قصر خزام .. الشاهد التاريخي على الاتفاقيات والمعاهدات التي بدّلت ملامح المملكة
في إطار حملة «لمتنا سعودية» التي أطلقتها مجلتا «الرجل» و«سيدتي» استعداداً للاحتفال باليوم الوطني السعودي الـ 90 نستعرض اليوم حكاية قصر خزام التاريخي الذي كان مقر إقامة الملك المؤسس.
القصر هذا لا يعد معلماً تاريخياً فحسب لكونه أحد القصور الملكية بل له أهمية خاصة إذ تحت سقفه عقدت اتفاقيات ومعاهدات هامة للغاية بعضها بدل ملامح المملكة للأبد.
يقع قصر خزام التاريخي وسط حي النزلة اليمانية، الذي هو أحد أحياء جدة القديمة الشعبية. القصر حالياً هو متحف جدة الإقليمي وذلك بعد ترميمه وتعرض فيه الكثير من المقتنيات وفق التسلسل التاريخي ابتداءً من العصور الحجرية مروراً بالعصور الإسلامية وصولاً الى الدولة السعودية الثالثة بالإضافة الى مقتنيات خاصة بالملك المؤسس.
جولة داخل القصر
في العام ١٩٢٨ أمر الملك عبد العزيز ببناء القصر وعهد بالمهمة إلى المقاول محمد بن لادن، وبعد خمس سنوات اكتمل بناء القصر الذي حصل على تسميته من نبات الخزامي التي كانت تتواجد بكثرة في تلك المنطقة.
يتميز القصر بجماله المعماري الفريد من نوعه الذي يظهر تفاصيل الهندسة المعمارية لحقبة الثلاثينيات والأربعينيات كما أنه من أوائل المباني التي استخدم فيها الإسمنت والحديد في المملكة العربية. تم استخدام الأحجار الجيرية من ساحل البحر الأحمر في بناء القصر، بالإضافة إلى الإسمنت والرمل وحديد التسليح والأخشاب. تصميم القصر يظهر وبوضوح الفن المعماري الذي كان سائداً حينها وهو أيضاً يظهر جانباً آخر يرتبط بالهندسة المعمارية المرتبطة بالقواعد والبروتوكولات السياسية والتنظيمية.
للقصر ثلاث وجهات وهي الجنوبية التي تطل على حي النزلة اليمانية، والواجهة الشمالية التي تطل علي مصلى العيد والواجهة الغربية والتي تطل على منطقة السبيل. ويتألف من طابقين وعدد من الملحقات تتوزع على الجهتين الجنوبية والغربية وبحيط به سور يصل ارتفاعه إلى ٣ أمتار.
المدخل الرئيس للقصر عبارة عن بوابة مرتفعة تسمى بوابة قصر خزام الكبرى لها برجان متقابلان متماثلان لناحية التصميم والزخرفة ومدخل آخر عبارة عن بوابة أصغر حجماً وتسمى البوابة قصر خزام الصغرى تتكون أيضاً من برجين متقابلين متماثلين لناحية التصميم.
الملك في قصره
وفق الوثائق فإن الملك عبد العزيز نزل في قصر الخزامي للمرة الأولى بعد إنشائه يوم السبت ١٥ أبريل/ نيسان عام ١٩٣٢ واستقبل فيه عددا من ممثلي الدول الأجنبية عند الساعة الرابعة من مساء يوم السبت. وتشير بعض الوثائق إلى أن الملك كان يقضي بعض الوقت في القصر بعد انتهاء موسم الحج.
خلال هذه الفترة، كان الأمير فيصل قبل أن يصبح ملكاً وخلال توليه منصب النائب العام للملك ومنصب وزير الخارجية، يستقبل كبار الضيوف والدبلوماسيين في القصر أيضاً.
وبعد وفاة الملك عبد العزيز، استخدم الملك سعود القصر كمكاتب إدارة حتى عام ١٩٦٣ وتم إدخال بعض التعديلات عليه إذ تم ضم القصر إلى قصور الضيافة الأخرى كما أضيفت بعض المرافق إليه.
في العام ١٩٥٥ تم وضع صورة البوابة الرئيسية على العملة الورقية لكون القصر كان يمثل مركز جدة الحكومي إذ كان يتم استقبال الوفود الرسمية التي تأتي في مهام دبلوماسية فيه.
شاهد على أهم المعاهدات والاتفاقيات
قصر خزام شهد على مرحلة مفصلية وهامة من تاريخ المملكة العربية السعودية، فبين جدرانه دارت أهم النقاشات التي أفضت إلى اتفاقيات ومعاهدات بدلت ملامح المملكة إلى الأبد.
في هذا القصر تم توقيع أول اتفاقية في الامتياز للتنقيب عن البترول بين الحكومة السعودية ممثلة بالشيخ عبدالله السليمان الذي مثل الملك عبد العزيز وشركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» ممثلة بلويد ماهلتون في ٢٩ مايو /أيار عام ١٩٣٣. المعاهدة هذه هي البداية لمرحلة جديدة ومختلفة في تاريخ السعودية، فهي أفضت إلى بناء شركة «كاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني» (كاسوك) لإدارة هذه الاتفاقية وثم بدأت أعمال الحفر والتنقيب على الفور ليتحقق النجاح في العام ١٩٣٨ وتصبح السعودية بلداً نفطياً.
من الاتفاقيات الهامة التي كان القصر شاهداً عليها توقيع اتفاقيات ومذكرات مع مصر تتعلق بعدد من المشاريع العمرانية عام ١٩٤٠. كما تم توقيع معاهدة صداقة وحسن جوار مع الكويت والتي هي من الاتفاقيات الهامة للغاية بحكمأن العلاقات بين السعودية والكويت كانت متقلبة جداً خلال تلك الفترة.
فمن علاقات متينة إلى علاقات متوترة وصولاً إلى التوافق التام بين الملك عبد العزيز والشيخ أحمد الجابر الصباح. وبتحسن العلاقة السعودية تم عقد ٣ اتفاقيات الأولى هي اتفافية الصداقة وحسن الجوار والثانية اتفاقية تجارية والثالثة لتسليم المجرمين. اتفاقية الصداقة وحسن الجوار تطرقت إلى كل التفاصيل التي كانت تؤدي إلى التوتر بين الدولتين منها التأكيد على السلم الدائم والصداقة والتعهد ببذل الجهود للمحافظة على حسن العلاقة ومنع اتخاذ البلدين قاعدة لأي عمل غير مشروع ضد السلم والأمن في بلاد الفريق الآخر. وهذه النقطة في الواقع هامة لكونها كانت مصدر قلق للسعودية لفترة طويلة.
قصر خزام أيضاً شهد على تجديد معاهدة جدة عام ١٩٤٣ والتي هي معاهدة تمت في جدة بين الحكومة البريطانية ومملكة الحجاز ونجد ملحقاتها سنة ١٩٢٧ اعترفت فيها بريطانيا بالاستقلال الكامل للمملكة التي أصبح في العام ١٩٣٢ اسمها المملكة العربية السعودية.
في قاعات القصر تم توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات تجارية مع سوريا وهذه الاتفاقية لها أهميتها التي تتجاوز البعد الاقتصادي، فالعلاقة بين البلدين كانت تتسم بالاضطراب منذ البداية. الاتفاقية التجارية جاءت أيضاً مع دعم مالي من المملكة الى سوريا ومهدت لاتفاقيات تجارية لاحقة لكنها ألغيت جميعها في عهد الملك فيصل عام ١٩٦٦ بعد الموقف العدائي للحكومة السورية تجاه السعودية.
بالإضافة إلى تلك المعاهدات تم توقيع معاهدة صداقة مع باكستان، كما تسلم الملك في القصر أوراق اعتماد عدد من سفراء الدول العربية والأجنبية كفرنسا والصين وهولندا وغيرها.
القصر بات متحفاً
في العام ١٩٨١ تم تحويل القصر إلى متحف جدة الإقليمي بتوجيه من الملك فهد، وقسم إلى قاعات. القاعة الرئيسية تضم صورا للحرمين الشريفين وصورا لآثار المملكة ونموذجا لمركب صيد تقليدي وذلك للإشارة الى الدور الكبير الذي لعبته الثروة البحرية في حياة سكان مدينة جدة.
قاعة أخرى وهي قاعة عصور ما قبل التاريخ وهي تعرض لمقتنيات تعود الى العصر الحجري وفيها أيضاً بعض الرسوم التي توضح أنماط المعيشة خلال تلك الفترة فمدينة جدة والمناطق المحيطة بها تنتمي الى تلك الحقبة التاريخية. القاعة أيضاً تعرض لمقتنيات من المنطقة الشرقية تعود لأكثر من ٥٠٠٠ عام، وأخرى من مدائن صالح ودومة الجندل ونجران وكتابات بخط المسند وغيرها.
وفي القاعة الإسلامية تعرض مقتنيات تعود إلى بداية ظهور الإسلام وحتى العصور الإسلامية المختلفة.
في قاعة الملك عبد العزيز يوجد مجلس الملك العزيز بمقاعده التركية بلونها الأحمر وزخرفتها الذهبية، ويتصدر المجلس كرسيه وعصاه الخشبية وتليفونه الأسود القديم، إلى جانب عديد من الصور التاريخية النادرة مع رؤساء الدول والوفود الرسمية للمملكة. كما يوجد عدد من المراسلات والوثائق التي خطت باليد والموقعة منه شخصياً. قاعة الملك سعود تحتوي على مكتبه الخشبي ومقعده وعصاه وتلفونه وسيوفه والعديد من المقتنيات الأخرى كالعملات الورقية والمعدنية التي صكت في عهده كما تضم عديدا من الوثائق والمراسلات بين الملك عبد العزيز والملك سعود عندما كان ولياً للعهد، وبعض المطبوعات القديمة في عهده، كما تضم أيضاً صوره مع رؤساء الدول والوفود الرسمية لعديد من الدول.