رائد الفضاء علي القرني لـ «الرجل»: رأيت العالم كله بلدًا واحدًا.. وصورة ابنتي كانت تمدني بالطاقة | فيديو
لم يكن شغف رائد الفضاء السعودي علي القرني بالتحليق في الأعالي مجرد حُلم عابر، فبينما كان يُفضل الطيران في السماء ليلًا لمشاهدة النجوم والشهب، كانت تراوده أحلام تتجاوز محيط الأرض وغلافها الجوي، وفي الوقت نفسه كان يتفانى في تطوير ذاته، والاستفادة من التجارب المختلفة في كل المجالات، وهو المشبع بالقناعة أن أعظم الفرص يمكن أن تضيع إن لم نستعد لها بطريقة كافية ومتواصلة.
حلق القرني مع رفاقه واستغرق 8 دقائق لمغادرة الأرض و15 ساعة ليصل المركبة الفضائية، ومر شريط حياته أمامه بلمح البصر، شعر بقشعريرة نخرت عظامه، ووجد نفسه خارج الجاذبية يطفو على سطح الأشياء، ومن هناك راقب الأرض فسقطت كل الحدود ورأى العالم كله بلدا واحدا. لم يكن هناك وقت يضيعه، كان أمامه مهام كبرى ونحو 14 تجربة يعول على بعضها أن تغير حياة البشر.
منصة الرجل اختارت رائد الفضاء علي القرني ليتصدر عدد مجلتها لهذا الشهر ولتحلق معه في عوالم الفضاء المدهشة، وتسبر أغوار تجربته الاستثنائية، والمشاعر التي لا تتكرر على الأرض ولا تتاح إلا لعدد محدود من البشر، ليكون ثاني رائد فضاء سعودي يُحلق في وكالة الفضاء الدولية بعد الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، الذي حلق في الفضاء منذ 30 عامًا، محققا إنجازات شخصية ووطنية ستدخل سجل التاريخ.
بطاقة تعريف
الاسم : علي محمد القرني
تاريخ ومكان الولادة : آذار 1992 مدينة سبت العلايا
الشهادات: البكالوريوس في علوم الطيران من كلية الملك فيصل الجوية في الرياض.
المهنة : طيار ورائد فضاء
الخبرة: 12 سنة في مجال الطيران الحربي وأكثر من 2300 ساعة طيران
العمل : طيار مقاتل برتبة نقيب يقود طائرة F-15 SA
الإنجاز: في 21 مايو 2023 شارك في الرحلة العلمية المتجهة للفضاء AX-2 هو ورائدة الفضاء السعودية ريانة برناوي على متن مركبة دراكون كرو من محطة الفضاء الدولية (ISS) بمدينة كيب كانيفرال في ولاية فلوريدا الأمريكية.
نشأة رائد الفضاء علي القرني وبيت العائلة
أين نشأ علي القرني وفي أي بيئة عائلية؟
أنا من مواليد مدينة سبت العلايا، محافظة بلقرن، التابعة لمنطقة عسير، وهذه المدينة صغيرة للغاية، وأرى أن هذه ميزة، كون جميع السكان يعرف بعضهم بعضا، حتى إذا ما كان والدك في مهمة عمل خارج البلاد، يكون جارك بمنزلة والدك في هذه الفترة، ويسأل عنك وكأن والدك موجود.
نشأت في أسرة مكونة من 4 أولاد و4 بنات، تعلمت من أسرتي كيف تؤثر الآخرين على نفسك، وتحب لإخوتك ما تُحب لنفسك، وتقدم لغيرك الخير. وأيضًا تعلمت الصبر وحب الحياة، والدي ووالدتي علموني أثناء تربيتي أنا وإخوتي حب العلم، فكان والدي سابق زمانه في الدراسة، فكان في هذا الحين يتجه جميع زملائه إلى العسكرية، لكنه خالف ذلك واتجه ناحية التعلم والدراسة بسبب شغفه بتعلم اللغة الإنجليزية، وهو ما نجح فيه، وتخرج وتعين مدرسًا للإنجليزية، واستمر في تطوير ذاته والاستماع إلى شغفه نحو استكمال دراسته والحصول على ماجستير في اللغة، لذا انتقل هو ووالدتي إلى أمريكا وحصل على شهادة الماجستير.
