تسريح العمال ليس الحل... كيف تنجو بشركتك في فترات الركود؟
شهد العالم خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد جائحة كورونا "كوفيد-19" حالة من الركود الاقتصادي أثرت على عدد كبير من الشركات المحلية والعالمية، وهو ما أدى بالتبعية إلى ظاهرة تسريح العمال في محاولة لموازنة نفقات الشركات.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تتبع فيها الشركات هذا النهج، بل إنه أمر متعارف عليه منذ عقود، ولكن الاستغناء عن الموظفين لا يؤثر بالإيجاب دائمًا كما يأمل البعض، بل على العكس نجد أنه تتأكد مخاوف كثيرين من الخبراء في فشل هذه الاستراتيجية في إنقاذ استثمار الشركات، ذلك عقب أن لاحظ الجميع أن أغلب الشركات لم تتغلب على أزماتها الاقتصادية بهذا الحل فقط.
أصبح من الواضح عند الشركات التي تتبع أساليب علمية حديثة أنه يمكن خفض التكاليف دون تقليل السعة، وأُجريت أبحاث أبرزت أن الشركات التي تجاوزت الانكماش والتأرجح الاقتصادي اعتمدت على التحسينات التشغيلية أكثر من تسريح العمال، وأنه يجب اعتبار الأوقات الاقتصادية الجيدة والسيئة جزءًا من دورة العمل العادية، إذ إن المطلوب فقط هو محاولة السيطرة على الميزانية العمومية.
اقرأ أيضًا: 4 كتب لإدارة المشاريع بكفاءة
كيفية التعامل مع فترات الركود الاقتصادي
من المخاطر التي تخشاها الشركات والمنظمات وسط حالة الركود هو عدم لحاقها بمنافسيها الأكثر ابتكارًا واستغلالاً للفرص، أو تفويت فرصة مهمة قد لا تأتي أكثر من مرة لتحقيق قفزة كبيرة في سوقها الخاص، لذا تحتاج كل شركة إلى تحضير موازنة مدروسة جيدًا ضد تهديد الوقوف دون حراك عند نفاد النقد، وهذا الأمر ربما قد يؤتي ثماره في بعض الصناعات مثل تصنيع الأغذية، باتباع نهج الانتظار والترقب للمنتجات الجديدة والعمل على تسويقها الجيد والتوسع والانتشار.
ولكن هناك صناعات من نوع مختلف تتميز بسرعتها العالية مثل "الأمن السيبراني"، سيكون خطر الوقوف والانتظار أكبر بكثير من نفاد الأموال النقدية، ومن الجدير بالذكر أن الأبحاث التي أجرتها جامعة هارفارد للأعمال تؤكد أن الشركات المرنة التي تحقق مكاسب مستمرة خلال وبعد الأزمة الأقتصادية اعتمدت على النمو طويل الأجل أكثر من تحقيق كفاءة التكلفة على المدى القصير.
لا شك أنه بالنظر لفترات الركود السابقة يمكن تعلم أشياء كثيرة لأن ذلك خلق فرصًا عظيمة وفريدة للشركات حتى تتخطى منافسيها وإطلاق شركات جديدة بمتطلبات السوق والمستخدمين، لذا نجد أن الفائزين دائمًا هم الشركات التي تتعامل مع الركود كعاصفة يمكن أن تدفع للأمام وليس كمنعطف في سباق يجعلك تغادره، فكلما انتهزت الشركات الفرصة للنمو والابتكار كلما زاد نجاحها، وذلك يأتي بمساعدة ما يسمى بالاختيارية أو المرونة الهيكلية التي أصبحت أحد أهم الأساسيات التي يجب أن تتبعها الشركات بخلاف تسريح عمالها.
كيف يمكن بناء الاختيارية؟
الاختيارية هو مصطلح يجسد فكرة ما إذا كنت سوف تستثمر في مكان ما أو لا، فهو يعطي الشركات الإدراك والقدرة على الاختيار وبناء المرونة اللازمة في جميع المراحل، ويفتح الباب لكثير من البدائل والحلول المبتكرة ويمنحها التحكم المطلوب خاصة في المواقف المحفوفة بالمخاطر، التي تتطلب المجازفة كما هو الحال في أثناء الركود والأزمات الاقتصادية الكبيرة، لأن الخيارات تمنح السيطرة.
تُعد كشوف المرتبات واحدة من أهم التكاليف الثابتة لأي شركة، ولا يوجد عديد من الخيارات المتاحة عند محاولة تقليل عنصر النفقات هذا، ولذا فإن تسريح العمال شائع جدًّا، ولكنه إذا استفدت من المواهب المستقلة عند الطلب من خلال سوق عمل مثل Upwork، فلديك خيارات لا حصر لها لتوسيع أو خفض الفواتير دون فقدان الوصول إلى المواهب لاحقًا.
كلما زادت الاختيارية التي تبنيها الشركات كلما زادت المرونة المالية والتشغيلية التي تكتسبها، ما يتيح لها القدرة على خفض التكاليف وليس السعة العمالية، ما يُمكنها بعد ذلك من نمو أرباحها بشكل أسرع.
اقرأ أيضًا: مهام المدير.. نظرة معمقة في علم الإدارة
شركات نجحت في تطبيق الاختيارية
في أواخر عشرينيات القرن الماضي، خاصة خلال فترة الكساد الكبير، واجهت كلٌّ من شركة "Post" وشركة "Kellogg 's" اللذان يمتلكان أسهما مماثلة في سوق الحبوب الجاهزة للأكل أزمة كبيرة، ما دفع "Post" إلى فعل الشيء البديهي والمتوقع في ذلك الوقت وهو خفض العمالة لتوفير النفقات، فيما اتجهت كلوقز إلى الاستفادة من استراتيجية الاختيارية بإطلاق منتج جديد "Rice Krispies" مع زيادة الإعلانات وهو ما ساعدها على الحفاظ على وضعها في السوق.
خلال فترة الركود في عام 2000م، تراجع معظم تجار التجزئة عن الإنفاق، فيما زادت شركة تارجت "Target" من جهودها التسويقية، واتبعت الاختيارية من خلال فتح مئات المواقع الجديدة، وإعادة تشكيل متاجرها لتشمل المزيد من الطعام، وزيادة مبيعاتها عبر الإنترنت، ودخلت في شراكة مع مصممين معروفين لتقديم منتجات جديدة.
كما أنها قامت بتخفيض التكاليف عن طريق تحسين إنتاجيتها وزيادة كفاءتها في عمليات سلسلة التوريد، وهو ما ساعدها على تنمية المبيعات بنسبة 40٪ والأرباح بنسبة 50٪ طوال فترة الركود، فأصبحت تارجت رائدة تجزئة هجينة "عبر الإنترنت وغير متصلة بالإنترنت"، واحتلت المرتبة الثانية عقب شركة وول مارت "Walmart".