قصة نجاح ماثيو بولتون الرجل الذي وقف وراء ظهور العملات المعدنية الحديثة
ربما لا يعرف كثيرون من هو ماثيو بولتون، ولا يدركون حجم الإنجازات التي قدمها في عالم صناعة وتشكيل المعادن، وكيف وقف وراء ظهور العملات المعدنية الحديثة. ساهم بولتون في حدوث ثورة صناعية كان لها الكثير من الفوائد للمملكة المتحدة والعالم أجمع.
بعد وفاته في عام 1809، كتب المهندس والمخترع والعالم الأسكتلندي جيمس واط: "لو لم يفعل السيد ماثيو بولتون أي شيء آخر في العالم أكثر، مما فعله في صناعة العملة، لاستحقت سيرته الخلود، وبقيت إلى الأبد". ولكنه ألمح إلى أن بولتون فعل ما هو أكثر من ذلك بكثير.
طالما كانت برمنغهام الإنجليزية مركزًا لصناعة الحديد، في مطلع القرن الثامن عشر، دخلت المدينة مرحلة توسع، وأصبح العمل في هذا المجال أكثر سهولة وأرخص، مع الانتقال من استخدام الفحم إلى فحم الكوك، الذي ساعد على صهر الحديد، وساعد بولتون على إحداث ثورة صناعية في عالم سك العملة وصناعة المعادن في المدينة الإنجليزية.
الشريك والمؤسس
وُلد بولتون في برمنغهام، حيث كان والده ماثيو بولتون الأكبر، صانع ألعاب ومُصنّعاً للمواد المعدنية الصغيرة الأخرى بمختلف أنواعها. وفي عام 1749، أي عندما بلغ عامه الـ21، أصبح شريكًا لوالده.
وبعد وفاة والده، تسلّم بولتون إدارة أعمال الأب الراحل لأعوام عدة، وأنتج الأطباق الفضية والتحف المطلية بالذهب. وعقب مدة وجيزة، أصبح بولتون شريكًا لجون فوثرجيل، وأسسا مصنع سوهو، الذي يُنظر إليه رائدًا في الإنتاج الضخم والتصنيع، وأنتج المصنع مجموعة كبيرة من السلع والأزرار والأبازيم والصناديق، وكذلك المنتجات الفاخرة، مثل الفضيات والأورمولو وهو من من البرونز المذهب.
ازدهرت أعمال بولتون الأب بعد ولادة ابنه ماثيو، وانتقلت العائلة إلى منطقة سنو هيل في برمنغهام، وكانت آنئذٍ منطقة مملوءة بالمنازل الجديدة. قرر ماثيو بولتون ترك المدرسة في عامه الخامس عشر، ومع بلوغه عامه السابع عشر، اخترع تقنية لتطعيم المينا داخل الأبازيم، وأثبتت شعبيتها.
شراكة وثيقة مع واط
كان تعاون واط وبولتون مفيداً لكليهما، وساعد على تطوير المحرك البخاري وتحويله إلى أداة تجارية. تعرف بولتون إلى جيمس واط عام 1768، وأثارت حاجته إلى مصدر طاقة لإتمام العمل في مصنعه اهتمامه باختراع واط. وفي عام 1775 أصبح هو والعالم الأسكتلندي شريكين في المحركات البخارية، وحصلا على براءة اختراع لمدة 25 عامًا.
أثبتت شراكة واط وبولتون نجاحها، بحلول عام 1796، كان هناك أكثر من 500 محرك بولتون وواط في المصانع والمناجم البريطانية، ولن نبالغ إذا قلنا إن هذه التطورات ساهمت بشكل كبير في تأسيس الثورة الصناعية البريطانية في القرن التاسع عشر.
في عام 1786، استخدم بولتون الطاقة البخارية من أجل تدوير آلات العملات، وحصل على براءة اختراع في عام 1790، وصنّع أعداداً كبيرة من العملات المعدنية لشركة إيست إنديا، وكذلك ورّد الآلات إلى دار السك الملكية.
كان مصنع سوهو موطنًا لأول آلة تعمل بالبخار، التي تم استخدام مكابسها في وقت لاحق في برمنغهام لسك العملات المعدنية لشركات سيراليون إيست إنديا وروسيا. في عام 1797 أنتجت الآلة عملة نقدية نحاسية لبريطانيا.
وإلى ذلك، أدّى بولتون دورًا بارزًا في تأسيس برمنغهام، واستثمر مبالغ مادية كبرى لتأسيس شبكة القنوات، إذ كان مُدركًا بشكل فطري أو غريزي بأن المدينة في حاجة إلى الكثير من التحسينات لتزدهر مدينةً صناعية.
رجل سبق عصره
وقد يدفعك ذلك إلى أن تتوقع أن هذا الشخص العملاق الذي ساهم في إحداث ثورة صناعية، لديه سجل ضعيف في علاقات العمل، أو ربما يمتلأ تاريخه بحكايات مروّعة عن إجبار الموظفين على العمل لساعات طويلة، مقابل حصولهم على أجور سيئة، ولكن بولتون خالف كل هذه التوقعات.
رفض توظيف الأطفال الصغار، الذين نظر إليهم نظراؤه وأصحاب المصانع والمؤسسات الصناعية الأخرى هلى أنهم عمال حيويون وغير مُكلفين، وتأكد أن العمال الذين يعملون في مصنعه يؤدون وظائفهم في مكان نظيف، ومُضاء جيدًا، وفيه تهوية جيدة.
في سبعينات القرن السابع عشر، قدم نظامًا للتأمين الصحي، يتم تمويله بحوالي 1/60 من أجور الموظفين والعمال، ودفع استحقاقات مادية تصل إلى 80 % من الأجور في حال مرضهم أو إصابتهم أو موتهم.
خلاصة القول، كان بولتون رجلاً مُذهلاً سبق عصره وحمل أفكاراً ومعتقدات لم يفكر فيها أحد من أبناء جيله، فكان مُبتكرًا ومتحمسًا لاستقبال أفكار صناعية جديدة ومختلفة، تساهم في جعل العالم مكاناً أفضل.
كلام على الصور:
1 ماثيو بولتون
2ماثيو بولتون وجيمس واط
3- تمثال معدني لجيمس واط وماثيو بولتون