علام كان يركز والدك في تربيتك، ما الأثر الذي تركه في شخصك؟
والدي كان حريصا دائمًا على تعليمي وإخوتي وأن نصير في مستوى تعليمي عال، وأن نتفوق في دراستنا. وليس هذا فحسب بل أن نكون من المتميزين، فحثنا دائمًا على التعليم والتطوير، وتقديم ما لدينا للآخرين سواء الأقارب أو الجيران، لنفيد الآخرين، ولذا كنت أعطي دروسا في سن صغيرة لأقاربي وجيراني، ووالدي هو قدوتي في الأساس ولم أنس لحظة تذكيره لي بهذا البيت: "ومن يتهيب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحفر".
اقرأ أيضًا:المؤلف والمخرج علي سعيد: الراحة تصيب الفنان بالتبلّد.. وأفلامي ليست للتسلية فقط
انتظار خبر الترشح
كيف عشت تجربة الاختبار؟
اختيار رواد الفضاء كان سريعًا للغاية، وقت الترشيح كان فقط 9 أشهر، وهذا وقت قصير نسبيًا لترشيح رواد فضاء مناسبين لهذه المهمة. وفي هذه الفترة بينما كنت أنتظر نتيجة الترشيحات، كنت أمر بمرحلة تحولية في حياتي، فكان كل شيء يمر بسرعة، ولا أدري ماذا سيحدث في حياتي، ولكن استفدت كثيرًا من هذا الأمر في مسيرتي، أنه يجب أن أتحلى بالصبر في كل شيء، وأن أتوكل على الله.
كيف تلقيت خبر ترشيحك وبماذا شعرت؟
حين كنت أنتظر النتائج النهائية الخاصة بالترشيحات، كنت أعمل في خميس مشيط، وتم إبلاغي بنقلي إلى المنطقة الشرقية، وكان لدي الكثير من الأشياء التي لابد أن أقوم بها قبل النقل، وسارت الأمور بشكل جيد، حتى تلقيت خبر ترشيحي لتمثيل المملكة في برنامج رواد الفضاء السعودي. وقتها تلقيت اتصالًا هاتفيًا في تمام السابعة صباحًا، بينما كنت أقود سيارتي إلى المطار حتى أقود الطائرة وأستكمل برنامجًا تدريبيًا في عملي. أوقفت السيارة بعد تلقي الاتصال مباشرة، وانهالت علي المباركات من طاقم العمل الذي كان معي في السيارة، وقالوا لي عليك العودة والتجهز لهذه المهمة الوطنية، حينها شعرت بالفخر كون حلمي بدأ في التحقق.
علي القرني.. الوداع وشريط الذكريات
ما تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل مغادرة الأرض والانطلاق كيف تصفها؟
توجهت رفقة فريق العمل ورواد الفضاء إلى مكان الصاروخ قبل الرحلة بحوالي 3 ساعات، من أجل إنهاء كل الاستعدادات الخاصة بالانطلاق. وعند الدخول في الساعة التي تسبق الانطلاق، تم غلق باب الصاروخ ولم يتبق سوى الـ 4 رواد فضاء الذين سوف ينطلقون صوب وكالة الفضاء، حينها بدأت أسترجع شريط ذكريات حياتي وكل اللحظات التي مررت بها، كان لدي مشاعر جياشة، قشعريرة يصعب وصفها حتى أنني أشعر بها الآن بينما أتذكر هذه اللحظات.
وقبل الانطلاق كيف تصف مشاعرك؟
ما كنت أشعر به حينها من ناحية تمثيلي للمملكة العربية السعودية، والواجب والفخر والمهمة الوطنية، وشعور أن الرحلة على متنها أول أمرأة سعودية تنطلق صوب الفضاء، ومن جانب آخر الإنجاز الشخصي إذ وقع علي الاختيار لأحققه، وهو أن أكون ثاني رائد فضاء سعودي، يصعد للفضاء بعد الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، بعد مرور 30 عامًا. إنه لشيء يدعو للفخر، وكذا الجانب الآخر وهو إذا ما حدث شيء مما نبهونا عليه كأن تأتي غمامة أو تتغير الأجواء وتتسبب في تعطل الرحلة، هذه كانت مشاعري قبل الانطلاق.
وحين وصلنا لمرحلة الانطلاق، طُلب منا ألا يتحدث أحد، قبل الساعة الأخيرة من الانطلاق، انتابتني مشاعر جياشة بسبب الشعور المختلف الذي شعرت به من ضخامة الصوت حولي، والضغط على جسدي، وقد مررت بأشياء لم يمر بها الجسم البشري من قبل. استغرقنا 8 دقائق فقط للوصول إلى الفضاء، ولكن الرحلة ككل أخذت منا 15 ساعة. عند وصولنا إلى محطة الفضاء الدولية، تم إبلاغي تنفيذ كل ما تم تدريبي عليه، وأن أتكيف على عدم وجود جاذبية، كان الأمر صعبا للغاية، ولكن مع الوقت يتكيف الشخص مع الظروف الجديدة، وهذا ما تعلمته من تجربتي الأولى في الفضاء.
وماذا عن التعامل مع المكان والمساحة بلا جاذبية؟
قطعت شوطا كبيرا من الوقت حتى بدأت في استيعاب أنه ليس هناك جاذبية، وعلي أن أتعامل مع الأمر، بدأت أستخرج كل أغراضي، أستكشف مكان نومي ومكان التجارب، وأضع أغراضي في مكانها المخصص، ووضعت العينات التي سأستخدمها في التجارب. تقابلنا مع رواد الفضاء الموجودين في المحطة الدولية وكان عددهم 7 وكان عددنا 4، فكان الأمر أصعب مما توقعت، لأن المحطة أصبحت مزدحمة، فكانت أماكن النوم لا تكفي تقريبًا، حتى أنني كنت أنام على الجدار في "كيس النوم" وفي الصباح أضعه في مكانه.
إعداد نفسي وتصفير الأخطاء
برأيك أين تكمن أهمية الإعداد المسبق قبل الانطلاق؟
أيقنت عندما أصبحت في هذا الواقع أن الإعداد النفسي الذي مررنا به قبل الانطلاق إلى وكالة الفضاء الدولية، كان ذا أهمية عالية جدًا. في بداية أيامي في الفضاء شعرت بحمل ثقيل، حتى في أبسط الأمور، شرب المياه في الفضاء ليس بالسهل، بسبب التعامل مع بيئة جديدة ومختلفة كليًا، فجسدك يطفو وكل شيء فيه يطفو في الداخل، لذا كان الاستعداد والتأهيل النفسي قبل السفر مهم جدًا، حتى يُسهل من تلك الأمور، لكنني أيقنت أن الجسم البشري والبشر عمومًا يمكنهم التكيف مع الوقت مع أي شيء.
هل صحيح انه غير مسموح بالأخطاء في الرحلة الفضائية، ولماذا؟
كان الأمر يسير بنظام مخيف للغاية، كانت كل الأشياء مرتبة جدًا، ولا يوجد أي شيء يمكنك فعله هكذا، فكل الأشياء البسيطة كان يعمل عليها مثلا ما يفوق 500 فرد في الأرض، وكان ذلك من أجل تلاشي الأخطاء تمامًا وليس تقليلها فقط، وذلك لأن الفضاء لا توجد به فرص كثيرة لإهدارها، ولا يكون لديك هناك سوى فرصة واحدة تقريبًا، والأخطاء في الفضاء قد تعيدك إلى ما قبل الصفر، لأن المُعدات إذا ما تعطلت أو فسدت إحدى التجارب ربما يتعين على الوكالة نقل المُعدة إلى الأرض لإصلاحها، والإصلاح نفسه يأخذ المزيد من الوقت.
إجمالًا استمتعت بكل التجارب التي خُضتها في وكالة الفضاء الدولية، فكنت طوال حياتي أقود الطائرات، ولكن مجال الفضاء مختلف تمامًا، لذا حاولت الاستفادة القصوى قدر الإمكان، حتى شعرت بالنقلة النوعية في حياتي المهنية.
معضلة الأرز والدجاج
كيف كنتم تأكلون وترتبون التفاصيل المتعلقة بالطعام؟
لقد كان كل شيء متوفرا على متن المركبة الفضائية ومُتفقا عليه بشكل مُسبق، فكان لدينا قائمة طعام لنختار منها قبل السفر إلى الفضاء، وأبرز الأصناف كان طعامًا مطبوخًا ومجففًا، وكان هناك طعام معين مثل الأرز، وأحيانًا البيض لأن لهما مدة صلاحية طويلة. وكان لدينا حرية تشكيل الطعام مثلما نريد، ولكني أذكر في يوم كنت أشتهي الأرز على الدجاج، أخذت الأرز في كيس والدجاج في كيس بعد تحضيرهما لمدة تصل إلى ثلث ساعة، ولكني لم أستطع أن أضع الخليط معا، بسبب الجاذبية، فكان علي تناول الأرز وحده والدجاج وحده، وكان علي أن أضع "مادة لاصقة" على الطاولة لتثبيت الطعام والأدوات.
