عصر أقنعة الوجه.. كيف أصبحت رمزًا لعالمنا بعد اجتياح وباء كورونا؟
إذا كان هناك رمز للارتباك، الخوف، التضليل، القلق الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المتحور، فهو قناع الوجه الواقي. عندما ينظر التاريخ إلى جائحة عام 2020، فربما سيكون أبرز ما فيها تلك المستطيلات البيضاء أو الزرقاء التي تخفي الفم والأنف.
بدأت أقنعة الوجه في الظهور بعد انتشار العدوى والتعرف على وجود فيروس قاتل ينتقل بين البشر، وظهرت لأول مرة في آسيا، ولكنها الآن موجودة حولنا في كل مكان، علاوة على ذلك أعربت الكثير من المستشفيات وبعض الحكومات عن أسفها لنقص أقنعة الوجه الواقية، وعجزها عن امتلاك ما يكفي منها.
أصبحت أقنعة الوجه من أهم الرموز الدالة على انتشار فيروس كورونا، أكثر من المطهر أو المناديل المُبللة وغيرها من الأمور المتعلقة بالنظافة الشخصية.
في حقيقة الأمر فإن أقنعة الوجه بأشكالها المختلفة كان لها دور كبير في عالم الموضة والأزياء، وكذلك تحمل العديد من الدلالات الرمزية، إذ جرى استخدامها كأدوات سلامة وحماية من الأمراض والتلوث، وإعراب عن تضامن، واستخدمت في الوقفات الاحتجاجية، وها هي الآن تُستخدم خلال أكبر جائحة تواجه الكوكب. حسنًا إذاً، كيف اكتسبت قطعة القماش الصغيرة كل تلك الأهمية والرمزية؟
أولاً: الصحة
حسب كتاب (History of Surgical Face Masks: The myths, the masks, and the men and women behind them) لجون إل. سبونر، فإن أقنعة الوجه ظهرت لأول مرة في نهاية القرن التاسع عشر، كأدوات وقاية يرتديها الأطباء خلال العمليات الجراحية لمنع البكتيريا من دخول الجرح المفتوح.
ثم اعتمدتها السلطات الصينية في عام 1910 لمنع انتشار مرض الطاعون، وأصبحت رمزًا للحداثة الطبية والتطور، وبعد ثمانية أعوام أصبحت ظاهرة عالمية، حيث جرى ارتداؤها على نطاق واسع للحماية من الإنفلونزا الإسبانية.
كان يمكنك في ذلك الوقت رؤية الأقنعة ذات الرسومات وحرص على ارتدائها أكثر الأشخاص أناقة، وهو ما يرجع إلى تقبلها والتعامل معها كجزء من الحياة. وبرغم تراجع استخدام أقنعة الوجه عقب الحرب العالمية الأولى، فإنها ظلت تحظى بشعبية كبيرة في الصين، لاسيما وأنها كانت ترمز إلى الرعاية الاجتماعية والوعي المدني، حتى في حملات الصحة العامة الشيوعية.
حتى انتشر وباء السارس في مطلع عام 2002، وقتها انتشرت أقنعة الوجه مرة أخرى في الصين، هونج كونج، وفي أغلب المناطق بشرق آسيا وجنوب شرق آسيا، وعادت مرة أخرى لتكون رمزًا للوعي الصحي والواجب المدني، وأصبحت ترمز إلى الأدب واحترام الآخر.
في الوقت نفسه، زاد الوعي بالتدهور البيئي وزيادة التلوث وتغير المناخ وتأثير على كل ما يوجد حولنا، لذلك لعبت أقنعة الوجه دورًا جديدًا، وباتت تُستخدم كمرشحات هواء في المراكز الحضارية، والأماكن التي تعاني من أزمة المناخ، ليس فقط في مومباي، وبكين، وطوكيو، ومكسيكو سيتي، ولكن أيضَا خلال حرائق الغابات في أستراليا.
ثانيًا: الموضة والسياسة
دائمًا ما تجد عالم الموضة والأزياء يهتم بكل شيء يوجد حولنا ويعبر عن هويتنا أو أي شيء يصبح اتجاها يميل كثيرون إليه، وهو ما حدث مع أقنعة الوجه، في عام 2014 وضعت (The Qiaodan Yin Peng) للملابس الرياضية أقنعة الوجه في عرض الأزياء خاصتها في أسبوع الموضة في الصين، وكذلك ظهرت المصممة ماشا ما في عرض أزياء في باريس وهي ترتدي قناع وجه مرصع بالألماس في عام 2015.
وكذلك ارتدى عدد من النجوم والفنانين أقنعة الوجه وتعاملوا معها باعتبارها أحد أشكال التحدي والإبداع، ومن ضمنهم مغنيا الراب أيو وتيو اللذان ارتديا أقنعة الوجه ووقتها الناس كانوا يسخرون منهما وملامح وتعابير وجهيهما، وسرعان ما أصبحت أقنعة الوجه بعد ذلك جزءا من شخصيتهما.
وعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية قدمت علامات تجارية مثل أوف وايت، بالم إنجليز، وفندي وغيرها أقنعة وجه ذات تصميمات رائعة، عمل عليها عدد من المصممين البارزين، وكذلك قدمت شركة غوتشي قناعا للمغنية الأمريكية الشابة بيلي ايليش.
قبل أقل من شهر، بدأ المشاهير والنجوم والسياسيون في كل مكان بالعالم ينشرون صورا سيلفي لهم على مواقع التواصل الاجتماعي بينما يرتدون أقنعة الوجه، سواء كانوا على متن طائرات أو في الشوارع، مثل عارضة الأزياء بيلا حديد، والممثلة الأمريكية جوينيث بالترو وغيرهم.
وفي الآونة الأخيرة، خلال احتجاجات هونج كونج الديمقراطية، ارتدى المحتجون الأقنعة وخاصة سوداء اللون كنوع من الاعتراض السياسي على ما يحدث، وكذلك من أجل إخفاء الهوية أمام عدسات الكاميرات والتليفزيون، فزادت شعبيتها ما دفع الحكومة إلى منع بيعها، لأنها أصبحت رمزا للثورة والاحتجاجات الشعبية.