطة التعادل إلى النقطة التي تتساوى عندها التكلفة الأصلية مع سعر السوق، بينما تحدث نقطة التعادل خلال التداول عندما يصل سعر السوق للأصل الأساسي إلى المستوى الذي لن يتكبد فيه المشتري خسارة، فتحليل هذه النقطة يمثل أداة اقتصادية تُستخدم لتحديد هيكل تكلفة الشركة، أو عدد الوحدات التي يجب بيعها لتغطية التكلفة، فيما يعني التعادل هنا ذلك الظرف الذي لا تحقق فيه الشركة ربحًا أو خسارة ولكنها تسترد جميع الأموال التي أنفقتها.
ما يعني أن نقطة التعادل تخبرك بمستوى السعر، أو العائد، أو الربح، أو أي مقياس آخر يجب تحقيقه حتى لا تخسر أي أموال، أو لاسترداد استثمار أولي في تجارة أو مشروع ما، وبالتالي إذا كانت تكلفة تنفيذ مشروع ما مليون دولار مثلاً، فسوف يحتاج هذا المشروع إلى تحقيق مبلغ قدره مليون دولار قبل أن يصل إلى نقطة التعادل، وهو ما يبرز أهمية تحديد هذه النقطة بشكل صحيح حتى تتحقق الأهداف المرجوة لأي مشروع، فمن خلالها يمكن تحديد الكثير من الأهداف العاجلة كتعويض الخسائر أو بعض النفقات الأولية، التي غالبًا ما يتم تضمينها في كل من الرسوم والعمولات والضرائب، وفي بعض الحالات تتضمن آثار التضخم أيضًا، وهو ما يساعد في النهاية على معرفة ووضع حدود للسعر، الذي يجب أن يحافظ عليه المنتج خلال عملية التداول.
أهمية نقطة التعادل
لنقطة التعادل أهمية كبيرة فيما يتعلق بمستقبل واستدامة الأعمال، وكما ذكرنا في السطور السابقة فإن تحليل هذه النقطة يُمكن المشروع من الوقوف على النفقات المفقودة والمهدرة وتلك التي يمكن الحد منها، مثلما يساعد في الكشف عن النفقات التي ربما لم تكن تتوقعها، مع تحديد التزاماتك المالية، وبالتالي لن تكون هناك أي مفاجآت تعرقل المشروع في المستقبل، وهو ما يدعم الاستمرار المدروس ووضع وتحقيق الأهداف، ومن ثم وضع السعر المناسب للمنتج، مع تحقيق الربح وتأمين التمويل، وصولاً إلى التنمية التي تصب في تحقيق الاستدامة للمشروع، في ظل اتخاذ القرارات المبنية على الدراية التامة، والبصيرة البعيدة عن العواطف والأهواء، ومن ثم تتحقق أبرز أهداف تحليل نقطة التعادل، والتي نستعرض بعضها في السطور التالية.
1- التسعير الصحيح
يوفر تحليل نقطة التعادل الرؤية الواضحة لإدارة حجم الوحدات المراد بيعها، إذ ستتمكن الشركة هنا من الوقوف على عدد الوحدات التي يجب بيعها لتغطية التكلفة المتغيرة، للوصول على الأقل إلى نقطة التعادل، وعلى هذا الأساس ستستطيع الشركة أو المشروع تحديد التسعير الصحيح لمنتجاتها، بما يحقق تغطية تكاليف الإنتاج، مثلما يحدد هامش الربح المتوقع من بيع كل وحدة، حيث يساعد تحديد نقطة التعادل على تصميم استراتيجية التسعير، وهو ما يضمن التسعير الصحيح استرشادًا بملاءمة ذلك لأهداف الشركة، مع توقع العائد الذي ستجنيه من الأسواق، ومن ثم البناء على ذلك العائد، والمؤشرات والتوقعات المدروسة لوضع الخطط المستقبلية، بما يضمن استقرار واستمرار الشركة وصولاً إلى تحقيق الاستدامة.
2- الحد من اتخاذ القرارات العاطفية
الحد من اتخاذ القرارات المبنية على العواطف هو أحد أبرز مكامن قوة تحليل نقطة التعادل، وحسب الخبراء فإن للعاطفة دورًا مهمًا في تحديدنا لمختلف القرارات، والاعتماد على العواطف ليس سيئًا على طول الخط، ولكنه قد يكون مكلفًا إذا تعلق الأمر بالاستثمار والأعمال، وهنا تبرز أهمية تحليل نقاط التعادل التي تقدم لك صورة حقيقية، وتضعك بين الأرقام التي لا تكذب ولا تخادع بينما تقدم لك حقائق ثابتة، تستطيع الاعتماد عليها في بناء واتخاذ القرارات الأكثر عملية لمنتجك ومشروعك، ومن ثم تحقيق أقصى استفادة ممكنة والأخذ بأسباب ضمان الاستقرار والاستمرار مع تحقيق الأهداف الآنية والمستقبلية.
