الشيف السعودي هشام باعشن لـ«الرجل»: واجهت تنمرًا.. والممارسة تتفوق على الشهادات
بعد أول طبق قدّمته له زوجته، قرر رائد الأعمال السعودي الشيف هشام باعشن، المشهور بـ«ميشو» أن يتولى الطبخ بنفسه، فدخل المطبخ وراح يختبر موهبته في طهي أصناف الطعام وإعدادها. في تلك المساحة الدافئة من منزله صقل موهبته وراكم خبراته، إلى أن أصبح مرجعًا في طهي الطعام ليس بالمملكة فقط، إنما في العالم العربي.
بروحه المرحة وابتسامته العريضة، استقبل الشيف هشام باعشن مجلة «الرجل»، ليتحدث عن تجربته في عالم الطهي، وليكشف شيئًا من أسراره وصفاته وأطباقه، خصوصًا في الأكلات الشعبية، في حوار عفوي امتلأ بالحماس والأماني، وتناول جوانب مختلفة من حياته.
بداية صعبة
إلى وقت ليس ببعيد، كان الرجال يعزفون عن مهنة الطهي في المملكة، على اعتبار أنها من اختصاص النساء، لكن الشيف هشام باعشن واجه التحديات، وقرر خوض غمار التجربة، وكان من الأوائل الذين كسروا تلك الصورة النمطية، يقول لمجلة الرجل: «دخلت المجال منذ عام 2014، وواجهت كثيرًا من التعليقات السلبية في البداية، ولكني لم أكترث، وثابرت وكافحت ونجحت في تنمية موهبتي».
ويضيف «خصوصًا أنها مهنة غير مقبولة لدى معظم المجتمع السعودي، فعندما بدأت بنشر ما أعده من أطباق على مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت تعليقات مزعجة جدًا، وواجهت تنمرًا، حيث نادرًا جدًا ما تجد رجلاً يقدم تجارب طبخ على مواقع السوشيال ميديا».
طبق زوجتي
ويكشف عن تفاصيل قصة دخوله عالم الطهي، والتي تعود لنحو 8 سنوات، وقد كان لطبق قدمته له زوجته «الفضل» في هذا التحول، يروي ضاحكًا «بعد الزواج عدت يومًا من عملي وفوجئت بطبخ زوجتي. كنت متزوجًا حديثًا، وكان أحد شروطي أن تكون زوجتي متمكنة من الطبخ، خصوصًا أنني أحب الأكل، وفي فترة الخطبة اتفقنا على يوم لتجربة طبخ خطيبتي، وكانت تجربة ناجحة بكل المقاييس ولكن! بعد الزواج وفي أول تجربة لها منفردة، اكتشفت أن لاعلاقة لها بالمطبخ».
ويضيف: «لم تكن المشكلة فشل أساس الطبخة فقط، بل الحقيقة عدم استوائها من الأساس، ومن هنا بدأت رحلتي بإعداد الأطباق، واقتحمت المطبخ، وبدأت تنفيذ أول تجربة لي على الإطلاق». ويوضح «منذ ذلك الحين بت أقضي وقتًا أطول في المطبخ، خصوصًا أن لدي تجارب سابقة في منزل أهلي، كنت أحاول مساعدة أمي، وهي طباخة ماهرة، لكنها كانت ترفض تدخلاتي، وحين كانت تسمح لي بإعداد وجبات خفيفة كانت تتكلل تجربتي بالنجاح».
السمبوسة شهرتني
يؤكد الشيف «ميشو» أن انطلاقته الحقيقية تعود إلى رمضان 2015 عندما قدم طبق السمبوسة وبلح الشام، ويوضح «حصلت على 40 ألف متابع، كان كلا الطبقين سبب شهرتي، ونقطة تحول بحياتي».
ويشرح أن اهتمامه بالطهي بدأ كهواية يمارسها إلى جانب وظيفته، ويضيف «ولكن كنت حريصًا على أن أطورها باستمرار، تخصصت في الأطباق الشعبية الأكثر شهرة في المطبخ السعودي، ثم انتقلت إلى الأطباق الشعبية العربية على أصولها».
والكشري على أصوله
أما عن مصادره وأسرار حصوله على طريقة الأطباق ووصفاتها، فيقول: لا أومن بالتأليف واللمسات الإضافية للطبق الشعبي، ومصادري الأساسية أهل البلد، فعادةً ألجأ لأمهات الشيفات أو أمهات أصدقائي، ثم أطبقها على أصولها، وأعتقد أن ما يميزني أني لا أستعين بالإنترنت إطلاقًا، وهذا ما أفتخر به».
