ما هي شركات «الشيكات الفارغة» وما الذي تعنيه للمستثمرين؟
في عالم الأعمال والمال هناك دائماً مقاربات جديدة لجني المزيد من المال ولتحقيق الأرباح، ومن هذه المقاربات التي بدأت تظهر وبقوة مؤخراً هي شركات «الشيكات الفارغة» أو ما يعرف بشركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة SPAC . البعض يعتبرها خطوة ثورية في عالم الأعمال والبعض الآخر يتخوف منها ويصفها بالفقاعة التي يمكنها أن تؤدي إلى كارثة خصوصاً في وقتنا الحالي الحساس اقتصادياً.
ولكن وبرغم كل المخاوف حولها تمكنت هذه الشركات من جمع ٤٠ مليار دولار من الاستثمارات خلال عام واحد وفي عام ٢٠٢٠ تم إنشاء ٨٢ شركة لهذا الغرض ليبلغ إجمالي العدد ٢٢٣ شركة منذ عام ٢٠١٥.
ما هي شركات «الشيكات الفارغة»؟
شركات «الشيكات الفارغة» أو شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة هي شركات تنشأ لغرض محدد. الاستحواذ بشكل عام هو السيطرة المالية والإدارية لشركة ما على نشاط شركة أخرى من خلال شراء أكثر من ٥٠٪ من أسهمها. وهذا النوع منتشر ومعروف ومعقد وله قنواته القانونية والتجارية والمالية الواضحة والمعروفة. ولكن شركات الشيكات الفارغة هي كيان ليس له عرض أو خطة عمل محددة، وعندما يتم استخدامها كأداة للاستحواذ على شركة خاصة وتحويلها لعامة، تصبج شركات الشيكات الفارغة عامة وتزيد من رأس المال. ثم تستحوذ على الشركة الخاصة التي كان من المفترض أن يتم تحويلها الى شركة عامة.
أي بتعبير مبسط هي أداة استثمارية لا تملك أي شيء، حالياً، تجمع المال من المستثمرين المتحمسين وتستخدمه لشراء شركة أخرى غالباً ما يكون قد تم اختيارها بعد جمع المال، أي المبدأ هو: أعطونا أموالكم وسنقرر ما الذي سنفعله بهذه الأموال لاحقاً.
وفي الواقع التسمية توضح الغاية منها، فهي تسمى كذلك لأن المستثمر «يكتب شيكاً على بياض» لشركة هدفها «التسوق» بحثاً عن شركات خاصة وجعلها عامة. عادة تبيع شركات «الشيكات الفارغة» الأسهم العادية بسعر ١٠ دولارات لكل وحدة، ولكن وبمجرد الإعلان عن عملية الإستحواذ يشهد سعر الأسهم زيادة في النشاط والتداول والسعر.
المسار قد يكون واضحاً الى حد ما للمستثمر وقد لا يكون واضحاً على الإطلاق. فقد يتم إنشاء الشركة بهدف الاستحواذ على شركة بعينها معروفة بشكل مسبق، وقد لا يصار إلى ذلك، قد يتم إنشاء شركة ثم تطرح أسهمها في البورصة وتحصل على تمويلها من قبل المستثمرين، ثم تبدأ عملية «التسوق» التي لا يجب أن تتجاوز العامين، وعند العثور على الشركة، يتم الاستحواذ عليها ودمج الشركتين تحت اسم جديد.
انتعاش غير مسبوق هذا العام.. والسبب كوفيد ١٩
وفق موقع SPACInsider والذي هو موقع يعنى بجمع وتحليل البيانات المتعلقة بهذه الشركات شهد العام ٢٠٢٠ على ٣٩ اكتتاباً أولياً بعائدات إجمالية قدرت بـ ١٢،٣ بليون دولار. بيانات العام الحالي، أعلى بكثير من العام ٢٠١٩ وهذا يرتبط بأمرين، الاول هو استفادة الشركات من جائحة كورونا، والثاني هو أن المستثمرين والشركات العامة باتت متقبلة تماماً ومستعدة لفكرة طرح أسهمها للاكتتاب العام عبر شركات الشيكات الفارغة.
تقلب الأسواق حالياً بسبب كوفيد -١٩ هو السبب الرئيس لشعبية هذه الشركات. فاعتماد الشركات للمسار التقليدي لعمليات الاستحواذ لم يعد محبذاً بسبب الغموض الذي يلف الأسواق كما أن مقاربة شركات الشيكات الفارغة تخلق نماذج أكثر قدرة على التنبؤ وذلك لأنها أكثر مرونة.
وأشهر مثال على ذلك عملية الاستحواذ التي تمت من خلال شركة «دايموند إيغيل أكويزشن» لشركة «درافت كينغ» هذا العام.
في ديسمبر ٢٠١٩ أعلنت شركة « دايموند إيغيل أكويزشن» والتي هي شركة من شركات الشيكات الفارغة، أي تم إنشاؤها لغرض الاستحواذ فحسب، عن عملية الدمج بصفقة قدرت بـ ٣،٣ بليون دولار. جمعت الصفقة أكثر من ٣٠٠ مليون دولار للكيان المشترك من مستثمرين مؤسسيين. ومنذ الإعلان عن صفقة الاستحواذ قفزت الأسهم ٢١٧٪ . وبعد إتمام الاندماج مع شركة «دايموند إيغل» ، تم تغيير اسم الشركة و قفز سعر السهم من ١٠ دولارات إلى ذروة بلغت ٤٣ دولاراً.
من الأسباب الأخرى التي جعلت هذه الشركات تشهد إنتعاشة غير مسبوقة خلال أزمة كوفيد ١٩ الاقتصادية خلال الفترة الراهنة واقع أن البنوك المركزية قام بتخفيض معدلات الفائدة السنوية مع ضخ سيولة في الأسواق ما أثر سلباً على العائدات المتاحة للمستثمرين. هذا الواقع جعل شركات الشيكات الفارغة خيارا آمناً نسبياً وذلك لأنه يمكن للمستثمر استرجاع قيمة الحيازة.
ما الذي تعنيه للمستثمرين ؟
المستثمرون لم يعد بإمكانهم تجاهل هذه النوعية من الشركات، فهي موجودة ويتم اعتمادها على نطاق واسع وتحقق أرباحاً.ولكن ما على المستثمرين وضعه بالحسبان وبشكل دائم هو أنهم لن يعرفوا ما الذي ستفعله هذه الشركات. في بعض الحالات قد يكون هناك بعض الوضوح حول الهدف فمثلاً في صفقة «درافت كينغ» الصورة كانت واضحة نسبياً ولكن في معظم الحالات المستثمر لن يملك فكرة عن الصفقة أو الشركة التي تنوي شركة الشيكات الفارغة الإستحواذ عليها. أي وبكل بساطة عند الإستثمار في هكذا شركات فإنه سيتم وضع الثقة كاملة بالمدير الذي يتولى العملية وليس في المعطيات والأرقام.
كما يجب الوضع بالحسبان بأن هناك مخاطر عديدة مرتبطة بهكذا عمليات استحواذ، فالشركات المستهدفة غالباً ما تتخلى عن الكثير من الصلاحيات وميزات التحكم عند البيع لشركات الشيكات الفارغة التي تملك فرقها العاملة الخاصة بها. كما أنها تخضع لعملية تصويت من قبل المساهمين في شركات الشيكات الفارغة وهذا الواقع يؤدي أحياناً إلى إلغاء الصفقات قبل إتمامها.
المخاطر والسلبيات المرتبطة بهذه الشركات
الشركات هذه ليست حديثة وهي في الواقع موجودة منذ الثمانينات كما أنها كانت ذات سمعة سيئة لازمتها لفترة طويلة حتى بات «الاحتيال» مرادفا لها. بعض شركات الشيكات الفارغة قامت بالعديد من عمليات الاحتيال إذ كانت تقوم بشراء مؤسسات ضعيفة وتقوم ببيعها للمستثمرين بعد التلاعب بالبيانات التوقعات المستقبلية للشركة.
حالياً هناك إنقسام حولها، بعض المحللين يعتبرون بأنها تخلصت من سمعتها السيئة وهناك عدة إثباتات على نجاحات كبيرة خصوصاً وأن قصص النجاح تضم أسماء كبرى ومعروفة عالمياً. ولكن في المقابل هناك فئة تعتبر بأنه لا يمكن الاعتماد على هذه الشركات لأن عملها يشبه «سحب القرعة» خصوصاً وأنه تبين أنه خلال العام الماضي أنه من بين الـ ١٨ شركة التي طرحت للدمج ١١ منها تتداول بسعر أقل من من الطرح الأولي والذي هو ١٠ دولارات.
وحتى إن بعض الصحف وفي تقارير عديدة تناولت هذه الشركات استغربت «شهرة الاحتيال» حالياً، مستنكرة ما أسمته «بالجشع» الذي سيجعل الفقاعة تنفجر بوجه الجميع. فالأرباح الكبيرة التي يتم تحقيقها في بعض عمليات الدمج مقلقة، فهذه القفزة في قيمة الطروحات هي فقاعة ستنفجر عاجلاً أم آجلاً، وفي ظل الأوضاع الحساسة حالياً، يعد الإقبال عليها خطرا للغاية لأن الأسواق أصلاً هشة بسبب كورونا.
لكن الشركات هذه التي تشهد على إقبال وشهرة في الولايات المتحدة يبدو أنها في مسار تصاعدي داخل البلاد وخارجها. الحكومة الأمريكية وفي محاولة منها لعدم الوقوع في فخ الفقاعات مجدداً قامت بتشديد الإجراءات والأنظمة وهذا ما عزز الثقة بها مجدداً بالإضافة الى قصص نجاحها العديدة.
ورغم كل الإمكانيات الكامنة في الاعتماد على شركات الشيكات الفارغة، وقصص النجاح العديدة، هناك في المقابل قصص فشل عديدة بالإضافة إلى بعض عمليات الاحتيال. باختصار هكذا شركات هي مخاطرة، ولكن عالم الأعمال قائم على المخاطرة، ويبقى السؤال المطروح والذي قد يجيب عن أي تساؤل حول ما إن كان يجب اعتماد هذه الشركات أم الاستمرار بعمليات الاستحواذ التقليدية هو إلى أي مدى الشركات مستعدة للمخاطرة؟