3- تحديد الأهداف
يساعد تحديد نقطة التعادل كذلك في وضع وتحديد أهداف المشروع بدقة، إذ ستعرف بالضبط نوع الأهداف التي يجب تحقيقها لتحقيق الربح، وهو ما سيساعد في العمل على تحقيقها، مع اتخاذ كافة الإجراءات التي تساهم في وصولك لذلك، ويرتبط تحديد الأهداف هنا بكافة مراحل وعمليات المشروع، فعندما تعرف الشركة أو المالك النقطة التي يمكن فيها تحقيق التعادل، سيصبح من السهل عليها تحديد الهدف وتحديد ميزانية وفقًا لذلك، ومن ثم تحديد هدف واقعي يمكن الوصول إليه والقياس عليه، من خلال إجراءات واضحة، ثم البناء على النتائج المتحققة في تطوير الخطط والعمليات بما يتناسب مع كل نتيجة، ومن ثم استمرار عمليات النمو والتطور بما قد يؤدي في النهاية إلى تحقيق الاستدامة.
4- الحصول على التمويل
يساعد تحديد نقطة التعادل أيضًا في تأمين التمويل، فإذا كنت تسعى لتوفير التمويل اللازم لمشروعك أو التخطيط لتوسعاته المستقبلية، فإن من الضروري تحليل التعادل للوصول إلى هذه النقطة، ففي معظم الأحيان -إن لم يكن في كل الأحيان- يحتاج المستثمرون هنا إلى بيانات دقيقة حول مشروعك، بين ما تقدمه إليهم، ومن بين هذه البيانات الأكثر أهمية بالنسبة لهم بالتأكيد هي نقطة التعادل، حيث ستبرز لهؤلاء خطة عملك وطريقتك في إدارة المشروع، ومن ثم إمكانيات جني الأرباح على المديين القصير والطويل.
5- تحديد النفقات الفائضة
نقطة التعادل تحدد كذلك النفقات الفائضة، وهي النفقات غير الضرورية والتي يمكنك الاستغناء عنها بعد تحديد التزاماتك المالية بشكل واضح، ومن ثم ستستطيع إدارة هامش الأمان المالي، بمعنى الاستعداد لمختلف الظروف، بحيث لا تعيق طريق مشروعك أي مفاجآت غير سارة، وهي العملية التي ينبغي أن تستمر بشكل دائم لمراقبة النفقات والتكلفة التي تؤثر بدورها على هامش الربح، ومن خلال تحليل نقطة التعادل يمكن للإدارة اكتشاف ما إذا كانت هناك أي إجراءات يمكن اتخاذها في سبيل التعامل مع هذا الفائض من النفقات، التي يمكن اختصارها أو استثمارها بشكل أو بآخر.
آلية حساب نقطة التعادل
هناك آلية محددة لحساب نقطة التعادل لأي منتج، وهي الصيغة التي اختصرها علماء الإدارة في معادلة خاصة نقوم فيها بطرح التكلفة المتغيرة لكل وحدة خصمًا من إيرادات أو سعر كل وحدة، ثم قسمة الناتج على التكلفة الإجمالية الثابتة للمنتج، وبذلك نحصل على الناتج المتمثل في نقطة التعادل، هل يبدو الأمر واضحًا؟!
ربما نحتاج إلى مزيد من التوضيح مع عرض المعادلة في صيغتها المبسطة وشرح مكوناتها في السطور التالية.
الصيغة الرياضية
نقطة التعادل = إجمالي التكاليف الثابتة / "إيرادات أو سعر بيع الوحدة – التكاليف المتغيرة لكل وحدة"
ولكن ماذا يعني ذلك؟
· التكاليف الثابتة: تعني التكاليف الثابتة هنا التكاليف العامة التي تبدأ بمجرد بدء النشاط المالي للشركة، وتشمل الضرائب، والرواتب، والإيجارات، وتكلفة الاستهلاك، وتكلفة العمالة، والفوائد، وتكلفة الطاقة، وما إلى ذلك.
· التكاليف المتغيرة: تتقلب هذه التكاليف بحيث تقل أو تزيد حسب حجم الإنتاج، وتشمل هذه التكاليف تكلفة التعبئة، والتغليف، وتكلفة المواد الخام، والوقود، والمواد الأخرى المتعلقة بالإنتاج ومستلزماته.