وكان على الطاقم إذا ذهب إلى مكان الطعام أن يتركه أفضل مما كان، كون الوقت ضيقا للغاية، ولا يمكن أن نُضيعه في ترتيب الأشياء بينما كان أحدنا يستغرق في تجربة واحد مثلًا 6 ساعات متواصلة، فكان يجب أن يساعد بعضنا بعضًا.
اقرأ أيضًا:رجل الأعمال جميل يحيى شيناوي: فات زمن التلقين والشهادات.. لا أحب شعور الفخر وأفضل الرضا
استمطار وتجارب سعودية
ماذا عن التجارب والأبحاث السعودية؟
انطلقنا نحو الفضاء في رحلة استثنائية، وذلك بفضل الله وقدرته، ثم جهود الباحثين ومراكز الأبحاث السعودية، وتنسيق كامل من محطة الفضاء السعودية. انطلقنا في رحلتنا ولدينا 14 تجربة بحثية علينا تنفيذها، ثلاث من بينها خاصة بالتوعية والإرشاد للأطفال، والباقي خاص بالتجارب العلمية البحثية في مجالات الطب الحيوي والبشري والفيزياء.
وكان عدد من التجارب العلمية يحدث لأول مرة في الفضاء، ولم يكن لدينا معلومات سابقة عن معظم التجارب، فكان لديك تجربة قد تنجح وربما تفشل، ولكننا وقت إجراء التجارب كان لدينا حرص أن نكون على تواصل دائم مع الباحثين والمختصين أصحاب الأبحاث العلمية رفقتنا، حتى نقدم أفضل شيء يمكن تقديمه وحتى تعود التجارب علينا بالنفع.
ما أهمية التجارب التي قمت بها؟
فيما يخص تجربة مثل الاستمطار الاصطناعي، كان لدينا يقين أنه حال نجاح التجربة سوف تتغير الحياة، ونستطيع حينها إنتاج المياه في الفضاء، فحاليًا تتسابق البشر والدول على البحث عن مصادر حياة على سطح القمر وأن تستخرج المياه. فكنا نرى إذا ما نجحنا في تجربة الاستمطار الاصطناعي سنحقق نقلة بشرية نوعية، من زيادة كثافة الأشجار والتقليل من التصحر المنتشر ليس في منطقتنا فقط ولكن في العالم أجمع.
أما عن التجارب في الطب الحيوي، فكان من الممكن أن تفيدنا في استحداث بعض الأدوية والعلاجات الخاصة بالأمراض المستعصية، وهذه هي فائدة أن تُجري تجارب للطب الحيوي في الفضاء. ولكن في النهاية الأمر مُعرض للنجاح والتطوير، وربما تصل إلى علاج لمرض مثل الروماتيزم، وربما لا تستطيع ذلك ولكن في النهاية نحن نُجرب وربما نحصل على نتائج مختلفة.
وما هي أمتع تجربة قمت بها؟
بشكل عام أمتع التجارب التي مررت بها في الفضاء هي التجارب التوعوية التي قمنا بها مع الأطفال، فقد مدتني بطاقة ضخمة، حيث كان يقدم الأطفال التجربة عبر برنامج في الأرض يُمكنهم من تنفيذ التجربة نفسها التي نقوم بها في الفضاء، وبعد الانتهاء من التجربة يُطلب من الطلاب أن يلاحظوا الفرق ما بين التجربتين ونتائجهما وسط انعدام الجاذبية في الفضاء وكيف يؤثر هذا الأمر على تجربتنا نحن.
من خلال متابعتك اكتشافات الفضاء إلى ماذا سنتوصل؟
"وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" لا أدري ما سوف نتوصل إليه في الفترة القليلة المقبلة، فقد ظهرت مؤخرًا صورة التقطها تليسكوب قدمته وكالة ناسا الفضائية، وكان التليسكوب يلتقط العمق الفضائي، فكانت لقطة واحد فقط تحتوي على أكثر من 200 مجرة، لذا فمن الصعب أن نتوقع ما سنتوصل إليه، لكننا نعمل.
خير داعم وحافز
كيف تصف اللقاء مع ولي العهد محمد بن سلمان قبيل انطلاقكم؟
قبل الانطلاق نحو مهمتنا الوطنية، تشرفنا بلقاء سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وكان اللقاء خير داعم وحافز لنا. وعندما وصلنا من الولايات المتحدة الأمريكية، استقبلنا الأمير محمد وحرص على أن يشرح لنا مدى اهتمام المملكة بالفضاء، ونقل لنا مدى اهتمامه الشخصي بالرحلة، وكيف يرى هذه المهمة التي تُحفاظ على كوكب الأرض، وأوصل لنا ببساطة مدى أهمية اكتشاف الفضاء من أجل التقنية والتطور، فكان خير داعم ومُحفز لنا قبل الرحلة.
