تفسير سورة الفجر وتأملات في أبرز معانيها
لا شك أن القرآن الكريم شفاء وعلاج لما يجده المسلم من أمراض نفسية أو جسدية، وهو كذلك وقاية مما يخافه كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ). {يونس:57}.
فضل قراءة سورة الفجر
وبخصوص تفسير سورة الفجر فإن لها فضلاً عظيماً وتفسيراً جميلاً، سنعرضه لكم باستفاضة في السطور التالية.
عن سورة الفجر
عن تفسير سورة الفجر، بدأت سورة الفجر الكريمة بأسلوب القسم، في قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}، وتعدُّ سورة الفجر من السور المكية، ويبلغ عدد آياتِها 30 آية، وهي السورة 89 في ترتيب المصحف الشريف، إذ تقع في الجزء الثلاثين والحزب الستين.
أين نزلت سورة الفجر؟
نزلت سورة الفجر بعد سورة الليل، ونزلت سورة الليل بعد سورة الأعلى، ونزلت سورة الأعلى فيما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة، فيكون نزول سورة الفجر في ذلك التاريخ أيضا.
اقرأ أيضًا: كيفية صلاة الفجر ومكانة الصلاة العظيمة في الإسلام
تأملات في سورة الفجر
تفسير سورة الفجر ممتع، اعلم أن هذه الأشياء التي أقسم الله تعالى بها لا بد وأن يكون فيها إما فائدة دينية مثل كونها دلائل باهرة على التوحيد، أو فائدة دنيوية توجب بعثا على الشكر، أو مجموعهما، ولأجل ما ذكرناه اختلفوا في تفسير هذه الأشياء اختلافا شديدا، فكل أحد فسره بما رآه أعظم درجة في الدين، وأكثر منفعة في الدنيا.
بماذا أقسم الله في سورة الفجر؟
تفسير سورة الفجر من حيث القسم كالتالي:-
أما في قوله تعالى: (والفجر) فذكروا فيه وجوهاً:
أحدها: ما روي عن ابن عباس أن الفجر هو الصبح المعروف، فهو انفجار الصبح الصادق والكاذب، أقسم الله تعالى به لما يحصل به من انقضاء الليل وظهور الضوء وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطير والوحوش في طلب الأرزاق، وذلك مشاكل لنشور الموتى من قبورهم، وفيه عبرة لمن تأمل، وهذا كقوله: (والصبح إذا أسفر) [المدثر:34] وقال في موضع آخر، (والصبح إذا تنفس) [التكوير:18] ويمدح في آية أخرى بكونه خالقا له، فقال: (فالق الإصباح) [الأنعام:96] ومنهم من قال المراد به جميع النهار إلا أنه دل بالابتداء على الجميع، نظيره:(والضحى) [الضحى:1] وقوله: (والنهار إذا تجلى) [الليل:2] .
وثانيها: أن المراد نفس صلاة الفجر وإنما أقسم بصلاة الفجر لأنها صلاة في مفتتح النهار وتجتمع لها ملائكة النهار وملائكة الليل كما قال تعالى: (إن قرآن الفجر كان مشهودا) [الإسراء:78] أي تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار القراءة في صلاة الصبح.
وثالثها: أنه فجر يوم معين، وعلى هذا القول ذكروا وجوها، الأول: أنه فجر يوم النحر، والثاني: فجر ذي الحجة، والثالث: فجر المحرم، وعن ابن عباس أنه قال: فجر السنة هو المحرم فجعل جملة المحرم فجرا.
ورابعها: أنه العيون التي تنفجر منها المياه، وفيها حياة الخلق.
وأما قوله في تعالى: (وليال عشر) ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: إنما جاءت منكرة من بين ما أقسم الله به لأنها ليال مخصوصة بفضائل لا تحصل في غيرها.
المسألة الثانية: ذكروا فيه وجوها، أحدها: أنها عشر ذي الحجة لأنها أيام الاشتغال بهذا النسك في الجملة، وثانيها: أنها عشر المحرم من أوله إلى آخره، وهو تنبيه على شرف تلك الأيام ، وفيها يوم عاشوراء، وثالثها: أنها العشر الأواخر من شهر رمضان، أقسم الله تعالى بها لشرفها وفيها ليلة القدر، وكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر الأخير من رمضان شد المئزر، وأيقظ أهله وأمر أهله بالتهجد.
وأما في قوله: (والشفع والوتر):
اضطرب المفسرون في تفسير الشفع والوتر وأكثروا فيه، وسنذكر بعضاً من أقوالهم:
أحدها: أن الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة، وإنما أقسم الله بهما لشرفهما أما يوم عرفة فهو الذي عليه يدور أمر الحج كما في الحديث: الحج عرفة، وأما يوم النحر فيقع فيه القربان وأكثر أمور الحج من الطواف المفروض والحلق والرمي.
وثانيها: أنها أيام التشريق أيام بقية أعمال الحج فهي أيام شريفة، قال الله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) [البقرة:203] والشفع هو يومان بعد يوم النحر، الوتر هو اليوم الثالث.
وثالثهما: الوتر ما كان وترا من الصلوات كالمغرب، والشفع ما كان شفعا منها.
تفسير مبسط عن سورة الفجر
هذا تفسير سورة الفجر بشكل مبسط آية بآية:-
﴿ وَالْفَجْرِ ﴾ أقسم بالفجر إذا غطى العالم بضيائه.
﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ وأقسم بالليالي العشر الأولى من ذي الحجة؛ لشرف زمانها، ففيها الحج والنسك.
﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ وأقسم بالزوج والفرد من كل نوع وصنف فما تناسل كان له زوجان، وما كان جامدًا ففرد واحد.
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾ وأقسم بالليل حين يمضي بظلمته، ويذهب بسواده.
﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ هل فيما أقسمت به من هذه المخلوقات قسم كاف لمن له عقل يرشده.
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴾ ألم تعلم ماذا فعل ربك بعاد قوم هود.
﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ﴾ أهل المدينة العظيمة ذات البناء الرفيع والقصور والأعمدة.
﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ التي لم يوجد مثل بنائها العجيب.
﴿ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴾ وثمود أهلكناهم وكانوا يقطعون الصخور في أوديتهم ويبنون بها.
﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ﴾ وأهلكنا فرعون وقصوره العظيمة، وجنوده.
﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾ هؤلاء الأقوام أكثروا ظلم الناس وكثرة الأنام وسفك الدماء.
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾ فأكثروا في البلاد الفساد.
﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾ فأرسل الله عليهم نصيبًا من العذاب المؤلم الشديد.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ إن ربك يرصد أعمال الفجار ويرقب أفعال الكفار.
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾ فأما الإنسان إذا ما اختبره ربه بحالة الغنى فأكرمه بالمال وحسن الحال فإنه يغتر وينخدع ويقول: هذا لمنزلتي عند ربي.
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ وإذا ما اختبره بالفقر والعسر فضيق عليه الرزق، وقتر عليه المعيشة ظن أنه لسوء مكانته وبعده عن ربه.
﴿ كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ والصحيح أنه ليس الإعطاء تكريمًا وليس المنع إهانة ولكنكم في حال الغنى لا تحسنون إلى اليتيم.
﴿ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ ولا يحث بعضكم بعضًا على إطعام المسكين.
معنى التُّرَاثَ في سورة الفجر
﴿ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا ﴾ وتأكلون الميراث بنهم وشره.
﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ وتحبون جمع المال حبًّا شديدًا.
﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ﴾ انتهوا عن هذا الفعل وتذكروا إذا زلزلت الأرض زلزالًا شديدًا ذلك يوم القيامة.
﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ وجاء ربك لفصل القضاء مجيئًا يليق بجلاله ومعه ملائكة السماء في صفوف وهم متراصون خاشعون لربهم مطيعون له.
﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ وأحضرت النار للمجرمين حينها يتذكر الإنسان ذنوبه.
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ يقول هذا المذنب: يا ليتني قدمت خيرًا لهذه الحياة.
﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ﴾ حينها لا يعذب مثل عذاب الله أحد لشدة عذابه وقوة عقابه.
﴿ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ ولا أحد يقيد مثل تقييده لأعدائه في نار جهنم.
﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ ويقال لنفس المؤمن الصالح: يا أيتها النفيس الراضية بدين الله المتبعة للرسول صلى الله عليه وسلم المطمئنة بذكر الله.
﴿ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ عودي إلى ثواب ربك ورضوانه عنه راضية عنه مرضية بما منحها من ثواب.
﴿ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴾ فادخلي بين عباد الله الصالحين.
﴿ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ وادخلي جنتي مقر رحمتي، فتنعمي بأنعم دار وخير جوار.
ختاما، يمكنكم الرجوع إلى المصادر لمزيد من التأملات في سورة الفجر ولمعرفة تفسير سورة الفجر بشكل بسيط وماتع.
المصادر: