كريس غاردنر.. من النوم في الشارع إلى جني الملايين والشهرة
"سرّ النجاح في إيجاد عمل تحبه كثيراً.. ولا يمكنك انتظار الشروق لتفعله من جديد"
من بين الكثير من قصص النجاح التي جعلت أبطالها من أصحاب الثروات، تعدّ قصة حياة ونجاح كريس غاردنر من أشهر هذه القصص، منذ بدايته المتواضعة، عندما كان يفتقر إلى كل شيء يحتاج إليه للبقاء على قيد الحياة، حتى مرحلة شبابه التي عانى فيها العنف والإساءة، وصولاً إلى صعوبة تأمين حياة ابنه اليومية، تضيء سيرته الذاتية على صراعاته المبكرة، وفشله في الحياة الذي سبب له ألماً كبيراً.
في أوائل ثمانينات القرن الماضي، عندما كان كريس غاردنرالبالغ من العمر 27 عاماً، وابنه الصغير نائمين على أرضية حمام عام، ومن دون مأوى في سان فرانسيسكو، لم يكن ليحلم قط، بأن قصة حياته ستتحول إلى فيلم هوليوود.
انضمّ إلى القوات البحرية، ثم أصبح مساعداً في مختبر أبحاث، وكانت حياته المهنية في المجال الطبي واعدة، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق حلمه في دراسة الطب، بسبب وظيفته المنخفضة الأجر، ووجود أسرة لإعالتها.
ولد كريس في 9 فبراير 1954، في ميلووكي ويسكونسن، كانت طفولته ونشأته قاسية، بسبب غياب والده ومعاناته مع زوج والدته. ومع ذلك، كانت والدته مصدر إلهامه، ووراء نجاحه وحافزه الدائم ليكون مستقلاً وواثقاً بتحقيق أهدافه، مهما تكن الظروف. كما تأثر غاردنر خلال الستينات بشخصيات سياسية مشهورة، مثل إلدريدج كليفر، ومارتن لوثر كينغ ومالكولم إكس.
انضمّ إلى القوات الأمريكية البحرية، بعد المدرسة الثانوية، وخدم في نورث كارولينا أربع سنوات، وهناك التقى جراح القلب الشهير الطبيب روبرت إيليس، الذي اقترح عليه الانضمام إلى فريق البحث في "المركز الطبي لجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، ومشفى المحاربين القدامى".
ترك كريس القوات البحرية عام 1974، وتولى منصب مساعد في مركز الأبحاث في المستشفى، وأثبت خلال عامين، أنه مستعد لشغل منصب أكبر وأصبح المسؤول عن المختبر عام 1976، إلى جانب كتابته لمقالات طبية بمشاركة صديقه الطبيب، إلا أن الراتب الذي تقاضاه كان منخفضاً، لاسيما مع وجود أسرة لإعالتها، بعد أن ولد ابنه كريستوفرجونيور، لذلك بدأ العمل بائعاً للمعدات الطبية.
كافح غاردنر كثيراً، ولكنه كان دائماً يسعى لتأمين حياة أفضل، إلا أنه اضطر إلى ترك عمله، وبقي يبيع المعدات الطبية التي استثمر فيها، على الرغم من خسارته مكان إقامته وطلاقه، وبقاء ابنه معه. أصبح يتنقل من ملجأ إلى آخر، ليجد مكاناً يؤويه، حتى اضطر في إحدى المرات إلى النوم، مع ابنه، في حمام عام بمحطة المترو.
التقى في إحدى المرات رجلاً يرتدي ملابس أنيقة، ويقود سيارة فيراري، وسأله عن مهنته التي تجعله يقتني سيارة كهذه، فأجابه الرجل بوب بريدجز، أنه سمسار في البورصة، الأمر الذي دفع كريس للبحث عن وظيفة في هذا المجال. جرب حظه في عدد من شركات تدريب سماسرة الأوراق المالية "دين ويتر رينولدز"، و"باين ويبر"، و"سميث بارني"، و"ميريل لينش"، و"إي إف هوتون" التي قبلت تدريبه، فتوقف عن العمل بائعاً، ولكنه خسر هذه الفرصة بعد أن استقال مديره من الشركة، وعاد كريس إلى نقطة الصفر.
وبعد مدة وجيزة، سجّل في برنامج تدريب في شركة وساطة للأوراق المالية "دين ويتر رينولدز" وعاد إلى بيع المعدات الطبية، كان متفانياً خلال تدريبه في البورصة، وأجرى نحو 200 مكالمة يومياً، إلى أن تفوق في سلسلة الاختبارات وعُيّن موظفاً دائماً في الشركة، عام 1982.
بعد ذلك، وظفت شركة "Bear Stearns & Company" التي مقرها في سان فرانسيسكو، كريس وسيطاً حتى عام 1987، عندما قرر سمسار الأوراق الناجح، تأسيس مشروعه الخاص الذي حمل اسم "Gardner Rich & Co" في شيكاغو إلينوي، وكان يعمل من شقته الصغيرة، باستثمار صغير لا تتجاوز قيمته 10 آلاف دولار.
حقق كريس نجاحاً كبيراً في عمله، حتى عام 2006، عندما باع حصته في الشركة مقابل ملايين الدولارات التي استثمرها في تأسيس شركة كبيرة "Christopher Gardner International Holdings" التي تمتلك فروعاً في سان فرانسيسكو ونيويورك وشيكاغو. ولاحقاً، قام بعدد من المشاريع التجارية، مع مستثمرين من جنوب إفريقيا، وقد تجاوزت ثروته 60 مليون دولار، وجاء معظمها من بيعه لشركته "Gardner Rich"..
أخذ رجل الأعمال الشهير على عاتقه توفير المنازل ومستوى معيشة لائق للمحرومين، فهو يساعد مالياً منظمات مثل "Glide Memorial United Methodist Church" التي توفر السكن للمشردين، كما أنه عضو في مجلس إدارة مبادرة الأبوة الوطنية "National Fatherhood Initiative" للمنظمات غير الحكومية، و"National Education Foundation"..
كُرّم غاردنر بكثير من الجوائز، منذ عام 2002 ومنها جائزة "أفضل أب في العام" وجائزة الإنسانية السنوية، وجائزة أصدقاء إفريقيا. وتحولت قصة حياته إلى فيلم، من بطولة الممثل الشهير ويل سميث، بعنوان "السعى وراء السعادة" (The Pursuit of Happiness ) لذي يستند إلى كتاب ابنه كريستوفر الذي يحمل الاسم نفسه. وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً ولمس حياة الكثير من الشباب وترشح لكثير من الجوائز.
وبعد مرور ست سنوات على إطلاق الفيلم، تغيرت حياة كريس غاردنر مرة أخرى في عام 2012، بعد وفاة زوجته بعمر 55 عاماً بسبب مرض السرطان، ما دفعه لإعادة تقييم حياته وطريقة عيشه، وقرر تغيير مهنته بشكل كامل، بعد ثلاثة عقود من النجاح في البورصة والاستثمار؛ أصبح غاردنر متحدثاً تحفيزياً ومؤلفاً، ويسافر في العالم أكثر من 200 يوم في السنة، للتحدث أمام الناس وتزويدهم بخبرته الشخصية.