العالم دولة واحدة
بعد أن نشر اسمك وأعلن عن المشروع ما الذي تغير بحياتك؟
تغيرت الكثير من الأمور بالنسبة لي منذ يوم الإعلان عن البرنامج، بينما كنت خارج المملكة أنا وأسرتي، ولكن انتابني شعور مختلف للغاية، وكذلك عائلتي، رأيت من الجميع عندما وصلت إلى المطار شعورا مختلفا للغاية، نقلوا لي كيف هم فخورون بنا، وما زاد الأمور تشويقًا هو علم عائلتي بحلمي وطموحي في حياتي وشعورهم بأن ذلك بدأ في التحقق.
وماذا غيرت بك تجربة وجودك في محطة الفضاء؟
تغيرت في أشياء كثيرة بعدما مررت بتجربة وجودي في محطة الفضاء الدولية، وأن تجوب الكرة الأرضية كلها في ساعة ونصف في فترة النهار وفترة الليل، بسرعة هائلة تتحول من مكان إلى آخر، وأن تنسى كل حدود العالم، وتشعر أن العالم بأكمله دولة واحدة، وضمن أكثر الأشياء التي لامستها بنفسي التسامح والتصالح مع النفس، الأمور كانت أبسط، بالرغم من وجود أشياء مختلفة هنا في الواقع وبعضنا يرى الأمور هنا بتسرع، في الوقت الذي لابد أن يستمتع بالحياة والعائلة.
أصعب الأوقات التي مرت علي كانت عندما وجب علي أن أروي مخاطر الرحلة إلى عائلتي، وكان كل شيء في الرحلة مُرتبا ومُبرمجا، ولكن كان لابد أن أتحدث إلى عائلتي عن بعض المخاطر التي ربما تواجهني في الرحلة إلى الفضاء، ولكنني تغيرت بعد الرحلة حتى في تقديري لكل من حولي، وكيف أحب الآخرين وأصبحت أركز في العديد من الأشياء الأخرى التي ربما كنت أغفل عنها في السابق.
الحياة فرص
كيف تنظر للحياة، ما هو درسك الأهم؟
أرى دائمًا أن الحياة فرص، وربما تحصل على فرصة وأن تغتنمها بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتتغير حياتك إلى الأفضل، ولكنّ هناك نوعين من الناس، أحدهم يتفانى في تطوير ذاته، ولا يقدم الكثير من الإنجازات الملموسة حتى تأتي إليه الفرصة الحقيقية ويستطيع وقتها بفضل ما قدمه من تطوير لذاته أن يستغلها جيدًا وينجح، ويستطيع أن يطور من نفسه وعائلته، ومثال آخر لشخص يظل طوال حياته ينتظر الفرصة ولكن دون الاستعداد لها بتطوير ذاته، فربما تأتي له وهو غير مستعد فلا يشعر بها.
ما تأثير علاقتك بابنتك وزوجتك على مشوارك كرائد فضاء؟
كنت أعيد تدوير المشاعر إلى طاقة عندما كنت في وكالة الفضاء الدولية، وذلك عبر رؤية صورة ابنتي "نايا"، فعندما كنت أرى صورتها أثناء رحلتنا تأتيني طاقة كبيرة للإنجاز، وزوجتي هي الداعم لي في مسيرتي، ولم تكن تغضب بسبب عدم وجودي لفترة طويلة خارج المنزل، فكانت تعلم حجم المسؤولية والحلم الذي يخص الوطن.
بماذا تنصح الشباب؟
نصيحتي للجميع أن يكونوا مجتهدين في حياتهم، وأن يحاولوا على الدوام تطوير أنفسهم، في كل المجالات، وأتذكر في الثانوية العامة كنت دائمًا ما أسأل ذاتي ماذا سوف أصبح بعدما أمر من هذه المرحلة. عليك أن تظل مثابرًا، حتى إذا كنت بوظيفة لا ترغب بها بعد تخرجك لا تيأس، فهذه ليست هي النهاية، فعليك أن تعلم جيدًا ما هي أساليب التطور في مجالك حتى تصل إلى هدفك، وتستطيع استغلال الفرص وأنصاف الفرص.