من عالم المصارف إلى الفورمولا ون.. دروس من رحلة إدي جوردان نحو القمة
«أنا واحد من الرجال الأكثر حظاً في العالم»، هكذا يميل إدي جوردان لوصف رحلته إلى النجاح. ولكن الحظ لم يكن العامل الوحيد في رحلته الخارجة عن المألوف نحو تحقيق المجد والثراء والشهرة وطبعاً النجاح الباهر.
يمكن وصف حياة جوردان «المهنية» بأنها غير متوقعة فهو ما انفك ينتقل من مهنة لأخرى لا تشبه بعضها على الإطلاق. من عالم المصارف إلى سباق السيارات، فمالك لفريق فورمولا ون فإعلامي ومقدم برامج. هذه الرحلة تتضمن ما هو أكبر بكثير من الحظ، فهو يملك تلك الخصال المميزة التي يملكها الرجال الأكثر نجاحاً في العالم والتي لا يمكن تحديدها على وجه الدقة ولكن يمكن لمسها وملاحظتها بسهولة.
حكايته هي حكاية شاهدها الجميع عشرات المرات، قصة لشخص يأتي متسلحاً بالعزيمة فقط ويدخل عالم الكبار ورغم شبه انعدام حظوظ نجاحه لكنه يتمكن من الوصول إلى القمة.
لمحة عامة عن حياة إدي جوردان
ولد إدي جوردان في دبلن عام ١٩٤٨ وعمل خلال المراحل الأولى من حياته في «بنك إيرلندا» وذلك بعد أن رفض أن يتخصص في مجال طب الأسنان كما أراد والداه. بعد ٤ سنوات تم نقله إلى فرع آخر للبنك في «شارع كامدن» وخلال إضراب عام ١٩٧٠ أمضى صيفه في جزيرة جيرسي حيث عمل كمحاسب لشركة الكهرباء خلال النهار وكنادل في اللليل. خلال هذه الفترة اكتشف سباق الكارتينج وخاض سباقاته الأولى غير الرسمية في خليج سانت بريليد.
بعد عودته إلى دبلن شارك في بطولة الكارتينج عام ١٩٧١ وفاز بها. في العام ١٩٧٤ انتقل الى «فورمولا فورد» وفي العام ١٩٧٥ إلى «فورمولا ثري» ولكنه توقف عن السباق عام ١٩٧٦ بسبب حادث تعرض له وتركه برجل مهشمة. بعد ذلك بعام شارك بعدد من السباقات وفاز ببطولات عدة على صعيدي إيرلندا وبريطانيا.
مع نهاية العام ١٩٧٩ وبرغم أنه لم يكن يملك المال فإنه أسس فريقه الأول وهو فريق «إدي جوردن » الذي حقق العديد من الإنجازات. بحلول العام ١٩٩١ أسس فريق «جوردن غراند بري» ويمكن القول إن أشهر النجوم في عالم الفورمولا ون حصلوا على فرصتهم الذهبية بسببه ومنهم ديمون هيل، مايكل شوماخر، آيرتون سينا، أدي إيرفين وغيرهم الكثير.
ورغم شح المال لكن الفريق تمكن من تحقيق إنجازات وبالتالي كسب إحترام الجميع. العقبة الأولى كانت خسارة عقد الشراكة مع شركة هوندا والتي تزامنت مع مشاكل عدة داخل الفريق وبرغم ذلك استمر بالقيام بما يجيد القيام به رغم التمويل الضئيل جداً. في العام ٢٠٠٥ باع إدي جوردان الفريق وابتعد عن عالم الفورمولا ون لبعض الوقت.
في العام ٢٠٠٩ عاد إلى السباق وإنما هذه المرة من خلال الإعلام فكان معلقاً رياضياً ومحللاً على «بي بي سي ١» وكاتباً في مجلة «فورمولا ون رايسينج». بعد ذلك بفترة وجيزة حصل على برنامجه الخاص وفي العام ٢٠١٦ تم الإعلان بأنه سيكون أحد مقدمي برنامج «توب غير» الشهير كما أنه كان كبير المحللين الرياضيين «لقناة ٤» الرياضية.
وبرغم انشغاله الكبير ولكن وجد الوقت لكتابة عدد من الكتب كما أنه يعشق الموسيقى وهو عازف الطبل في فرقة تسمى «في ١٠» كما أنه مالك حالي أو سابق لعدد من الشركات فهو يدخل مغامرة تلو الأخرى ويحدد وفق مسار الشركة ما إن كان سيستمر بامتلاكها أو سيتخلى عنها. مسيرة سريعة تشبه عالم السباقات الذي يعشقه جعلت ثروته الحالية تقدر بـ ٤٧٥ مليون دولار.
«وصفته السرية» للنجاح
تقدير قيمة التعليم
جوردان يتحدث وبشكل دائم عن أهمية طفولته في حياته وخصوصاً الشق المتعلق بالتعليم. من الأمور التي يعتبر نفسه محظوظاً بالحصول عليها هي نوعية التعليم الممتاز في إيرلندا وطبيعته. التعليم كان مركزياً وبالتالي المدرسة والمجتمع والبيئة كانت متصلة بشكل وثيق ببعضها البعض وعليه هو ما ينفك يشدد على أهمية التعليم وتقدير المعلمين. هذه الأمور هي أسس النجاح في أي مسيرة كانت. يقول جوردان «مدير المدرسة في مجتمعي كان يتم اعتباره في مصافي الجراحين أو رئيس الشرطة، فهو كان يصنف كشخص هام وله قيمته وواحد من الأشخاص المؤثرين في المجتمع. في وقتنا الحالي لم يعد الأمر كذلك وهو أمر مؤسف للغاية». المبدأ هذا الذي تربى عليه إدي جوردان يفسر لنا كيف تحول هو شخصياً إلى أستاذ وراعٍ ومدرب لعدد كبير من أشهر سائقي الفورمولا ون في العالم. فحقق النجاح لغيره ولنفسه وحجز لنفسه مكانة في عالم الفورمولا الشرس والسريع.
لا بأس بأن تكون «الشرير»
الغالبية وعند وصفها لأدي جوردان غالباً ما تستخدم كلمات مثل «مخادع» أو «محنك» ولكنه يؤكد بأن التوصيفات هذه «لطيفة» للغاية. هو يؤكد بأنه أسوأ من ذلك بأشواط ويستخدم كلمة «شرير» لوصف نفسه: «كنت شريراً وإنما بالمعنى اللطيف للكلمة. لم أخالف القوانين ولكنني كنت مستعدا للقيام بأي شيء، وقد قمت بكل شيء من أجل جني المال».
سعة الحيلة جعلته يدخل في مواجهة مع جميع البنوك التي عمل فيها، فخلال فترة عمله كموظف في البنك كان أيضاً يستغل وظيفته للقيام بوظيفة جانبية وهي بيع السيارات.
كان يملك ٥ سيارات يقوم بركنها في موقف سيارات البنك، وبما أنه كان يعمل في قسم قروض السيارات فغالباً ما كان يقنع الزبائن بشراء السيارات التي يملكها عوضا عن شرائها من مكان آخر. بطبيعة الحال صبر المسؤولين عنه نفد بعد مدة ما جعل المواجهة حتمية.
المناوشات مفيدة.. استمتعوا بها
نجاح إدي جوردان في حسم الصفقات سواء خلال بداية حياته وبيعه للسيارات خلال عمله في البنك أو لاحقاً بعد تأسيسه فريقا لسباق السيارات ينبع من استمتاعه بعملية التفاوض والاحتكاك مع الآخرين. الغالبية تفضل عدم المواجهة ولكنه النقيض فهو يستمتع بها كما أنها الوقود الذي يدفعه قدماً. عدم تخوفه من المواجهة جعله يتقدم على منافسيه برغم أن الواقع هذا جعله يبدو شريراً واستغلالياً معظم الأحيان بالنسبة للآخرين.
