الطب الدقيق والمُشخصن: ثورة علمية تحمل آمالاً لمرضى السرطان والقلب
ينعقد في شهر فبراير الجاري مؤتمر في مدينة ميونخ الألمانية عن الطب الدقيق والمشخصن (Precision and Personalized Medicine)، يجمع نخبة من الأطباء والخبراء من كل أنحاء العالم، للبحث في أساليب التشخيص الحديثة والاطلاع على أحدث الاكتشافات في عالم الأدوية والعقاقير والعلاجات، بهدف الارتقاء في تطبيق الطب الدقيق والمشخصن. فما الطب المشخصن والدقيق الذي بات على كل شفة ولسان؟
"من المهم أن تعرف ما شخصية المريض أكثر من أن تعرف ما المرض الذي يحمله"؛ لعل هذا القول لأبقراط خير دليل على أن الطب المشخصن لطالما كان حاضراً في وجدان الأطباء والعاملين في الحقل الطبي عموماً. وباتت اليوم، المؤتمرات والأبحاث التي تدعو للتركيز على الطب المشخصن والدقيق، واحات، تحفّز الأطباء على الاتجاه صوب هذا النوع من الطب الفردي.
الواقع أن الطب الدقيق والمشخصن، يُعدّ مفهوماً حديثاً في عالم الطب، إذ إنه يطال استراتيجيات الوقاية والعلاج المتبع للمرض، بالاستناد إلى العوامل المحيطة بالمريض نفسه. بمعنى آخر، يأخذ الطبيب المعالج في الحسبان ليس المرض فحسب، بل التاريخ العائلي للمريض والعوامل الوراثية والجينات والبيئة المحيطة بالمريض، كالتدخين وأسلوب عيشه، فضلاً عن الصور المخبرية والطب التكويني، إلى جانب كل ما يحدث في تقنيات المعلوماتية ومتابعة المرضى عن بُعد. فعلى سبيل المثال، قد يختلف العلاج بين مريضين، يعانيان المرض نفسه، بالاستناد إلى الفحوص الجينية وطبيعة حياة المريض.
ولا يزال الطب الدقيق والمشخصن حديث العهد نسبياً، فهو يركز على أمراض السرطان وأمراض القلب والشرايين، فيما لا يزال متأخراً في مجالات أخرى كطب العيون مثلاً. إنما شهد هذا النوع من الطب تطوراً ملحوظاً، بفضل تطوير قواعد البيانات البيولوجية الواسعة النطاق (مثل تسلسل الجينوم البشري)، وطرق قوية لتحديد خصائص المرضى (مثل البروتينات والتمثيل الغذائي والعلم الجيني...).
بالحديث عن الأورام السرطانية التي باتت شائعة في عصرنا، فإن الطب المشخصن، بيّن أن هناك أنواعاً محددة من السرطانات، تلعب فيها العوامل الجينية دوراً مهماً. لذلك، توضع استراتيجيات علاج لهذا النوع من الأمراض بالاستناد إلى التشخيص والفحوص الجينية. فالتشخيص يتم على أساس عوامل جينية ليحدّد لاحقاً العلاج على أساس النتيجة.
ورغم أن الفحوص الجينية ليست المعيار الوحيد، فإنها تلعب دوراً مهماً في التسبب بأمراض معينة، لذلك يتم الاخذ في الحسبان، عوامل متوافرة في محيط المريض ونمط حياته وتاريخ العائلة، لاعتماد العلاج المناسب له ولحالته المرضية.
كيف يتم التشخيص؟
الفحص الجيني، خطوة أولى وعنصر أساس في مرحلة التشخيص. فالنجمة أنجيلينا جولي التي خضعت قبل أعوام لجراحتَي استئصال الثدي والمبيض، استند الأطباء في ذلك إلى فحوص جينية بيّنت توافر جينات معينة لديها، ترفع احتمال إصابتها بسرطان الثدي بسبب عوامل وراثية وعائلية. لذلك الربط بين توافر جينات معينة والإصابة بأنواع من السرطان، بات أمراً يساعد في الوقاية واستباق الإصابة بأنواع معينة من السرطان. لهذا هناك حديث عن أن الطب المستقبلي سيعتمد على تعامل الأطباء مع حامل المرض، لا مع المرض، وسيعالجون أصل المرض لا أعراضه.
ما فوائد الطب المُشخصن ؟
بيّن جمع بيانات المرضى والدراسات الوراثية والجينية وتحليلها، أن هناك مجموعات من المرضى المصابين بالمرض نفسه يتفاعلون مع الدواء نفسه بطرق مختلفة. فمنهم من يستجيب للعلاج ومنهم من يعاني أعراضاً جانبية، مع استفادة محدودة ومنهم من لا يستجيبون على الإطلاق. هذا ما يساعد في تفصيل الطب المشخصن وتصويبه على نحو يتلاءم مع كل مريض ومرض.
هل تصبح الأدوية مشخصنة في المستقبل؟
في مقال علمي نُشر قبل أعوام، ذكر الاختصاصي في الأمراض النائية الدكتور فيصل القاق، أنه قبل بضعة أعوام وافقت منظمة الأغذية والدواء الأميركية (FDA) على أربعة أدوية لعلاج السرطان، ترتكز على الخصائص الجينية (الموروثات) للأورام التي تستهدفها الأدوية المذكورة. ولفت إلى أن هناك أيضاً دواء جديد للتليف الكيسي (يصيب الرئة والبنكرياس بتليف مدمر)، يعتمد على التشوّهات الجينية لهذا المرض.
إنجازات هائلة تلوح بآمال واعدة، فهل يحقق الطب الحديث نقلة نوعية باتجاه توسيع رقعة الطب المشخصن والدقيق، بما يرفع آمال الشفاء للمرضى أجمعين؟