غرفة الاحساء : بيت التجار والصناع واكثر..
مويضي المطيري - الدمام :
كان العام الاول من العام الهجري 1401، نقطة تحول لأهالي محافظة الاحساء وتجارها الذين ادركوا اهمية تأسيس اللبنه الاولى لـ"بيت التجار"، ليخدم رجال الاعمال في محافظة تزخر بتنوع في انشطة يمارسها الاهالي منذ عقود في قطاعات عدة ( تجاري وصناعي وزراعي).
بدأ التجار الاحسائيون بالتحرك لتأسيس كيان يقدم لهم المزيد من التسهيلات والخدمات، ويوفر عليهم الوقت والجهد، بدلاً من السفر لإنجاز معاملتهم بوساطة غرف المناطق المجاورة، خاصة مع النموّ التجاري والدخول في مجالات الاستثمار المتعددة، فكانت هذه المؤسسة الخدمية التي تعين رجال الأعمال بالقطاع الخاص على تذليل العقبات التي تعترضهم.
في ذلك الوقت من بداية التأسيس بلغ عدد السجلات التجارية أكثر من تسعة آلاف سجل في عام 1400هـ ، وبما أن الغرفة تمثل مصالح قطاع مهم وحيوي ويعدّ ركيزة أساسية لنموّ الاقتصاد الوطني وازدهاره، فقد التقى عدد من رجال الأعمال في الأحساء المسؤولَ في مكتب وزارة التجارة آنذاك، واستعرضوا عدد السجلات التجارية ومدى حقّ أصحابها في أن تكون لهم غرفة تهتم بشؤونهم، وتكون خير معين لهم لحماية مصالحهم، ومعرفة ما يستجد في مجالات الاقتصاد المحلي والخليجي والعربي والعالمي، وتكون وسيلة اتصال لهم بزملائهم رجال الاعمال داخل المملكة وخارجها.
تشكلت غرفة التجارة الاحسائية وقادها ستة رجال من أكبر تجار المحافظة التي تقع شرقيّ السعودية على ما يقارب ربع مساحة المملكة، والتي تعدّ أكبر واحة نخيل عربية، ففيها مساحات هائلة من النخيل يربو عددها على 3 ملايين نخلة، وكانت تشكل احد اهم انواع تجارتها في موقع يجمعها، بل ويجعلها بوابه لدول الخليج الاخرى.
ومع مطلع العام الهجري لعام 1401، بدأت اعمالها باختيار الشيخ ناصر بن حمد الزرعة رئيساً للمجلس، كما اختير عضوان جديدان لينضما إلى المجلس، هما يوسف سعد القصيبي ومهدي ياسين الغدير. وتقدم الشيخ ناصر بصفته رئيساً للمجلس باقتراح ابدى فيه استعداده لإقراض الغرفة مبلغ أربعمئة ألف ريال، توضع في البنك ليتم الصرف منها على أغراض الإنشاء والتأسيس المتعددة. ووافق المجلس على الاقتراح وقبول القروض الأخرى من بقية الأعضاء. وتم خلال الاجتماع
اختيار مكان ليكون مقراً للغرفة وهو مكان مستأجر، كما تم التداول في أسماء عدة لاختيار أمين عام، ووقع الاختيار على سعد عبدالرحمن البراهيم أول أمين عام للغرفة.
بدأ العمل في غرفة التجارة والصناعة بالأحساء يسير رويداً رويداً، وبدأ رجال الاعمال ينتسبون إليها، لقناعتهم التامه بدورها في مساندتهم وتأكيد دورهم في مجالات التنمية المتعددة والمتطورة، وكان أول تاجر انتسب إلى الغرفه هو محمد عبدالله الفرج اليامي. وعاماً إثر عام ازدادت مسؤوليات الغرفة لإحساسها بالدور الرائد الذي انيط بها، وأن واجبها تجاه القطاع الخاص يحتم عليها تقديم المزيد من الخدمات لرجال الاعمال، لتطوير أعمالهم وزيادة إسهامهم في التنمية الشاملة التي تعيشها المملكة عامة والأحساء خاصة .
