د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: الجهود الخفية للإوزة البيضاء
عندما تتأمل الإوزة البيضاء وهي تسبح بهدوء ورشاقة في البحيرات لا يشعر الناظر إليها بأنها تبذل جهدًا جهيدًا تحت سطح الماء. إذ تقوم بقوة دفع كبيرة حتى تنطلق بهذه الطريقة التي تبدو ظاهريًا هادئة، لكنها تبذل مجهودًا لا يتوقف عن "الجدف" حتى تصل إلى الضفة الأخرى. هناك كثير من البشر والمؤسسات الذين يبذلون جهودًا جبارة لكن المتعاملين معهم لا يدركون حجم ما يحدث وراء الكواليس.
كل مطبوعة وكل "مسموعة" وكل "مشاهدة" وراءها أعداد هائلة من الإعلاميين المخلصين لنجلس ونستمتع بإنتاجها ونحن نختزلها في المذيع أو معد الخبر.
في عالم البزنس يحكم الناس على رحلة الطيران من طاقم المضيفين وربما الكابتن نفسه، غير أن وراء هذه الطائرة التي تبدو بسيطة جهدًا هائلاً بُذل في أقسام التوظيف والمشتريات والخدمات والصيانة والمحاسبة والتدقيق وغيرها من جهود الإدارة التنفيذية. وهذه هي سنة الحياة، فتجد أن البارزين في المؤسسات كالقائمين على التسويق، أو قياديي الشركات، هم من يحظون بالصورة الكبرى، لكن وراء هذا العمل جيشًا جرارًا.
وما يهمنا هو ألا يحرم الجالسون في المكاتب الخلفية من حقهم من التقدير، فلولا جهودهم المكملة ما تمكن مَن يعملون في الصفوف الأمامية من تحقيق أهدافهم. فالناس في المؤسسات مثل راكب السفينة لا يستطيع أن يتخلى أحد عن الآخر. فهناك من يرفع الشراع، وهناك من يقود الدفة، ومنهم من يتأكد من أن كل شيء على ما يرام.
ولذلك يخطئ بعض القياديين عندما يغدقون بالخيرات والعوائد المادية والمعنوية على الصفوف الأمامية، وينسون أو يتناسون أنه لولا جهود من هم بالخلف أو الـback office لما وصل الجميع إلى بر الأمان.
وفي الواقع جميع أهداف الحياة عبارة عن تضافر جهود البشر والعاملين في المنظمات في مسعى لتحقيق أهداف مشتركة.
اقرأ أيضًا د. محمد النغيمش يكتب لـ « الرجل »: المحاورة والمناورة
والمؤسسات التي كانت تمجد الأشخاص وتعزز العمل الانفرادي أو الـ one-man-show هي في الواقع تخرب بيئة العمل المؤسسي الذي يميل لفكرة الاستدامة أو البقاء في دائرة المنافسة والاستمرارية.
خلاصة القول أنه مهما ادعى الفرد من جهود جبارة فلا يمكن أن تحقق المؤسسات المعتبرة أهدافها المؤسسية من دون عمل جماعي، والأهم تقدير الجهود المبذولة من جميع الأطراف. فبعض الوظائف أو الأشخاص يبدو عليها هدوء الإوزة لكن جهودهم الكبيرة لا نستوعبها إلا حينما يغادرون المؤسسة.
لقراءة العدد الجديد من مجلة الرجل اضغط هنا