كيفية قيام الليل وأعمال تعادل ثوابه العظيم
قيام الليل من العبادات المخصوصة التي لها فضائل جمة تعود على العبد بالنَّفع في دُنياه وبالفوز في آخرته، وكثُرَت النصوص التي تحثُّ على قيام الليل وتدعو إليه في الكتاب والسنّة النبويّة؛ فقال الله عز وجل: (وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مّحْمُوداً).
ولتعلم أن قيام الليل هو شرف المؤمن وصدق حبه لله عز وجل ورجاء ما عنده، وتقديم حب الله على لذة النوم، ففيها مناجاة العبد لربه واتباع سنة النبيين والمرسلين وأصحاب العزائم، وكلما كانت مشقات قيام الليل أكبر، كان الأجر والثواب أعظم.
لذلك سنتعرف على كيفية قيام الليل وفضله ووقته، وما الأعمال التي تعادل ثواب قيام الليل.
فضل قيام الليل
قيام الليل وأدائه له فضائل عظيمة، يُذكَر منها ما يأتي:
• أثنى الله على مَن يقومون الليل، ووعدهم بالجزاء العظيم، قال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
• بيَّنَ الله تعالى أنّ قيام الليل يدل على التقوى، ويتصف به عباد الرحمن الصالحين، قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
• فضَّلَ الله الذين يقومون الليل على غيرهم من الناس بالثواب والمكانة، فقال: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).
• بيَّنَ النبيّ عليه الصلاة والسلام أنّ قيام الليل سبب لدخول الجنّة، إذ قال: (أيُّها النَّاسُ أفشُوا السَّلامُ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نِيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ)، لذلك فإن تعلم كيفية قيام الليل يعود على المسلم بالكثير من الفضائل.
حكم قيام الليل
قيام الليل من أعمال الصالحين، ومن أعمال النبي ﷺ، فهو سنة مؤكدة سواءً في أوله أو في وسطه أو في آخره، لكن آخره أفضل (الثلث الأخير).
كيفية قيام الليل
صلاة قيام الليل ليس لها عدد مُعيّن؛ ويجوز التنوّع في كيفية قيام الليل، وأمّا عدد ركعات قيام النبي عليه الصلاة والسلام لليل؛ ورد أنّها كانت إحدى عشر ركعة، وورد أنّه صلّى ثلاث عشرة ركعة، والثلاث عشرة ركعة هي نفسها الإحدى عشر، لأنّ الركعتين هما التي كان يُصلّيهما النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الوتر وهو جالس، أو أنّهما سنّة العشاء، أو أنّهما الركعتين الخفيفتين اللاتي كان يفتتح بهما قيامه لليل.
إذا كيفية قيام الليل: هي أن يصلي المسلم ركعتين، ركعتين، ويزيد ما شاء، ويجتهد في ترتيل القرآن، ويقرأ ما تيسر من أول القرآن، أو من أوسط القرآن، أو من آخره، أو ينظم ختمه، يبدأ من أول القرآن إلى أن يختم ثم يعود، لكن السنة أن يرتل كما قال الله جل وعلا (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، كان النبي ﷺ يقرأ قراءة واضحة يرتلها حتى يستفيد من يسمعها.
ويستحب له السؤال عند آية الرحمة، والتعوذ عند آية الوعيد، والتسبيح عند آية التسبيح في تهجده، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، ثم يختتم صلاته بالشفع والوتر.
كيفية اختتام قيام الليل بالشفع والوتر
تُصلّى صلاة الشفع والوتر على شكل ثلاث ركعات، تُقرأ سورة الفاتحة وسورة الأعلى في الركعة الأولى، وتُقرأ سورة الفاتحة وسورة الكافرون في الركعة الثانية، ثم يسلم، وهذه الركعتان هي التي تسمى بالشفع.
أما صلاة الوتر فهي ركعة واحدة تتبع الركعات السابقة، ويُقرأ فيها سورة الفاتحة والإخلاص ثم يركع. ووردت طريقة الصّلاة عن الرّسول عليه السّلام في الحديث الشريف: (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يوتِرُ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وقُلْ يَا أيُّهَا الْكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَكانَ يقولُ: سبحانَ الملِكِ القدُّوسِ ثلاثًا، ويرفعُ صوتَه بالثَّالثةِ).
ويجوز للمصلي أن يُصلي الركعاث الثلاث مُتصلة، ولكن لا يقعد فيها للتشهد الأوسط، وذلك حتى لا تتشابه بصلاة المغرب، وإنما يقعد فيها قعوداً واحداً وهو للتشهد الأخير، كما يمكن أن يوتر بخمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة ركعة.
أعمال تعادل قيام الليل
من رحمة الله عز وجل بعباده، أنه وهبهم أعمالا يسيرة تعادل ثواب قيام الليل، فمن فاته قيام الليل أو عجز عنه فلا يُفوت عليه هذه الأعمال لتثقيل ميزانه، وهذه ليست دعوة للتقاعس عن قيام الليل، منها:
• أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: قال رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم:ِ (مَن صلَّى العشاءَ في جماعةٍ كانَ كقيامِ نصفِ ليلةٍ ، ومن صلَّى العشاءَ والفجرَ في جَماعةٍ كانَ كقِيامِ ليلةٍ).
• أداء أربع ركعات قبل صلاة الظهر: عن أبي صالح رحمه الله تعالى مرفوعا مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعُ ركعاتٍ قبلَ الظهرِ يعْدِلْنَ بصلاةِ السَّحَرِ) صحيح الجامع.
• أداء صلاة التراويح كلها مع الإمام: عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري رضي الله عنه قَالَ: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا النبي صلى الله عليه وسلم، حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا، حتى ذهب نحو من ثلث الليل، ثم كانت سادسة، فلم يقم بنا! فلما كانت الخامسة، قام بنا، حتى ذهب نحو من شطر الليل، قلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال: (إنَّ الرَّجلَ إذا صلَّى معَ الإمامِ حتَّى ينصرفَ حسبَ لَه قيامُ ليلةٍ...).
• قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في الليل: عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَن قرَأ بالآيتَينِ مِن آخِرِ سورةِ البقرةِ في ليلةٍ كفَتاه).
• حسن الخلق: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ).
• المحافظة على بعض آداب الجمعة: عن أوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (من غسَّل يومَ الجمعةِ واغتسل وبكَّرَ وابتكرَ ومشى ولم يَركبْ ودنا من الإمامِ واستمع ولم يَلْغُ كان له بكلِّ خطوةٍ عملُ سنةٍ أجرُ صيامِها وقيامِها).
• أن تنوي قيام الليل قبل النوم: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:(من أتَى فراشَهُ وَهوَ ينوي أن يقومَ يصلِّي منَ اللَّيلِ فغلبتْهُ عَيناهُ حتَّى أصبحَ كُتِبَ لَهُ ما نَوَى وَكانَ نَومُهُ صدقةً عليهِ من ربِّهِ).
• أن تُعلِّم غيرك كيفية قيام الليل والأعمال التي تعادل ثوابها: فإن تعليمك الناس للأعمال التي ثوابها كقيام الليل وسيلة أخرى تنال بها ثواب قيام الليل، فالدال على الخير كفاعله.