الأتمتة.. ما هي؟ وما فوائدها في عالم الأعمال؟
قد تعتقد أن مفهوم التشغيل الآلي، أو الأتمتة Automation، هو مفهومٌ جديد على الساحة، ولكن الحقيقة أن جذوره تعود إلى ما يزيد على الخمسين عامًا، وبالتحديد إلى عام 1946 عندما استُخدِم للمرة الأولى في مجال صناعة السيارات Automobile industry لوصف الاعتماد المتزايد على خطوط الإنتاج الآلية.
ويعود سبب انتشار مفهوم الأتمتة في الآونة الأخيرة -أكثر من أي وقت مضى- إلى التطور التكنولوجي الحاصل والذي لا يُمكن لعاقلٍ أن ينكره، وذلك ببساطة لأهمية هذا المفهوم، ودوره المحوري في التطور الذي لا ينفك عن التوغل في شتى مناحي الحياة.
ما المقصود بالأتمتة؟
ببساطة شديدة، تُعرَف الأتمتة بأنها الاستعانة بالتكنولوجيا في المجالات المختلفة والمهامٍ التي يتعين على البشر إنجازها، إلى درجة يُمكن عندها أن تُنجَز فيها هذه المهام دون تدخلٍ بشري من الأساس. وتتجسد الأتمتة في أنظمة تكنولوجية وآلات لا حصر لها بدايةً من السُفن وحتى غلَّايات المياه.
في سياق التكنولوجيا والحوسبة مثلاً، فإن عملية الأتمتة عادةً ما يُقصَد بها استخدام التكنولوجيا والخوارزميات لإنجاز مهام مُتكررة تحتاج إلى متابعة دورية من البشر.
على سبيل المثال، عملية فلترة أو تصنيف الإيميلات، والتي تستخدم فيها خدمات البريد الإلكتروني المختلفة "مثل Gmail" خوارزميات تُساعدها على تصنيف الإيميلات إلى "مهمة" أو "مُزعجة- spam" وهكذا، ونفس الشيء ينطبق على وسائل التواصل التي تتيح لمستخدميها جدولة المنشورات مثلاً ونشرها في أوقات مُحددة مُسبقًا دون تدخل البشر. ويختلف تطبيق الأتمتة حسب المجال الذي نتحدث عنه، وسنوضح ذلك عندما نتناول أنواعها المختلفة.
يجدر بالذكر أن مفهوم الأتمتة Automation يختلف عن مفهوم "المَيكنة- mechanization"، إذ عادةً ما يُستَخدم المفهوم الثاني للإشارة إلى الاستعانة بالماكينات Machines "من هنا جاء اصطلاح mechanizations" لإنجاز الأعمال المختلفة، والعامل البشري يكون متطلبًا أساسيًا فيها، أما الأتمتة فتتجاوز الماكينات وتمتد لتشمل جميع الأنظمة الإلكترونية بدايةً من الحواسيب وحتى الروبوتات، ويمكنها أن تستبدل البشر كليًا.
ما هي أنواع الأتمتة؟
ها قد أتينا سريعًا لأنواع الأتمتة، التي يُمكننا أن نقول إنها مُتنوعة ومتعددة ما بين أتمتة تكنولوجيا المعلومات IT automation، والأتمتة الصناعية Industrial automation، والأتمتة البرمجية، إلخ، وإليكم الآن أهم أنواعها المختلفة على هيئة نقاط سريعة:
1. أتمتة تكنولوجيا المعلومات IT automation:
تُعرَف أيضًا بأتمتة البنية التحتية i1nfrastructure automation، وتدخل في المؤسسات والشركات الحديثة والمختلفة لتُساعدها على التحول الرقمي، والاعتماد بشكل محوري على التكنولوجيا، ما يتسبب في الاستغناء بشكل كلي أو جزئي عن دور البشر في التعامل مع أنظمة تكنولوجيا المعلومات IT.
2. أتمتة الأعمال "البيزنس":
يُدخِل هذا النوع من الأتمتة التكنولوجيا في كلٍ من نظام إدارة إجراءات العمل BPM "نظام إدارة البيزنس بشكلٍ منهجي يضمن كفاءته"، ونظام إدارة قواعد العمل BRM "نظام برمجي مسؤول عن تحديد قواعد العمل وتنفيذها" للتكيف مع احتياجات السوق المتطورة باستمرار.
3. الأتمتة البرمجية Automatic programming:
يُشار إليها أيضًا بالـ autocode، وفيها يتم الاستعانة بآلية برمجية لتنفيذ كود برمجي ما بشكل تلقائي ودون الحاجة إلى وجود مبرمج بشري. يمكن الاستفادة من هذا النوع من الأتمتة في تطوير مواقع الويب، أو تحليل البيانات وغيرهما من الاستخدامات الأخرى.
4. أتمتة العمليات الآلية "RPA":
يختص هذا النوع من الأتمتة بالاستعانة بالروبوتات وتوظيفها للتعامل مع المهام المُتكررة والروتينية مثل نقل البيانات من قواعد البيانات databases إلى جداول البيانات Spreadsheets وهكذا.
5. الأتمتة الصناعية:
يُعد تقليص حجم العمالة البشرية هدفًا أساسيًا للكثير من الشركات الآن، لا سيّما في الأعمال الرتيبة التي لا تحتاج إلى ذهنٍ حاضر أو مهارات خاصة، ومن هنا يأتي دور الأتمتة الصناعية التي تولّي الآلات والروبوتات هذه المهام، ما يُقلل من تكاليف الإنتاج ويُسرّع من عجلتها، فضلاً عن تحسين الكفاءة، وبالطبع التخلص من أعباء ورواتب العمالة البشرية.
6. الأتمتة المنزلية Home automation:
التحكم بإضاءة المنزل بواسطة الهاتف المحمول، أو التحدث مع Alexa "المساعد الذكي التابع لأمازون" لكي تُنجِز لك أعمال التسوق، أو تَعطُّل أنظمة الحماية بشكل تلقائي عند دخولك إلى البيت.. كُل هذه الأمور كانت تُعد ضربًا من ضروب الخيال العلمي، أما الآن فهي أمور مُعتادة وموجودة في كثير من المنازل، وهذه هي الأتمتة المنزلية ببساطة؛ أي الاستعانة بالتكنولوجيا في المنزل لتُسهّل الحياة على نفسك.
7. الذكاء الاصطناعي AI:
أبرز وأشهر أنواع الأتمتة بلا ريب، ويُمكن اعتبارها شكلاً من أشكال أتمتة الأعمال، حيث يتم تغذية أدوات مُعينة بالمعلومات وبرمجتها على تحليل وتذكر قواعد بيانات هائلة لاستدعائها عند الحاجة إليها، ولعل أحد أشهر أمثلة هذا النوع روبوتات الدردشة الشهيرة مثل بارد Bard -التابع لغوغل- وتشات جي بي تي ChatGPT -التابع لشركة Open AI-، ولا ننسى روبوتات الدردشة المُستخدمة في خدمة العملاء.
كانت هذه أهم أنواع الأتمتة بحسب تصنيفها الوظيفي، أما إذا أردنا الاحتكام إلى مدى أو درجة تطبيق هذا المفهوم، فسيكون أمامنا نوعان هُما الأتمتة الجزئية والأتمتة الكلية.
أما الأتمتة الجزئية Partial automation: فتعني الاستفادة من التكنولوجيا في جزءٍ من المهام أو العمليات، مع عدم تنحية الدور البشري تمامًا "مثل المكننة mechanization"، إذ يلعب الأشخاص في هذا النوع من الأتمتة دور المراقبين؛ أي أنهم يدعون الآلة تقوم بالوظيفة الموكلة إليها، ويتدخلون فقط وقت الحاجة.
مثال على الأتمتة الجزئية: روبوتات الدردشة المُستخدمة في الدعم الفني، والموجودة الآن في كثير من المواقع والخدمات للرد على استفسارات العملاء البسيطة والمتكررة، ولكن عندما تواجه سؤالاً مُعقدًا وبه تفاصيل لم تُبرمَج على الرد عليها، فهنا يتدخل العنصر البشري ويُنقذ الموقف.