بدأت الغرفة بعدد محدود جداً من الكوادر البشرية الذين لم يتجاوزوا ثلاثة موظفين فقط، في العام الأول. وقبلت التحدي بقوة الإرادة وأصرّت على أداء الهمام المنوطه بها، وكانت الانطلاقة في جمع المعلومات من جميع المصادر وأهمها مجلس الغرف السعودية والغرف الشقيقة.
و لاحظ المجلس أن مقرّ الغرفة المستأجر لا يستوعب الأعمال التي تقوم بها الغرفة، فتمّ التفكير جدياً في الانتقال الى مبنى جديد. وفعلاً تم البدء بإعداد المخططات والتصاميم اللازمة للمبنى الجديد، وانتهى تشييده عام 1414هـ، وقام الأمير محمد بن فهد بن جلوي أمير المنطقة الشرقية - رحمه الله - وبحضور الدكتور سليمان السليم وزير التجارة آنذاك، بافتتاح المبنى رسمياً في عام 1416هـ، في احتفال حضره كثير من رجال الأعمال من دول الخليج والمملكة. ورغم ان الغرفة شيّدت مبناها وأثثته وجهزته، فإن خدمات الغرفة لم تتأثر، فقد كانت جميع إدارات الغرف تؤدي دورها على الوجه المطلوب لخدمة منتسبيها.
أما اليوم فقد أصبحت الغرفة تسهم بشكل مهم مع زميلاتها الغرف التجارية الصناعية في المملكة ومجلس الغرف السعودية، في كل ما من شأنه دفع عجلة التنمية الاقتصادية. ويتم ذلك من خلال دعم الانشطة الاقتصادية المختلفة ( التجارة، الصناعة، الزراعة، السياحة، المقاولات، الخدمات) بتزويدها بالمعلومات التي تهمها، وحمايتها من أساليب التلاعب والتحايل والغشّ التجاري التي انتشرت مؤخراً، سواء في الداخل أو الخارج. وبتوعيتها باتباع الأساليب الحديثة في الادارة، والاهتمام بدارسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع. كما أن الغرف قد أقنعت الدولة بأهمية دور القطاع الخاص، وبأنه شريك رئيس في التنمية الاقتصادية، ولذلك انتهجت مبدأ التدريب والتطوير للشباب السعودي، لتأهيلهم وتدريبهم للعمل في منشآت القطاع الخاص.
تفاعلت الغرفة التجارية الصناعية بالاحساء عبر مسيرتها الطويلة، مع الظروف التي صاحبت التنمية الاقتصادية والتغيرات التي نشأت في المجتمع المحلي، وواكبت في مهامها وتطلعاتها التنامي المتزايد للقطاع الخاص، وما احتاجه من دعم لأداء دوره وممارسة مسؤولياته وتحقيق أهدافه. وبدأت بإعداد قوائم بالشباب السعوديين الباحثين عن عمل، وتزويد المنشآت التي تطلب هذه العمالة باحتياجاتها من التخصصات المطلوبة، وذلك عن طريق مركز التوظيف بالغرفة.
بعد سبعة اعوام من انشائها، بدأت الغرفة بتنظيم المعارض الوطنية، بهدف نشر الوعي عن هذه الصناعات وتكثيف التعريف بالمنتجات الوطنية؛ ففي احد معارضها سجلت 225 ألف زائر لمعرض الصناعات الوطنية الأول بالأحساء، الذي تفضل بافتتاحه محمد بن فهد بن جلوي أمير منطقة الأحساء رحمه الله.
ولم تغفل الغرفة عن الحفاظ على شهرتها، في كونها من اكثر الواحات نخيلاً، فقد سلطت الضوء على عدد من المشكلات والتحديات التي يواجهها قطاع الزارعة في الأحساء؛ فتم تأسيس أول لجنة زراعية في الغرفة للإسهام في حل المشكلات والمعوقات التي تواجه القطاع الزراعي. فشاركت في أول تجمع من نوعه للمسؤولين والمهتمين بالإنتاج الزراعي بشتى اتجاهاته بالمملكة، وقدمت الغرفة خلال هذا الملتقى ورقة عمل ركزت على مشكلات الإنتاج الزراعي ومشكلات إنتاج الفاكهة والتمور وإنتاج الأعلاف.
وكان من إسهاماتها المشاركة في الندوة العلمية عن تلوّث البيئة بالنفط، وأثره في الأحياء البحرية والنباتية والحيوانية، وذلك نتيجة تسرّب كميات كبيرة من الزيت الخام الكويتي الخفيف إلى مياه الخليج العربي.
كما انها أسهمت في استقبال الإخوة الكويتيين وتقديم الخدمات الإنسانية لهم، إثر الاعتداء العراقي الغاشم على دولة الكويت آنذاك.
بعد مرور 11 عاماً من عملها استمرّ دعم رجالها وقائدي اعمالها، فقدم أعضاء مجلس إدارة الغرفة قروضاً تبلغ قيمتها مليوناً ومئة ألف ريال، لإكمال مشروع مبنى الغرفة تسدد للمقترضين بطريقة ميسّرة من إيرادات الغرفة. واستمرّ التفاوض مع بلدية الأحساء للحصول على قطعة أرض ليقام عليها مركز الأحساء للمعارض ، وتمت الموافقة من قبل بلدية الأحساء مشكورة على منح هذه الأرض بمساحة تزيد على 22.550 ألف متر مربع على طريق عين النجم.
عزّزت الغرفة دورها في قيادة الوجه السياحي للاحساء، والتعريف بما تمتلكه، وهي مدينه العيون، والتاريخ العريق الذي سبق العهد العثماني؛ فدعت وفوداً اجنبية، منها وفد سياحي أمريكي لزيارة إلى غرفة الأحساء ضم 121 سائحاً من أساتذة الجامعات الأمريكية والمهتمين بالآثار.
واستضافت الغرفة الاجتماع التأسيسي الأول لشركة "الأحساء للسياحة والترفيه"، وقد تم خلال هذا الاجتماع تحديد رأس مال الشركة بصفة مبدئية بـ15 مليون ريال، وتهدف هذه الشركة إلى تنمية الخدمات السياحية والترفيهية بالأحساء وتطويرها. وأسهمت في إعادة بناء سوق القيصرية، من خلال إعداد الدراسات الفنية والتصاميم النهائية، لإعادة بناء السوق بعد الحريق الذي تعرض له في ذلك الوقت.
بعد مضي 16 عاماً على انشائها نعت داعمها الاول امير منطقة الأحساء محمد بن فهد بن جلوي، بعد أن قدم خدماته الجليلة لوطنه وأمته رحمه الله، الذي كانت له لمساته وأدواته في النهوض بدور الغرفة وأنشطتها.
كما تعاونت مع جامعة الملك فيصل لتنظيم معرض الجامعة الثاني للكتاب، بمركز الأحساء للمعارض، بحضور عدد من رجال الأعمال والفكر والأدب بالأحساء.
لم يتوقف دور الغرفة الاحسائية على الخدمات التجارية والسياحية الاخرى، بل تجاوز ذلك لتوحد دور الشركات وتقودها في دعم خدمة المجتمع والمسؤوليه المجتمعية، حيث بدأت بتشكيل لجنة خدمة المجتمع توقع عقد إنشاء مصانع مصغرة في سجن الأحساء، ضمن المشاريع التي تبنّتها اللجنة، وتسهم في دعم المؤتمر العالمي لفقر الدم المنجلي بالأحساء، الذي كان يشكل الأحسائيون النسبة الاعلى بالاصابة بهذا المرض.
وانطلاقاً من اهتمام الغرفة بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، تم استحداث قسم يقوم بخدمة هذا القطاع، الذي يمثل 95 في المئة من إجمالي المنشآت العاملة بالأحساء. كما عقدت اجتماعاً طارئاً لحل أزمة الاسمنت التي شهدتها أسواق المنطقة.
كان للغرفة دور بارز في اخراج المرأة الاحسائية العاملة في القطاع التجاري الى النور، لتقف على نشاطاتها وحل مشكلاتها تدريجياً، وسط مجتمع محافظ جداً شرقي السعودية، حيث تمكنت المرأة من تسجيل عضويتها بالغرفة.
بعد مرور 26 عاماً تمت الموافقة على تأسيس لجنة "سيدات الأعمال" بالغرفة، وهي لجنة تعمل من أجل تدعيم الدور الاجتماعي والاقتصادي لسيدات الأعمال بالمنطقة. وتشارك إلى جانب الرجل بصوتها في انتخابات الغرفة التجارية.