الأخبار السيئة تهيمن على الإعلام.. وتحليل نفسي يكشف السبب والعواقب
لا يكاد يمر يوم دون أن تحتل الأخبار السلبية صدر عناوين الصحف والمواقع، من جرائم وحوادث دموية إلى كوارث طبيعية أو صراعات سياسية، ويبدو أن كثيرين لا يستطيعون مقاومة التوقف عند هذه الأخبار أو حتى مشاركتها. لكن لماذا ينجذب الناس للأخبار السيئة بهذا الشكل؟ وهل الأمر مجرد صدفة إعلامية، أم ظاهرة نفسية أعمق؟
في تحليل نُشر على موقع Psychology Today واطلعت عليه "العربية.نت"، قدّم الدكتور سام جولدشتاين، أستاذ مساعد في كلية الطب بجامعة يوتا، تفسيرًا علميًا لهذا السلوك البشري، موضحًا أن ما يبدو وكأنه توجه إعلامي بحت، هو في الحقيقة نتيجة لتحيز معرفي فطري لدى الإنسان يدفعه لرصد التهديدات وتوقّع المخاطر.
التحيّز للتهديدات: جذور بيولوجية لسلوك نفسي معاصر
أوضح جولدشتاين أن الإنسان مبرمج بيولوجيًا على الانتباه للخطر، كآلية تطورية ساعدته تاريخيًا على النجاة. لكن في العالم المعاصر، حيث أصبحنا غارقين في المعلومات، لم تعد هذه الاستجابة مرتبطة فقط بالبقاء، بل أصبحت تستغلها منظومات الإعلام لإثارة الاهتمام وتعزيز التفاعل.
ويؤكد أن "الأخبار السيئة" تحظى بتفاعل أعلى على المنصات الرقمية، وتحقق معدلات نقر ومشاركة ومتابعة تتفوق بشكل كبير على الأخبار الإيجابية، وهو ما يشجّع المؤسسات الإعلامية على تكثيف هذا النوع من المحتوى، مما يؤدي بدوره إلى دورة سلبية تعزز من حضور الأخبار السلبية وتزيد من تأثيرها النفسي.
اقرأ أيضًا: كيف تحمي صحتك النفسية من الأخبار السيئة وتتجنب "التصفح المُهلك"؟!
عواقب مجتمعية ونفسية طويلة المدى
كما يشير جولدشتاين إلى أن التعرض المتواصل للمحتوى السلبي قد لا يمر دون آثار، إذ يؤدي على المدى الطويل إلى فقدان الحساسية تجاه المآسي، ونمو شعور عام بالتشاؤم والخوف، إضافة إلى تآكل الثقة في المجتمع والمؤسسات.
كما أن هذا الانغماس في السلبية يُضعف من المشاركة المدنية ويُغذي الاستقطاب السياسي والاجتماعي، ويخلق بيئة خصبة للمعلومات المضللة والشائعات، حيث يتراجع التفكير النقدي لصالح العواطف والانفعالات.
من الإعلام إلى المجتمع.. كيف تنتشر السلبية؟
يُشير التحليل إلى أن السلوك الجماعي في الاستجابة للأخبار السيئة لا يقتصر على المشاهدة أو القراءة، بل يمتد إلى ممارسات مجتمعية مثل التنمّر الإعلامي أو التشويه العام. ويضرب غولدشتاين مثالًا على ذلك بما أسماه "الافتراضات الجماعية المضللة"، مثل مهاجمة فئة كاملة بناءً على تصرفات أفراد قليلين، كما يحدث أحيانًا تجاه أساتذة الجامعات أو النشطاء أو السياسيين، ما يؤدي إلى تعميمات خاطئة تُغذي الانقسام الاجتماعي.
اقرأ أيضًا: احذر.. هذه الأعراض النفسية لا تتجاهلها
كيف نكسر حلقة السلبية؟
يرى جولدشتاين أن الحل لا يكمن فقط في تغيير سياسات الإعلام، بل في تعزيز الوعي الفردي بكيفية استهلاك الأخبار. فعندما يدرك الشخص أنه منجذب لا إراديًا نحو الأخبار السلبية، يصبح أكثر قدرة على التحكم في استجاباته، ويختار مصادر متنوعة توازن بين الجيد والسيئ، والسطحي والعميق.
كما يُوصي بتشجيع التفكير النقدي والعودة إلى المصادر الموثوقة، مع دعم محتوى يُركّز على الإنجازات الإنسانية والقصص الملهمة، بهدف استعادة التوازن في الخطاب العام.