مارتن سكورسيزي.. أدخله "الربو" إلى صالات السينما.. فخرج بألق عظيم
يملك مارتن سكورسيزي إرثًا كبيرًا في هوليوود إذ يُعد من بين أشهر المخرجين على الإطلاق في السينما الأمريكية بل العالمية، ترشح للعديد من الجوائز الفردية ونال جائزة الأوسكار عام 2006 عن فيلمه "المغادرون".
لكن ما لا يعرفه كثيرون هو البدايات التي كانت مختلفة تمامًا عما نراه الآن بالنسبة للرجل البالغ من العمر 80 عامًا، لقد جرى كل شيء معه بشكل مختلف.
وكأنّ الأصول الإيطالية تمنح صاحبها الحس الفني بالتبعية، سار سكورسيزي على نهج العديد من الأمريكيين ذوي الأصول الإيطالية بين أشهر فناني هوليوود وقدم مسيرة فنية أقل ما توصف به بأنها إبداع متكامل.
رب ضارة نافعة!
بدأ كل شيء في نيويورك، حيث ولد سكورسيزي في إبريل 1942 لأسرة ذات أصول إيطالية، طفلاً ضعيف البنية نحيل الجسد لا يستطيع ممارسة الرياضة أو اللعب مع أقرانه بشكل اعتيادي لتأثره الصحي الواضح.
لقد عاني سكورسيزي في صباه مرض الربو، عدم القدرة المنتظمة على التنفس لم يؤهله لدعم جسده بالشكل الكافي من خلال الرياضة فكانت بنيته ضعيفة، لكن رب ضارة نافعة حقًا!
كانت السينما ملجأ أبويه حتى يخرج سكورسيزي من هذه الحالة التي لا يستطيع فيها التماشي مع أقرانه، ولذلك غالبًا ما كانا يأخذانه لمشاهدة الأفلام في صالات السينما، فهذا الفتى نشأ ولم يكمل العاشرة من عمره على أجود أفلام السينما وأشهرها في هوليوود.
هاتان العينان اللتان تختبئان الآن خلف النظارات الطبية، رأت عشرات الأفلام في الطفولة وكانتا ترقبان الخطوة تلو الخطوة من أجل اقتحام الفن في هوليوود.
بعمر 14 عامًا، حاول أن يتدين وينتظم في هذا الأمر، لكن سلوكه غير المنضبط لم يسعفه لإكمال هذه المسيرة، فعاد إلى السينما ولكن هذه المرة ليس فقط مشاهدًا، بل دارسًا لها.
اقرأ أيضًا: جيمس تايلور.. العازف الذي باع 100 مليون تسجيل!
خطوات سريعة
خطواته الدراسية في عالم السينما كانت سريعة للغاية، فبعمر 18 عامًا التحق بجامعة نيويورك وفيها درس السينما في "كلية تيش للفنون" وحصل على درجة الماجستير في عام 1966، وخلال 4 أعوام أصبح أستاذا في الجامعة نفسها بتخصصات السينما ولم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره.
بل إن العديد من المخرجين الأفذاذ في هوليوود تتلمذوا على يديه في تلك الحقبة، وأبرزهم فرانسيس فورد كوبولا الذي كان يكبره سنًا، والذي يعد من أبرز المخرجين في تاريخ السينما وله روائع فنية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر "ملحمة حرب فيتنام" و"العراب" و"المحادثة".
نعود إلى سكورسيزي، الذي كان قد تطرق إلى كل شيء فني من الناحية العلمية والأكاديمية وبات مرجعًا سينمائيًا متحركًا، لكن حان الوقت لإخراج كل ذلك في إبداعات فنية على الشاشة.
لم تكن الأفلام القصيرة التي بدأ بعملها في أثناء تدريسه في الجامعة -على روعتها- كافية لإظهار كل ما يمتلكه هذا الفذ، كانت انطلاقته في أول فيلم طويل عبر "من الذي يطرق بابي؟" والذي سيشهد تدشين أول تعاون بين اثنين سيتعاونان كثيرًا في المستقبل القريب، سكورسيزي نفسه، وهارفي كيتل.
اقرأ أيضًا: الشرطي الذي دخل هوليوود من الباب الواسع براين كرانستون.. الفن ينبض في خلاياه
إلى هوليوود.. والباقي تاريخ!
كانت "هوليوود" تشغل بال سكورسيزي كثيرًا، ولكنه يعرف أن اقتحامها لن يكون بالمكانة نفسها التي دشنها في السلك الجامعي، عليه أن ينزل إلى الأسفل بعض الشيء، ثم يري الكل قدراته وينطلق من جديد.
بدأ من خانة المونتاج ومساعدة المخرجين في الوثائقيات ثم في الأفلام شيئًا فشيئًا، حتى اكتسب ثقة المخرجين ورأوا فيه الملمح الفني الذي يبدأ منه كل شيء إلى جانب الخلفية الأكاديمية المذهلة التي لديه، فأصبح الكل ينتظر انطلاقته الأولى، الأهم أنه وضع قدمًا قوية في هوليوود.
في 1972، كان الموعد مع أول فيلم هوليوودي له وهو فيلم "برثا بوكسكار"، الذي كان من بطولة باريرا هيرشي وديفيد كارادين.
كانت تلك هي الانطلاقة الفعلية، هنا بات الكل يتطلع إلى ذلك المخرج الشاب الذي وصل إلى أول أفلامه في هوليوود بعمر 30 عامًا فقط، سيتأثر بعد ذلك بجون كاسافيتس أحد أهم المخرجين في ذلك التوقيت، الذي سيضغط عليه كي يضع بصمته الشخصية أكثر في الأعمال.
السعفة الذهبية والأوسكار
سيُخرج العديد من الأفلام حتى يصل إلى ملاقاة روبرت دي نيرو، الذي يشاركه الأصل الإيطالي، سيتشارك مع ليوناردو دي كابريو الذي يتشارك معهما العرق نفسه أيضًا، سيحصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1976، يترشح للأوسكار بضع مرات قبل أن يفوز بها في 2006، سيبصم بعد كل هذه البداية على عظمة إخراجية تؤطر مسيرة فنية شبه مثالية.
ربما لم يدر بخلد ذلك الطفل الذي يعاني صحيًّا في أربعينيات القرن العشرين أن يحدث كل ذلك، لكن المؤكد أن الشغف في عينيه مع كل فيلم يعرض أمامه كان وقودًا للانطلاق إلى المزيد.