كيف تنتقل بالموظفين من العقلية الثابتة إلى عقلية النمو في الشركة؟
لا يمر يوم في عالم الأعمال حاليًا إلّا وتواجه الشركات تحديات جديدة، سواءً تعلّق الأمر بمسائل تنظيم داخلية، أو طبقًا للظروف الخارجية التي تتواجد بها الشركة. هذا الأمر يضع قدرًا كبيرًا من المسئولية على العاملين في الشركات لتطوير عقلياتهم للتعامل مع هذه التحديات، لكن على الرغم من ذلك، يتمتع الكثير من الموظفين بالعقلية الثابتة التي لا تواكب التغيّرات، وبالتالي تظل واحدة من أهم مهام المدير هي العمل على الانتقال بالموظفين من العقلية الثابتة إلى عقلية النمو التي تساعد الشركة في النجاح.
كيف تُصنّف عقليات الموظفين في العمل؟
1- العقلية الثابتة: تتميز العقلية الثابتة على أنّها عقلية محدودة، حيث يميل صاحبها إلى تجنب التحديات التي تواجهه في العمل، وكلّما صادفه شيء جديد يستسلم له بسهولة، فلا يحاول أن يبذل مجهودًا للتعلّم لأنّه يتعامل مع قدراته على كونها ثابتة لا يمكن تطويرها.
تحاول العقلية الثابتة إقناع صاحبها بأنّ المهم هو ظهوره كشخصٍ ذكي لا أن يكون كذلك بالفعل، وذلك لتجنب بذل مجهود فعلي في العمل، كما أنّه يتجاهل الفيدباك ولا يتعامل معه باعتباره وسيلة لتحسين وتطوير الأداء، بل يأخذها بمحملٍ شخصي على أنّها نقد لذاته.
آخر ملامح العقلية الثابتة هي شعور مالكها بالتهديد من نجاحات الآخرين داخل العمل، لأنّه يراها بصورة خاطئة، فيصنّف هذا النجاح على كونه مؤثرٍا على أدائه في العمل، واحتمالية أن يحصل الشخص على مكانة أعلى منه في الشركة، وبالتالي يسعى للتقليل من نجاحات الغير أو يشعر بالضيق منها.
2- عقلية النمو: تتميز عقلية النمو على أنّها عقلية حرة لا تخشى من أي شيء، حيث يميل صاحبها إلى قبول التحديات ومواجهة أي احتمالية للفشل داخل العمل، فيراها فرصة للتعلّم والتطور ويجب عليه الاستفادة منها ومحاولة التعامل معها بالشكل المناسب.
يؤمن أصحاب عقلية النمو أن النجاح يتطلب بذل المجهود، وبالتالي يؤمنون بأهمية بناء القدرات وإظهار الرغبة في التعلم، فلا يتأثرون سلبًا بوجود نقد على أدائهم، بل يقبلونه كوسيلة تساعدهم في التطوير الشخصي، ومعرفة الجوانب التي يحتاج إلى تحسينها حتى الوصول إلى المستوى المثالي.
آخر ملامح عقلية النمو هي تعامل صاحبها مع نجاحات الآخرين على أنّها مصدر إلهام بالنسبة له، فهي دائمًا ما تحفّزه لبذل المزيد من المجهود والنجاح في العمل، فمن من ناحية يمثل نجاح الغير إنجاز للشركة، ومن ناحية أخرى يجعله يفكّر في تحسين أدائه، فيشعر بالسعادة من أجل زملائه باستمرار.