ويشير إلى التعليقات الإيجابية على برنامجه «شعبيات هشام باعشن» على راديو الشارقة، موضحًا أنه يقدم أشهر الأكلات الشعبية في كل بلد، ويضيف «عادةً أحصل على الكثير من التعليقات التي زادتني فخرًا، حيث حصلت على تعليقات على طبق الكشري المصري مختصرها أنني أول شخص يقدم طبق الكشري على أصوله».
ويضيف «للعلم أملك في مكتبتي كتبًا تاريخية عن طرق إعداد الطعام منها على سبيل المثال -وكوننا نتحدث عن طبق الكشري- كتاب عن كيفية إعداد الأطباق للملك فاروق. أبحث وأقرأ ثم أحلل إلى أن تتكون لدي الوصفة كاملة، وحقيقةً قياس تجربتي وتقييمها ونجاحها يعود لكم التعليقات والمشاركة التي يقوم بها المتابعون».
ويضيف «الحمد لله لدي متابعون مشاهير لطالما مدحوا الأطباق التي أقدمها، فالوقت الذي أقضيه في إعداد الوصفة وكتابتها أكثر بكثير من وقت إعداد الطبق نفسه، وذلك لدقتي في نقل المعلومات لإيصال المذاق الأصلي».
الخبرة والممارسة
يرى الشيف هشام باعشن في ضوء تجربته الشخصية أن «الممارسة والتطبيق العملي أهم من تجميع الشهادات والدورات»، ويضيف «هذا ما أفادني، وهو أساس المعرفة والتطبيق وخير دليل لي، وهي أعلى درجات العلم لي».
ولكنه يستدرك مؤكدًا أن «التخصص مهم أيضًا، لكن الخبرة أساس، ولطالما سألني المتابعون عن كيفية التعلم، وما هو التخصص الذي قد يساعدهم على تطوير هوايتهم، وعادة ما يكون جوابي لهم أن التجربة خير برهان، إذا كانت لديك الرغبة ادخل طبق وجرب، فأنا أحب مَنْ لديه شخصية مستقلة وليس مقلدًا أو لديه مناهج يطبقها».
تعبت كي أصل
يعترف رائد الأعمال بأن ما وصل إليه من شهرة وخبرة لم يكن بالأمر اليسير، ويضيف «تعبت حتى وصلت إلى ما وصلت إليه»، وعن تغيير الظروف ودخول الكثير من الأشخاص على مهنة الطهي يعلق قائلاً «هذا أمر لا يزعجني، حتى وإن تقدم علي أحدهم، في النهاية نحن نسهل أمور بعض والمجال مفتوح للجميع، وأنا دائما أومن بأن الوصول والبقاء سيكون للأفضل».
وعما يميزه يقول: «أعتقد شخصيتي والحفاظ على هويتي كتقديمي الدائم للأطباق بالثوب السعودي ولهجتي، وكرم الطبق السعودي، ولا أعتقد أنني سأتغير يومًا ما، ولا أومن بالثقافة الغربية وإقحامها، بل الحفاظ على الهوية هي الأساس».
أما عمَنْ يتابعه ميشو من المشاهير في مجاله، فيقول «الشخص الوحيد الذي يمكن أن أشاهد له فيديو كاملاً هو محمد عناني، يعجبني شغفه الجميل، وأتابع أحمد الزامل؛ تشدني طريقته. ومؤخرًا أبو جوليا يعجبني كروح وشخصية، وهو أكثر من أتابعه هذه الفترة، ومنال مسعود أيضًا وهي مؤثرة علي أنا شخصيًا، بطريقة تقديمها وترتيبها للأطباق، فهي غذاء للبصر».
أبعد من الجمال
جانب آخر من حياة الشيف هشام باعشن ويتعلق بكونه صانع محتوى يتابعه الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدم إعلانات لمطاعم، ما عرضه لانتقاد، حيث وجد البعض أن الإعلانات بعيدة كل البعد عن الأطباق الشعبية التي يشتهر بها، ويرد بقوله «لا أقدم شيئًا دون دراسة، فللعلم لدي فريق عمل كامل ابتداء من التقصي لأي منتج وتقديم اختبارات سواء من طباخين أو متذوقين من أجل اتخاذ القرار المناسب».
ويلفت إلى أن «نسبة رفض الإعلانات تصل لـ 60% ، فليس المذاق هو أساس موافقتي، فالجودة في المكونات والجودة بسرعة تقديم الطبق والنظافة، وغيرها من المقاييس التي لا يدركها سوى الخبراء، كلها أمور مهمة أتقصى عنها وأجربها قبل الرفض أو الموافقة على أي إعلان، فليس فقط الطعم ألذ شيء، وليس الجمال كل شيء فهناك ما هو أهم».