بالنسبة للأتمتة الكلية Full automation: فكما توقعت، يتم الاعتماد فيها كُليًا على الآلة، والتخلي عن العنصر البشري الذي لا يكون له دورٌ فعال؛ ففي الأتمتة الكلية تتولى التكنولوجيا كل شيء من البداية إلى النهاية، ويُستَخدم هذا النوع بكثرة في الأعمال الروتينية التي لا تتطلب ابتكارًا -ولو أن الكثير من الأعمال التي تحتاج إلى عنصر الابتكار أصبحت التكنولوجيا مُستخدمة فيها- أو تفكيرًا خارج الصندوق، وذلك لقدرة الآلة على إنجاز هذا النوع من الأعمال بشكل أسرع وكفاءة أكبر من البشر.
مثال على الأتمتة الكلية: خطوط الإنتاج في المصانع، والتي تعمل فيها الروبوتات بكل كفاءة ودون كلل أو ملل للوصول إلى المنتج النهائي، وذلك بالمرور بكل المراحل الأولية من تجميع ولحام وتغليف وما إلى ذلك.
أبرز فوائد الأتمتة في عالم الأعمال
تُقدم الأتمتة فوائد جمة لمستخدميها بغض النظر عن المجال المُستخدَمة فيه، ولكن في مجال الأعمال بالتحديد، ما تقدمه الأتمتة من فوائد يجعل الشركات والمؤسسات تتهافت على تبنيها، وبالرغم من ذكرنا لبعض هذه الفوائد بشكل ضمني أعلاه، فإننا بحاجة إلى أن نبلورها أمامكم حتى نُثبّت الصورة:
1. زيادة الكفاءة والإنتاجية:
تُقدم الأتمتة حلولاً وأدوات من شأنها أن تُعجّل من الإنتاجية وتزيد من الكفاءة، لا سيّما في الأعمال التي تحتاج إلى تكرار نُهُج معينة مثل إدخال البيانات Data Entry، ولا حاجة إلى ذكر مدى كفاءة الآلات مقارنة بالبشر، ما يجعلها خيارًا مُفضَّلاً لتجنب نسبة الخطأ البشري.
2. توفير التكاليف وزيادة الربحية:
يعني الاستعانة بالآلات والتكنولوجيا، بدلاً من القوى البشرية العاملة، توفير الرواتب من جهة، وزيادة الربحية من جهة أخرى. أما السبب الأول -توفير الرواتب- فهو مفهومٌ، وأما الثاني فيتحقق لأنه عندما يتم الاستغناء عن العامل البشري -بغض النظر عن سلبيات هذا الأمر أيضًا- فإنه يتم توفير ساعات ومجهودات كانت تنصَبُ على متابعتهم، ما يؤدي إلى إدخار هذا الوقت في أشياء أكثر فائدة مثل الإدارة المالية أو وضع الاستراتيجيات المدروسة لزيادة الربحية.
3. تحسين تجربة العملاء:
البشرُ كائنات مزاجية بامتياز، وهذا وبعض الوظائف مثل خدمة العملاء لا يمكن أن يتجانسا أبدًا. على الجانب الآخر، تمتلك الآلات صبرًا لا ينفد، بل في الواقع لا تمتلك مشاعر على الإطلاق، وهذا يعني أنك تستطيع محاولة استنزافها بالأسئلة والاستفسارات وستُقَابل بنفس الترحاب -إن كانت الآلات مُصممة لتكون مُرحّبة، وعادةً ما تكون كذلك- حتى تمل أنت شخصيًّا. أضف إلى ذلك أن الأتمتة تعني ردودًا أسرع ووجودًا على مدار الساعة.
4. التنافسية في السوق العالمية:
بالاعتماد على الأتمتة، تستطيع الشركات أن تزيد من كفاءتها الكلية، وتوفّر تكاليف التشغيل، وما إلى ذلك من أساليب تضمن جودة منتجاتها بشكل عام، وهذا يضمن المنافسة المحلية، وبل قد يوصّلها إلى مستوى المنافسة العالمية أيضًا. وبالمناسبة، تعتمد أبرز الشركات الآن مثل Amazon وTesla على الأتمتة بشكل واضح.
مبادئ الأتمتة الإدارية
أشرنا بأكثر من موضع إلى الأعمال الروتينية التي تتطلب مجهودًا مُضنيًا من البشر، والتي بتوكيلها للآلات، أي "بأتمتتها"، سنستطيع أن نُنجزها في أسرع وقت وبأكبر كفاءة ممكنة، وبالتالي ستتنسى لنا فرصة التركيز على أعمالٍ أخرى أكثر أهمية. تُعرَف أتمتة الأعمال الروتينية "مثل تنظيم وترتيب الأعمال" بالأتمتة الإدارية، ولما لها من أهمية، دعونا نتعرف سريعًا على مبادئها:
1. الرد التلقائي:
وفقًا لإحصائية أجرتها شركة Adobe، فإن الموظفين يقضون حوالي 6.3 ساعة يوميًا للرد على الإيميلات فقط! هذا يعني أن معظم وقت الدوام ينقضي في أداء مهمة رتيبة من الممكن بسهولة أن نوكلها للآلات لكي تُنجزها لنا، بسرعة غير معتادة وفي أوقات قياسية.
2. ترتيب المواعيد:
في الشركات والمؤسسات الكُبرى، أو حتى الناشئة، فإن المواعيد تُمثل جزءًا لا يتجزأ من الألم والصداع النصفي الذي قد يُصاب به الموظفون نتيجة محاولاتهم ومجهوداتهم لتنسيق المواعيد المختلفة لكل شخصٍ على حدة. بدلاً من ذلك، يمكن الاعتماد على أدوات مثل Google Calendar أو iCal لتنسيق مواعيد الجميع مرةً واحدة وبدون عناء يُذكر.
3. جمع البيانات:
نفس المبدأ تقريبًا ينطبق هنا؛ فبدلاً من التحدث بشكل شخصي مع كل عميل، يُمكنك كموظفٍ أو كصاحب عمل أن تعتمد على أدوات مثل Google Form، كنوعٍ من أنواع الأتمتة، وذلك لإنشاء مستندات تُرسَل للجميع ويُطلَب منهم تعبئتها في نفس الوقت.
4. أتمتة الأوراق:
من أكثر الأعمال البيروقراطية رتابةً وإثارة للحنق، ويكفي أن الجميع أصبح ينظر إليها نظرة دونية، عن المصالح الحكومية وجميع المؤسسات التي تعتمد على الأوراق نتحدث بالتأكيد. فَلِما الاعتماد على الأوراق وبعثرة المكاتب وإذلال العملاء في حين يُمكن للأتمتة أن تحول هذه الأوراق إلى استمارات إلكترونية أنيقة ومُرتبة تختصر الوقت على الجميع؟ بضغطات زرٍ قليلة يستطيع الموظف أن ينجز للعميل طلبه وبدلاً من إرساله للمدير، يستطيع الموظف أن يرسل هو الاستمارة إلى المدير للحصول على موافقته وإنجاز العمل في ثوانٍ.
5. معالجة الفواتير:
تحتوي الفواتير على أرقام كثيرة يشيب لها الولدان، ومن الوارد جدًا أن تحتوي على أخطاء كارثية قد يترتب عليها أشياء كثيرة سيئة، ولكن باستخدام الأتمتة، يصبح من الصعب للغاية، بل ومن غير الوارد، أن تُوجَد أخطاء في الفواتير التي تملأ كل ركن في المؤسسات والشركات.
تأثير الأتمتة على قطاع الوظائف
في عام 2017، نشرت شركة McKinsey للاستشارات تقريرًا مُثيرًا ومخيفًا في نفس الوقت، مفاده أن 50% من مهام أو أنشطة الأعمال المختلفة قابلة للأتمتة، وأن 6 من كل 10 وظائف يمكن استبدال 30% من أنشطتها بالآلات. ويتمادى التقرير في إخافة القرّاء قائلاً: بحلول عام 2030، فإن 800 مليون وظيفة حول العالم و475 مليون موظّفًا سيتم الاستغناء عنهم. كُل هذا ونحن نتحدث عن تقرير صدر بعام 2017، فما بالك بوقتنا الراهن؟
السؤال الآن: هل كل الأمور بهذا السوء؟ لحُسن الحظ أن الإجابة هي لا؛ فها قد أوشك عام 2024 على الوصول ولم تختفِ وظائف كان يُتوَقَع لها أن تتلاشى تمامًا، بل على العكس؛ ظهرت وظائف جديدة لم تكن تخطر على البال! ومع ذلك، لا تدع هذه الخبر السار يوهمك بأن الأتمتة والتكنولوجيا لم يؤثرا على الوظائف. ومن باب إرضاء الطرفين، دعونا نتناول 5 وظائف يُتوقَع لها أن تنتهي و5 أخرى سيزداد الطلب عليها.
