محمد فهد الحارثي يكتب : "هدية "كورونا"
الركض والحيوية والطموح، عناصرُ جميلةٌ في الحياة، تمنحنا الطاقةَ والتفاؤلَ وترقّبَ المستقبل. لكن حينما تتحول هذه القضايا شاغلَنا الأوحد، ونهماً ورغبةً جامحةً، وتصبح غايةً في حد ذاتها، وليست وسيلةً؛ هنا نحتاج إلى أن نتوقف هنيهةً، ونراجع أنفسنا. ونعيد نظرتنا إلى الأمور بواقعية وعقلانية.
ربما إيقاع الحياة لا يمنحنا هذه الفرصة، حتى لو حاولنا، وتصبح طموحاتنا الهروب أياماً معدودة للاسترخاء والهدوء، ونعاود الركض، وكأننا في سباق ماراثون. نظنّ أن شيئاً ما يدَهمنا، ولا بدّ أن نستعجل. لو رُسمت لها لوحة تخيلية، لوجدتها لوحةً سريالية لشخص يصبو نحو السراب، لم يصل، ولن يصل.
وتبدو الأقدار تأتي بأحداثها، ونجزع منها في وقتها، وربما فيها خير لا ندركه. فوباء "كورونا" بكل سلبياته وقلقه، فإنه من جانب آخر أحضر معه شيئاً لا ندركه اللحظة، ولكن نحتاج إلى أن نستوعبه ونحتضنه مع الوقت.
فالحجر الذي فُرض، أجبرنا أن نجلس في بيوتنا، ونبتعد عن أعمالنا على الأقل جسدياً، وتوقف حركة السفر والاجتماعات والارتباطات الاجتماعية، أعطانا فرصة لزمن ربّما كنا نحتاج إليه، ولم نتمكن في السابق من إيجاده. والآن في هذا الزمن المتاح، ثمة فرصة لمراجعة مهمة مع الذات؛ هي لحظة توقف لاستيعاب ما نحن عليه، ولطرح الأسئلة المهمة والإجابة عنها بصدق وأمانة. هي فرصة لمراجعة ذاتية وترتيب الأولويات ورؤية الأشياء كما هي.
لا بدّ أن نعترف أن الركض منحنا أشياء وحققنا غايات، لكنه حجب عنا الرؤية وأضعف بصيرتنا أيضاً. وهذا الوقت هو مساحة مهمة نستعيد فيها ذواتنا ونحدد مساراتنا ونراجع أنفسنا. سنكتشف أننا نسينا أموراً مهمة، وسقطت منا أشياء في مشوار الطريق. والآن حان الوقت لنستعيدها، ونرمّم ما ضيّعناه في زحمة المشاوير ولهاث الركض.
سندرك أننا ربما قصّرنا تجاه أنفسنا. وقد نكتشف أننا ظلمنا أشخاصاً منحونا الكثير وانشغلنا عنهم، لندرك كم نحن مقصّرون تجاههم. هي فرصة لنرى الأشياء بحجمها الطبيعي وألوانها الحقيقية. المراجعات جزء من تجربة النجاح لأي إنسان. وإذا كانت "كورونا" سحابة سوداء، فلربما تساعدنا على اكتشاف النور في الظلال القريبة.
السطر الأخير:
التوازن فعل إراديّ مهمّ يفترض تحقيقه في الحياة ...
وتجاهلنا لذلك، ربما يقود إلى حدث قدريّ يفرضه واقعاً