فضل ليلة القدر وموعدها بالأدلة من السنة النبوية
ليلة القدر، ليلة ذات قدر وشرف، ولها فضائل عظيمة، وتواترت الأحاديث الصحيحة النبويَّة في الحث على فضل ليلة القدر وتحريها في العشر الآواخر من رمضان.
وورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأصحابه رضي الله عنهم الاجتهاد في التماسها، ما يرفع همم طلاب الآخرة والراغبين في العتق والمغفرة على قيامها، والتماسا لرضا الله، والفوز بالجنة.
ولأن لهذه الليلة مكانة عظيمة في الإسلام، أحببنا أن نتحدث عن فضل ليلة القدر وموعدها في هذه المقالة.
مكانة ليلة القدر في الإسلام
فضل ليلة القدر ومكانتها العظيمة في الإسلام يعود لعدة أسباب، أبرزها ما يلي:
- أنزل فيها القرآن: قال تعالى: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1].
- يقدر الله فيها كل ما هو كائنٌ في السنة، قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) [الدخان: 4، 5]. وهو تقديرٌ ثانٍ، إذ إن الله قدر كل شيء قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة، ففي تلك الليلة يقدر الله مقادير الخلائق على مدار العام، ويكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والعزيز والذليل، وكل ما أراده الله سبحانه وتعالى في السنة المقبلة، يُكتَبُ في ليلة القدر هذه.
- أنها ليلة مباركة: قال تعالى إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان: 3].
- العبادة فيها تفضل العبادة في ألف شهر: قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3]
ولهذه الأسباب حاول الابتهال إلى الله بدعاء ليلة القدر، وقيام الليل، وغيرهم من العبادات والأعمال المشروعة.
فضل ليلة القدر في السنَّة النبوية
أصح ما ورد من الأحاديث في فضل ليلة القدر ووقتها:
ما ورَد في فضل ليلة القدر:
- عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنَّه قال: ((مَن يَقُمْ ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تَقدَّمَ من ذَنبِه)). رواه البخاريُّ، ومسلم
موعد ليلة القدر
ما ورد أنَّها في العَشر الأواخر من رمضان:
- عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالتْ: كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يُجاوِر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ، ويقول: ((تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ)) رواه البخاريُّ، ومسلم
- عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((أُريتُ ليلَةَ القدْرِ، ثُمَّ أيقظَنِي بعضُ أهلِي فنُسِّيتُها؛ فالْتَمِسوها في العَشرِ الغَوابِرِ)) رواه مسلم
- عن عبدالله بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول لليلةِ القَدْر: ((إنَّ ناسًا منكم قدْ أُرُوا أنَّها في السَّبع الأُوَل، وأُرِي ناسٌ منكم أنَّها في السَّبع الغَوابِر؛ فالْتمِسوها في العَشْر الغَوابِرِ)) رواه مسلم
- عن عبدالله بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((تَحَيَّنوا ليلةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخرِ - أو قال: في التِّسعِ الأواخِرِ)) رواه مسلم
ما ورَد في الْتِماسها في الوَتْر من العَشر الأواخِر:
- عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((تَحرُّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ)) رواه البخاريُّ
- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ فقال: ((إنِّي أُريتُ ليلةَ القَدْرِ، وإنِّي نُسِّيتُها (أو أُنسيتُها)؛ فالْتمِسوها في العَشرِ الأواخرِ من كلّ وَترٍ)). رواه البخاريُّ، ومسلم
ما ورَد في الْتِماسها في 25، 27، 29 من رمضان:
- عن ابنِ عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((الْتمِسوها في العَشر الأواخِر من رمضانَ؛ لَيلةَ القَدْر في تاسعةٍ تَبقَى، في سابعةٍ تَبقَى، في خامسةٍ تَبْقَى)) رواه البخاري
- عن ابن عبَّاس رضِيَ اللهُ عنهُما: قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((هِي في العَشر، هي في تِسع يَمضِين، أو في سَبْعٍ يَبقَين))؛ يعني: ليلةَ القَدْر. رواه البخاري
- عن عُبادةَ بن الصَّامتِ قال: خرَج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ ليُخبِرَنا بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى رجُلانِ من المسلمين، فقال: ((خرجتُ لأُخبِرَكم بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى فلانٌ وفلانٌ؛ فرُفِعتْ! وعسى أنْ يكونَ خيرًا لكم؛ فالْتمِسوها في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخامسةِ)) رواه البخاريُّ، ومسلم
والمعنى: في ليلة التاسع والعشرين وما قبلها من الوتر، أو في ليلة الحادي والعشرين وما بعدها من الوتر، أو في ليلة الثاني والعشرين وما بعدها من الشفع.
ما ورَد في الْتِماسها في السَّبع الأَواخِر:
- عن عبداللهِ بن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((الْتمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ - يعْنِي: ليلَةَ القدْرِ - فإنْ ضَعُفَ أحدُكم أوْ عَجَزَ، فلا يُغْلَبَنَّ علَى السَّبْعِ البواقِي)) رواه مسلم
- عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ أُناسًا أُرُوا ليلةَ القَدْر في السَّبع الأواخِر، وأنَّ أُناسًا أُرُوا أنَّها في العَشر الأواخِر، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((الْتَمِسوها في السَّبع الأواخِرِ)) رواه البخاريُّ واللَّفظ له، ومسلم
- عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((تَحرُّوا ليلَةَ القَدْرِ في السَّبْعِ الأواخِرِ)) رواه مسلم
- عن ابن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما، أنَّ رِجالًا من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أُرُوا ليلةَ القَدْر في المنامِ في السَّبع الأواخِر، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((أَرَى رُؤياكم قد تَواطأتْ في السَّبع الأواخِر؛ فمَن كان مُتحرِّيَها، فلْيَتحرَّها في السَّبع الأواخِر)) رواه البخاريُّ ومسلم
ما ورَد في أنَّها ليلةُ 23:
- عن عبداللهِ بن أُنيسٍ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((أُريتُ ليلةَ القَدْر، ثمَّ أُنسيتُها، وأَراني صُبحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ))، قال: فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرين، فصلَّى بنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ فانصرَف، وإنَّ أثَرَ الماء والطِّين على جَبهته وأنفِه. قال: وكان عبدالله بن أُنيسٍ يقول: ثلاث وعِشرين. رواه مسلم
ما ورَد في أنَّها ليلةُ 27:
- قال أُبيُّ بنُ كَعبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ في لَيلةِ القَدْرِ: (واللهِ، إنِّي لأَعلمُها، وأكثرُ عِلمي هي اللَّيلةُ التي أَمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بقِيامِها، هي ليلةُ سَبعٍ وعِشرينَ) رواه مسلم.
- عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: تَذاكَرْنا ليلةَ القَدْرِ عند رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ. فقال: (أيُّكم يَذكُرُ حين طلَع القمرُ وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنَةٍ)؟ رواه مسلم (شِقِّ جَفْنَةٍ: أيْ: نِصف قَصعةٍ؛ قال أبو الحُسَينِ الفارسيُّ: أيْ: ليلة سَبْع وعِشرين؛ فإنَّ القَمَر يطلُع فيها بتلك الصِّفة).
فضل ليلة القدر في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].
تفسير الآيات:
﴿ إنا أنزلناه ﴾؛ أي: القرآن، جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ﴿ في ليلة القدر ﴾؛ أي: الشرف العظيم
﴿ وما أدراك ﴾ أعلمك يا محمد ﴿ ما ليلة القدر ﴾ تعظيمٌ لشأنها وتعجيب منه.
﴿ ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ ليس فيها ليلة القدر؛ فالعمل الصالح فيها خير منه في ألف شهر ليست فيها.
﴿ تنزل الملائكة ﴾ بحذف إحدى التاءين من الأصل ﴿ والروح ﴾؛ أي: جبريل ﴿ فيها ﴾ في الليلة.
﴿ بإذن ربهم ﴾ بأمره ﴿ من كل أمر ﴾ قضاه الله فيها لتلك السنة إلى قابل، ومِن سببية بمعنى الباء ﴿ سلام هي ﴾ خبر مقدم ومبتدأ ﴿ حتى مطلع الفجر ﴾ بفتح اللام وكسرها: إلى وقت طلوعه، جعلت سلاما؛ لكثرة السلام فيها من الملائكة، لا تمر بمؤمن ولا بمؤمنة إلا سلَّمت عليه. – تفسير الجلالين
ختاما، عليك أن تدرك أن فضل ليلة القدر عظيم، وأن العمل فيها والاجتهاد فيها خير من العمل والاجتهاد في ألف شهر مما سواها، فلا تسهى عنها ولا تغفل عن أدعية رمضان للتقرب إلى الله.
المصادر: