"الثقوب الدودية".. هل تكون وسيلتك الوحيدة للسفر عبر الزمن؟
كثيرًا ما نسمع عن آلات السفر عبر الزمن، ونراها تتجسد في أفلام ومسلسلات الخيال العلمي على أنها آلة متطورة تستطيع أن تنقلنا إلى أي مكانٍ نريده في لمح البصر، وهذا شيء مذهل حقًا ولَكَم نتمنى جميعًا أن نراه على أرض الواقع، أليس كذلك؟
ماذا لو أخبرتكم أن آلات الزمن هذه موجودة بالفعل، على الأقل نظريًا، بل وفكرتها قُدّمت للمرة الأولى منذ ما يزيد على المئة عام، وبالتحديد في عام 1916 على يد عالم نمساوي شهير؟ تُعرَف آلات الزمن هذه بـ"الثقوب الدودية"، ومن المفترض أنها موجودة بمكان ما في الفضاء. إن استطعنا التوصل إليها والاستفادة منها، فسيتغير مصير البشرية إلى الأبد!
ما هي "الثقوب الدودية- Wormholes" بالضبط؟
عندما غيّر العالم العبقري "ألبرت أينشتاين" مفهومنا عن الجاذبية، وبيّن لنا أن الفضاء مكون من نسيج يُسمى "الزمكان- Spacetime"، بدأت الكثير من الأمور تتضح؛ إذ فَهِمنا أن النجوم والكواكب تتسبب في انحناء هذا النسيج، ما يجعل ما حولها من أجرام يدور في أفلاكها، مثل النظام الشمسي، أي الشمس والكواكب التي تدور في فُلكها.
كما فهمنا أيضًا أن النجوم تموت وتُكون ما يُعرَف بالثقوب السوداء Black holes، التي سُميت بهذا الاسم أساسًا لأنها تتسبب في انحناء وتشويه نسيج الزمكانِ هذا بدرجة كبيرة جدًا مما يُكوّن جاذبيةً لا يستطيع الضوء نفسه -وهو أسرع شيء في الكون- أن يهرب منها.
لفهم انحناء نسيج الزمكان، دائمًا ما يتم الاستعانة بمثال قطعة القماش المرنة؛ إذ تخيل معي عزيزي القارئ أننا نمتلك قطعة من القماش بها من المرونة ما يجعلها تنثني إن وضعنا ثقلاً عليها. والآن تخيل معي أننا بسطنا هذه القطعة ووضعنا بمركزها كرة حديدية ثقيلة لتتسبب بانحنائها، ثم ألقينا قطعًا من الكرات خفيفة الوزن بحركة دائرية، ماذا سيحدث؟ بالضبط، ستدور الكرات حول الثقل كما يوضح هذا الفيديو الشهير.
الآن أريدك أن تتخيل معي قطعة القماش المطاطية مرةً أخرى، وهذه المرة نريد أن نوصل أو نربط أحد أطرافها بالطرف المقابل، فما الحل الأمثل؟ سيقول أحدكم يمكننا أن نرسم خطًا مستقيمًا بين الطرفين، وهذا أحد الحلول المطروحة بالفعل، ولكنه ليس الحل الأمثل؛ إذ ما رأيك لو ثنينا الطرفين على بعضيهما كما لو كانا قطعة من الورق؟ هذا هو -بشكل مبسط- الثقب الدودي Wormhole.
إذًا فالثقب الدودي هو مسارٌ افتراضي يربط بين نقطتين منفصلتين في نسيج الزمكان، وهذا يعني أنه إن وُجِد ثقبٌ دودي يربط بين كوكب الأرض والمريخ مثلاً، فسنستطيع الذهاب إلى هناك -المريخ- في لمح البصر، وهذا بالتأكيد أفضل كثيرًا من قضاء 9 أشهر بمركبة فضائية في رحلة ذهابٍ بلا عودة إلى الكوكب الأحمر.
اقرأ أيضًا:"لحظات فارقة".. أشهر اكتشافات علمية حدثت بالمصادفة
الأمر ليس بهذه السهولة
بالطبع ليس بهذه السهولة، وإلّا لأعمرنا المريخ، بل لربما اتخذناه موطنًا منذ عدة سنوات!
ترجع فكرة "الثقوب الدودية" إلى عام 1916، وذلك عندما كان الفيزيائي النمساوي "لودفيج فلام- Ludwig Flamm" يدرس نسبية "أينشتاين" العامة التي قدَّمت لنا فكرة انحناء نسيج الزمكان التي شرحناها بالأعلى. حينها اكتشف "لودفيج" أن وجود هذه الثقوب الدودية -هو الذي صك الاسم- هو أمر ممكن.
وبالفعل، في عام 1935 أكد كلٌ من "أينشتاين" و"ناثان روزين Nathan Rosen" وجود هذه الثقوب الدودية على الورق، ولهذا بالمناسبة يُسمى الثقب الدودي بـ "جسر أينشتاين-روزين" أو "Einstein-Rosen bridge"، ولكن المشكلة أنهم وجدوا أن هذه الثقوب غير مستقرة تمامًا، وأن فوتونًا واحدًا من الضوء يمكنه أن يدمرها إن مر من خلالها.
ومع ذلك، حاول الفيزيائيون في السبعينيات أن يجدوا حلاً لمشكلة عدم الاستقرار هذه، وبالفعل توصلوا إلى أن هناك حلاً يكمن في مادة أسموها "المادة الغريبة- Exotic matter"، وهي غريبة فعلاً لأن المعادلات تُظهر أن كتلتها بالسالب! المهم -بتبسيط مُخِل- أن هذه المادة تُوضَع في الثقب حتى تمنعه من الانهيار.
ولك أن تتخيل أنه حسب "أينشتاين" و"روزين"، فكل ثقب أسود يحتوي بداخله على ثقب أبيض، كلٌ من الثقبين له مركز يُسمى "المتفردة Singularity"، والمسافة بين هاتين المتفردتين هي الجسر المقصود في مفهوم "جسر أينشتاين-روزين"، في حين أن الثقبين -الأسود والأبيض- مع بعضهما هما الثقب الدودي، بشرط أن يكون أحد الثقبين بمثابة المدخل والآخر كالمخرج.
الجدير بالذكر أن الثقب الأبيض هذا -على عكس الثقب الأسود- لا يسمح لأي شيء بالمرور منه أساسًا، وهنا تكمن المعضلة التي من المفترض أن المادة الغريبة Exotic matter قادرة على حلها.
هل الثقوب الدودية موجودة حقًّا؟
إذا كنا لم نرَ هذه "الجسور الزمنية" إلى الآن، فهل هي موجودةٌ حقًا؟
لسوء الحظ أن العلماء لم يستطيعوا حتى يومنا هذا أن يحصلوا على دليل ماديّ قطعيّ -مثل الرصد- على وجود الثقوب الدودية، ولكن بحسب ما تُخبرنا به معادلات النسبية العامة التي تصف شكل الكون وكيفية حركة النجوم والكواكب وبقية الأجرام الأخرى حول بعضها، فيمكننا أن نُصدق بوجودها، لا سيّما أن النظرية النسبية هي أحد أعمدة الفيزياء التي نثق بها.
لا ننس أيضًا أن نفس هذا السيناريو تقريبًا سرى على الثقوب السوداء؛ فعندما تحسس العلماء وجودها للمرة الأولى في العقد الأول من القرن الماضي، لم يتقبلها المجتمع العلمي، وحتى أن مُصطَلح "الثقب الأسود" نفسه لم يُصَك حتى عام 1967. إلى أن جاء ذلك اليوم، العاشر من أبريل عام 2019، وقتها فقط تمكننا من التقاط أول صورة للثقب الأسود ورأيناه بأعيننا، وهذا ما قد يحدث مع الثقب الدودي مستقبلاً.
يُذكَر أن هناك الكثير من النماذج التي تتناول شكل الثقب الدودي وكيف يمكن أن يبدو إن كان موجودًا بالفعل. من أشهر هذه النماذج هو نموذج "ثقب موريس-ثورن الدودي" أو "Morris-Thorne wormhole"، وحتى أن العلماء نجحوا بنهاية العام الماضي أن يُحاكوا ثقوبًا دودية باستخدام الحواسيب الكمية.
من الطريف أيضًا أن تعلم أن "ثورن" هذا هو الفيزيائي الشهير "كيب ثورن Kip Thorne" الحائز على جائزة نوبل، والذي كان له دورٌ كبير للغاية في تدقيق فيلم "Interstellar" الشهير من الناحية العلمية، وبمناسبة "Interstellar"، فأوصيك وبشدة أن تشاهده إن لم تكن قد شاهدته بالفعل لأنه يتناول الكثير من المفاهيم التي تطرقنا إليها اليوم بشكل باهر.