استراتيجيات لتوقع حاجات المستهلك في عالم لا يمكن التنبؤ به
يمكن القول بأن كوفيد ١٩ دمر كلياً النماذج والخطوط العريضة التي كان يبني عليها الموردون وتجار التجزئة توقعاتهم للمنتجات والخدمات الاستهلاكية. سلوك المستهلك تبدل وحجم استهلاكه انقلب رأساً على عقب وعليه لم يعد بالإمكان المعرفة وبشكل دقيق مقدار الطلب أو التصنيع أو حجم الإنفاق على الإعلانات وأي منتجات يجب الترويج لها أو الإنفاق الإعلاني عليها.
مع بداية كورونا انتقلت المؤسسات إلى المنازل وبات الجميع يعمل عن بعد، ثم ظهرت حالة هلع جماعية دفعت الجميع إلى شراء كل ما تقع عليه أيديهم من مواد غذائية وغيرها من الأمور التي يحتاجون إليها لأن الجميع لم يملكوا أدنى فكرة عن الذي ينتظرهم.
حالة عدم اليقين ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا وبأبعاد مختلفة ومتنوعة. بعض المنتجات الاستهلاكية ما تزال تنفذ فور وضعها على الرفوف مثل المعلبات والخضراوات المثلجة، وهذا ما جعل التجار يخزنون بضائع تكفيهم لأشهر وليس لأسابيع. ولكن التوقعات هذه مبنية على سلوك حدث كنتيجة لسبب محدد ولكن حالياً هناك عدة عوامل مختلفة متداخلة مع واقع كورونا قد تبدل سلوك المستهلك بشكل كلي مجدداً.
هل يمكن البناء على التبدل الحالي لسلوك المستهلك؟
المستهلكون بشكل عام سعوا وبطرق مختلفة لتقليص هامش المخاطرة من أجل تقليل معدلات التوتر ومن أجل الشعور بالانتماء إلى مجموعات توفر لهم الراحة، وفي هذه الحالة الكل كان يقوم بعمليات التخزين فالقيام بالمثل يوفر شعوراً بالانتماء.
ولكن البناء على هذه المعطيات لا يكفي فهناك طيف واسع من التصرفات والمواقف والآراء تجاه المرض والنشاط البدني وغيرها من الأمور التي ترتبط بالعمر، الدخل وغيرها. فهم الشركات لهذه الأنماط الجديدة يمكنه أن يحسن التوقعات، وعليه المقاربة هذه يجب أن تكون على رأس أولويات العديد من الشركات.
خلال الفترات الحافلة بالتحديات، مثل التحديات التي فرضها فيروس كورونا، نماذج التوقعات غالباً ما تنهار كلياً ويميل عدد كبير من المديرين عند حدوث ذلك إلى الاعتماد على حدسهم. وهذه المقاربة تجعل التنبؤ بشكل دقيق مستحيلا لأنه سيتم الخلط بين البيانات غير المؤكدة وبين التحيز.
التحيز هنا يأخذ عدة أشكال مختلفة، يتمثل أحد أشكال التحيز الشائعة في تخطيط الطلب في أوساط شركات السلع الاستهلاكية المعبأة. فالشركات تحاول إرضاء تجار التجزئة من خلال تزويدهم بكميات كبيرة من السلع بغض النظر عما إن كانت ستحقق مبيعات قوية أو لا. المندوبون بدورهم لا يريدون الدخول إلى متجر والاستماع إلى شكاوى أصحاب المتاجر حول نفاد السلع، لأن هذا الأمر يلحق الضرر بالعلاقة بين التجار والشركة وبالتالي حصة السوق لاحقاً. هنا يقع المديرون في فخ ، فهم لا يمكنهم تقليص هامش المخاطرة من خلال عدم تزويد التجار بالكميات التي يريدونها بسبب التداعيات التي قمنا بذكرها.
ولكن هذا لا يعني التخلي كلياً عن النموذج المعتمد بل ما يجب القيام به هو إعادة تشيكله وتعديله.
العثور على مجموعات بديلة من البيانات
المقاربة الأفضل خلال الفترات الصعبة وغير المتوقعة هو البحث عن مجموعة بيانات بديلة، فعلى سبيل المثال، استخدام مزيج من النماذج الأبسط والبحث بشكل معمق في كل ما هو غير واضح وغير ظاهر للعيان وفي بعض الأحيان البيانات غير المهيكلة أو «المادة السوداء» غالباً ما تتواجد في عقول الذين يقومون بالتوقعات، أي الموظفين الذين يملكون معرفة واسعة بالسوق المحلية وبالأحداث والظروف الأخرى المتعلقة بالاستهلاك. هذه المعلومات يمكن تنظيمها وتمثيلها في هذه النماذج.
عدد كبير من نماذج التوقعات تعتمد على الداتا المعروفة وهي المبيعات خلال فترة محددة من الزمن، هذه النوعية من النماذج مثالية للفترات العادية ولكن خلال الأوقات الحالية وفي أي ظرف تمر فيه أي بلد كان بأزمة ما، هذه النماذج لا نفع لها ولكن في المقابل الأحداث المماثلة يمكن أن تحمل الكثير من القوة التنبؤية.
فقد تكون المقارنات مع الصدمات الاقتصادية السابقة والتي عطلت سلال التوريد لفترات طويلة أو قد تكون آنية من خلال دراسة المناطق التي تمكنت من السيطرة على تفشي كورونا قبل غيرها. هذه المقارنات تمكن الشركات من الاستفادة من بيانات أحداث مماثلة، مثلاً، المدة التي احتاج إليها العرض والطلب للتعافي في بلدان معينة، وهذه المقارنة تساعد على توقع المستقبل القريب خلال وبعد كورونا.
