لماذا قد يكتئب الإنسان بلا سبب؟
هل سبق لك أن حزنت بشدة دون أن تجد سببًا منطقيًّا لذلك الحزن؟ قد يكتئب الإنسان دون سبب واضح، وقد يكون ذلك جزءًا من الاكتئاب الشتوي الذي يُصِيب بعض الناس مع دخول فصل الشتاء، أو ربّما يكون اكتئابًا جزئيًّا لا يُعرقِل مسيرة الحياة لكن يُؤدِّي المرء وظائفه اليومية حتى وهو في أتعس أحواله المزاجية، فما هي العوامل التي قد تكون وراء ذلك الاكتئاب؟ وهل هو حقًا اكتئاب أم حزن عابر؟
هل دومًا هناك سبب يُبرِّر الاكتئاب؟
لم يتوصَّل الباحثون بعد إلى سببٍ واضح للاكتئاب برمته، لكن هناك تأكيد على بعض العوامل التي قد تُشعِل فتيل الاكتئاب، ومن بين هذه العوامل ما يلي:
- الجينات وبنية الدماغ.
- التاريخ العائلي أو سبق إصابة أحد أفراد الأسرة بالاكتئاب أو غيرها من مشكلات الصحة النفسية.
- سبق معاناة الإنسان من أحد اضطرابات الصحة النفسية.
- عوامل بيئية، مثل التعرُّض لإساءة أو الفقر.
- سبق المعاناة من توترٍ مزمن أو صدمة.
كذلك قد تتسبَّب بعض المشكلات الصحية في زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب، مثل داء هاشيموتو أو السرطان، ومع ذلك فكل ما ذُكر هي عوامل قد تختلف نسبة مساهمتها في الاكتئاب الحاصل، بل قد يكون الاكتئاب لعوامل أخرى غير المذكورة، ما يجعل الاكتئاب يُهيمِن على بعض الناس دون سببٍ واضح.
عوامل قد تكون وراء الاكتئاب من غير سبب
ثمّة عوامل قد تكون هي السبب وراء الاكتئاب مجهول السبب، مثل:
1- التحوُّلات السريعة في المزاج
وهذا يختصُّ بالمُصابين باضطراب ثنائي القطب، الذين يُعانُون نوبات الاكتئاب، بصفتها جزء من دورة كاملة تتضمّن أيضًا نوبات الهوس؛ إذ يتقلّب المرء بين أقصى درجات الاكتئاب إلى أقصى مراحل السعادة والبهجة، وهو تحوّل سريع في المزاج.
وقد يُعانِي بعض الناس نوبات الاكتئاب مع نوبات الهوس في آن واحد، ما يجعل تشخيص سبب الاكتئاب صعبًا، وربّما تزداد حالة المرء النفسية سوءًا.
2- الحزن الموسمي
قد يتفاقم الاكتئاب في أوقاتٍ مُعيّنة من السنة - لو كُنتَ دقيق الملاحظة - فمثلاً يُعانِي بعض الناس اكتئابًا وحزنًا خلال الشتاء، بينما تتحسّن حالتهم مع دخول أيام الصيف، وهو ما يُعرَف بالاضطراب العاطفي الموسمي أو الاكتئاب الشتوي.
اقرأ أيضًا: لماذا قد لا تعمل أدوية الاكتئاب؟ 7 أسباب وراء عدم الفعالية
3- الاكتئاب الجزئي
الاكتئاب له أشكال مختلفة، وقد تستمر فترات الحزن لأسابيع أو أطول حسب نوع الاكتئاب، ثُمّ يزول مؤقتًا.
وفي بعض الاضطرابات، مثل الاكتئاب الجزئي "persistent depressive disorder"، فلن تظهر أعراض الاكتئاب في نوبات واضحة تستمر فترة قصيرة وتزول، بل غالبًا ما تستمر لسنوات، كما لا يتذكّر الإنسان وقتًا مضى عليه لم يشعر فيه بالحزن أو الاكتئاب.