كيف يمكن الوصول بالموظفين إلى عقلية النمو؟
يعتبر من أصعب أدوارك كمدير هي محاولاتك للتأثير في الموظفين وتغيير عقلياتهم، حيث أنّ الأساس في هذا الأمر يعتمد على وجود الرغبة لدى الموظف، بجانب استغراق عملية التأثير في السلوك للكثير من الوقت، لا سيّما مع صعوبة اعتراف بعض الموظفين بوجود مشكلة لديهم، فتصبح العملية أكثر تعقيدًا عليك، وتتطلب مجهودًا مضاعفًا في الأغلب، لكنّها في الوقت ذاته ليست مستحيلة، بل يمكنك القيام بها من خلال الخطوات التالية:
لاحظ أداء الموظفين
ليس سهلًا عليك تصنيف عقليات الموظفين في العمل بالانطباعات، حتى مع فهمك لملامح كلٍ من العقلية الثابتة وعقلية النمو، بل يتطلب الأمر دائمًا القيام بعملية ملاحظة دائمة لسلوكيات الموظفين على فترات، مع متابعة تقارير الأداء الخاصة بهم، حتى يمكنك في النهاية القيام بعملية التصنيف.
من المهم الفهم باحتمالية وجود تباين في المستوى بين الموظفين، فتقد تجد أحيانًا بعض الموظفين الذين يتمتعون بعقلية ثابتة بنسبة أكبر من غيرهم، وكذلك فيما
يتعلّق بعقلية النمو، فهذه الفوارق تؤثر كثيرًا على بقية الخطوات وإمكانية تنفيذ خطة التطوير للانتقال بالجميع لأفضل مستوى ممكن من عقلية النمو.
تأكد من وجود الرغبة لدى الموظف لتغيير العقلية
من الصعوبات في عملية تغيير العقلية هي احتياجها لوجود رغبة وقناعة حقيقية لدى الشخص بأهمية إحداث هذا التغيير من الأساس، والحديث هنا لا يتمثل فقط في الموافقة الشفهية التي يعطيها لك الشخص، بل يتطلب الأمر اعترافه بالأخطاء أو نقاط الضعف الموجودة لديه ومن ثم قبوله بمحاولاتك للتغيير.
تعتبر هذه هي الخطوة الأهم في مجموعة الخطوات، لأنّه مهما كانت خطواتك الباقية قوية فلن يستجيب لها الشخص، أو سيسايرك في الأمر لكن دون ردة فعل حقيقية، بينما مجرد قناعته بالحاجة إلى التغيير يجعله يأخذ خطوات حقيقية حتى لو فعل ذلك بمفرده دون تدخلك.
شجّع عملية التغيير
يمكنك الآن البدء في الخطوات الفعلية نحو التغيير، والبداية من تشجيع العملية نفسها، فكثيرًا ما يخشى الموظفين من هذا الأمر نظرًا لقناعتهم بصعوبة حدوثها، وأنّ هذا يهدد وجودهم داخل الشركة، فهم يشعرون بأنّ وجودهم بعيدًا عن التحديات يجنّبهم الفشل.
لذا الخطوة الأولى هي التأكيد على إمكانية حدوث التغيير، وأنّ هذا يمثل أولوية بالنسبة لك في أسلوب إدارتك للعمل، نظرًا لاهتمامك بالأشخاص وبوصولهم إلى أفضل مستوى يسمح لهم بالاستفادة من إمكانياتهم وتطويرها دائمًا، وأنّك تدرك جيدًا صعوبة هذا الأمر واحتياجه إلى الوقت حتى يحدث فعلًا في الوقع.
وضّح فائدة التحسّن للموظف
يربط البعض أحيانًا بين عملية تحسين الأداء وبين وجود أخطاء أو فشل، فيظن أنّ التحسين لا يحدث إلّا في هذه الحالة، وهو مفهوم خاطئ كليًا، فعلى الرغم من كون عملية تحسين الأداء تستخدم لعلاج بعض الأخطاء، لكنّها لا تعني دائمًا وجود فشل في أداء الشخص، بل قد يكون بإمكانه من خلال هذا التحسن الوصول إلى درجة أعلى في العمل.
لذا، وضّح دائمًا رؤيتك حول عملية تحسين الأداء أو تغيير العقلية، وأنّها تستخدم في أكثر من غرض، من بينها مساعدة الموظف للوصول لكفاءة أعلى داخل الشركة، وبالتالي تزداد فرصته في الحصول على ترقية أو الانتقال من منصب لآخر داخل الشركة.
