ما القصة وراء نموذج الأعمال الشهير Business Model Canvas؟
إذا سبق لك المضيّ قدماً نحو تأسيس شركة ناشئة، بالتأكيد ستكون قد استخدمت أو سمعت على الأقل عن نموذج الأعمال الشهير Business Model Canvas، الذي يُكتب اختصارًا كـBMC. إذ اكتسب النموذج شهرة كبيرة حول العالم، ويعد أحد أهم الأدوات التي تستخدم في عالم الأعمال التجارية.
يمكنك أن تجد شرحًا لهذا النموذج داخل كتاب Business Model Generation، وقد باع الكتاب أكثر من 4 ملايين نسخة. في عام 2015 تم اختيار ألكسندر وبيجنر مؤلفي النموذج والكتاب ضمن قائمة أفضل 50 مفكرًا إداريًّا حول العالم.
يتكون نموذج الأعمال BMC من ورقة واحدة تضم 9 مربعات، تصف كل منها عنصرًا مهمًّا في فكرة المشروع، بما يُسهم في تكوين نظرة شاملة عنه قبل وفي أثناء تنفيذه. تضم هذه المربعات:
- القيمة المضافة Value Proposition: ما هي القيمة التي ستقدمها للعملاء في منتجاتك أو خدماتك فتجعلهم يقبلون على الشراء منك بدلًا من المنافسين الآخرين؟
- شرائح العملاء Customer Segments: من هم العملاء المستهدفون في مشروعك؟ ما هي مواصفاتهم وتقسيماتهم المختلفة؟
- القنوات Channels: ما هي القنوات المستخدمة في توصيل وبيع المنتجات أو الخدمات؟ مثلاً هل من خلال موقع إلكتروني أو عبر متجر في أرض الواقع؟
- العلاقات مع العملاء Customer Relationship: كيف ستحافظ على علاقاتك مع العملاء حتى تحوّلهم إلى عملاء دائمين لمشروعك؟
- الأنشطة الرئيسة Key Activities: ما هي الأنشطة الرئيسة في المشروع التي تحتاج إلى تنفيذها ليخرج المشروع إلى النور؟
- الموارد الرئيسة Key Resources: ما هي الموارد الأساسية التي تحتاج إليها سواءٌ معدات أم أشخاص أم أدوات أم أموال وغيرها؟
- الشركاء Key Partners: ما هي أهم الشراكات التي يمكنك عقدها لتسهيل خروج مشروعك إلى النور؟
- مصادر الدخل Revenue Streams: ما هي الطرق التي ستحقق الأرباح من خلالها؟ مثلاً هل من خلال بيع المنتجات أو الخدمات مباشرةً؟ هل ستعتمد على نموذج الاشتراكات؟
- هيكل التكاليف Cost Structure: ما هي التكاليف التي ستتحملها في المشروع لتنفيذه؟
كيف تستخدم مخطط نموذج العمل التجاري في عملك؟
يستخدم هذا النموج على نطاق واسع، لكن ربما لا يعرف الكثيرون القصة وراء هذا النموذج، والأسباب التي دفعت بالمؤسسين إلى إنشائه. في الحقيقة سيؤدي فهم هذه الأسباب إلى تحسين استخدام النموذج، لأنه في النهاية فنموذج الأعمال ليس غاية في ذاته يسعى إليها أصحاب المشروعات، لكن هو وسيلة يمكن من خلالها إنشاء عمل تجاري ناجح. إذن ما هي القصة وراء الـBMC؟
الفصل الأول: امتلاك الأدوات المناسبة للأعمال التجارية
يتضمن الفصل الأول من قصة الـBMC رغبة ألكسندر في وجود أدوات مناسبة، يمكن الاعتماد عليها من أجل بناء الأعمال التجارية الناجحة. في الحقيقة هذا الأمر صحيح، لأنّ وجود الأدوات يساعد على تحويل الأفكار إلى تصورات أكثر وضوحًا، بدلاً من الأفكار المجردة.
على سبيل المثال، أدّى وجود أداة مثل الـBMC إلى القدرة على تصوير الأفكار في ورقة واحدة من 9 مربعات، لكنّها كافية للتعبير عن مختلف المتطلبات لبناء مشروع ناجح. كثيرًا ما اضطر أصحاب المشروعات إلى بناء خطة عمل كاملة فقط من أجل تصوير فكرة مشروعهم.
الأمر الذي يعني تضييع الكثير من الوقت، بينما قد تكون الفكرة غير مناسبة من الأساس. من ثم أدّى وجود الـBMC إلى امتلاك الأداة الملائمة للبدء دون الحاجة إلى تضييع الوقت والمجهود.
الحقيقة أنّ جهود ألكسندر لم تقتصر فقط على الـBMC، لكن أصحبت هناك مؤسسة كاملة باسم Strategyzer تتولى تقديم العديد من الخدمات للمشروعات، وتنشئ المزيد من الأدوات التي تساعد أصحاب المشروعات في أعمالهم.
يستخدم ألكسندر في هذا الأمر قولاً معبرًا: "أنت لا تريد إحضار جراح القلب لإجراء جراحته بسكين الجيش السويسري. أنت لا تريدهم أن يستخدموا الأدوات الخاطئة". أي إنّه لا يكفي كون رائد الأعمال هو شخص ناجح بذاته، لكنه يحتاج إلى استخدام الأدوات الملائمة ليقدر على تحقيق الناجح في مشروعه.
الفصل الثاني: تطوير قائمة بنماذج الأعمال المحتملة
عادةً ما يُستخدم مصطلح نموذج العمل، كإشارة إلى الطريقة التي تعتمد عليها الشركات في كسب الأموال. لذا، عندما يبدأ أي شخص في تطوير فكرة مشروعه، يبدأ مباشرةً التفكير في الآلية التي سيحقق من خلالها الأرباح.
مثلاً من بين نماذج الأعمال هي نموذج الـfreemium، الذي يعتمد على تقديم منتج أو خدمة مجانًا، في مقابل وجود بعض المميزات الأخرى الإضافية المدفوعة. على سبيل المثال، يمنحك جوجل درايف 15 جيجا مجانًا. إذا أردت زيادة السعة ستحتاج إلى الاشتراك في واحدة من خطط الأسعار المقدمة.
بالتأكيد يبدو التفكير في تحقيق الربح منطقيًّا لأي شركة، إذ يعد ذلك الهدف الأساسي من وجود أي مشروع، وهو تحقيق الدخل الذي يساعد المشروع على النجاح والاستمرارية. فما فائدة مشروع لا يحقق ربحًا الآن؟ أو حتى لا توجد فرصة له لتحقيق الأرباح في المستقبل؟
النمو أم الربحية: كيف تختار الأنسب لشركتك الناشئة؟
لكن برغم ذلك لا يعد اختيار نموذج العمل المناسب أمرًا سهلاً، إذ يواجه روّاد الأعمال تحديين في فعل ذلك:
الأول هو كيفية اختيار نموذج العمل الملائم للفكرة، فقد يملك رائد الأعمال فكرة جيدة، لكنّه قد يختار نموذج عمل غير مناسب لها، من ثم تتأثر فرصته في تحقيق الأرباح.
الثاني هو عدم معرفة نماذج الأعمال من الأساس، ومن ثم عدم القدرة على إيجاد طريقة لتحقيق الربح من المنتج أو الخدمة المقدمة.
في نهاية التسعينات بدأ بيجنر عمله الأكاديمي في جامعة لوزان كأستاذ لنظم المعلومات الإدارية. في ذلك الوقت، قدّم له طلابه العديد من الأفكار التي تخص مشروعاتهم. من هذه الأعمال استلهم بيجنر فكرة توصيف نماذج الأعمال المختلفة، وتقديم شروحات كاملة لها، لا سيّما أنّه أدرك أنّ الكثير من الأشخاص يمر بالتحدي الثاني، وأنّهم يعانون لفهم ما تعنيه نماذج الأعمال آنذاك.
لذا، يعد الفصل الثاني في قصة الـBMC هو تطوير قائمة بنماذج الأعمال المحتملة، مع توصيل لما يعنيه كل نموذج عمل. نُشر جزء من هذه النماذج في الكتاب الخاص بالنموذج.
الفصل الثالث: التجربة
يشير الجزء الأخير في القصة وراء الـBMC إلى مبدأ مهم في الأعمال التجارية حاليًّا، وهو مبدأ التجربة. إذ لم تعد الأعمال التجارية بحاجة إلى امتلاك خطط كاملة للبدء واختبار الأفكار، لكنّها تعتمد على طرح فكرة مبدئية ثم تبدأ في اختبارها في السوق.
هل تناسب فلسفة "الفشل السريع" عالم الشركات الناشئة؟
لذا، يساعد الـBMC على تحقيق هذا الهدف، إذ كل ما تحتاج إليه هو التفكير في العناصر التسعة للنموذج بطريقة صحيحة، ثم تخرج لتطبيق هذه الأفكار واختبارها. معنى ذلك أنّه لا يمكنك الاكتفاء أبدًا بالمسودة الأولى لكتابة النموذج، بل سيتطلب الأمر تطويرًا مستمرًّا وتعديلاً على المحتوى وفقاً لنتائج التجربة، بهدف الوصول إلى أفضل نسخة ممكنة لنموذج العمل.
يتفق ذلك مع واحدة من أهم تعريفات الشركات الناشئة لستيف بلانك، الذي يعرّف الشركة الناشئة على أنّها منظمة مؤقتة صممت للبحث عن نموذج عمل قابل للتكرار والتوسع. أي إن أصحاب الشركة يعملون على تطوير الفكرة طوال الوقت، للوصول إلى أفضل طريقة لإدارة الشركة، ومن ثم تم تطوير الـBMC لتحقيق هذا الهدف.
ختامًا، تكشف هذه الفصول الثلاثة القصة حول ما يعنيه الـBMC، وأنّ وجود النموذج يتعدى كونه نموذج مكتوب، لكونه أداة استراتيجية حقيقية، تساعد أصحاب الشركات على التخطيط لأفكارهم بطريقة صحيحة، تمكنهم من تحقيق الأرباح، مع تجربة واختبار أفكارهم بطريقة عملية حقاً، لضمان الوصول إلى النموذج المثالي لإدارة هذه الشركات.