باولو روسي.. من "محكوم عليه بالحبس" إلى أفضل لاعب في العالم
في وقت تتطلع فيه عيون العالم إلى أهم بطولة كروية وهي كأس العالم، يمتلئ تاريخ البطولة بقصص لا يمكن نسيانها، تدل على عظمة أبطالها.
بعضهم تحول من النقيض إلى النقيض، من أقصى اليسار إلى اليمين، وأيًّا كانت الملابسات فإن التحول الذي شكله كأس العالم في مسيرتهم وحياتهم برمتها أمر يوحي لك بما تفعله هذه البطولة لدى أبرز النجوم.
واحد من هؤلاء هو باولو روسي، لقد أنقذ كأس العالم "باوليتو" الهداف الإيطالي البارز من مشكلة كبرى في مسيرته كادت تطيح به، كادت تزج به في السجن، بل إنه حكم بالسجن فعلًا، فما هي قصة الهداف الإيطالي البارز، الذي كتب مجد "الأتزوري" (لقب الفريق الإيطالي وتعني الأزرق السماوي) في مونديال 1982؟
قبل أن نصل لهذا العنوان العريض والأهم في مسيرة روسي، وهو قيادته لمنتخب إيطاليا للفوز بكأس العالم 1982 رغم أن إيطاليا لم تكن أصلاً من أبرز المرشحين، خصوصًا مع تأهلها الصعب إلى الدور الثاني.
لقد فازت إيطاليا في طريقها لرفع اللقب الثالث في مسيرتها على كل من البرازيل والأرجنتين في اثنين من أفضل أجيالهما، خصوصًا فيما يخص البرازيل التي قدمت في 1982 مستوى مذهلاً من كرة القدم جعلها من أقوى فرق كرة القدم عبر التاريخ رغم أنها لم تحقق لقب كأس العالم.
بعيدًا عن كل شيء
الرجل الذي سجل في تلك البطولة 6 أهداف كاملة وقاد "الأتزوري" للمجد الغائب من عام 1938، كان قبل البطولة بأشهُر بعيدًا للغاية، ولكنه لم يكن بعيدًا فقط من ناحية المستوى، لقد كان بعيدًا عن ملاعب كرة القدم برمتها، بعيدًا عن التألق، بعيدًا عن الشهرة والأضواء، بعيدًا عن الحياة الاعتيادية!
لقد كان باولو روسي محكومًا عليه بالسجن في فضيحة تلاعب بالمباريات من أجل المراهنات، وهي قضية تبرز بين الآونة والأخرى في الكرة الإيطالية، ونتذكر ما حدث مع نادي يوفنتوس في مطلع القرن الحادي والعشرين حينما هبط إلى الدرجة الثانية الإيطالية بسبب التلاعب.
كان الأمر مشابهًا في بداية الثمانينيات، وحينها تورط لاعبون كثر وأندية في فضيحة تلاعب، قال روسي فيما بعد إن "نجمًا كان لابد أن يتحمل المسؤولية" لذلك وقع الاختيار عليه.
حكم على باولو روسي بالحبس والإيقاف عن كرة القدم 3 أعوام، ثم خُفِّضت العقوبة إلى عامين دون قضاء عقوبة الحبس، وأصر روسي أنه بريء من كل هذه التهم حتى وافته المنية في مطلع ديسمبر من عام 2020، معلنًا رحيل واحد من أهم أساطير كرة القدم الإيطالية وكأس العالم.
دعونا نتحدث عن الإنجاز الذي حققه في 1982، لنعرف إلى أين وصل بعد تلك الفترة المعقدة.
اقرأ أيضًا:جاري لينيكر.. نجم كرة قدم بوجوه عديدة
إيطاليا في عام 1982 لم تكن مرشحة للفوز باللقب، الذي كان ربما بين 3 منتخبات كبرى في ذلك التوقيت وهي البرازيل والأرجنتين وألمانيا، مع منافسة فرنسية متوقعة.
تعادل "الأتزوري" في مبارياته الثلاث الأولى مع كل من الكاميرون وبولندا وبيرو.
نتائجه السيئة أوقعته في طريق "برازيل 1982" وهو جيل من أقوى أجيال البرازيل تقنيًّا وجماعيًّا، تألق فيه سقراط وزيكو وفالكاو ومازينيو وكتيبة مدججة من النجوم تحت قيادة سانتانا أحد أهم مدربي السيليساو في التاريخ.
بدا أن إيطاليا على وشك توديع المونديال أمام المرشحين الأقوى للظفر باللقب قياسًا على المستوى المقدم في الدور الأول.
لم يكن البرازيليون فقط في المجموعة التي واجهت إيطاليا، بل أيضًا الأرجنتين بقيادة دييجو أرماندو مارادونا، أفضل لاعبي كرة القدم عبر التاريخ بالنسبة لكثيرين.
الأرجنتين ودعت البطولة بهزيمتين من إيطاليا والبرازيل، وبقيت مباراة مهمة تحسم الصاعد إلى نصف النهائي بين إيطاليا والبرازيل.
إحباط.. ثم انفجار!
حتى هذا الوقت لم يكن روسي قد سجل أي هدف في المونديال! انهالت الانتقادات في الصحف الإيطالية التي لا تعرف الرحمة على المدرب بيرزوت لأنه يصر على روسي الذي لا يقدم أفضل أداء، والذي شارك في 4 مباريات كاملة رفقة "الأتزوري" دون تسجيل أي هدف، واستدعت تلك الصحف غياب روسي الطويل عن الملاعب بسبب فضيحة التلاعب في المباريات وكيف استدعاه بيرزوت بعد تلك الفترة؟!
اقرأ أيضًا:لماذا لا يكبر كريستيانو رونالدو في السن؟.. إليك أسرار شبابه الدائم
قرر بيرزوت إشراك روسي في مباراة البرازيل وفيها قدم روسي ما هو أكثر من أوراق اعتماده في تلك المباراة، لقد أقصى "برازيل 1982" وحيدًا!
سجل روسي 3 أهداف كاملة رد بها على هدفي سقراط وفالكاو وقاد "الأتزوري" للفوز 3-2 والعبور لنصف النهائي، ولم تكن تلك سوى البداية.
في نصف النهائي أقصى واحدًا من أقوى أجيال بولندا التاريخية، وتغلب على الفريق الذي تعادل معه الإيطاليون في الافتتاح 2-0، ومن سجل الهدفين؟ إنه باولو روسي.
أتى النهائي بين إيطاليا وألمانيا على ملعب "سانتياجو برنابيو" الشهير في العاصمة الإسبانية مدريد، ليعلن عن تتويج "الأتزوري" بلقب طال انتظاره 44 عامًا، ثلاثة أهداف للطليان افتتحها باولو روسي وأضاف كل من تارديلي وألتوبيلي الهدفين الثاني والثالث دون أن يشفع هدف بريتنر لتقليص النتيجة للألمان، لكن التاريخ كتب أن روسي هو من افتتح التسجيل في النهائي المعقد.
توج روسي هدافًا للطليان في تلك البطولة وحصل على أفضل لاعب بها، وأنهى العام بالفوز بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، انتقل من أقصى العار إلى أقصى المجد، وكتب قصة جديدة أجابت بقوة على سؤال: "كيف تتحول في شهور قليلة من محكوم عليه بالحبس، إلى أفضل لاعب في العالم"؟