· إيرادات أو سعر الوحدة: هي القيمة المادية السعرية المتحققة من بيع وحدة واحدة من المنتج.
اقرأ أيضًا:الاستثمار في السندات.. عائدات مستقرة وسط تقلبات دائمة
مثال على آلية حساب نقطة التعادل
نسوق هنا مثالاً لتوضيح آلية حساب نقطة التعادل باستخدام المعادلة السابقة، لنفترض أن هناك شركة ما تبيع أقلامًا، وقد قامت الشركة أولاً بتحديد التكاليف الثابتة، والتي شملت الإيجارات والضرائب والرواتب وغيرها من الأمور الثابتة لديها، فوصل إجمالي مجموعها إلى 1,00,000 ريال، بينما كانت التكلفة المتغيرة المرتبطة بتصنيع القلم الواحد هي 2 ريال لكل وحدة، بينما تم تحديد سعر بيع القلم الواحد بمبلغ 7 ريال، ومن ثم إذا أردنا تحديد نقطة التعادل باستخدام المعادلة سنطبقها كالآتي:
نقطة التعادل = إجمالي التكاليف الثابتة / "إيرادات أو سعر بيع الوحدة – التكاليف المتغيرة لكل وحدة"
نقطة التعادل = 1,00,000 / (7 – 2)
نقطة التعادل = 1,00,000 / 5
نقطة التعادل = 20,000 وحدة
وهو ما يعني أن الشركة ستحتاج إلى بيع 20,000 وحدة من الأقلام لتحقيق التعادل، فإذا باعت أكثر من ذلك الرقم حققت المكسب، أما إذا باعت أقل من هذا الرقم فإنها ستكون بذلك خاسرة، وبالتالي ستكون قد فشلت في الوصول أو تحقيق نقطة التعادل.
أبرز العوامل التي تؤثر في تغيير نقطة التعادل
هناك عدد من العوامل التي تؤثر على نقطة التعادل، بما يعني تغيير قيمة هذه النقطة صعودًا وهبوطًا، ومن ثم تؤثر في إحداث تغيرات بالنسبة لدراسة الجدوى الاقتصادية لأي مشروع بعد الانطلاق، من هذه العوامل على سبيل المثال: زيادة تكاليف الإنتاج، زيادة المبيعات للعملاء، ورفع أسعار المنتجات، وفيما يلي نتناول كل نقطة بمزيد من التوضيح:
· زيادة تكاليف الإنتاج: تعد من أهم العوامل التي تؤخر أو تقرب الوصول إلى نقطة التعادل، فزيادة تكاليف الإنتاج الثابتة وكذلك المتغيرة، تعني زيادة الكلفة الكلية للإنتاج، في ظل ثبات سعر البيع، وهذا يعني بالطبع أن الربح يقل، وبالتالي يحتاج المشروع إلى زيادة عدد القطع المباعة للوصول إلى نقطة التعادل التي يبتعد عنها سلبًا كلما زادت تكاليف الإنتاج، بينما يقترب منها إيجابًا كلما قلت هذه التكاليف.
· زيادة المبيعات للعملاء: تعني زيادة المبيعات للعملاء زيادة كمية الإنتاج أيضًا، ومع تثبيت بعض بنود التكاليف الثابتة كالإيجارات مثلاً، تزداد الأرباح والعكس صحيح، فأي زيادة في الإنتاج والمبيعات تؤدي في الغالب لزيادة في الإيرادات، ما يعني أن حدوث تغيرات في نقطة التعادل، التي ستشهد تغيرًا مع زيادة المبيعات أو انخفاضها كما سبق وذكرنا.
· رفع أسعار المنتجات: يؤثر رفع سعر المنتج بشكل مباشر في إحداث تغيرات في نقطة التعادل، فمع زيادة الأسعار تزداد الإيرادات، ما يؤدي الى زيادة الأرباح وبالتالي الاقتراب من نقطة التعادل، ورغم ذلك قد يؤدي رفع الأسعار في بعض الحالات إلى انخفاض في المبيعات بشكل أو بآخر، وبنسب مختلفة حسب نوعية المنتج، وحجم السوق، والمنافسة، وما يقدمه من قيمة حقيقة للعميل، وهو ما يؤدي إلى نتيجة مختلفة في هذا الحالة، بما يؤكد أن التجارة والاستثمار هي عمليات ديناميكية تتطلب الدراسة المستمرة للأسواق.