شهر رمضان له خصوصية كبيرة مختلفة عن أي وقت في السنة، بالطبع أنا لا أتحدث عن خصوصيته الدينية بل تلك الخصوصية الاجتماعية الفريدة من نوعها والتي لا تتكرر في أي وقت في السنة والتي تعتبر من كرامات الشهر الكريم ومميزاته.
عندما يدخل شهر رمضان تجد الجميع في حالة من الهدوء والسكون، البعض ينظر إليه كأنه شهر يتوقف العالم عن الدوران فيه وخلاله تبدأ التأجيلات إلى بعد العيد كأن الحياة ستعود إلى طبيعتها بعد العيد، وبعد انتهاء الشهر الكريم.
ولكن وعلى الرغم من أن قيمة الشهر الدينية وفضله لم يتغير منذ قديم الأزل إلا أن طقوس رمضان زمان كانت مختلفة للغاية عمّا نعيشه اليوم. وهناك الكثير من الاختلافات الصغيرة التي نشعر بها بدون شك.
كيف نعرف رمضان زمان؟
الكثير مننا لن يتذكر رمضان زمان وطقوسه المختلفة ولكن يمكنك بكل بساطة أن تسأل كبار السن عن رمضان زمان وكيف تغيير العالم عن وقتها، أو أن ترجع لكتابات بعض المؤرخين والكتاب الذين وصفوا الشهر الكريم في الماضي في كتاباتهم.
على رأس هؤلاء الكتاب وربما أكثرهم اهتماماً بمظاهر رمضان في القرن الماضي هو الأديب المصري يحي حقي الذي وصف في أكثر من مقالة ومجموعة قصصية أهمية شهر رمضان لديهم وطقوسه المختلفة.
وربما كان أكثر ما شد انتباه أديبنا في شهور رمضان زمان هو الهدوء الذي يملأ الشوارع قبيل موعد الإفطار فبحسب وصفه هو هدوء لا يسمع فيه إلا صوت الهواء وكأن شخصاً خفياً يقف ممسكاً بسوط يضرب به الناس ويجبرهم على العودة إلى منازلهم بشكل سريع.
هذا الهدوء اليوم لن تشعر به إلا قبل أذان المغرب بدقائق معدودات، وقبل ذلك لن تسمع سوى أصوات السيارات المستعجلة للغاية والتي تجري في الشوارع لتحاول أن تلحق بوقت الإفطار وأن تصل قبل الإفطار بوقت كافٍ وربما أيضاً تجد بعض المناوشات بين قائدي هذه السيارات.
طقوس مختلفة للإفطار:
ربما كان واحداً من أكثر الاختلافات بين رمضان زمان ورمضان 2021 هو تأثير فيروس كورونا على العالم وهو تأثير نشعر به للغاية في طقوسنا الرمضانية.
فبينما كنا في الماضي نرى الكثير من موائد الرحمن مقامة عند المساجد الكبيرة ومناطق التجمعات أصبحنا اليوم نعيش في زمن لا نرى فيه هذه الموائد على الإطلاق بسبب أزمة الوباء.
هذا أيضاً ينطبق على تجمعات الإفطار الأسرية ومع الأصدقاء والجيران. فهناك من لم يكن يفطر بمفرده في أي يوم في الشهر الكريم ولكن هذا المظهر أصبح أقل كثيراً مما مضى وأصبحنا لا نراه كثيراً.
كيف بدأ فانوس رمضان:
إن سألت أي شخص في أي دولة في العالم عن شيء واحد عندما يراه يعرف بأن شهر رمضان قد هلَّ فإن إجابته ستكون فانوس رمضان.
في الواقع لم يبدأ الفانوس كجزء من طقوس رمضان بشكل مباشر بل كان بكل بساطة أداة أو جهازاً يستخدم لإضاءة الشوارع ليلاً وبالطبع كان هناك أكثر من نوع منه، فهناك ما كان يحمل باليد وهناك ما كان يعلق في الأعمدة وعلى البيوت.
ومع دخول الدولة الفاطمية إلى مصر بدأ الأطفال بالتجول ليلاً في الشوارع حاملين هذه الفوانيس في أيديهم مطالبين بالحلوى اللذيذة في أشكالها المختلفة.
في أوقات كثيرة كان يجوب المسحراتي مع الأطفال ليلاً ومن هنا بدأ ارتباط الفانوس والمسحراتي وأغاني الأطفال اللطيفة برمضان.
مدفع إفطار الحاجة فاطمة:
يُعتبَر مدفع الإفطار أيضاً واحداً من أهم مظاهر وطقوس شهر رمضان التي تستخدمها الكثير من الدول حول العالم. بدأ استخدام مدفع الإفطار لأول مرة في القاهرة في عهد الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل حاكم مصر سابقاً.
حيث يقال بأن الجنود كانوا ينظفون أحد المدافع قبل موعد أذان المغرب بدقائق وبشكل خاطئ انطلقت قذيفة من المدفع مع أذان المغرب.
هنا ظن الشعب بأن هذه طريقة جديدة للإعلان عن موعد الإفطار بدلاً من الأذان الذي كان يعتمد على قوة صوت المؤذن في الماضي.
عندما سمعت الأميرة فاطمة بهذا الأمر طلبت من الجيش استخدام المدفع كل يوم لتنبيه الشعب بمواعيد الإفطار والمواعيد الهامة له في شهر رمضان كموعد الفجر ودخول العيد وغيرها.
أول مكان استخدم مدفع رمضان كان قلعة صلاح الدين الأيوبي التي تمت إزالة المدفع منها في عام 1992 ليعود لنا هذا العام بعد غياب طويل.
الكثير من التواشيح والابتهالات:
رمضان له خصوصية روحانية عالية ولهذا فإن رمضان زمان كان مقترناً لدينا جميعاً بالكثير من الروحانيات والتواشيح والابتهالات بمختلف اللغات والنكهات حول العالم.
واحد من أشهر ابتهالات رمضان زمان هي ابتهالات النقشبندي وأدعيته التي جابت العالم وأصبحت جزءا لا يتجزأ من طقوس شهر رمضان في أي وقت من الأوقات.
أيضاً كان هناك برنامج الشيخ الطنطاوي الذي كان يذاع دائماً مع موعد الإفطار وكان يدعى على مائدة الإفطار وهو الذي جلسنا كثيراً نستمع له ولا يمكننا أن ننسى دروس الشيخ الشعراوي بعد صلاة التراويح دائماً.
الكثير من المسابقات والفوازير الرمضانية:
واحدة من الأمور التي انتشرت في الوطن العربي كانت مسابقات الفوازير في شهر رمضان سواءً كانت تلك التي تقدمها شيريهان أو أي فوازير ومسابقات كانت تبث على القنوات العربية.
مع الأسف في يومنا هذا استغنت شركات الإنتاج عن الفوازير واعتمدت بدلاً منها على المسلسلات ذات الإنتاج الضخم والعملاق.
أطفال كثيرة في الشارع تمرح وتغني:
هذه واحدة من المظاهر التي نفتقدها للغاية، في رمضان زمان كان الأطفال يجلسون في الأرض والشوارع من بعد صلاة التراويح وحتى وقت متأخر ليلاً ليتسلّوا ويلعبوا وكان من السهل للغاية أن تسمع أغانيهم وهم يصيحون بها ويهللون للشهر الكريم.
ولكننا اليوم نعيش في عالم ترك الأطفال فيه لعب الشارع وتوجهوا إلى التيك توك وبرامج التواصل الاجتماعي وأصبحوا جالسين لا يفارقون هواتفهم المحمولة.