الإدارة المالية الفاشلة للأعمال.. مفهومها والأسباب والعواقب
قد تتساءل عن سر نجاح بعض الشركات والأسماء الكبرى في عالم الأعمال، وفي المقابل تطرح أسئلة منطقية حول سر فشل شركات أخرى، خاصة بعد تحقيقها لنجاحات كبيرة، لكنها توقفت فجأة دون مقدمات ولم يُكتب لها الاستمرار، لينتهي بها المطاف أخيرًا منزوية على هامش المشهد، كنماذج شاهدة على الأخطاء المكلفة في دنيا الاقتصاد والأعمال، ولعل التاريخ يحفل هنا بتجارب كثيرة تلخصت أسرار نجاحها، أو حتى فشلها في جملة مكونة من كلمتين هما "الإدارة المالية"، وهو المصطلح الذي يعني تخطيط وتنظيم وتوجيه ومراقبة الأنشطة المالية، مع إدارة كيفية استخدام أموال الشركة بشكل رشيد ومدروس، من خلال تطبيق مبادئ الإدارة العامة، بما يجنب المشروع تبعات الفشل المالي، الذي قد يؤدي بطبيعة الحال إلى مخاطر الانهيار والإفلاس.
مفهوم الإدارة المالية
في أبسط معانيها تعني الإدارة المالية تخطيط وتنظيم وتوجيه ومراقبة الأنشطة المالية، لإدارة أموال الشركة من خلال تطبيق مبادئ الإدارة العامة، لضمان تحقيق بعض الأهداف مثل الإمداد المنتظم والكافي بالأموال، وضمان العوائد الكافية للمساهمين من خلال القدرة على الكسب وتحديد سعر السوق والتوقعات، بالإضافة إلى ضمان الاستخدام الأمثل للأموال، وسلامة الاستثمار في مشاريع آمنة ذات معدل عائد مناسب، مع التخطيط لهيكل رأس مال سليم وعادل يحافظ على التوازن بين رأس المال والديون والنفقات.
وفي هذا السياق يتم اتخاذ قرارات الاستثمار في الأصول الثابتة "الميزانية الرأسمالية"، والأصول المتداولة "رأس المال العامل"، مع اتخاذ القرارات المتعلقة بجمع التمويل من موارد مختلفة، التي تعتمد على نوع المصدر، ومدة التمويل، وتكلفته، والعوائد المنتظرة، يضاف إلى ما سبق اتخاذ قرار توزيع صافي الأرباح، سواء أرباح المساهمين ومعدلها، أو الأرباح المحتجزة التي يتم تحديدها وتخصيصها لتنفيذ وتطوير خطط التوسع والتنويع الخاصة بالمؤسسة.
وحسب الخبراء فإنه يمكن تلخيص وظائف الإدارة المالية في الآتي:
- تقدير متطلبات رأس المال: إذ يجب على المدير المالي إجراء تقديرات مدروسة ومناسبة فيما يتعلق بمتطلبات رأس المال الشركة، معتمدًا على تكاليف الأصول، والنفقات الترويجية، والمتطلبات قصيرة وطويلة الأجل، والأرباح المتوقعة، والبرامج والسياسات المستقبلية، ما يزيد من قدرة المؤسسة على الكسب والاستمرار.
- تحديد هيكل رأس المال: بمجرد إجراء التقدير يجب تحديد هيكل رأس المال بشكل واضح، ويتضمن ذلك تحليل الديون قصيرة وطويلة الأجل، ونسبة رأس المال الذي تمتلكه الشركة، والأموال الإضافية التي يجب جمعها من أطراف خارجية.
- اختيار مصادر الأموال: حيث يكون لدى الشركة العديد من الخيارات للحصول على أموال إضافية، كإصدار الأسهم والسندات، القروض من البنوك والمؤسسات المالية، الودائع العامة على شكل سندات، ويعتمد الاختيار هنا على المزايا والعيوب النسبية لكل مصدر وفترة التمويل، وتناسب كل ذلك مع المشروع.
- استثمار الأموال: يتعين على المدير المالي أن يقرر تخصيص الأموال في مشاريع مربحة، بحيث يكون هناك أمان للاستثمار مع تحقيق عوائد منتظمة، بالإضافة إلى ضمان استغلال الموارد إلى أقصى حد، وبأفضل طريقة ممكنة للحصول على أقصى العوائد.
- التخلص من الفائض: إذ يجب أن يتم اتخاذ قرار تحديد صافي الأرباح من قبل المدير المالي، بتحديد نسبة الأرباح والمزايا الأخرى مثل المكافأة، كذلك تحديد الأرباح المحتجزة بهدف تنفيذ خطط الشركة التوسعية والابتكارية المتنوعة.
- إدارة النقد: يتعين على المدير المالي كذلك اتخاذ القرارات فيما يتعلق بإدارة النقد للعديد من الأغراض، مثل دفع الأجور، والرواتب، وفواتير الكهرباء والماء، والدائنين، وتلبية الالتزامات المتداولة، والحفاظ على مخزون كافٍ، وشراء المواد الخام، وما إلى ذلك.
- الضوابط المالية: لا يتوقف دور المدير المالي على كل ما سبق فحسب، إذ يتعين عليه أيضًا ممارسة الرقابة على الموارد المالية، من خلال العديد من التقنيات مثل تحليل النسب، والتنبؤ المالي، ومراقبة التكلفة والأرباح، وما إلى ذلك.
الفرق بين شخصية المدير الناجح والفاشل
يتضح من كل ما سبق أهمية المدير الناجح، الذي ستنعكس قراراته دون شك على المشروع ومستقبله وتطوره، وبالتالي فإن شخصية هذا المدير لها من الأهمية ما ينبغي التوقف عندها لتحديد الفرق بين المدير الناجح والفاشل، وحسب الخبراء فإن الإدارة الفعّالة المتمثلة في شخصية المدير الناجح تعد جزءًا أساسيًا من الحياة العملية للموظفين، وإذا كان هناك نقص ما في هذه الإدارة فإنه من السهل أن يفقد فريق العمل الحافز والحماس والإنتاجية، ما قد يؤدي إلى بحث هؤلاء عن فرص جديدة.
كما أن هناك علاقة بين المدير وتقاريره والفريق، إذ إن لهذه التقارير تأثيرًا مباشرًا على معنويات الفريق ونجاحه، وغالبًا ما يُقال إن الأشخاص لا يتركون الشركات، بل يتركون المديرين، ولهذا السبب من المهم جدًا أن تكون هذه العلاقة صحيحة وصحية، فإذا كان الفرد لا يشعر بالدعم، أو لا يستطيع إجراء محادثات مفتوحة وبناءة مع مديره، فمن المحتمل أنه سيشعر بالإحباط، ومن ثم سيكون لهذا تأثيرًا واضحًا ومستمرًا فيما يتعلق بالأداء في العمل، والخط البياني لمنحنى ذلك الأداء صعودًا وهبوطًا.
وبشكل عام فإن المدير الناجح ليس مسؤولاً فقط عن نتائج الفريق، ولكنه مسؤول أيضًا عن دعم الأفراد داخل فرقهم، وهذا يعني فهم ما يدفعهم ويحفزهم، وما هي نقاط قوتهم وكيف يقدر جهودهم، وكيفية توجيههم في المجالات التي يحتاجون إلى تطويرها، كما أنه يجب أن يكون متواضعًا، يجيد التواصل ويظهر مستوى عالٍ من الذكاء العاطفي، والتعلم المستمر لتطوير مهارات الاتصال لديه، بما يسمح له بتحقيق الانسجام بينه وبين فريق عمله، بما يضمه من اختلافات وتباينات شخصية وثقافية يجب أن يكون قادرًا على التعامل معها، مع تحسين علاقات العمل بشكل مستمر، فإدارة الأشخاص بنجاح وجعل أعضاء الفريق يشعرون بأنهم يقومون بعمل جيد هو أمر أساسي هنا، مع ضرورة الاستفادة من مراجعات الأداء لضمان استمرار تطور الأفراد في الفريق، بما يتماشى مع مهامهم وتطلعاتهم المهنية أيضًا.
وبشكل مختصر يمكن القول إن المدير الناجح هو مدير يتواصل بتواضع ووضوح، ومن ثم يكون أكثر قدرة على إدارة فريقه، وتفويض المهام، وإدارة الصراع، والتحفيز، وبناء العلاقات، والتواصل القوي هنا لا يعني فقط القدرة على التحدث مع الناس، بل تمكينهم كذلك من التحدث مع بعضهم البعض، مع تسهيل قنوات اتصال قوية بينهم، هو يجب أن يمتلك القدرة على الاستماع جيدًا لمرؤوسيه، لدعمهم وفهم رغبات واحتياجات واهتمامات الفريق، إذ يجب أن يشعر كل فرد هنا أن له صوتًا، وأنه سيتم الاستماع إلى رأيه.
يضاف إلى ذلك القدرة على صُنع واتخاذ القرارات، وتوجيه الفريق نحو الأهداف، وإظهار الثقة بأعضاء الفريق من خلال تفويضهم في بعض المهام، مع ضمان إدارة المهام الأكثر أهمية، بحيث يكون المدير قدوة حسنة ومثالاً جيدًا على المهنية والمهارات والمعرفة، وكقائد جيد يشارك النجاحات ويمتص الإخفاقات، والأهم من ذلك هو تحمل المسؤولية عند ارتكاب الأخطاء، وإظهار الاستعداد للتدخل عندما تصبح الأمور صعبة، أو عندما تحدث أي متغيرات تؤثر على ديناميكية الفريق، فالمدير الجيد هو من يجمع كل ما سبق، وهي بالتأكيد الصفات التي قد يفتقدها كلها أو بعضها المدير الفاشل.
أسباب فشل الإدارة المالية
فشل الإدارة المالية لأي مشروع يترجم بشكل عملي في الانهيار والإفلاس، ورغم أن غالبية خبراء الاقتصاد والإدارة يرجعون ذلك في المقام الأول إلى شخصية المدير وقراراته، فإنّ هناك نقاطًا بارزة لأسباب هذا الفشل، ومنها:
- عدم التخطيط المالي الجيد: التخطيط هنا هو عملية صياغة الأهداف، والسياسات، والإجراءات، والبرامج، والميزانيات المتعلقة بالأنشطة المالية ذات الاهتمام، وهذا يضمن وجود سياسات مالية واستثمارية فعّالة، وأموال كافية لاستمرار المشروع واستقراره، إذ يساعد في ضمان تحقيق توازن معقول في تدفقات الأموال، ووضع برامج النمو، والتوسع التي تساعد في بقاء الشركة على المدى الطويل، كما يقلل من حالات عدم اليقين فيما يتعلق باتجاهات السوق المتغيرة التي يمكن أن تشكل عائقًا أمام نمو الشركة، ما يساعد في ضمان الاستقرار والربحية، وبالتأكيد فإن غياب مثل هذا التخطيط الجيد يسبب فشل كل هذه العملية ولا يحقق النجاح المأمول.
- سوء الإدارة في التدفقات النقدية: تضمن التدفقات النقدية الجيدة بقاء المشروع على المسار الصحيح، بالإضافة إلى دعم إنشاء رؤية طويلة المدى لنموه، مع توجيه القرارات بشأن مكان الاستثمار، وكيفية تمويل تلك الاستثمارات والسيولة والربحية وغيرها، والتأكد من وجود ما يكفي من النقد في متناول اليد للعمليات اليومية كدفع الأجور وشراء مواد الإنتاج، ولكن سوء إدارة تلك التدفقات قد تصل بالشركة إلى حد الفشل والإفلاس، فإدارة التدفقات تعد هنا جزءًا أصيلاً من ضمانات الاستمرار والنمو، ولذلك ينبغي على المدير الناجح إدارتها بشكل فعّال ومدروس.
- اتخاذ قرارات استثمارية سيئة: يجمع الخبراء على أن اتخاذ قرارات استثمارية سيئة يأتي في مقدمة أسباب فشل الإدارة المالية لأي مشروع، ويعود ذلك كما يبدو لغياب البحث الكافي الجيد، والمعلومات الكاملة، والوعي والمعرفة الحقيقية بالأسواق ذات الصلة والظروف الراهنة، ومن ثم يتم اتخاذ مثل هذه القرارات المنفصلة عن الواقع وتطوراته، ما يأتي بنتيجة حتمية تتلخص في الفشل وصولاً إلى الانهيار والإفلاس.
- تجاهل الديون والتمويل بشكل غير مستدام: تجاهل الديون وكذلك تجاهل الوصول إلى تمويل مستدام، والاعتماد بدلاً من ذلك على التمويل غير المستدام، يسبب بطبيعة الحال فشل عميق الأثر على الإدارة المالية، إذ يعد التمويل المستدام أداة لتحقيق النمو المتوازن للمشروع، من خلال استثمار مخاوف التخطيط الآنية وقصيرة المدى لخلق فرص مستقبلية تضمن استمرار المشروع ونموه وتطوره، وربما إيجاد أفكار خلّاقة لتحقيق ذلك الهدف الأسمى لأي استثمار، ألا وهو الاستدامة، وتحقيق الربحية، وضمان التدفقات النقدية المُسيرة لعجلات الإنتاج.
العواقب المتوقعة للإدارة الفاشلة
يعتقد خبراء الإدارة أن الشركات تشبه الكائن الحي في كثير من الصفات، حيث تمثل الشركة طبقًا لوجهة النظر تلك جسدًا واحدًا تتأثر أجزاؤه ببعضها، بينما تتأثر بمختلف العوامل والتأثيرات المحيطة من حوله، مثلما تتأثر بقرارات إدارتها المالية، التي تؤثر بدورها في مختلف أجزائها، وحسب هؤلاء فإن هناك عواقب متوقعة للإدارة الفاشلة تنعكس على الشركة، وربما تؤدي في نهاية الأمر إلى الفشل العام والإفلاس، مثل تدهور الأداء المالي للأعمال، وتراجع الثقة من قبل المستثمرين والمساهمين، وفقدان القدرة على تلبية الالتزامات المالية للأعمال، وتهديد مستقبل الاستدامة والبقاء في السوق، وهي النقاط التي نعرضها بشكل مختصر.
تدهور الأداء المالي للأعمال
يعد تدهور الأداء المالي للأعمال من أهم العواقب المتوقعة للإدارة الفاشلة، إذ إن القرارات الخاطئة التي يتم اتخاذها دون سند من البحث العميق، والبيانات الصحيحة، أو التقديرات المدروسة، والتخطيط المالي الواضح، كلها تؤدي إلى نتيجة حتمية من التدهور المالي للأعمال في غياب مقومات خطط الاستثمار، أو جذب التدفقات النقدية الضامنة لتطور ونمو المشروع، في ظل ظروف السوق المتغيرة باستمرار، والتي تحتاج بطبيعة الحال إلى مواكبتها بتشجيع البحث عن الحلول المبتكرة، وقيادة التطور لتحقيق الاستقرار، ثم الاستمرار والاستدامة.
تراجع الثقة من قبل المستثمرين والمساهمين
يؤدي تدهور الأداء المالي بدوره إلى إرسال مؤشرات قوية على فشل ما في الإدارة المالية، ومن ثم يؤدي إلى تراجع الثقة من قبل المستثمرين والمساهمين كذلك، فالقرارات المتأرجحة والمتضاربة والتي يغيب عنها الرؤية الثاقبة لطبيعة الأسواق، مع عدم وضع الأهداف الحقيقية للمشروع والمتمثلة في تحقيق النجاح والربحية وتركيز الخطط المالية، كل ذلك يحد من الثقة وربما يفقدها جزءًا ليس هينًا من مصداقيتها ونجاعة خططها، ما قد يصل بها في النهاية إلى حافة الهاوية، وعندها ربما سيتنافس المستثمرون والمساهمون في الانسحاب أو القفز منها قبل السقوط.
فقدان القدرة على تلبية الالتزامات المالية للأعمال
يعد فقدان القدرة على تلبية الالتزامات المالية للأعمال من بين العواقب المتوقعة أيضًا لفشل الإدارة، إذ تفشل هنا في توفير ما يكفي من المال للوفاء بالتزاماتها التشغيلية، بينما كان ينبغي عليها أن تخطط وتتوقع لتحقيق التدفق النقدي الإيجابي، ومن ثم تخصيص الأموال لتنمية أو إضافة منتجات أو خدمات جديدة، والتعامل مع الأحداث غير المتوقعة ومخاطر السوق، ووضع ميزانية محكمة تضم النفقات الرأسمالية، والنفقات التشغيلية التي يحتاجها المشروع لالتقاط أنفاسه والاستمرار في الحياة.
تهديد مستقبل الاستدامة والبقاء في السوق
كل ما سبق من عواقب متوقعة للإدارة الفاشلة يتحد هنا في هذه النقطة لتهديد مستقبل الشركة واستدامتها وحتى استمرار بقائها في السوق، فتدهور الأداء المالي للشركة، ومن ثم فقدانها القدرة على تلبية التزاماتها المالية، مع تراجع أو فقدان ثقة المستثمرين والمساهمين، وغيرها من الأمور الحيوية لحياة المشروع، كل ذلك يهدد إمكانية بقاء الشركة واستمرارها في السوق، ومن ثم تعجز عن تحقيق أفضل السيناريوهات وأهمها بالنسبة لأي شركة، وهو تحقيق الاستدامة والربحية، إذ سيؤدي كل ما سبق إلى نتيجة قد تصل إلى الانهيار والإفلاس.
استراتيجيات لتفادي الإدارة المالية الفاشلة
لم يترك خبراء الإدارة موضوع الإدارة المالية الفاشلة للأعمال ليعبر دون منحنا بعض الطرق والاستراتيجيات المهمة، التي تجنبنا الوقوع بين براثن هذا الفشل المكلف، ومنها:
- تحسين عمليات التخطيط والمراقبة المالية: حيث إن هناك ثلاث ركائز للحوكمة المالية السليمة، في مقدمتها وضع الاستراتيجيات، بمعنى تحديد ما يجب أن يحدث ماليًا للشركة لتحقيق أهدافها قصيرة وطويلة الأجل، وهنا يحتاج القادة إلى رؤى حول الأداء الحالي لتخطيط السيناريوهات المناسبة، ومن ثم صناعة القرار وتحديد أفضل طريقة لتنفيذ الخطط، من خلال توفير تقارير مالية وبيانات محدثة حول مؤشرات الأداء الرئيسة ذات الصلة، وأخيرًا وليس آخرًا العمل على المتابعة للتأكد من مساهمة كل قسم في الرؤية والعمل في حدود الميزانية، بعد التأكد باستمرار من توفرها خلال مراحل الإنتاج المختلفة، وبما يتماشى مع الاستراتيجية.
- اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة: تشمل مسؤوليات الإدارة المالية داخل الشركة في بداية المشروع، وضع ميزانية تتوافق مع التخطيط المدروس وخطة العمل الاستثمارية المستنيرة، والالتزام بكل ذلك وتقييم ما يجب فعله بالأرباح، بالإضافة إلى التأكد من دفع الفواتير وضمان التدفقات المالية، ومع نمو الشركة تصبح الإدارة أكثر تعقيدًا، ولذلك فإن اتخاذ القرارات الاستثمارية طويلة المدى وقصيرة المدى، يجب أن تتم بشكل مستنير تمامًا من خلال توفر البيانات المحدثة الصحيحة، ومراجعة الموقف بشكل مستمر لإضافة التحديثات اللازمة واتخاذ ما يتناسب معها من قرارات، بعد طرح أسئلة مهمة مثل: هل سلعنا وخدماتنا مربحة؟ هل يمكننا تحمل تكلفة إطلاق منتج جديد؟ ما الذي يمكن أن تجلبه الأشهر القادمة؟ وغيرها من الأسئلة التي يجب أن تجيب عنها الإدارة المالية الناجحة، وإلا وُصمت بالفشل.
- إعادة هيكلة الديون بشكل صحيح: تستطيع الشركات -ربما دائمًا- إعادة هيكلة ديونها بشكل ودي من خلال الاتفاق مع الدائنين بحيث تتحقق المصلحة المشتركة للجميع، ولكنها عندما تكون غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية أو السداد فإنها -للأسف- ستعلن إفلاسها، ومن ثم سيتم حساب جميع الديون المستحقة وسدادها ربما من أصول الشركة، من خلال مسار قانوني محدد يختلف باختلاف الدول وطبيعة القوانين السائدة فيها، ورغم أن البعض يعتبر "الإفلاس" فرصة للبدء من جديد من خلال الإعفاء من الديون التي لا يمكن للشركة سدادها، إلا أن هذا الإجراء يعد هو الأخير في حياة الشركة بشكلها المعروف للجمهور، إذ يمكنها الاستمرار بعد ذلك إن لم يتم تصفيها، ولكنها ستكون قد فقدت الكثير من صورتها الذهنية أمام عملائها، ولذلك ينبغي على الإدارة المالية أن تقود المفاوضات لإعادة هيكلة الديون بشكل صحيح وودي كلما أمكنها ذلك، وقبل أن تصل الأمور إلى تلك المرحلة التي تجسد فشل إدارتها المالية.
- الالتزام بمعايير أفضل الممارسات في مجال الإدارة المالية: ينصح الخبراء بالالتزام بمعايير أفضل الممارسات في مجال الإدارة المالية، والتي تتمثل في تقليل الأخطاء المحاسبية، مع الامتثال لقوانين الضرائب المطبقة، والمتطلبات التنظيمية المتغيرة، وتحسين التدفق وتقصير دورات الفوترة، وهي الممارسات التي تتكامل مع التخطيط الجيد لكل المراحل، وإجراء البحوث المتعمقة قبل ذلك وقبل اتخاذ أي قرار بشكل عام، وضمان التدفقات النقدية لضمان الاستمرار والاستدامة، والاستعانة بالفريق المتناغم مع توضيح الأهداف وخطط العمل بدقة، بحيث تصل لكل فرد في هذا الفريق، مع تحديد المعايير الحاكمة لنجاح كل عملية، وكيفية قياس التقدم المتحقق والنتائج المرجوة.
أمثلة على مؤسسات تضررت بسبب قرارات الإدارة الفاشلة
يحفل تاريخ الأعمال حول العالم بوجود عدد كبير من قصص النجاح، وربما نفس العدد لقصص الفشل المؤلمة أيضًا، وهي قصص لشركات عالمية انهارت او تضررت بسبب فشل الإدارة، التي أدت قراراتها الخاطئة إلى انطفاء ذلك البريق الذي صاحب تاريخها، ليصبح من معالم الماضي، ولعل النماذج كثيرة ولكننا سنعرض هنا ثلاث شركات منها:
1- شركة نوكيا Nokia: يمتد تاريخ هذه الشركة الفنلندية العملاقة لأكثر من قرن من الزمان، قبل أن تتربع على قمة تصنيع الهواتف المحمولة عام 1987، حتى استحوذت عن جدارة على حصة سوقية عالمية بنسبة تبلغ 50%، لتتجاوز مبيعاتها أكثر من 50 مليار دولار في عام 2007، إلا أن النمو المفرط للشركة مع فقدان المرونة والافتقاد إلى القيادة المبتكرة أدي في النهاية إلى فشلها، حيث وصلت حصتها السوقية إلى نحو 5% فقط في عام 2013.
وحسب الخبراء فإن ذلك يعود إلى عدم تكيف "نوكيا" مع تغيرات التكنولوجيا وسوق الهواتف المحمولة التي تطورت بطرح الهواتف الذكية، بينما كان قرار "نوكيا" أن تظل بلا تطوير، تستخدم نفس نظامها الذي لم يتطور ونفس هواتفها التي لم تشهد الكثير من التغييرات، معتمدة على اسم العلامة وثقلها فقط دون مواكبة ثورة التقدم من حولها، بينما كان المنافسون يعملون على قدم وساق لتقديم كل ما هو جديد ورائع، في حين وجهت الشركة كل مواردها للنمو الكمي لمواجهة الطلب المتزايد على حساب الابتكار، وعندما استفاقت الشركة متأخرًا قامت بإجراء بعض التغيرات التنظيمية داخلها، فغادرها اعتراضًا العديد من المديرين، ومن ثم غاب التناغم وقبله الرؤية، فكان ما كان.
2- شركة شيب Shyp: كانت شركة "Shyp" إحدى أهم الشركات الناشئة عام 2013، وقد حققت نجاحًا كبيرًا منذ انطلاقتها في وادي السيلكون، إذ قدمت خدماتها المميزة في عالم الشحن عند الطلب، وسعت إلى إزالة متاعب الشحن من خلال تطبيقهم الذي كان يسمح للمستخدمين بالتقاط صورة للعنصر الذي يريدون شحنه، مقابل رسوم قدرها 5 دولارات، ومن ثم تقوم الشركة بالتغليف والشحن والتوصيل، وكان هذا المفهوم قويًا بما يكفي لكي تتمكن الشركة من جمع 62 مليون دولار في نهاية المطاف من التمويل لمواصلة توسعها في عدد من الولايات الأمريكية.
كما عقدت شركات جيدة مع أسماء كبيرة، ولكن الشركة رغم ذلك فشلت في نهاية المطاف نتيجة نموذج التشغيل الخاص بها، وهو النموذج الذي ثبت رسوم الاستلام والتعبئة والتجهز رغم التباين الكبير في حجم الطرود التي كان الأشخاص يرسلونها، كما استهدفت الشركة الأفراد باعتبارهم قاعدة المستخدمين لخدماتها، بينما يقوم معظم هؤلاء بشحن الطرود من حين لآخر فقط أو بشكل موسمي، ومن ثم لا يمثلون الأعمال المتكررة التي تبحث عنها الشركات، ورغم محاولات الشركة لتصحيح ذلك فإنّ الأوان كان قد فات، ما اضطرها أخيرًا لإيقاف أعمالها عام 2018، بينما اعترف رئيسها التنفيذي بأنه لم يستجب، أو لم يحاول الاستماع إلى مستشاريه.
3- شركة جوسيرو Juicero : ظهرت شركة "جوسيرو Juicero" على الساحة الأمريكية عام 2016 مع وعد بإحداث ثورة في طريقة صُنع العصائر الطازجة، حيث قدمت الشركة آلة عصر متصلة بشبكة الواي فاي، مصحوبة بأكياس عبوات فواكه وخضروات تبيعها الشركة قبل عصرها من خلال اشتراك حصري، ورغم التمويل الكبير الذي تلقته "جوسيرو" لكنها لم تنجح رغم ذلك، لأكثر من سبب، لعل في المقدمة منها سعر الجهاز الذي وصل إلى 699 دولارًا، ما جعل الوصول إليه غير متاح لمعظم المستهلكين، وكذلك اكتشاف أن عبوات العصير يمكن عصرها يدويًا بنفس فعالية الآلة نفسها، ما عرّض الشركة إلى انتقادات وسخرية واسعة النطاق، أدت في النهاية إلى توقفها في عام 2017 لأنها لم تقدم قيمة حقيقية للعملاء حسب كلمات الخبراء، ما اضطر الشركة إلى تعليق المبيعات، وإعادة شراء العصارة من عملائها، والبحث عن مشترٍ للشركة وملكيتها الفكرية!