وظائف قد تُجهز الأتمتة عليها
1. وكيل السفر Travel agent:
قد تكون هذه مرَّتك الأولى التي تسمع فيها عن هذا المُسمّى الوظيفي من الأساس. في هذه الوظيفة، يقوم شخصٌ ما -من المفترض أن يكون له باعٌ في السفر- بتسهيل خدمات السفر بشكل عام، من خدمات التنقل وحتى الإقامة، لأي شخصٍ يريد أن يسافر إلى بلد ما.
وعلى الرغم من ندرة هذه الوظيفة، إلّا أنها لا تزال موجودة حتى يومنا هذا، ولا أدرى كيف حقيقةً؛ فمجموعات فيسبوك المُخصصة للسفر، وروبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وأي وسيلة بحث على الإنترنت عمومًا، توفّر المعلومات الأساسية اللازمة للسفر إلى أي مكان في العالم، ولهذا لا توجد حاجة ماسة إلى وكيل السفر، وعليه نتوقع أن ينتهي أجل هذه الوظيفة في المستقبل القريب.
2. الكاشير Cashier:
لا بد وأن السبب الوحيد وراء استمرار هذه الوظيفة حتى الآن هو أن أصحاب المتاجر لا يمتلكون المال اللازم لشراء "كاشيرٍ إلكتروني" أو أجهزة كاشير كما تفعل كُبرى المحلات التجارية، وإحقاقًا للحق قد يكون هناك سبب آخر مثل اعتياد زبائن متجر ما على الكاشير البشري.
ولكن الحقيقة التي لا خلاف عليها أن هذه الوظيفة في خطرٍ حقيقي، خاصةً أن أجهزة الكاشير تتفوق على البشر في أمور عدة مثل السرعة وعدم الانزعاج من الزبائن، ولهذا تشير الكثير من التقارير إلى دنو أجل وظيفة الكاشير المُعتادة.
3. وظيفة الصرّاف "التيلر" بالبنوك Bank Teller:
وظيفة أخرى ربما لم تسمع بها من قبل، في هذه الحالة، فالصرّاف هو شخصٌ موجود بالبنوك ويساعد العملاء على إتمام مختلف التعاملات المصرفية من سحبٍ وإيداع وتحويل عملات، أي مثلما تفعل ماكينات الـ ATM والتسهيلات التي أصبحت تتوفر على هواتفنا المحمولة. ومع ازدياد شهرة الـ Online Banking، أصبح يتوجب على الصرّافين بالبنوك أن يحذروا.
4. ساعي البريد Postman:
متى آخر مرة رأيت فيها ساعيّ بريد حقيقي؟ أليست بالأفلام والمسلسلات؟ للأسف الشديد بدأت هذه المهنة في الاندثار، إن لم تكن قد اندثرت بالفعل، منذ سنوات بسبب الاعتماد شبه الكامل على التكنولوجيا والأتمتة في كل شيء تقريبًا بدايةً من المُراسلة وحتى تحويل واستقبال الأموال.. هذه الأتمتة ستؤثر على حياة الكثيرين بالسلب لا محالة!
5. بعض الوظائف المكتبية Administrative jobs:
مثل تنسيق المستندات وتحليل العقود والبيانات البسيطة وشبيهاتها من الوظائف الروتينية التي ذكرناها مرارًا وتكرارًا؛ فهذه مهام تستطيع الأتمتة أن تُنجزها بسهولة بدون الحاجة إلى التدخل البشري.
هذه الوظائف الخمس كانت على سبيل المثال لا الحصر، فعدد الوظائف التي تهددها الأتمتة والتكنولوجيا كبيرٌ جدًا ويمكننا أن نقضي اليوم بطوله نتحدث عنه فقط، ولهذا دعونا ننظر إلى نصف الكوب المملوء، أو بالأحرى إلى الوظائف الخمسة التي يصعب على الأتمتة أن تُجهز عليها. ولاحظ أننا قلنا "يَصعُب على" الأتمتة أن تُجهز عليها، لأن جميع الوظائف قد تكون قابلة للاستبدال بالفعل، ولكن على كل حال، إليكم القائمة:
1. المُعلّمون: رُغم استبدال التكنولوجيا وأدوات الذكاء الاصطناعي لعناصر التعليم التقليدية في الفصول، فإنها من غير المرجح أن تستبدل المُعلّمون أنفسهم؛ فالعنصر البشري يلعب دورًا مُهمًا جدًا في العملية التعليمية مثل قدرته على إبراز التعاطف مع الطلبة والتجاوب معهم بطريقة تفاعلية حقيقية، وهذا غير موجودٍ بالروبوتات ولا يمكن للأتمتة أن تصل إليه.
2. العاملون بالقطاع الطبي: مثلهم مثل المعلمون، يستخدم الأطباء التكنولوجيا لتساعدهم حتى في العمليات الجراحية، ولكن الأمر لن يصل إلى حد استبدال الأطباء أنفسهم، بالطبع لن نستطيع الجزم بذلك، ولكن هذا هو الاحتمال المُرجَّح. فبعيدًا عن دقة الآلات، فإنه من الصعب أن يستأمنها المريض على حياته، خاصَّة وأن كثيرًا من المرضى يُحبون التحدث باستمرار مع الطبيب لوصف حالتهم والتحدث عن تاريخهم الطبي وهكذا.
3. خبراء الأمن السيبراني Cybersecurity experts: تعتمد الكثير من الشركات الآن على برامج وأنظمة حماية مُعقدة، ولكنهم في نفس الوقت أصبحوا في أمس الحاجة إلى خبراء الأمن السيبراني، أكثر من أي وقتٍ مضى؛ فبسبب التحول التكنولوجي الواضح، أصبح كل شيء مُعرّضًا للخطر، ولأن خبراء هذا المجال هُم من يصنعون التكنولوجيا أساسًا، فلا بد من الاستعانة بهم في تحجيم أوجه الخطورة التي أصبحت كلها تكنولوجية في المقام الأول.
4. الاختصاصيون الاجتماعيون Social workers: من غير المُحتمل أن يتعرض الاختصاصيون الاجتماعيون أو النفسيون أو المحامون أو المستشارون لخطر استبدال الوظائف بواسطة التكنولوجيا أو الأتمتة لسبب بسيط؛ وهو أن طبيعة عملهم تعتمد على اللمسات والمشاعر الإنسانية أساسًا. فَلَكَم هو مضحك أن تتخيل شخصًا يجلس مع طبيب نفسي آلي!
5. المغنيون: صحيحٌ أن الروبوتات أصبحت قادرة على إحياء حفلات موسيقية بالكامل وأن الذكاء الاصطناعي قادرٌ الآن على صُنع أجمل الأغاني، ولكن هل هذا يعني الاستغناء عن المغنيين أنفسهم؟ لا نعتقد ذلك لأن الأمر لا يتعلق بالصوت أو بأداء المغني بقدر ما تُقدمه شخصيتهم بحد ذاتها؛ فكم من مغنيين يمتلكون أصواتًا متواضعة للغاية ومع ذلك يمتلكون قاعدة شعبيةً جارفة.
إذن، فمن الواضح للجميع أن الأتمتة تلعب، وستلعب، دورًا فارقًا في التأثير على قطاع الوظائف برمته، سواء بالسلب أو بالإيجاب؛ إذ تتلاشى وظائف وتظهر أخرى من حيث لا ندري، والذكيٌ هو من يستطيع استغلال التكنولوجيا لصالحه والعمل بمبدأ: "إن لم تستطع أن تهزمهم، فانضم إليهم".