مكتب عملك التقليدي.. هل سيختفي قريباً؟
إن كان هنالك أمرٌ مؤكدُ من أزمة كورونا العالمية، هو أن العالم مستعد للانتقال بالكامل نحو مسيرة عمل رقمية بالكامل ولا مانع أو بالأحرى لا وجود لعوائق كبيرة في طريق تحقيق ذلك على المستوى العالمي، إذًا من حيث هذا المنطلق مكتبك التقليدي العتيق ربما سوف يستمتع بسطوع الشمس الجميل للمرة الأخيرة.
لا غبار يشوّه هذه التوقعات، حيث رأينا معًا محاور انتقالات كثيرة إلى بيئة عمل رقمية بالكامل أثبتت نجاحها المهنية وباتت محاور مهمة للأخذ بها كنموذج للتطوير، وبالمقابل ما لا يمكن إزالته من الصورة الواقعية هو أن ضريبة البيئة الرقمية كبيرة خصوصًا كلما تحدثنا عن شركة أضخم وذات قاعدة كبيرة من الموظفين بحيث من المحتمل أن تنقلب وقتها الإجابيات إلى سلبيات تهدد بخسائر مالية فادحة.
هذه المفارقة لم تكن حتى اليوم مهمة للسعي إلى علاجها بقدر ما هي ضرورية ويجب ابتلاعها مهما ضاقت بها الأنفس، فبالنسبة للكثير من المؤسسات كان أمامها خياران إما الإغلاق وإما التقبل - رغمًا عنها - هذا الواقع البديل لاستمرار روتين العمل وإعادة الأمور إلى مجراها بأقل خسائر ممكنة.
واليوم لم تتغيير النظرة العامة لهذه المفارقة إلا أننا بدأنا نرى إمكانية التطلع نحو مستقبلها، صحيح أن أزمة كورونا لا تزال متفشية في العالم للأسف ولكن اختبارات اللقاح وامتداد العدوى إلى الكثير من الناس قد يعني أننا على أمل الانتهاء منها قريبًا ووقتها سوف يكون للمفارقة معنى حقيقي يشق طريقين للأخذ بأحد منهما في السنوات القريبة التالية.
خبراء: الانطلاقة الجديدة صعبة كما هي العادة
إن أردنا الأخذ بعين الاعتبار ما يؤول إليه التطور التقني العالمي وبالأخص الحوسبة الافتراضية (مثل تقنيات الواقع الافتراضي التي دخلت المجال الترفيهي بأوسع أبوابه) فإنه من الواضح لهذه التقنية الرقمية أنها لا تزال يافعة كثيرًا إن نظرة إليها نظرة المحتاج والمتكل، فهي بالكاد تستطيع خدمتنا بالشكل المطلوب ناهيك عن الصعوبات التي تواجهها إن تم نقل جميع إجراءات العمل العالمي نحو صفة رقمية بالكامل.
ولهذا يعتقد بعض الخبراء أن موضوع المفارقة بحد ذاته غير عادل تجاه فكرة الانتقال وإنما قد يكون ظالمًا قليلاً لها في الوقت الراهن، فأغلب السلبيات الحالية - إن لم يكن جميعها - تنتج عن تواضع التكنولوجيا في خلق أجواء عمل تدفع إلى قوة إنتاج كاملة وراحة تامة أثناء إجراءات العمل اليومية، أي بكلمات أخرى هذه ليست سلبيات وإنما عوائق متشابكة سوف يتم التخلص منها عاجلاً أم آجلاً. بعض هذه العوائق نادرة ما تشكل مشكلة في الوقت الحالي لكن تتحول إلى مشكلة كبيرة إذا طرحنا بعضًا من الأسئلة كما يلي :
هل لدينا من الإمكانيات والموارد لتحويل جميع أسس العمل حول العالم إلى شبكة الإنترنت والاتصالات الرقمية؟
وهل هنالك سبل حماية كافية لتغطية جميع هذه الإجراءات الروتينية التي سوف يتجاوز عددها مئات الألوف إن لم تصل إلى ملايين الإجراءات يوميًا؟
وماذا سوف يحصل لو أُصيبت خدمات الإنترنت وبعض أفرع التقنيات بأخطاء تتطلب لوقت طويل من العلاج؟
مثل هذه الأسئلة تتمحور فقط حول جودة الخدمات المقدمة ومدى اتساعها، ومع أن الإجابة إيجابية (نعم يمكن بالفعل تحمل عدد هائل من الاتصالات اليومية.. لحدٍ ما) إلا أنها غير دقيقة وبالتالي من الخطر تجاهلها والتخلص من فكرة المكتب التقليدي فقط لأجل المحاسن الجذابة، ولا يزال هنالك العديد من المواضيع الأخرى بحاجة إلى إخراجها من أسفل الطاولة والاجتماع حولها بجدية.
بالإضافة إلى ذلك وفي زيادة لموازنة النقاش، في رأي هؤلاء الخبراء، الفوائد التي نراها اليوم من العمل في المنزل والاتكال على التكنولجيا الرقمية لوحدها دليل كاف لوحده على الإمكانات المكبوتة في مستقبل هذه التقنيات وكيف استطاعت من الآن وبوضعها الحالي أن تعيد تشغيل الشركات وتوفر للموظفين مكاتب افتراضية يقومون بإدارتها في راحة بيوتهم.
أي باختصار، قد نتمكن من الإجابة على جميع الاستفسارات التي في رأسك حول المكتب الافتراضي والرقمي واستمراره في 2021 بكلمات قليلة : لا تحكم على الفكرة من الآن واصبر لتطورها… على الأقل من وجهة نظر بعض الآراء المؤيدة لها والتي تدعونا إلى النظر إلى تاريخ التقنيات الأخرى حول العالم، كيف بدأت وإلى أين وصلت اليوم من تطور سريع.
البداية صعبة ولكن
في نقاش متابعٍ لما قيل سابقًا عن الزهرة المتفتحة ببطء لهذه التقنيات، فإن فكرة العمل التقني في بدايتها تبدو غير مألوفة للكثير من الناس ولهذا على الأرجح لديك دافع للتخلص منها بأسرع ما يمكن.
لكن في الحقيقة وحتى لو لم تصدق توقعات تطور وتحسن مبادئ العمل عن بعد (ولو أن ذلك نوعًا ما مستحيل…) فمن الطبيعي عدم شعورك بالراحة تجاه الواقع الجديد ولكن مثلما اعتدت على قيادة سيارتك الجديدة أو استخدام هاتفك الجديد سوف تتمكن أيضًا من الإلمام بهذا التوجه الجديد للعمل.
أي إن فكرة التطور لا تتوقف فقط على المبدأ الرقمي نفسه للعمل بل عليك أنت أيضًا كموظف أو مدير لبيئة عمل، بحيث تطورك المستقل في التأقلم مع هذا الواقع سوف يؤثر بدرجة كبيرة على النقاش وقد يميل إلى اختفاء المكاتب التقليدية في 2021… إن أردت ذلك.
رأي : نزعة الاستقرار غالبة في نهاية المطاف
ما هي نزعة الاستقرار؟ هي من الفطرة التي خُلقنا عليها، مثلما نطمح إلى السعادة والراحة في رحلة حياتنا، نسعى جميعًا إلى إشباع نزعة الاستقرار، فلا أحد منا يريد الشعور بالقلق المستمر تجاه عمله ولا أحد سوف يرتاح من كثرة التغيير وبالأخص بالنسبة لمالك المشروع ومديره مهما كانت طبيعة العمل.
وما يقصد بنقاش "نزعة الاستقرار" هو بسيط، إذا تابعت معنا الفكرة السابقة وهي تطورك الذاتي للتأقلم فقد يخطر على ذهنك التساؤل : ماذا لو لم أرغب بذلك؟ هل سأكون مجبرًا على تقلب الواقع؟
الإجابة هي نزعة الاستقرار ببساطة، بحيث لن يكون الأمر إرغامًا لك على تقبل واقع معين بقدر ما سوف تدفعك نزعتك الداخلية في البحث عن الاستقرار لفريق عملك ومشروعك وإبعاد هذا الأمر عن ذهنك لتفكر في الأمور الهامة الأخرى (كيف تحقق الإيرادات والتسويق وغيره) إلى الرضا بالواقع الجديد مهما كان يعني ذلك الاستقرار في مكتب عملك التقليدي أو الافتراضي، وحتى لو لم يكن القرار بين يديك في نهاية المطاف فسوف تشعر بالراحة إذا توصلت الأمور إلى حالة مستقرة.
وهذا يدفعنا إلى خلاصة الكلام والإجابة النهائية على سؤال الموضوع الرئيس..
زبدة الحديث.. الإجابة أسهل مما نعتقد
ربما الإجابة كانت دومًا أسهل مما كنا نعتقد، في عام 2021 التطورات التقنية المستمرة دفعت بنا إلى الاهتمام بها والاستفادة منها بل وتبدو سنة 2021 واعدة أكثر من سابقتها في إحلال المزيد من الإمكانيات التكنولوجيا وسط حياتنا مع استمرار ظهور نماذج لمنتجات خدمية لن تصل جميعها هذا العام وإنما تشجع على المزيد من الاهتمام بفكرة العمل عن بعد.
وبنفس الوقت يشير هذا السؤال المطروح إلى عام 2021 بالتحديد دون غيره، فمع أنها تبدو سنة واعدة لكننا لم نصل بعد إلى زمن السيارات الطائرة والعدسات الحاسوبية حتى نتأكد بالكامل من طبيعة اختفاء المكتب التقليدي وعدم الضرورة له، وإنما نبدو اليوم في توقيت زمني يتطلع إلى ذلك المستقبل ويمشي إليه ببطء.
فهذا يعني أن الإجابة في الغالب : في عام 2021 القرار يعود إليك، لا نزال بحاجة إلى المكاتب التقليدية ولكن لو أردت نموذج عمل رقمي بالكامل سوف تنجح في تحقيق مرادك، أي باختصار على الأغلب لن يختفي هذا المكتب العنيق.. إلا لو أردت أنت ذلك..