ضع التعلّم كأولوية لا فقط تنفيذ المهام
يركّز الكثير من الموظفين في العمل على أهمية تنفيذ المهام، بغض النظر عن طريقة فعل ذلك أو ما يتطلبه الأمر، فالمهم في النهاية هو إنجاز المطلوب، وبالتالي يتجاهل عملية التعلّم. في الحقيقة من المهم بالنسبة لك التأكيد على مبدأ التعلّم، خصوصًا مع قوة المنافسة الموجودة، والتي تتطلب قدرة الموظفين على تطوير أنفسهم لنجاحهم الشخصي ولنجاح الشركة.
لكن هذا لا يعني تشجيع عملية التعلّم السريعة، بل الأهم دائمًا هو تشجيع التعلّم الصحيح بغض النظر عن الفترة التي تستغرقها هذه العملية، وهنا يعتمد الأمر على جزئين: الفترة المتوقعة للتعلم فعلًا، مستوى الشخص والفوارق الفردية التي تؤثر على تعلّمه، فإمّا تجعله يستغرق فترة أقل أو فترة أكبر. وفي النهاية يظل محور التركيز هو التعلّم الصحيح مهما استغرق من الوقت.
التركيز على العملية بدلًا من النجاح
من أهم الخطوات في الانتقال بالموظفين إلى عقلية النمو هي دعوتهم الدائمة للتركيز على العملية والخطوات التي يتم تنفيذها بدلًا من التركيز على النتيجة النهائية أو النجاح فقط، وذلك لأنّ مراقبة هذه الخطوات هي ما تحفّز عملية التعلّم وإدراك الأخطاء ومحاولة إصلاحها، وأيضًا التعلّم من أخطاء الآخرين.
من المهم في هذه النقطة هي التأكيد على أنّ النجاح ليس غاية في ذاته، بل المهم هو الخطوات التي تقود إلى هذا الأمر والتعلّم منها، مما يحفّز الأشخاص نحو قبولهم بنجاحات الآخرين من ناحية، ومن ناحية أخرى تركيزهم على ما يقومون به في العمل، والتعامل مع التحديات التي تواجههم ومناقشة هذا الأمر معك، حتى لو لم يصلوا إلى أفضل ما يمكن من ناحية النتيجة.
شرح أهمية الحصول على تقييم من حين لآخر
تأتي الخطوة الأخيرة لنقل الموظفين إلى عقلية النمو هي إقناعهم بأهمية الحصول على التقييم الدوري، وأنّ أخذ الأمور على المحمل الشخصي يؤثر على الموظف في تطوره وكذلك قناعة الإدارة بإمكانية الاستفادة منه مع الوقت، لأنّ رفض التقييم تراه الإدارة رفضًا لتحسين الأداء.
في حين الصواب هو التعامل مع التقييم على أنّه وسيلة للتعلّم، يمكن للشخص من خلالها معرفة كل شيء عن أدائه، وكيف يمكنه العمل من أجل التحسين للوصول لمستوى أعلى من الموجود حاليًا، وكيف تقدّر الإدارة هذا الأمر في الموظف وتحترم كل محاولاته التي يقوم بها.
إذا أمكنك التأثير في هذه النقطة فعلًا فأنت قد قطعت شوطًا كبيرًا في رحلة تغيير عقلية الموظف، فاستجابته للتقييم ستجعله يقبل نصائحك وتوجيهاتك فيما هو قادم، مما يجعل تغيير العقلية ممكنًا. وتذكّر أنه مع صعوبة هذه المهمة، فقد يكون أفضل ما تفعله لموظفيك أثناء إدارتك لهم هي مساعدتهم في التغيير من أنفسهم للأفضل، فهذا يخلق لك أثرًا طيبًا في داخلهم، وكذلك يزيد من فاعلية أدائهم وهو ما تبحث عنه الشركة.
المصادر: