مركز إعادة تأهيل سعودي فخم لعلاج التطرف
الرجل: دبي
(الغد نقلا عن كريستيان سيانس مونيتورز) في مركز محمد بن نايف للاستشارات والرعاية، يُتاح لنحو 250 مريضاً الوصول يومياً إلى العلاج عن طريق الفن، وصفوف الرياضات المائية، وتنس الطاولة والجاكوزي والطهاة البارعين.
في شاليهات خاصة عديدة مظللة بسعف النخيل، مزودة بغرف جلوس مكيفة الهواء بالكامل وبرك خاصة، يساعد مختصون في علم النفس وأئمة ومختصون اجتماعيون سعوديون في إعداد المرضى لإعادة تقديمهم للعالم الخارجي.
بالنسبة لبعض منتقدي هذا البرنامج لإعادة التأهيل، فإن مستوى العلاج يتاخم الإفراط، على ضوء من هم المرضى: مقاتلون سابقون لمجموعات جهادية مثل تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية "داعش".
وبينما تشن العديد من الدول الغربية والعربية حملة على مئات الشباب العائدين من القتال في صفوف المجموعات الجهادية في سورية، فإن العربية السعودية تبشر بطريقة مختلفة. إنها ترحب بعودتهم إلى الوطن من خلال انتهاج سياسة لإعادة التأهيل وإعادة الدمج، وتروج لبرنامجها كأنموذج على أمل أن تحذو الدول العربية الأخرى حذوها.
على العكس من ذلك، يمكن أن تصل عقوبات السجن في الولايات المتحدة لعضوية المجموعات الإرهابية إلى السجن المؤبد. وفي بلدان عربية مثل الأردن، حكم على مراهقين بالسجن خمسة أعوام لمجرد إرسالية على "فيسبوك" تعرب عن دعم "داعش".
رغم مرسوم ملكي صدر في وقت متأخر من العام الماضي، والذي فرض في حينه عقوبات ثقيلة على أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فإن السلطات السعودية تستمر في إصدار أحكام مخفضة على الجهاديين العائدين -بعضها قصير كعام واحد- مع إمكانية الإفراج المبكر عن النزلاء المرشحين للانضمام إلى برنامج إعادة التأهيل. وهناك أكثر من 3.700 شخص ما يزالون في السجن بتهم الإرهاب في انتظار إعادة التأهيل.
ينطلق البرنامج من اعتقاد لدى المسؤولين السعوديين بأن الرادع الصحيح الوحيد للتطرف يكمن في توفير حياة كاملة للأفراد، وبأن إيديولوجية الجهاد هي تشويه للإسلام الحقيقي والصحيح. وتوضع هذه النظرية موضع التطبيق في العلاج في المركز، وفي خدمات "المرضى الخارجيين" التي تليها.
ليست هناك صورة عامة للتطرف
في برنامج مدته ثلاثة أشهر، والذي صممه ودافع عنه ولي العهد الحالي ووزير الداخلية محمد بن نايف، يقوم المسؤولون السعوديون بتحويل الجهاديين السابقين من مرافق تصحيح السلوك الخمسة المحاطة بإجراءات أمنية مشددة في المملكة، والذين أكملوا فترة محكوميتهم، إلى مركز الرعاية في أطراف الرياض.
يوظف البرنامج فريقاً من رجال الدين واللاهوتيين وخبراء الشريعة لتقويم وتصحيح "المفاهيم الخاطئة" التي تنشرها الإيديولوجية الجهادية، ويرشدون المرضى إلى "الطريق الصحيح للإسلام". ومتسلحين بالعشرات من الأحاديث النبوية، وبمجلدات من الفقه الإسلامي التي تعود إلى القرن الثامن، يعقد الخبراء الدينيون جلسات يومية مع المرضى لتفنيد ودحض الادعاءات المختلفة للمجموعات الجهادية.
يقول الأخصائيون النفسيون في المركز إنه لا يوجد شكل عام واحد للشباب الذين يتم استدراجهم إلى التطرف. ويأتي الجهاديون السابقون من خلفيات تكون فقيرة وثرية ودينية وعلمانية، ومن عائلات كبيرة ومن بيوت محطمة على حد سواء.
ويقول الأخصائي النفسي في العيادة ورئيس قسم الصحة العقلية في المركز، عبد الله القرني: "ليست هناك صورة نمطية ولا عوامل مشتركة نستطيع الإشارة إليها والتي تفضي إلى التطرف". ويضيف: "لكنهم كلهم تعرضوا للتضليل والاستغلال".
من بين الخدمات التسهيلية التي يتم توفيرها للمرضى، هناك ألعاب الفيديو ومرافق الساونا. وثمة شقق خاصة مؤثثة حديثاً تجاور المركز، والتي تم حجزها للزيارات الطارئة.
"الحياة تصبح... أكثر قيمة"
ومن جهتهم، يوبخ مسؤولو المركز المنتقدين الذين يتهمون المسؤولين السعوديين بأنهم "يدللون الإرهابيين". ويقول الدكتور يحيى أبو مغايض، نائب مدير المركز: "إن المركز هو الخطوة الأخيرة لهؤلاء المرضى في طريق العودة إلى العالم". ويضيف: "إنهم بحاجة لأن يكونوا قادرين على انتهاج حياة تكون قريبة من الحياة الطبيعية قبل أن يعودوا فعلاً إلى الحياة الطبيعية".
لا تنتهي الخدمات بمجرد خروج الجهاديين السابقين إلى خارج المركز؛ فلشهور وأعوام بعد الخروج يساعدهم الأطباء في استكمال الحصول على الدرجات الجامعية وتحديد التوظيف، وحتى الزواج. ويقول الدكتور القرني: "بمجرد أن تكون لهؤلاء الشباب عائلة وتصبح لديهم مسؤوليات، فإن الحياة تصبح نفيسة لهم أكثر بكثير... وبذلك، يفكرون مرتين قبل الإقدام على ارتكاب أي مجازفات".
يقول المركز إن لديه أرقاما لدعم بياناته. فثمة نسبة صادمة تبلغ 88 في المائة من نحو 8000 سعودي انخرطوا في البرنامج، والذين أعيد دمجهم في داخل المجتمع، كما يقول مسؤولون. ومع ذلك، ثمة 310 حالات "انتكست" وعاد بعضهم للانضمام إلى الميليشيات الجهادية في سورية. ويقول مسؤولو المركز إن عوامل اجتماعية -مثل عائلة غير داعمة أو أصدقاء يدعمون الإيديولوجية الجهادية- تفضي بشكل نمطي إلى انتكاسة. ويقول الدكتور أبو مغايض: "بالنسبة لنا، إنها ليست انتكاسة للمركز بل للمجتمع السعودي".
خارجاً في الفضاء العام
يقول المسؤولون السعوديون مع ذلك إن التسهيلات السخية والحصص تخدم هدفاً أكبر من إعادة تأهيل بضع مئات من الشباب. فمن خلال تشجيع الجهاديين على الانضمام للمركز، يقول المسؤولون إنهم يهدفون إلى إخراج موضوع التطرف إلى الفضاء العام في المجتمع.
ومن جهته، يقول اللواء منصور تركي، الناطق بلسان وزارة الداخلية السعودية: "نحتاج لأن يعمل المجتمع بأكمله معنا لمكافحة ومنع التطرف. ولعل جزءاً رئيسياً من ذلك هو رفع نسبة التوعية -وجعل العائلات والمواطنين يدركون أن هناك طريقاً آخر".
كجزء من استراتيجيتهم للتصدي للإرهاب، يعمل المسؤولون السعوديون مع العائلات التي كان أعضاؤها قد ذهبوا للقتال مع الميليشيات الإسلامية المختلفة، ويشجعونهم على فصم العرى مع الجهاديين والعودة إلى الوطن.
ومن خلال مكالمات هاتفية ودردشة على "سكايب"، تقوم العائلات بتشجيع الجهاديين على شق طريقهم إلى الحدود السعودية -غالباً من دون جوازات سفر وبالملابس فقط على أجسادهم- حتى تلتقطهم المخابرات السعودية.
حتى الآن، عاد نحو 650 سعودياً من سورية خلال العامين الماضيين -العديد منهم كانوا قد أصيبوا بخيبة أمل نتيجة الاقتتال الداخلي بين الجهاديين وعدم احترام المبادئ الإسلامية في القتال. وقد تدافع هؤلاء على مراكز الاعتقال في المملكة كنزلاء مستعدين "لإعادة التأهيل" وإعادة الاندماج في داخل المجتمع السعودي.
في غمرة مخاوف متصاعدة من هجمات تشنها "داعش" في الوطن، يرى المسؤولون السعوديون في هذا الرقم انتصاراً رئيسياً للحملة المعادية للإرهاب. ويقول تركي: "بدلاً من المخاطرة بالمقاتلين، فإننا نعيدهم إلى الوطن ونقوم بتصحيح إيديولوجيتهم المتطرفة". ويضيف: "إنها حملة استباقية لمنع الهجمات