رجل الأعمال عمار شطا لـ«الرجل»: الحظ خرافة.. بدأت وحيدًا ثم بعت الحلم لزملائي
درس الهندسة الكهربائية، لكن منعطفًا تعليميًا مهمًا حول مسار حياته من الهندسة إلى المجال المالي والمصرفي، على الرغم من أنه كان بعيدًا كل البعد عنه.
تدرج في عدة مناصب قيادية خلال 14 عامًا من العمل الوظيفي داخل القطاعات المصرفية والمالية، وحينما شعر بتمكنه من القرار، ووثق في قراءاته للسوق المحلية والمصرفية قرر بدء وضع حجر الأساس شركته الخاصة، التي بدأت برأس مال لم يتجاوز ( 50 ألف ريال سعودي).
أسس أكثر من شركة ولا يزال بعد ثلاثين عامًا يقدم استشارات مالية لشباب الأعمال لبناء تجاربهم الخاصة، وتجاوز الصعوبات والأزمات التي تعترضهم.
وثق مسيرته في كتاب «مئة تحت الصفر»، الذي حصد جائزة معرض الكتاب الدولي 2020، فيما حصد عدة جوائز من ضمنها اختياره في عام 2016 من قبل مجلة «GLOBAL FINANCE» واحدًا من أشهر الشخصيات في القطاع المالي على مستوى الشرق الأوسط.
المستشار المالي ورجل الأعمال عمار أحمد شطا متحدثًا لمجلة «الرجل»، في عددها الجديد عن قصة نجاحه، وأهم محطاته، والصعوبات التي واجهها، وكيف يرى التحول المالي والاستثماري في ظل الحالة الاقتصادية الحالية، وجائحة كورونا، وأمنياته المستقبلية.
اكتشاف مفاجئ
بعد حصوله على شهادة الثانوية، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليدرس هندسة الكهرباء، لكن المصادفة جعلته يتحول للاقتصاد، وليتحول معها مجرى حياته كلها إلى مجال لم يفكر فيه من قبل. يقول "كنا في الثمانينيات من القرن الماضي، وكنت لا أُطيق الأخبار الاقتصادية وغير مهتم بأسواق المال بحكم أنني كنت أتطلع لأصبح مهندسًا كهربائيًا. ولكن من مميزات الجامعة التي ارتدتها أن كان لدينا مرشد طلابي مسؤول عن تقديم النصيحة العلمية لنا. وقد طالبني بإدراج مادة تخرج في الاقتصاد لتخرجي من البكالوريوس. وكنت قد حاولت المستحيل لعدم إدراجها ولكن دون جدوى".
ويتابع "المفاجأة التي اكتشفتها بعد دراستها، أني تفوقت فيها وحصدت أعلى معدل. وهنا اكتشفت أنني سأتميز في هذا المجال، وأن مجال الهندسة الكهربائية لا يمثلني. لأتحول لدراسة الهندسة المالية أو التخطيط المالي في مرحلة الماجستير، وهكذا حولت مساري الدراسي 180 درجة".
14 عامًا في الوظيفة
بعد عودته إلى السعودية دخل منعطفًا مختلفًا تمامًا. إذ بعد انتظاره لأكثر من عام دون نجاح في الحصول على وظيفة في شركة سمارك (التي كان يطمح لها بدايةً)، تمكن عمار شطا من الحصول على خطاب توصية من سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان (وزير الطاقة الحالي) للعمل هناك مهندسًا كهربائيًا.
لكن رسالة خفية كانت تحثه للبحث عن نفسه مهنيًا في المجال المالي بعيدًا عن الهندسة. واستطاع الالتحاق بالعمل في بنك التنمية الإسلامي في عام 1990 متنقلاً من هناك في أكثر من قطاع خاص كان آخرها البنك الأهلي التجاري إلى 2004، ولتكون الحصيلة ما يقارب 14 عامًا قضاها موظفًا في مجال المالية والمصرفية والاستثمار، ومتدرجًا بين مناصب قيادية مختلفة.
قرار جريء
بعد مشوار حافل في القطاع الخاص قرر رجل الأعمال عمار شطا الخروج من الوظيفة ذات العائد المادي المضمون، إلى دائرة العمل الحر ذي العائد المجزي، والمخاطر الأعلى بعد أن اكتسب الخبرة الكافية قائلاً: "بعد أربعة عشر عامًا من الإنجازات المهنية خلال عملي في القطاع المالي والمصرفي بدأت أثق في قدراتي، وقراراتي، واكتشفت من حديث من حولي ثقتهم بقدراتي المهنية. أما شخصيتي الإنسانية فكانت صارمة، وبعيدة عن الدبلوماسية أحيانًا".
متحدثًا عن بداية تعيينه في بنك التنمية الإسلامي: "كان لدينا في المملكة سابقا ثقافة التمسك بالوظيفة حتى التقاعد، هذه القناعة شكّلت صدمة لمن حولي عندما قررت ترك وظيفتي في البنك والانتقال إلى جهة أخرى. وحقيقة خطوة الانتقال بحد ذاتها كانت تحديًا نفسيًا كبيرًا لي ولكن كان لا بد منها".
في عام 2003 توقع رجل الأعمال عمار شطا أن الوقت أصبح مناسبًا لاقتناص فرصة النمو الذي توقعه للاقتصاد السعودي، وأن المرحلة القادمة تحمل معها نموًا اقتصاديًا كبيرًا للمنطقة، ويضيف "هذا ما جعلني أتكل بعد الله على قراءتي للسوق وأنه قد حان الوقت لتأسيس عملي المهني الخاص".
بيع الحلم والاستقطاب
نهاية عام 2003 حصل عمار أحمد شطا على رخصة مزاولة مهنة الاستشارات المالية، وبدأ العمل أوائل 2004، مضيفًا: "اعتمدت في قراري على إيماني بأن معادلة النجاح في أي مشروع هي ثلاثة أركان: قدرتي في اقتناص الفرصة؛ والدور المحوري للحوكمة وارتباطها ببناء ثقافة العمل المناسبة؛ ودور الإنسان في نجاح أي مشروع، أو بمعنى أصح الشخص المهني المناسب القادر على المشاركة في البناء. وقد بدأت بتأسيس الشركة وحيدًا، ومن ثم بعت الحلم لزملائي فاستقطبت زميلاً لي كان يعمل معي في البنك الأهلي من الجنسية الباكستانية، وكان من أفضل كاتبي التقارير المالية المهنية في البنك".
ويضيف "ومن ثم انضم لنا زميل آخر من الجنسية الهندية كان قد استغنى عنه البنك الأهلي، وكنت أعلم بقدراته المميزة في نظم المعلومات وتقنية الحاسوب، فيما استقطبت أول سعودي وكان من أشرس منافسيّ في وظيفتي بالرغم من صغر سنه، وحاليًا هو الرئيس التنفيذي لشركة الخبير المالية وهو أخي أحمد سعود غوث".
تحولات شخصية ومهنية
"وصفني صديق بأني صاحب عدة قبعات"، ويضيف: "لا أعرف كيف أصف نفسي فأنا مجموعة إنسان، فمن يعرفني في العمل خصوصًا في بدايات تأسيس شركة «الخبير المالية»، التي لم يتعد رأس مالها في ذلك الوقت أكثر من خمسين ألف ريال، يعرف أنني قائد شديد (Vicious CEO) بمعنى: إما أنت معي وإما أنت خارج دائرتي، لأن تلك الفترة كانت مرحلة بناء ثقافة الشركة وقيمها".
ويتابع "بعد سنوات النجاح في بناء ثقافة الشركة وقيمها على قاعدة صلبة، تحولت الشخصية إلى إنسان أكثر لطفًا وتقبلاً لآراء الآخرين المهنية، لدرجة أن بعض الزملاء ساورتهم الشكوك أنني أعاني مرضًا ما وعلى وشك الموت! لكن الحقيقة أن ما حصل هو أني نجحت في الإقلاع بالشركة، وبناء الكيان وأصبحت وشركائي نرى أمامنا كيانًا رأس ماله يفوق الثمانمائة وخمسين مليون ريال، وأكبر شركة استثمار في الحجاز وإحدى أكبر الشركات على مستوى المملكة. كان لا بد من أن تتغير الشخصية لتصبح أكثر هدوءًا وعطفًا".
وبحسب ما أخبرنا رجل الأعمال عمار شطا حتى داخل منزله كانت العلاقة بينه وبين أبنائه مبنية على التحدي والندية، وليس التوجيه، ومؤكدًا أن شخصيته متغيرة بحسب الزمان، والمكان، والموقف.. مضيفًا: "لو وصفت نفسي، أجد أني إنسان شديد الإيمان بالله، وأرى أن عليّ واجبات نحو أمتي ووطني، وقد وصلت إلى عمر الستين ولا أجد نفسي قد قدمت إلا اليسير".
وشركات متخصصة
ويكشف المستشار المال شطا أنه بعد انطلاق مكتب الخبير للاستشارات، أقنع رجل الأعمال ياسر سعود دهلوي بإنشاء شركة "دار المراجعة الشرعية"، ويضيف "أسسناها معًا برأس مال مقداره خمسون ألف ريال أيضًا، لتوزع الآن أرباحًا سنوية على مساهميها الحاليين في حدود خمسة ملايين ريال.
وأكد أن ما ينقص شباب الأعمال حاليًا هو المفهوم الصحيح للعمل الأخلاقي، والحوكمة، وإدارة منسوبي المنشأة، ما دفعه لإنشاء شركة "غترة الرقمية" التي تتبع نموذج عمل"Startup Studio"، الذي يعنى بالدعم الإداري والبشري والمالي للشركات الناشئة على حد سواء، برأس مال لا يزيد على 100 ألف ريال، وحاليًا تقدر قيمتها السوقية بخمسين مليون ريال، موضحًا أن المشروع الناجح يبدأ بالثقة بالمهارات المكتسبة، والثروة البشرية المتميزة لإدارة المشروع، إضافة إلى الفكرة التجارية المناسبة للزمان وثقافة المكان.
لا أومن بالحظ
"أنا لا أومن بالحظ، ولكن أومن بالعطاء الإلهي للفرص. وفضل الله عليَ بأن أكرمني بالقدرة على التعرف على كثير من الفرص واقتناصها بالشكل والوقت الصحيحين"، هكذا لخص عمار شطا رئيس مجلس إدارة شركة الخبير المالية تجربته مع الحظ، وأضاف ملاحظًا: "هناك من الناس من يرى الفرصة ولا يستطيع اقتناصها، ومنهم من لا يراها إطلاقًا".
وعن الخريطة الصحيحة لاقتناص الفرص السوقية والتجارية من قبل الشباب يرى أن "الأجيال تتغير، فجيل اليوم لديه القدرة على البحث في عدة مسارات، والدولة قدمت تسهيلات عظيمة لدعمهم مؤخرًا، فوجود قيادة حكومية شابة أدى إلى الحد من الفجوة الثقافية والفكرية بين آلية عمل القطاع العام وعقلية قطاع رجال الأعمال من الجيل الحالي".
ونوه بأن القروض مسهلة، والقنوات التعليمية والصحية متوفرة، وتوزيع الفرص بعدالة من قبل الدولة متاح إلى حد معقول.
عن سبل الوصول للنجاح يقول رجل الأعمال: "دائمًا ما أغرد أن الرجل الفقير ليس من لا يمتلك المال، بل من لا يمتلك العزيمة على التضحية بوقته اليوم للحصول على مستقبل أفضل. هذا النوع من البشر يركز على الاستمتاع باللحظة التي يعيشها على حساب بناء مستقبله". مضيفًا: "كثير من الشباب يطمح للوظيفة التي تؤمن له الدخل، ولكن من يريد أن يحقق أهدافه عليه أن يكافح اليوم ويستثمر وقته في العلم والبحث وتطوير الذات".
تحولات جذرية
يقرأ رجل الأعمال عمار شطا التغييرات الحاصلة في عالم اليوم بالقول "نحن نمر بتحولات جذرية، وتسارع في الأحداث، وجائحة كورونا غيرت الكثير من الثقافات والمفاهيم وأثرت على الكثير من البشر. وأحد هذه التغيرات أن الحكومات التي اتخذت خطوات غير محسوبة أو خاطئة ستواجه مشكلات حقيقية مع شعوبها".
منوهًا بضرورة التحرك بحذر في هذا العام. فيما عرج على ارتفاع أسعار النفط مؤخرًا قائلاً: "ارتفاع النفط على المدى القصير نعمة، ولكن أرى أن أسعار النفط يجب أن تستقر حول 90 دولارًا، وذلك لمصلحة منتجي النفط على المدى الطويل. وفي حال أردنا تسعير النفط، وإنتاجه بالشكل الصحيح، فإن النفط سيؤثر بشكل إيجابي على اقتصاد المنطقة للخمسة عشر عامًا القادمة على أقل تقدير".
مئة تحت الصفر
كتاب "مئة تحت الصفر" لرجل الأعمال عمار شطا حاز جائزة معرض الكتاب الدولي في الرياض 2020. وعن مضمونه يشرح لمجلة الرجل قائلاً: "الكتاب يعد بوصلة إرشادية وتوجيهية لكل شاب يريد أن يضع حجر الأساس لحياته المهنية. إن تكوين الشخصية وصقلها من خلال استيعاب الدروس والمنعطفات التي تمر بنا عبر السنين الأولى من حياتنا الدراسية ومن ثم المهنية أمر في غاية الأهمية لتكوين الإنسان السوي القادر على تحقيق أحلامه".
وهو يؤمن أن "الحظ خرافة انتقلت عبر الأجيال"، موضحًا "هنالك فرص أو منعطفات تتقاطع معها في مشوار حياتك، واللبيب من يطور من قدراته للتعرف عليها واصطيادها والانطلاق بها. لذلك فإن كتاب «مئة تحت الصفر» ليس قصة سردية للـ«أنا». فمثلاً لم يتناول الكتاب الحياة الأسرية، أو الحديث عن الحياة العائلية، وإنما هو كتاب يثبت أنه لا يوجد مستحيل".
وعن حياته الشخصية اليوم يقول: "أنا مستمتع جدًا بحياتي، فحاليًا أمارس الرياضة، ولدي وقت كاف للتأمل في خلق الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى أني ما زلت أمارس حياتي المهنية، وأقدم استشارات مجانية لكثير من الشباب الذي يتواصل معي طالبًا النصح والمشورة".
وعن خططه المستقبلية قال: "تراودني نفسي البدء في تأليف كتاب عن رسالة الإسلام الحقيقية المتجددة، أيضًا لدي الرغبة في العمل الاجتماعي، خصوصًا تطوير مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الفئات المستضعفة من المجتمع".
وأوضح أنه أصبح مؤخرًا أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية الوداد، التي تعنى بالأطفال فاقدي الأبوين. وأكد أن الثروة الحقيقية ليست المال وإنما العلم والقدرة على العطاء، مؤمنًا بأن انتقال ثقافة العطاء من جيل إلى آخر أمر في غاية الأهمية لبناء حضارات الأمم.
اقرأ أيضًا: رجل الأعمال جميل السالمي: صناعة الشوكولاته سرقتني من 14 عامًا في تعليم الرياضيات
نصائح للشباب
وجه عمار شطا من خلال مجلة الرجل عدة نصائح للشباب تلخصت في نقطتين: أولاً: ركز على أهمية التعلم والمثابرة حتى تكتسب قدرات تؤهلك للعمل في أي مكان في العالم، خصوصًا أن العالم يتقلب من ناحية القدرة الاقتصادية والتكنولوجية.
فيما جاءت النصيحة الثانية: لا تنتظر الوظيفة، لأن البحث عن عمل مسؤولية شخصية وليس مهمة دولة، مشيرًا إلى أهمية العمل داخل القطاع الخاص واكتساب المهارات في مدة لا تقل عن خمس سنوات.
لقراءة العدد الجديد من مجلة الرجل اضغط هنا