البعض قد يخيل إليهم بأن مصدر هذه القوة هو الثقة بالنفس ولكن جوردان يؤكد بأنه لم يكن يملك ثقة كبيرة بالنفس خلال المراحل الأولى من مسيرته. «حالياً أنا في عقدي السابع»، يقول جوردان، «وبرغم أنني أعتقد أنني أملك الكثير من الثقة بالنفس حالياً، لكنني لم أكن كذلك سابقاً».
الثقة بالنفس هي أساس النجاح وبينما العرف السائد هو إما امتلاكها بالفطرة وإما عدم امتلاكها، فإن مسيرة جوردان تؤكد بأن الثقة بالنفس تكتسب. هو على قناعة تامة بأن الثقة بالنفس ليست فطرية بل يتم اكتسابها لاحقاً وهي وفق مفهومه الأسس التي يبنيها الإنسان لحياته والتي تجعله يشعر بأن قيمته تعادل قيمة شخص آخر أو التي تجعله يشعر بأنه يملك ما يخوله منافسة شخص آخر.
أحط نفسك بمن هم أفضل منك
إدي جوردان كان سائقاً ماهراً ولكن رفاقه في الفريق كانوا أفضل منه وهو لم يجد حرجاً في الاعتراف بذلك. بعد فوزه في بطولة «فورمولا أتلانتيك» تم ضم السائق الشاب الى «مارلبورو رايسينغ». انتقال يعتبره حتى يومنا هذا «ضربة حظ» لا تصدق والتي كان لها أثرها الكبير على مجريات حياته. خلال هذه المرحلة وجد نفسه يحتك بمن هم الأفضل في العالم مثل جايمس هانت ونيكي لاودا وغيرهم.
النجاح معدٍ وهو حين تواجد بين الأفضل تعلم كل ما يحتاج لتعلمه. الغالبية حين تجد نفسها في هكذا موقف تحاول التنافس مباشرة ولكنه امتلك التواضع لرؤية أنه لا يمكنه التفوق عليهم وبالتالي التعلم منهم والاستماع لنصائحهم هو الحل المثالي.
يقول جوردان بأن ميكي لاودا كان له تأثيره الكبير على مسار حياته المهنية لكونه أشار إلى مكامن القوة لديه، يتذكر إدي جوردان محادثة مع لاودا حيث أبلغه الأخير بأنه يملك معرفة واسعة جداً بالأمور المالية والتجارية واقترح عليه إدارة فريق عوضا عن تركيز طاقته وجهده لتحسين مهاراته كسائق.
لعب دور الضعيف حين تستدعي الحاجة
القوة الخارقة التي كان يملكها جوردان حين دخل عالم الفورمولا ون هي أنه كان الطرف الضعيف الذي لم يأخذه أحد على محمل الجد. الجميع تعامل معه على أنه دخيل وحتى أن بعضهم اعتبره «نكتة» الموسم.
لم يشعر بالإهانة بل استغل الموقف لصالحه وجعلهم يعتبرونه المغامر الأبله الذي لا يملك فكرة عن جدية الأمور في عالم الفورمولا ون. وخلف ذلك القناع كان هناك عزيمة وجدية وتصميم. يقول جوردان «كنت جاداً جداً ولكنني أديت شخصية الأبله وسمحت لهم بالسخرية مني. في الواقع كنت أتمنى وبشكل دائم عدم أخذي على محمل الجد لأن ذلك يعني أنني يمكنني النمو والتقدم براحة تامة».
شخصيته هذه مكنته من الحصول على شركات راعية بسهولة تامة بينما كانت الفرق الأخرى تعاني. مقاربته كانت واضحة ومباشرة وهي إبلاغ الشركة المعنية بأن الرحلة القادمة ستكون جنونية وخارجة عن المألوف ولكن النجاح مضمون.
المصدر: ١