ولكن البيانات المماثلة لا تكفي فالشركات بحاجة إلى بيانات حقيقة شبه فورية تتعقب سلوكيات المستهلكين ومواقفهم حالياً. ولتحقيق هذه الغاية على الشركات، التي بشكل عام تفتقر وبشكل دائم إلى المعلومات الآنية، إلى التعاون مع التجار أو الجهات التي تتعامل معها وتكون حلقة الوصل بينها وبين الزبائن وإقناعهم بمشاركة البيانات التي يملكونها معهم. وفي حال لم يكن بالإمكان القيام بذلك أو الشركة لا تملك طرفاً وسيطاً فحينها يجب إنشاء قنوات مباشرة مع المستهلك أو تجميع المعلومات والداتا من قنوات التجارة الإلكترونية أو الاعتماد على مواقع التواصل.
الاعتماد على المعرفة المحلية
الداتا التي يتم جمعها يجب أن تعتمد على المعرفة المحلية والتي هي المعلومات من المصدر أو المعلومات المحصورة بنطاق جغرافي ضيق. على سبيل المثال الشركات تفترض أن الطلب على السلع يزيد خلال عدد من الأعياد، ولكن الدراسات الميدانية أظهرت أن هناك مناسبات أخرى لا علاقة لها بالأعياد مثل دوري كرة القدم أو المعارض كانت تزيد من معدل الطلب في بعض الأسواق. إضافة هذه المعلومات إلى النموذج الذي تعتمده الشركات يمكنه أن يزيد من دقة التبؤات المستقبلية. الدقة الأفضل تقل المرتجعات وهدر المنتجات وتكلفة النقل.
بالإضافة إلى المعرفة المحلية فإن الشركات قد تطلب أيضاً رأي الخبراء بما في ذلك علماء الأوبئة أو كبار المستشارين أو حتى اللجوء إلى الجمعيات التجارية للحصول على وجهات نظرهم. باستخدام طريقة دلفي، أي تجميع آراء لجنة الخبراء، يمكن للشركات أن تجعل حكم الخبراء جزءا من مجموعات البيانات التي تدخل في بناء النماذج بدلاً من تعديل نتائج النموذج.
نمذجة مجموعة البيانات
بمجرد امتلاك الشركات المزيد من البيانات ذات الصلة، فإن المهمة التالية ستكون تحسين نماذجها. هنا من المفيد بمكان تبني آلية تفكير الذين يتنبؤن بالأعاصير وهي أنه في ظل الظروف الديناميكية غير المؤكدة، فإن دمج العديد من النماذج البسيطة يجدي نفعاً أكثر من الاعتماد على نموذج واحد معقد والذي قد يكون أكثر هشاشة في ظل الظروف الراهنة.
نمذجة المجموعة تقوم على دمج التوقعات من مختلف النماذج للحصول على نقطة تقديرية أو نطاق معقول عندما تكون البيانات الأساسية لأي نموذج غير مستقرة.
لنأخذ خطوة طرح منتج جديد خلال الجائحة على سبيل المثال. واحد من النماذج سيستخدم متوسطاً متحركاً بسيطاً للمبيعات، نموذج آخر قد يدمج بيانات المبيعات السابقة من منتج من نفس عائلة المنتج الجديد لتحديد الأنماط خلال فترات عدم الاستقرار، ونموذج ثالث قد يمثل ما يحدث في متاجر أخرى مماثلة.
ونظراً لكون كل نموذج من النماذج الفردية يغطي خصائص مختلفة تتعلق بالطلب، فإن كانت جميعها تشير باتجاه معين فإن الثقة بهذا المسار سترتفع. وإن لم تشر النماذج كلها باتجاه واحد فحينها يمكن وبسهولة تامة معرفة السبب عند تحليل النماذج.
التجربة ثم التجربة مجدداً
الأسواق في حالة من الجنون، فتارة تتعرض لهجمة استهلاكية ثم تجد نفسها في حالة من الجمود الكلي نتيجة المفاجآت العديدة التي لا تنتهي محلياً وعالمياً. وضع الأسواق غير مستقر على الإطلاق وبالتالي هناك حاجة الى عملية منضبطة للتحقيق من صحة النتائج عن طريق الاختبار بسرعة وبشكل متكرر. أساليب الاختبار البسيطة مثل اختبار أ/ب توفر السرعة والمرونة التي تحتاج إليها الشركات حالياً.
على سبيل المثال، الفئات الأكبر سناً الذين لم يفكروا يوماً بشراء البقالة عبر الإنترنت باتوا الأكثر اعتماداً عليها حالياً. ومع هذه الفئة العمرية يمكن اللجوء الى اختبار أ/ب لمعرفة الرسائل التسويقية الأكثر فعالية التي يمكنها الوصول إليهم. كما يمكن استخدام الاختبار نفسه لتقييم فعالية قنوات التسويق وغيرها.
للاختبار أيضاً فائدة لوجستية فعلى سبيل المثال إن كانت الشركة تريد معرفة تأثير مضاعفة أو تقليل أنواع معينة من الإعلانات في المناطق التي تشهد تفشٍ للفيروس أكثر من غيرها. إجراء الاختبار البسيط هذا لا يوفر معلومات تحليلية مهمة، ولكنه أيضاً يظهر ما إن القيام بهذا الأمر ممكن.
المصدر: ١