أي نوع من القادة تحتاج إليه الشركات لقيادة النمو في ظل أزمة كورونا؟
أدى الركود الناجم عن جائحة كورونا إلى تحول كبير في قنوات البيع الرقمي وتشديد الضوابط على المبيعات وعلى الإنفاق على التسويق. هذا الواقع أدى بدوره إلى تسريع عملية تبني نموذج القرن الحادي والعشرين التجاري والذي هو ديناميكي، رقمي ومبني على الداتا ومسؤول مباشرة عن دفع قيمة الشركة.
ولكن كما هو الحال مع أي نماذج جديدة فإن الأمر يتطلب المضي قدماً بسرعة برغم التعقيدات وهذا يعني أن الأمر سيتطلب مجموعة جديدة من المهارات القيادية وبنية مختلفة تمكن القادة من قيادة الشركات وضمان نموها.
حالياً المطلوب هو نوع جديد من القادة لقيادة نموذج البيع الحديث، وهذا يعني أن أصحاب العمل والرؤساء التنفيذيين بحاجة إلى تحديد هياكل القيادة والحوافز والأداء في الوقت الذي يصيغون فيه بعناية فائقة استراتيجيات التحول الخاصة بشركاتهم. فنجاح أي جزء من المعادلة يعتمد على الآخر.
التحول الرقمي لا يعني إهمال التحول في القيادة
ما حصل في عدد كبير من الشركات هو أنه وبسبب التركيز الكبير على التحول الرقمي وعلى تبني تقنيات الذكاء الإصطناعي، تم إغفال التحول المطلوب في القيادة.
في المقابل هناك بعض الشركات التي لم تدرك حتى أنها بحاجة للقيام بعملية تحول في القيادة بل اكتفت بالتحول الرقمي معتبرة أن المدير بمهاراته «القديمة» يمكنه القيام بعمل جيد في العالم «الجديد» هذا. ولكن ما على كل الشركات معرفته هو أن تحول المبيعات والتسويق هو تحدٍ لتبديل وتحول مماثل في الإدارة والقيادة، أي إن التحول ليس تقيناً فحسب.
نهج المؤسسات حالياً تجاه المواهب التي تملكها سيكون له تأثيره الكبير على القدرة التنافسية المستقبلية وعلى النمو، وفي الواقع سيكون له تأثير أكبر من تأثير التحول الرقمي. الذكاء الاصطناعي سيعيد تصميم المبادرات التي تهدف إلى تحسين المبيعات، وهذا سيؤدي بدوره إلى تغييرات جوهرية وحتى وجودية في بنية الشركات ما يعني أن هناك حاجة ماسة لمهارات معينة من القادة.
ولعل أبرز هذه التغييرات هو التطور في دور الرئيس التنفيذي للتسويق.
التحول في دور الرئيس التنفيذي للتسويق
الرئيس التنفيذي للتسويق هو الشخص المسؤول عن الأنشطة التسويقية وهو يدير كل الأمور المتعلقة بالعلامة التجارية ووسائل التسويق المتعددة كما أنه مسؤول عن إجراء الأبحاث التسويقية وإدارة المنتجات وقنوات التوزيع وآلية التسعير وخدمة الزبائن والعملاء.
هو جزء من الإدارة العليا في المنظمة ومهامه قد تشمل مناطق جغرافية مختلفة وخطوط إنتاج متعددة.
هدفه تحقيق أهداف المؤسسة وضمان التواصل بين المؤسسة والفئة المستهدفة كما أنه المسؤول عن الاستراتيجيات التسويقية التي تميز الشركة عن منافسيها.
ولكن ومع ظهور العديد من المنصات الجديدة شهدنا خلال السنوات الماضية على تبدل في دور الرئيس التنفيذي للتسويق ومع جائحة كورونا والتبدل الكلي للنموذج التجاري باتت المهام مختلفة.
دور مدير التسويق تطور وبات أقرب إلى دور كبير مسؤولي التجربة. المنصب هذا حديث نسبياً وقد اعتمدته الكثير من الشركات من أجل إدارة أكثر فعالية بين العلامة التجارية وبين قاعدة العملاء.
جميع الشركات الكبرى مثل أبل وتسلا تعتمد على كبير مسؤولي التجربة للمحافظة على العملاء.
ولكن الأمر لا يتوقف هنا فدور مدير التسويق أيضاً يلامس مهام كبير مسؤولي النمو و كبير المديرين التجاريين ما يعني أن دفع الأعمال التجارية للنمو وتطوير وتنفيذ استراتيجيات تنمية السوق والأعمال وخلق مقترحات الأعمال وتنفيذها باتت من مهام مدير التسويق.
وهذا يعني أيضاً أنه بات يتمتع بسلطة أكبر ودرجة مساءلة أعلى لكون مهامه تؤثر وبشكل مباشر وكبير على قيمة الشركة ونمو الإيرادات.
التعامل مع الواقع الجديد .. مهارات جديدة ومهام جديدة
التبدلات في المهام الإدارية وفي أدوار الذين يشغلون مناصب عليا واقع فرض نفسه منذ سنوات طويلة، وهذا المسار ليس عشوائياً بل هو نتيجة منطقية للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية.
الجائحة أدت إلى الركود الاقتصادي الذي سرع من وتيرة تطوير النموذج التجاري وهذا جعل أصحاب الشركات يختبرون هيكيليات تنظيمية جديدة تتماشى مع الطبيعة الجديدة للأسواق يمكنها فهم سلوكيات العملاء التي تبدلت بشكل كبير.
وما قامت به العديد من الشركات هو وضع كل الوظائف الرئيسة التي تدفع النمو والتي هي التسويق، المبيعات والتسعير والخدمة ضمن مهام مسؤول تنفيذي واحد.
اختيار الشخص المناسب للمهمة يعني تحسين الأمور الأساسية التي تخلق القيمة والتي تشمل مشاركة المعلومات عبر المؤسسة، الاستفادة بشكل أفضل من البنية التحتية الرقمية للمؤسسة، بناء تصورات للابتكار وتمكين الموظفين الذين يتعاملون بشكل مباشر مع العملاء من أجل تحسين الأداء وزيادة المبيعات.
بطبيعة الحال التبدل هذا لن يتم بين ليلة وضحاها، وفي الواقع الخبراء يؤكدون بأن الجيل القادم هو الذي سيملك هذه المؤهلات وليس الحالي ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن الاستفادة من خبرات الذين يشغلون مناصب حالية وتعديل مهامهم للتناسب مع الواقع الجديد.
النمو بات مهمة جماعية
نمو الشركة لم يعد مهمة محصورة بعدد محدد من الموظفين في ظل الواقع الراهن، بل بات أقرب إلى مهمة جماعية. الشركات حالياً تصارع كي تتمكن من اللحاق بمزاج العملاء المتبدل بشكل دائم وعليه تطور دور مدير التسويق والمبيعات إلى منسق وقائد لنظام إيكولوجي تكنولوجي معقد ويزداد تعقيداً كل يوم.
يمكن إنشاء قيمة كبيرة من خلال ربط الوظائف التي يمكنها أن تحسن تجربة العميل وتخصيص الموارد وتعزيز فعالية المبيعات.
وفي العصر الرقمي هذا يعني مشاركة البيانات ورؤية الشركات والمحتوى لفرق الإنتاج والمبيعات والتسويق وخدمة العملاء.
أي لم يعد هناك هيكيلية تقليدية توزع الحق بالوصول إلى المعلومات وفق المنصب، كل شيء يجب أن يكون متاحاً كي يتمكن كل شخص من الاستجابة بسرعة والتكيف مع المتغيرات التي تفرض نفسها بشكل دائم.
ففي بحث لمعهد علوم التسويق تبين بأن التأثير السببي للكفاءة التنظيمية، أي مدى مشاركة الشركات للبيانات والمعلومات عبر الأقسام المختلفة، أكبر بكثير من تأثير تفضيل العملاء للعلامة التجارية على سعر الأسهم.
الأزمة الحالية هي فرصة للمديرين التنفيذيين لإعادة التفكير باستراتيجية المواهب الخاصة بهم ولإعادة بناء ثقافة النمو التي تتوافق بشكل أكبر مع نموذج القرن الحادي والعشرين التجاري. ولتحقيق ذلك هناك ٥ عوامل حاسمة للعثور على النهج التنظيمي المناسب لضمان النمو في الشركات. فما هي هذه العوامل ؟
أولاَ: البنى الإدارية الجديدة التي تقضي على الجمود والبيروقراطية في العمل وتعزز العمل الجماعي عبر قنوات متعددة من مبيعات وتسويق وخدمات على نطاق واسع عبر المؤسسة.
مناهج القيادة التقليدية بغض النظر عن شكلها وترتيبها ستكون عقبة لأنها بطيئة كما أنها وبسبب طبيعة العمليات التجارية الحالية ستكون سامة لثقافة الشركة وبيئة العمل لأنها ستؤدي إلى نقاط فشل عديدة ضمن نموذج العمل ما سيسفر عن فرص عديدة ضائعة وتراجع في تحقيق المبيعات والإيرادات.
ثانياَ: محفزات نمو مشتركة تجعل جميع الذين يعملون بشكل مباشر مع العملاء يسعون خلف هدف واحد وهو المحافظة على الزبائن وضمان استمرارية تعامله مع الشركة وذلك لتحسين القيمة وزيادة قيمة عائدات المبيعات.
ثالثاً: تفويض من أعلى إلى أسفل لإدارة إعادة نشر البروتفوليو الخاص بالمؤسسسة من تكنولوجيا المبيعات والتسويق والداتا والتحليلات لأنها ستشكل الأسس التي ستضاعف أداء الذين يعملون في قسم المبيعات وبالتالي تحسين الأداء بشكل كبير.
رابعاً: الملكية والمساءلة عن أصول نمو الشركة، لا سيما العلامات التجارية الخاصة بالشركة وبيانات العملاء.
في الواقع تعتبر هذه من الأصول الأكثر قيمة في المؤسسات، ومع ذلك لا يتم الاعتراف بها أو التعامل معها كأصول مالية أو تشغيلية من قبل المحاسبين أو المديرين الماليين أو مجالس الإدارة. مثال على ذلك ما حصل مع أميركان أيرلاينز والتي قدرت قيمة بيانات العملاء لزيها بثلاثة أضعاف قيمة الشركة ومع ذلك يفشل المديرون في إدراجها ضمن تقاريرهم المالية.
خامساً: الملكية والمساءلة حول تجربة العملاء في المؤسسة، والتي حالياً تمتد بين فرق المبيعات والتسويق والخدمات وغيرها. في الواقع حالياً المسار هذا يمر من خلال ما لا يقل عن ١٢ قناة رقمية واجتماعية ومادية ونقاط اتصال.
المصادر: ١