تنظيم الحج بدأ على يد الملك المؤسس.. عودة بالذاكرة إلى بدايات مرحلة الأمن والأمان
في إطار حملة «لمتنا سعودية» التي أطلقتها مجلتا «الرجل» و«سيدتي» استعداداً للاحتفال باليوم الوطني السعودي الـ ٩٠ نعود اليوم في الذاكرة إلى بدايات مرحلة الأمن والأمان في الحج والتي بدأت مع الملك عبد العزيز.
الحج إلى بيت الله الحرام ركن من أركان الدين وهو فرض على كل مسلم. تاريخياً الرحلة إلى الحج كانت طويلة ومنهكة وتتم من خلال قوافل تضم عادة عشرات الآلاف من الحجاج.
الرحلة إلى الحج كانت رحلة الى المجهول وأي شخص كان يذهب الى الحج لم يكن يعرف ما إن كان سيعود من رحلته تلك حياً.
الفوضى العارمة: قساوة الطبيعة وأطماع البشر
قبل تأسيس الدولة السعودية كانت المنطقة تعمها الفوضى وتعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني وعمليات السلب والنهب فيها هي العرف السائد.
قوافل الحجاج كانت الهدف الأول لللصوص والعصابات وكانت طرق الحج تعج بقطاع الطرق الذين كانوا يهاجمون قوافل الحجاج ويعتدون عليها ويسرقون كل ما تقع عليه أيديهم. الدولة العثمانية آنذاك عجزت عن تأمين سلامة الحجاج رغم أنها كانت تسيير قوات عسكرية مع القوافل كما كانت تدفع الإتاوت لقطاع الطرق من أجل السماح للقوافل العبور بأمان.
الحجاج أيضاً كانوا يمارسون الأمن الذاتي فلا يتنقلون إلا جماعات وكانوا يحملون السلاح لحماية أنفسهم من اللصوص.
المخاطر لم تكن ترتبط فقط بالوضع الأمني المنفلت، فالطبيعة أيضاً كان لها دورها في جعل الحج رحلة لا يعرف الحاج ما إن كان سيعود منها حياً أم ميتاً.
فالطرقات التي كانت معتمدة كانت معرضة وبشكل دائم لخطر السيول والأمطار بالإضافة الى خطر الثعابين والحيوانات المفترسة وطبعاً قساوة الطقس.
الرحلة إلى الحج براً كانت تستغرق شهرين وغالباً ما تنطلق قوافل الحجاج بعد عيد الفطر وتبدأ الرحلة سيراً على الأقدام وعلى الجمال بإتجاه بيت الله الحرام.
البعض كان يفضل تكبد مشقة السفر بحراً لتجنب مخاطر البر، وكانت الرحلة البحرية تلك تستغرق شهراً كاملاً وذلك لأن المسار هو السفر إلى بومبي ثم من هناك الى جدة.
الملك عبد العزيز وجهوده الجبارة لفرض الأمن والنظام
تنظيم الحج
اهتم الملك عبد العزيز بالحفاظ على أمن الحجاج وتابع كل التفاصيل بنفسه، كما اتخذ عدة إجراءات لضمان سلامتهم منها إنشاء فرق عسكرية وأمنية هدفها توفير الحماية للحجاج خلال أداء المناسك، ووضع نظام للحجاج أشرف شخصياً على تنفيذه، وتدابير تمنع استغلال الحجاج بالإضافة إلى فرض تعريفات بأجور عادية لنقل الحجاج بين الأماكن المقدسة كما عمل على توفير مياه الشرب والأغذية ووسائل الراحة التي تسهل الحج.
محاربة الدعاية الشائعة حينها بتعذر الحج
المرحلة الأولى كانت هامة للغاية وكان الملك يدرك ذلك ولهذا السبب عمل على مواجهة الدعاية التي كانت منتشرة آنذاك بتعذر الحج. رحلة الحج كانت أصلاً مغامرة محفوفة بالمخاطر ومع عدم وضوح الصورة للحجاج القادمين من الدول الأخرى إنتشرت شائعات عديدة حول تضاعف خطورة الحج بسبب الحروب وعمليات السلب والنهب وقطع الطرق وانعدام الأمان.
الملك قرر وضع حد للشائعات ونشر بياناً في جريدة أم القرى الرسمية أكد فيه لجميع المسلمين حول العالم أن المملكة تتكفل بحماية الحجاج وتأمين راحتهم والمحافظة على حقوقهم وتسهيل أمور سفرهم. كما أرسل رسائل الى ملوك وقادة ورؤوساء يوضح لهم الإجراءات التي قامت بها المملكة سواء لناحية الأمن أو وسائل النقل أو الإقامة للحجاج.
العمل على توفير الماء
خلال تلك الفترة كانت مكة المكرمة تعاني من نقص في المياه وكان المشكلة هذه تتحول إلى معاناة كبيرة في كل موسم للحج فما كان من الملك إلا أن أمر بحفر الآبار الارتوازية في المشاعر المقدسة، كما قام بإنشاء إدارة خاصة تعنى بالمياه وتعمل على توفيرها، وهكذا تم سد حاجات سكان مكة للماء طوال العام وحل مشكلة الشح الشديد في الماء خلال موسم الحج.
اللجنة الأولى لتنظيم وإدارة الحج
أعاد الملك تنظيم مديرية مراقبة الحج وأدخل تنظيمات إدارية جديدة. وبعد تعيينه للشيخ محمد سعيد أبو الخير مديراً للأوقاف كان يتم إرسال رواتب موظفي الحرم المكي من الخزينة السلطانية إلى الإدارة هذه مباشرة. كما أصدر الملك الإصلاح الإداري الأول الذي طال نظام إدارة الحج ونظم عمل المطوفين والزمازمة والمخرجين وكل الوظائف المتعلقة بدائرة الصحة العامة في الحج.
أول مؤتمر لشؤون الحج
عقد أول مؤتمر إسلامي عام بعد دعوة وجهها الملك عبد العزيز و تم البحث في هذا المؤتمر أفضل السبل لخدمة الحرمين الشريفين وآلية الجمع بين المسلمين وتوحيد صفهم.
إلغاء رسوم الحج
قرار إلغاء رسوم الحج كان له أثره الإيجابي الكبير في جميع دول العالم الإسلامي. الغاية من هذا القرار هو تيسير الحج على المسلمين.
تحسين وسائل النقل البرية والبحرية والجوية
خط سكة الحديد الذي كان قد وصل الى المدنية المنورة في أيلول/ سبتمبر عام ١٩٠٨ تضرر بشكل كبير خلال الحرب العالمية الأولى وبسبب الثورة العربية. الخط هذا كان يختصر الجهد والعناء ولكن الأمور كانت ما تزال معقدة أمنياً ولوجستياً فلم يكن بالإمكان الاستفادة منه في البداية.
نظام النقل الحديث في رحلة الحج بدأ بشكل فعلي وفعال بعد الحرب العالمية الثانية فتم إنشاء الهيئة السعودية للنقل العربي وشركة النقل في عامي ١٩٤٦ و١٩٤٨ لنقل الحجاج في مختلف مواقع الحج. وبعد أن أثبتت وسيلة النقل هذه فعاليتها انتهت في العام ١٩٥٠ مرحلة إستخدام الإبل كوسيلة للتنقل.
النقل البحري تم منحه الأهمية الكبرى أيضاً وذلك لأن أعداد الحجاج القادمين بالسفن كانت كبيرة جداَ. الملك عبد العزيز أصدر أمراً بإنشاء أول مدينة لحجاج البحر تكون عبارة عن نزلاً لهم وفكرة أولية ونواة لمدينة أكبر في جدة. شيدت المباني المؤلفة من طابق واحد والمزودة بالمرافق الضرورية. وبعد ١٠ سنوات من بنائها استبدلت بأخرى عبارة عن طابقين وتم دعم المدينة بأسواق تجارية.
على صعيد النقل الجوي كان الملك عبد العزيز يدرك أهمية تطوير وسيلة النقل هذه بحكم أن الصحارى والجبال تشكل نسبة كبيرة جداً من أراضي المملكة. في العام ١٩٤٥ وبعد هبوط طائرة مدنية في مدينة جدة كانت هدية من الرئيس الأميركي روزفلت للملك، قام الملك بإهدائها الى الشعب السعودي وبدأت رحلات داخلية بين الرياض وجدة والظهران. وبعد أشهر تم شراء طائرتين وكان الطائرات الثلاث من طراز دكوتا دي سي ٣ هي النواة الأولى للطيران المدني.
ثم في العام ١٩٣٦ عقدت المملكة العربية السعودية وشركة الخطوط الجوية المصرية إتفاقا وقدمت الشركة أول خدمة طيران للحجاج عام ١٩٣٧.
ووفق بعض الأرقام المتدوالة فإن إجمالي الحجاج الأجانب الذين قدموا عن طريق البحر خلال مواسم الحج من ١٩٤٦ و ١٩٥٠ بلغ ٨٠٪ و١٠٪ عن طريق البر و٧٪ عن طريق النقل الجوي. ثم شهدت السبعينيات والعقود اللاحقة زيادة كبيرة جداً في أعداد الحجاج بسبب نظام السفر الجوي وأسعاره المعقولة.
مرحلة الأمن: تبدل الصورة بشكل كلي
بعد توحيد المملكة ومع إعلان الملك تطبيق شريعة الله وهي شريعة الأمن والأمان للمجتمعات الإسلامية في المملكة إستتب الأمن وتم القضاء على العصابات واللصوص وقطاع الطرق. الصورة تبدلت بشكل كلي، فمن حكايات عن رعب كامن في كل زاوية إلى أمان مطلق. واحدة من القصص التي باتت مضرب مثل في دول العالم الأخرى آنذاك قصة الجمل الذي فقده صاحبه والذي جاب مناطق عديدة وهو محمل بالبضائع والمقتنيات، وعندما عثر عليه صاحبه بعض فترة وجد مقتنياته كاملة ولم ينقص منها شيئاً.
عناية شخصية من الملك بالحجاج
اعتاد الملك عبد العزيز على قيادة موكب الحج سنوياً والإشراف شخصياً على خدمة الحجاج وذلك لثلاثين عاماً ولم يعتذر طوال حياته عن مواسم الحج إلا ست سنوات. وفي المرات التي كانت يعتذر فيها كان يوجه بتوزيع نفقة حجه على الفقراء. وفي إحدى الروايات يقال بأن الملك الذي كان يشعر بتعاطف كبير مع الحجاج كان يراقب قوافلهم وهي تمر وكان ينبه السائق ويطلب منه السير بهدوء خوفاً من أن تمس سيارته شقدفاً أو تؤذي جملاً.
كما كان الملك عبدالعزيز يحرص في كل موسم حج على الالتقاء برؤساء وفود الحج وعلماء المسلمين وكانت خطاباته في مواسم الحج تتسم بالقوة والحكمة وتتمحور حول نبذ الخلافات وتحقيق الأمن والسلم.