تخليت عن الألقاب
يحمل الشيف هشام باعشن عدة ألقاب منها «ميشو» ولقب آخر «طباخ الريس». عن قصة تلك الألقاب يقول «ميشو بالحقيقة هو اسم شهرتي عندما كنت لاعبًا محترفًا في ألعاب الفيديو، فقد ظهر لقب ميشو بالتشجيع من الجمهور، لأني كنت محترفًا ومشهورًا في هذا المجال، وعندما بدأت بإنستغرام في مجال إعداد الأطباق، سجلت اسمي ميشو على اسمي الشهير».
وعن لقب «طباخ الريس» يوضح «أنا أطلقته على نفسي بعدما شاهدت الفيلم، لما كان له تأثير كبير عليّ، فهناك تفاصيل وقصة ملهمة أعجبتني بكل المقاييس سواء الشخصية أو الروح التي قدمها الشيف في الفيلم. وفي فترة عرضه أصبح الجمهور وقتها ينادوني يا "طباخ الريس"، فتمسكت باللقب لفترة، ولكن بعدها شعرت أن هناك احترافية بمجالي، وعدت لاسمي هشام باعشن، كما تعرفونني مع حبي لوقت ما لقب طباخ الريس».
رائد الأعمال بدر الشيباني لـ« الرجل»: ألفت كتابين وتسلقت 5 قمم وزرت 88 بلدًا
وعما تتمتع به شخصيته من هدوء ومرح يقول: حياتي الخاصة لها قيمة وليست معرضًا للجمهور، فمن ثم ما دمت أحافظ عليها ستبقى ذات قيمة، فأنا شخص أحب الجلوس في البيت، وقد يكون هذا الأمر ساهم بشكل كبير في تطوير ممارستي للطبخ».
ويلفت إلى أن لديه اليوم فريق عمل من إداريين ومديري عمليات، ويضيف «هم ضمن سر نجاحي فأنا أقدم استشارات، والفريق يسهل باقي عملية التنفيذ، وعملنا كفريق هو أساس النجاح والهدوء، الذي أنعم به ولله الحمد».
أما كيف يقضي نهاره فيقول «بعدما أسست كل هذا، اليوم أستيقظ وأمارس الرياضة وبعدها أذهب للمكتب، ثم تصبح حياتي لنفسي فقد أتابع مسلسلاً أو ألتقي الأصدقاء بحرية تامة».
بناتي كل حياتي
لدى هشام باعشن طفلتان ياسمين 7 سنوات، وريناد 3 سنوات، يعدهما كل حياته، ويضيف «فيهما جزء من شخصيتي بروحهما المرحة والضحكة الدائمة، لأنني شخصيًا لا أقابلهما إلا هكذا. ابنتي ياسمين تقلدني كثيرًا ولنا فيديوهات خاصة لكنها ليست للنشر، ريناد تتذوق وتتابعني، وأكيد سيكون لهم شخصية مستقلة».
وزوجته هي فنانة تشكيلية يصفها بـ«هادئة» ويضيف «شغفها بالفن التشكيلي ينعكس على هدوئها وعلى بناتي أيضًا، وهي المسؤولة عن المنزل».
تقديم طعام للسفارات
وقع الاختيار على الشيف هشام باعشن لتقديم قائمة الطعام في جميع السفارات بالسعودية بمناسبة اليوم الوطني، وعد هذه التجربة «بمنزلة تحدٍ -خاصة مع إجراءات كورونا الاحترازية- وكوني لم أعمل بهذا المجال سابقًا، ولكني أقدمت على العمل، وشعرت أن هذا واجب وطني ولا بد أن أشارك فيه، وحقًا علمت نفسي بنفسي وكرست وقتي لتنفيذ المهمة، ولله الحمد كانت ردود الفعل باهرة، وكان نجاحي شعورًا لا يوصف».
ويكشف باعشن أن «النجاح الذاتي» مهم جدًا له، وكان وقعه وأثره كبيرين في نفسه، ويضيف «بعدما حصلت على هذا العقد، الذي رفضت أن آخذ مقابلاً ماديًا عنه كونه واجبًا وطنيًا، كافأت نفسي وعائلتي وسافرت في رحلة ممتعة جدًا احتفالاً بهذا النجاح».
أما عن مشاركته في برنامج «توب شيف» فيقول «مشاركتي كانت تجربة ممتعة وحصلت على تعليقات كان لها أثر إيجابي كبير، وتفاعل الجمهور معي كان مميزًا. البرنامج ممتع وأكيد أكن له كل الحب لما له من أثر في مجالي وحبي للطعام».
وعبر باعشن عن رغبته في «تقديم برنامج مسابقات بطريقتي وأن تكون مدرسة للطهي، وتوقعوا يومًا ما سيكون لي مدرسة هدفها الأسمى تعليم فنون الطهي».
حضور دائم
يحرص الشيف هشام باعشن على الوجود اليومي على مواقع السوشيال ميديا، موضحًا أن وجود 10 ملايين متابع من خلال منصاته الأربع، يترتب عليه مسؤولية ويضيف «إنها تجربة ليست سهلة وإذا لم أتواجد بتقديم طبق، ممكن أن أضع نكتة أو نصيحة أو معلومة، فالمهم ألا أغيب عن جمهوري».
ويرى أن أقرب منصة إليه حاليًا هي «التيك توك، فهو حيوي ومرح لا يوجد به مجاملة، وأشعر أني قريب جدًا من هذه الروح، وأتابع كثيرًا من الجمهور، ويعجبني تعليقاتهم على كل بوست، والنشاط فيه من كل الأعمار، وهذا يجذبني جدًا».
وعن تحفظه على المطابخ العالمية الشهيرة التي تفتتح مؤخرًا، وتعتمد على اسم شيف فيقول: «بعض تلك المطاعم العالمية هي عملية تجارية وقد تكون أسعارها مبالغًا فيها لنا كمتابعين».
مشيرًا إلى أن «هناك من استمر مع محدودية ربحها، وهناك من أغلق ولم ينجح، أو في طريقه للإغلاق، هناك معطيات لا يعلمها زائر المطعم ومن الصعب الحكم على مبلغ الفاتورة فقط».
وعن نيته افتتاح مشروع مطعم خاص به، يقدم من خلاله وجباته، يوضح «بالتأكيد وقريبًا، ولكن وفق وعي تام بالسوق، فلن تكون تجربة فحسب بل بعدما كسبت ثقة كل المتابعين لن أقدم أي مطعم إلا وفق دراسة تامة».
فقاعة ولن تستمر
وتعليقًا على أسعار المؤثرين والقيمة الإعلانية، يؤكد هشام باعشن أن «المجال جديد ولا يوجد مدرسة لإعلانات المؤثرين»، وبرأيه «ستضيع مبالغ هائلة وهي فقاعة فحسب ولن تستمر»، ويستدرك قائلاً «لكن هناك شركات بدأت تفهم مَن حقًا مؤثر، ومَن لا يمت للمؤثرين بصلة. وقريبًا سيكون مفهوم الإعلان عن طريق المؤثرين أوضح مما هو عليه الآن».
هل تعتمد في دخلك على إعلانات السوشيال ميديا؟ يرد بالقول «بالتأكيد لا، فأنا لدي شركات متعددة، سواء خدمات أو في جوجل ماب، وأشياء لا يعلمها الجمهور، فالسوشيال ميديا ليست هي مصدر دخلي، بل هناك بالتأكيد مصادر دخل أكثر لي كرجل أعمال».
مواقف لا تنسى
تفاعل وتواصل الشيف هشام باعشن مع المتابعين جعله يتعرض لكثير من المواقف المؤثرة، يروي لمجلة الرجل موقفًا يصفه بـ«الكوميدي» قائلاً «كنت أدعم الأسر المنتجة وجاءت إحدى النساء، وقدمت لي طبقًا وطلبت رأيي وإذا أعجبني أعلن لها. بعد التذوق وجدته عاديًا، وقلت لها هذا رأيي "عادي"، ولكنني فوجئت بردها حيث أكدت "لكن الطبق على طريقتك أنت، ووصفتك أنت، فكيف يكون عاديًا؟!"» .
موقف آخر لكن هذه المرة «درامي»، يروي الشيف باعشن أنه بعد بثه فيديو يناصر الشعب الفلسطيني في أزمته الأخيرة، جرت مشاركته من قبل مئات الألوف «عبرت في الفيديو عن حقيقة شعوري وكيف يمكن أن يكون لو سُلب منزلي مني؟ كما يحدث في الأراضي الفلسطينية»، ويضيف «بعدها وفي أحد الأيام كنت في المطار، فوجئت بشاب لا أعرفه يحتضنني ويبكي بشدة، وقال لي أنا حضرت الفيديو، وأنت عبرت عن مشاعرنا بكل صدق وإحساس، وبصراحة تأثرت وبكيت من كل قلبي على هذا الموقف ولا أنساه».