لكن على عكس الاكتئاب الشديد، فإنّ الاكتئاب الجزئي لن يعيقك عن أداء مهامك اليومية، فبإمكانك الذهاب إلى العمل، والدأب في أنشطة الحياة المعتادة حتى لو كان مزاجك في أسوأ أحواله.
كيف تُميِّز بين الحزن والاكتئاب؟
الحزن مُغاير للاكتئاب، فليس كل حزين مكتئب بالضرورة، فقد تكون حزينًا دون سبب واضح لكن لستَ مُكتئبًا.
وللتوضيح فإنَّ الحزن من علامات الاكتئاب، لكنّه ليس العلامة الوحيدة، كما أنَّ أعراض الاكتئاب تستمر أسبوعين على الأقل؛ كي يُطلَق على الإنسان أنَّه مُكتئِب، ومن هذه الأعراض:
- فقدان الشغف بالأمور التي كُنتَ تستمتع بها سابقًا قبل أن يحل الاكتئاب ببابك.
- صعوبة التركيز أو تذكُّر الأشياء.
- سرعة الانفعال.
- نوبات بكائية، سواء كانت بسبب أم من دون سبب.
- تغيُّر في عادات النوم "أرق أو فرط نوم"، وكذلك في الشهية "زيادة الشهية أو ضعفها".
- القلق.
- التعب ونضوب طاقة الجسم.
- أفكار انتحارية.
لنقل أنّه من الطبيعي أن تنتابك مشاعر قوية من الحزن عندما تُواجِه خسارة كبيرة، لكن من المفترض أن تتراجع وتيرة هذه المشاعر بمرور الوقت.
لماذا قد يُخفِي الناس اكتئابهم رغم المعاناة منه؟
إذا كان المرء يتمتّع بصحة جيدة، لديه وظيفة، ومنزل آمن للعيش فيه، ومال كاف لرعاية أسرته، إلى جانب ممارسته لهواياته المُحبَّبة إلى قلبه، فإنّه لن يكون هناك سببٌ منطقي على الأرجح لفهم ماهية شعورهم بالحزن أو الغضب باستمرار.
وفي غياب سبب واضح لحالة الحزن العميق المُخيِّمة على الإنسان، مثل وفاة أحد أفراد أسرته، أو الطلاق، أو فقدان وظيفة، فقد يكون الاكتئاب غير منطقي، ومِنْ ثَمَّ يظل السؤال عن سبب الاكتئاب لغزًا بلا إجابة.
اختلاف إدراكنا للاكتئاب
الأمور المذكورة سلفًا قد تجعل بعض الأشخاص يظنّون أنّهم ليس لهم الحق في الحزن أو الاكتئاب بتاتًا، وإذا لم يكن لدى عائلة الشخص تاريخ سابق بالاكتئاب، فقد يفترض أنّه ليس مُعرَّضًا للاكتئاب. "تذكَّر أنَّ الجينات عامل واحد فقط من عوامل الاكتئاب وهناك عوامل أخرى".
وقد ينظر الشخص إلى طفولته، ويقلق إذا لم يعثر على حدثٍ محدد من شأنه أن يُبرِّر له الاكتئاب الذي يُعانِيه الآن وهو شخصٌ بالغ.
زد على ذلك أنَّه يلحظ من حوله لا يُعانُون اكتئابًا، وهنا قد يشعر بالوحدة الشديدة، ويشعر بأنّ من حوله لا يُقدِّرون حزنه، كما قد يخشى من أن يكون عبئًا على الآخرين في ظل انغماسه في الاكتئاب، ما قد يزيد اكتئابه.
اقرأ أيضًا: الاكتئاب المبتسم.. عندما تحزن نفوسنا ويخدعنا المظهر
الخوف من وصمة العار
قد يخشى بعض الناس من أن تلحقهم وصمة عار في عملهم، أو مجتمعهم، أو أي بيئةٍ يتواجدون فيها، فمثلاً قد يقلق المرء من أن يظنَّ رئيسه في العمل أنّه غير قادر على القيام بعمله إذا كان مُصابًا باكتئاب.
كذلك في المدرسة إذا عُلِم بمعاناة أحد ما من الاكتئاب، فقد يُوصَف بالكسل، أو أنّه لا يبذل أقصى ما عنده للنجاح، وعندما يستوعب المُكتئِب هذه الرسائل، فقد يظنّ بالفعل أنّه ليس ذكيًا، أو غير قادر على إتمام المهام، والاكتئاب يمتلك طريقته الفريدة لتعزيز هذه المُعتقدات الخاطئة عبر تقييم المُكتئِب لنفسه بصورة سلبية.
قد يقلق المُكتئِبون من تأثير اكتئابهم على أطفالهم أو أسرتهم عمومًا، بل قد يخشون من أن يُنظَر إليهم على أنَّهم غير مُؤهّلين لمهمتهم الحياتية في التربية إذا اعترفوا بمشاعر الاكتئاب.
أمّا في العلاقات، فقد لا يتحدّث المُكتئِبون عن تجاربهم؛ لأنّهم يخشون ألَّا يفهم الآخرون، فقد يخافوا أن تتوقف عائلاتهم وأصدقائهم عن حبهم، أو يخافون من أن يلومهم أحد على مشاعر الاكتئاب المشتعلة في أعماقهم.
والأكثر حساسية أنَّ بعضهم قد يخافون من قلق من يُحبِّونهم على أنّهم لم يتمكّنوا من مساعدته في مجابهة الاكتئاب، ما يزيد اكتئابه شِدّة، وربّما يشعر بالذنب.
ماذا تفعل حيال الاكتئاب مجهول السبب؟
إذا استمرّت أعراض الاكتئاب لديك أكثر من أسبوعين، فلا تتردَّد في استشارة الخبراء المختصين في الصحة النفسية، وإلى جانب ذلك يُمكِنك اتّباع بعض النصائح لإزاحة الاكتئاب بعيدًا عنك قدر الإمكان:
1- التحدُّث مع من تحب
قد يساعدك التحدّث مع أحد تُحبّه في تخفيف أعراض الحزن والاكتئاب، كما أنَّ العزلة والابتعاد عن الأصدقاء والمُحبِّين ستزيد الاكتئاب سوءًا حتمًا، ولن يُساعِدك ذلك بقدر الحديث مع من تُحِب والانفتاح معهم بشأن المشكلات التي تُواجهك.
2- انشغل بشيءٍ ممتع لك
قد تكون هواياتك الفُضلى أقل إمتاعًا في الوقت الحالي مع شعورك بالحزن أو الإحباط، لكن الاستمرار في ممارستها قد يُعزِّز حالتك المزاجية أيضًا.
وإذا كُنت تسعى لتعزيز شغفك وزيادة طاقة الجسم، فجرِّب الأنشطة الخفيفة بدلاً من التي قد تُشعِرك بالإرهاق، مثل:
- قراءة كتاب.
- العمل على مشروع أشغالٍ يدوية.
- أخذ حمام دافئ.
- الاتصال بصديق.
- احتضان قطتك الأليفة.
3- اقض بعض الوقت في ضوء الشمس
هذا مُناسِب خصيصًا لمن يُعانُون الاضطراب العاطفي الموسمي، أو الاكتئاب المُخيِّم على عقولهم، والذي لا يُفارق نفوسهم مع دخول الشتاء.
صحيحٌ أنَّ ضوء الشمس قد لا يلغي الاكتئاب نهائيًا، لكن التعرُّض المنتظم له قد يُساعِد على تحسين الحالة الجسدية والنفسية على حدٍ سواء.